منطقة رمادية.. هكذا ينظر ترامب وهاريس لملفات القارة الإفريقية

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أجبر إعصار ميلتون الذي ضرب ولاية فلوريدا في أكتوبر/تشرين الأول 2024، الرئيس الأميركي جو بايدن على تأجيل زيارات خارجية كان سيؤديها إلى ألمانيا وأنغولا، الدولة التي كانت ستكون أول دولة إفريقية يزورها.

وفي تقرير تطرقت فيه إلى التوقعات بشأن مستقبل العلاقات مع القارة السمراء في حال انتخاب كلا المرشحين لخلافة بايدن، أكدت صحيفة إيطالية أن كلا من دونالد ترامب وكامالا هاريس ينسيان تناول الملفات الإفريقية قبل ثلاثة أسابيع من التصويت.

وقالت صحيفة "نيغريسيا" إن "تأجيل الزيارة، وإن كان بشكل غير مباشر، يحصر القارة بشكل أكبر في منطقة رمادية في الحملة الانتخابية الأكثر تركيزا، وفقا للتقاليد، على المسائل الداخلية من الاقتصاد والهجرة مرورا بالأمن القومي إلى الأسلحة". 

وكذلك على الاختيارات التي يجب أن يتخذها الفائز بينهما في السياسة الخارجية وهو "المجال الذي تحظى فيه الجبهتان الشرق أوسطية والروسية الأوكرانية بالأولوية".

وبشكل عام، تلاحظ الصحيفة أن هذا النهج في التعامل مع إفريقيا “يتبع رؤية عفا عليها الزمن تماماً اليوم”.

بموجب هذه الرؤية، تعد القارة واحدة من المناطق الواقعة في أقصى أطراف كوكب الأرض ولا وزن لها ولا ينبغي أن تحظى باهتمام كبير بالنسبة لدولة مثل الولايات المتحدة.

إلا أنها نوهت إلى أن هذه القارة “تشكل مركز تحديات العصر والتحديات القادمة، من الطفرة الديمغرافية وما يترتب على ذلك من ضغوط هجرة جديدة، إلى آثار أزمة المناخ”.

 نهج الأسلاف

وتنتقد الصحيفة غياب الاهتمام بالقارة من قبل كل من الجمهوري ترامب ومنافسته الديمقراطية هاريس.

وتتوقع أن تشهد العلاقات الأميركية الإفريقية في حال فاز ترامب في انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني، "إعادة صياغة" لما فعله خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021. 

وهي ولاية شهدت بإيجاز شديد تواصل الانسحاب الدبلوماسي والعسكري التدريجي للولايات المتحدة من إفريقيا، وهو خلاف ما فعله أسلافه الذين تركوا بصمات بإبرام اتفاقيات وبرامج مع القارة.

في عام 2000، أطلقت إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون "قانون فرص النمو في إفريقيا (أغوا)" الذي يهدف إلى تسهيل الصادرات الإفريقية إلى الولايات المتحدة لدعم تنمية القارة، إلا أنه يتطلب اليوم مراجعة.

كما أسهمت "الخطة الطارئة لمكافحة الإيدز (بيبفار)"، التي أطلقها جورج بوش الابن عام 2003 بتوسيع القدرة على الوصول إلى العلاج المضاد للفيروسات لملايين الأفارقة.

لكن التحديات الصحية التي تواجه إفريقيا تغيرت منذ ذلك الوقت، وتستدل الصحيفة بالوصول المتأخر للقاحات كوفيد 19 أو عدم وصولها أبدا.

ترامب نفسه اقترح من خلال برنامجه "ازدهار إفريقيا"، خطة لزيادة العلاقات التجارية والاستثمارات بين الطرفين.

وهدفت تلك الخطة على الورق إلى تحفيز نمو الاقتصادات الإفريقية وتسهيل أعمال الشركات الأميركية الخاصة مثل شركات النفط والغاز.

وألمحت الصحيفة إلى فشله خصوصا أنه ظهر بشكل أكبر، التزاما بتخفيف "الأعباء" التي ورثها عن إدارة باراك أوباما.

وذلك بدءا من التدخل العسكري في ليبيا لإسقاط رئيس النظام السابق معمر القذافي إلى المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر ما بعد فترة حسني مبارك.

وكذلك تخفيف العمليات العسكرية التي تنسقها قيادة أفريكوم (القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا) بالقارة.

ولم يظهر ترامب البراغماتية في التحرك من أجل وقف الآثار المدمرة المتزايدة لتغير المناخ والتي تسبب أيضا الدمار والضحايا في الولايات المتحدة.

وبذلك أهدر الرئيس السابق خلال ولايته الفرصة ليتمكن من تقديم مساعدة ملموسة للقارة والكوكب، تستنتج الصحيفة.

كامالا هاريس

وعلى النقيض من بايدن، بإمكان نائبته ومرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، كامالا هاريس استغلال الجولة التي أدتها إلى القارة وحلت خلالها في غانا وتنزانيا وزامبيا خلال مارس/آذار 2023 لصالحها في علاقاتها مع القارة السمراء.

وتتوقع الصحيفة أن تتطور العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا بشكل أكبر في حالة انتخابها مقارنة بخصمها ترامب.

وأقرت هاريس خلال جولتها في إفريقيا بالدور المركزي للقارة في مستقبل الكوكب.

وأشادت بشبابها والتجارب القليلة في الديمقراطية الناجحة، وكذلك بنجاح مبادرات مثل M-Pesa في كينيا (التي توفر الوصول إلى الخدمات المالية للملايين في إفريقيا) والطائرات بدون طيار المستخدمة لتوصيل الأدوية في رواندا.

 وقدمت وعودا بتمويلات جديدة لتطوير البنية التحتية الرقمية (100 مليون دولار) والطاقة النظيفة (500 مليون دولار) في غرب إفريقيا.

ومن الواضح، أن هذه الأموال لا يمكن مقارنتها بتلك التي استثمرتها الصين في بناء الطرق والموانئ ومحطات الطاقة والمدن، وفق الصحيفة.

وقالت منظمة "مجلس العلاقات الخارجية" يشير المحللان، ميشيل جافين وإبنيزر أوباداري، إلى أنه على هاريس التعامل مع المقارنة المرهقة التي تُجرى بينها وبين أوباما عند النظر إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا. 

وعندما انتخب أوباما لأول مرة في عام 2008، علقت عليه شعوب القارة الإفريقية الكثير من الآمال لأنه كان أول رئيس أميركي من أصل إفريقي. 

إلا أن هذا الجانب ظهر في كثير من الأحيان على أنه سلاح ذو حدين بالنسبة للرئيس الأميركي الأسبق.

بين المرشحين

وبحسب الصحيفة، “على هاريس أن تظل بعيدة عن هذا التصور وتدرك حقيقة أن الأميركيين مهتمون بشكل شبه حصري بالاختيارات التي سيتخذها الرئيس الجديد في السياسة الداخلية”.

في المقابل، يشير جافين وأوباداري إلى أن ترامب “يعد مؤيدا كبيرا للقضية المسيحية في الولايات المتحدة”.

وبالتالي فهو مؤيد للقضية المسيحية الإنجيلية في إفريقيا، الأمر الذي يمنحه الدعم الثابت من قبل الناخب من أصل إفريقي.

وفي هذا الصدد، يُذكّران بلقائه بنظيره النيجيري السابق محمد بوخاري عام 2018، واستفزازه له بسؤاله “لماذا لا تحمي إخوتي وأخواتي الأفارقة؟” في إشارة إلى هجمات جماعة بوكو حرام.

عموما، تشدد الصحيفة بأن الفائز بالانتخابات، سيكون مدعوا للالتزام أكثر بالقارة التي تُركت في أسفل أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مر السنين وهو ما نسج على منواله الرئيس الحالي في نهاية فترة ولايته.

وتذكر أن إدارته كانت قد أعلنت اعتزامها تصنيف كينيا كأول حليف رئيس من خارج حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لتكون بذلك أول دولة إفريقية تنتمي إلى كتلة دول جنوب الصحراء الكبرى.

 ثم دعمت إدارة بايدن بعد ذلك إنشاء مقعدين دائمين لإفريقيا في مجلس الأمن.

وتعتقد الصحيفة أن واشنطن أمام حتمية الالتزام بالقارة بشكل أكبر رغم أن ميزان النفوذ لا يزال في صالح الصين، فيما تتوقع أن تحاول روسيا الاحتفاظ بما تسيطر عليه بالفعل من خلال استخدام المرتزقة والدعاية. 

وخلصت إلى أن الابتعاد أكثر عن القارة الشابة أو الانسحاب تدريجيا سيصب في مصلحة الخصوم الرئيسين لا سيما وأن القارة تشهد نموا سكانيا مستمرا، كما أنها تقع في الخطوط الأمامية في مواجهة آثار تغير المناخ.

 وبذلك ستواصل واشنطن خسارة نفوذها في جميع أنحاء الكوكب على المدى القصير والطويل.