"معضلة خطيرة".. لهذه الأسباب يمثل صعود اليمين الألماني أزمة لحكومة نتنياهو
"إسرائيل ستواجه معضلة خطيرة في تعاملها مع تحالف سارة فاجنكنشت”
واجه دولة الاحتلال الإسرائيلي خيار صعب، مع اكتساب "حزب البديل من أجل ألمانيا" (AfD)، و"تحالف سارة فاجنكنشت من أجل العقل والعدالة" (BSW) زخما في الانتخابات الإقليمية الألمانية.
وبات على دولة الاحتلال أن تتخذ قرارا، إما بالتعامل مع هذين الحزبين "المتطرفين" أو الحفاظ على موقفها السابق بمقاطعتهما تماما.
وفي 1 سبتمبر/أيلول 2024، شهدت ولايتا "تورينغن" و"ساكسونيا" انتخابات برلمانية محلية؛ حيث كان يحق لما يقارب 5 ملايين ناخب الإدلاء بأصواتهم.
وفي سابقة هي الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عام 1945) على مستوى الانتخابات الإقليمية بالبلاد، تصدر حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الانتخابات في ولاية "تورينغن".
وفي ولاية "ساكسونيا"، حل "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في المركز الأول بحصوله على 31.5 بالمئة من الأصوات، لكنه فقد 1 بالمئة من أصواته مقارنة بانتخابات 2019، بينما حل "حزب البديل" ثانيا بـ30 بالمئة، محققا زيادة في أصواته بنسبة 1.6 بالمئة.
معضلة إسرائيلية
وسلط الصحفي الإسرائيلي، إلداد بيك، عبر مقال نشره في صحيفة “جيروزاليم بوست” الضوء على الكيفية التي ستدير بها دولة الاحتلال علاقاتها مع "التطرف السياسي الصاعد في ألمانيا"، واصفا هذا الموقف بأنه "معضلة إسرائيلية".
وتُقاطع إسرائيل "حزب البديل من أجل ألمانيا" منذ تأسيسه عام 2013، حيث عدته المؤسسة السياسية في ألمانيا حزبا يمينيا متطرفا.
وأوضح الكاتب: "لقد استمرت مقاطعة (حزب البديل) طيلة السنوات الـ11 الماضية، رغم المواقف القوية المؤيدة لإسرائيل والمبادرات التي اتخذها بعض قادة الحزب خلال هذه الفترة وبعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ورغم أيضا حقيقة أن الحزب يضم في صفوفه مجموعة يهودية صغيرة (JAfD)".
وبرز سؤال، بحسب بيك، كيف ستتعامل إسرائيل مع "تحالف سارة فاجنكنشت"، الذي تأسس في يناير/كانون الثاني 2024، وتبنى منذ ذلك الحين خطا عدائيا للغاية تجاه إسرائيل في ضوء العدوان على غزة؛ حيث اتهمها بارتكاب جرائم حرب وطالب بحظر تصدير الأسلحة إليها.
وتساءل: هل ينبغي لإسرائيل أن تقاطع "تحالف سارة فاجنكنشت" أم أن تبحث عن فتح قنوات اتصال معه، كما فعلت في حالة "حزب اليسار" الراديكالي (Die Linke) الذي انشق عنه "تحالف سارة فاجنكنشت"؟
وقال: "لقد دعمت بعض فروع حزب اليسار الألماني علنا حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وشارك اثنان من نوابه في البرلمان في أسطول (مافي مرمرة) عام 2010".
وذكر الكاتب أن في مايو/أيار 2016، أثناء عملها كواحدة من رئيسَي حزب اليسار، زارت سارة فاجنكنشت إسرائيل، وعقدت سلسلة من الاجتماعات مع سياسيين ومنظمات يسارية.
ونظّمت الزيارة "مؤسسة روزا لوكسمبورغ" -القريبة من الحزب في إسرائيل- وكان أبرز ما في الزيارة لقاءها مع الرئيس آنذاك، رؤوفين ريفلين.
ملكة الثلج
ويتذكر مسؤول إسرائيلي شارك في إعداد تلك الزيارة: "كان من المستحيل على الإطلاق فهم موقف فاجنكنشت من إسرائيل، لقد كانت تشع برودة مطلقة حولها، وكأنها ملكة الثلج".
وتابع الكاتب: "لقد تجنبت فاجنكنشت الإدلاء بتصريحات صارخة معادية لإسرائيل لسنوات، ولكن بعد 7 أكتوبر، عندما أصبح من الواضح بالفعل أنها ستشكل حزبها الخاص، كسرت فاجنكنشت الجليد وبدأت في مهاجمة إسرائيل".
وحاليا، يقود "تحالف سارة فاجنكنشت" المطالبة بفرض حظر على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، ويدعو إلى أن يكون الدعم الألماني لإسرائيل مشروطا.
ويرى "تحالف سارة فاجنكنشت"، أنه يجب ربط هذا الدعم بطبيعة تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
ففي رأي فاجنكنشت وحزبها، لا ينبغي أن تكون الحكومة الألمانية ملزمة بهذا الدعم طالما أن نتنياهو وحكومته اليمينية في السلطة، وقد لاقى هذا الموقف صدى أيضا في صفوف حزب "الخضر"، وهو جزء من الحكومة الفيدرالية.
وبعد أسبوعين من 7 أكتوبر، قالت فاجنكنشت أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكنها حذرت من هجوم بري في قطاع غزة، وأضافت أن القطاع كان لسنوات "سجنا مفتوحا".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، شاركت فاجنكنشت في "مظاهرة سلام" عند بوابة براندنبورغ في برلين، حيث قالت: "نحن الألمان نتحمل مسؤولية خاصة تجاه حياة اليهود، ولدينا مسؤولية الدفاع غير المشروط عن وجود إسرائيل".
وأضافت: "مع ذلك، فإن هذه المسؤولية لا تتطلب من ألمانيا أن تتجاهل ذلك، وتدعم سلوك نتنياهو الجامح، وكأنه دفاع عن النفس".
وتابعت: "لابد وأن نشعر بالصدمة أيضا إزاء القصف الذي لا يرحم في قطاع غزة".
"ضحايا ضحايانا"
وأضاف الكاتب أنه خلال المؤتمر التأسيسي لحزبها في يناير/كانون الثاني 2024، ألقى زوج فاجنكنشت ومرشدها الإيديولوجي "لافونتين" خطابا، وكان ذلك في 27 يناير/كانون الثاني، وهو اليوم العالمي للهولوكوست.
وأردف: "رمزية هذا التاريخ دفعت لافونتين إلى خلق صلة بين المحرقة والوضع في قطاع غزة"، حيث قال: "هذا اليوم يُلزمنا بفعل كل شيء حتى لا تحدث المحرقة مرة أخرى… وبالطبع من أجل دولة إسرائيل وحق اليهود في الحياة".
واستدرك: "مع ذلك، فإن المحرقة تُلزم الألمان أيضا بالعمل من أجل حق الفلسطينيين في الحياة".
وقال: "لذلك فإن الالتزام الأخلاقي للحكومة الألمانية لا يقتصر فقط على حقيقة أننا قتلنا 6 ملايين يهودي، لأن هذا القتل أدى، فيما أدى، إلى طرد الفلسطينيين وإقامة دولة إسرائيل؛ ولهذا السبب نحن ملزمون أيضا تجاه هؤلاء الناس (الفلسطينيين)".
وأضاف: "كما أننا ملتزمون ببذل كل ما في وسعنا لضمان السلام في غزة".
وبحسب بيك، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها "لافونتين" عن "المسؤولية المزدوجة" لألمانيا تجاه ضحايا النازية اليهود و"ضحايا الضحايا"، الذين هم الفلسطينيون، فقد فعل ذلك أثناء حرب لبنان الثانية.
كذلك، يرى لافونتين أنه من المناسب التمييز في خطابه بين الحزب الجديد الذي تقوده زوجته و"حزب البديل من أجل ألمانيا".
وقال إن "حزب البديل من أجل ألمانيا يقف إلى جانب إسرائيل أكثر من أي حزب آخر في البلاد، حتى في ظل الحرب على غزة، ولم يوجه كلمة نقد واحدة إلى الجيش الإسرائيلي".
ورأى لافونتين أن "هذا موقف لا يمكن قبوله على الإطلاق"، قائلا: "في رأيي، ما يحدث في غزة جريمة حرب يجب أن ننتقدها وندينها دون قيود".
وبعد مقتل 7 من موظفي منظمة "المطبخ المركزي العالمي" على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، قالت فاجنكنشت: "يجب أن تتوقف الوفيات في غزة والهجمات الإسرائيلية على جيرانها".
وأضافت: "من النفاق التام أن ننظم المساعدات الإنسانية من جهة، ونوفر الأسلحة من جهة أخرى لمواصلة القتل، خاصة النساء والأطفال".
إشارات خاطئة
وفي أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في أبريل/نيسان 2024، قالت فاجنكنشت، في معرض إدانتها لطهران: "يجب بذل كل ما في وسعنا لمنع اندلاع حرب كبرى ووقف الموت في غزة، لأن هذا أحد أسباب التصعيد".
وأردفت: "إن أسلوب الحكومة الإسرائيلية في إدارة الحرب ليس الدفاع عن النفس، بل الانتقام وحرب الإبادة"، وهذا المصطلح الأخير يُستخدم لوصف الهولوكوست.
وأخيرا، هاجمت "فاجنكنشت" بشدة رئيس الجالية اليهودية في ألمانيا، جوزيف شوستر، الذي اتهم حزبها بنشر الكراهية لإسرائيل في ألمانيا.
وقالت: "إذا عددنا أي شخص ينتقد سلوك بنيامين نتنياهو الوحشي في الحرب على غزة كارها لإسرائيل، فإن نسبة كبيرة من الإسرائيليين يكرهون إسرائيل".
وفي ضوء كل هذه المواقف، أوضح بيك أن "إسرائيل ستواجه معضلة خطيرة في تعاملها مع "تحالف سارة فاجنكنشت".
وأكد الصحفي الإسرائيلي أنه "إذا تواصلت إسرائيل مع فاجنكنشت، بينما تقاطع حزب البديل من أجل ألمانيا الأكثر تأييدا لها، فإن ذلك سيرسل إشارات خاطئة إلى أصدقاء إسرائيل من اليمين الألماني".
كما أن "مقاطعة كلا الحزبين المتطرفين -اللذيْن قد يحصلان على أكثر من 40 بالمئة من الأصوات في ثلاث ولايات ألمانية- أمر سيؤدي إلى تقليل النفوذ السياسي لإسرائيل في دولة أوروبية محورية وصديقة".