"لن تنجح في اقتلاع حماس".. معهد عبري يفند خطة إسرائيل للسيطرة على شمال غزة
"الخطة لا تقدم حلولا سياسية"
تحت واقع “استنفاد" إسرائيل الخطوات العسكرية الأساسية في قطاع غزة، مع عدم تمكنها من إطلاق سراح الأسرى وتحييد حركة المقاومة الإسلامية ”حماس"، قام عدد من الجنرالات، بطرح خطة عُرفت باسم "خطة الجنرالات"، للسيطرة على شمال قطاع غزة.
في ضوء ما سبق، ناقش معهد “دراسات الأمن القومي” العبري تفاصيل تلك الخطة منتقدا إياها؛ حيث يرى أنها "تتجاهل عددا من المشاكل الأساسية التي من المتوقع أن تجعل من الصعب تنفيذها، وتحقيق أهداف الحرب".
كما يعتقد أن هذه الخطة “لن تنجح في القضاء على التهديد العسكري القائم من حركة حماس”، رغم اغتيال قادة حماس، ومنهم يحيى السنوار وإسماعيل هنية.
بالإضافة إلى ذلك، عرض المعهد عددا من التداعيات القانونية والدولية المحتملة ضد إسرائيل حال تنفيذها، كما تطرق أيضا للتداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى الداخل الإسرائيلي، محذرا من خطر قد ينال الأسرى الإسرائيليين جراء تنفيذ هذه الخطوة.
في المقابل، قام المعهد بطرح وشرح فكرة بديلة، وهي فكرة "السيطرة عن بُعد، مع تقديم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عبر جهات فلسطينية لا تتبع لحماس".
فشل إستراتيجي
وعرض المعهد المرتكزات الأساسية للخطة التي قدمها عدد من الجنرالات المتقاعدين، التي تعرف باسم "خطة الجنرالات".
ويعزو السبب الرئيس الذي جعل الجنرالات يبادرون بعرض تلك الخطة إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في قطاع غزة.
وقال: "رغم استنفاد إسرائيل للعملية العسكرية الرئيسة في قطاع غزة وتحقيق تفكيك عملياتي للجناح العسكري لحماس، فإنها فشلت في تحرير الأسرى والقضاء على سيطرة حماس على مجريات الأمور في القطاع أو حتى تحييدها".
وبحسب المعهد، فإن الهدف المحوري للخطة هو "السيطرة على شمال قطاع غزة، لإخلاء السكان المدنيين منه وفرض حصار على المنطقة، كخطوة من المفترض أن تسهم في تحقيق أهداف الحرب ضد حماس (تحرير الأسرى، والقضاء على القوة العسكرية والسياسية لحماس)".
ويبدو أن الخطة لاقت قبولا لدى الحكومة؛ إذ أوضح المعهد أن الأجهزة الحكومية والسياسية في إسرائيل "تلقت الخطة بإيجابية، رغم أنها لم تتبنها بالكامل بعد".
وأفاد معهد الدراسات بأن الخطة مبنية على عدد من الافتراضات.
الافتراض الأول هو أن "الإستراتيجية التي تشمل الضغط العسكري لتحرير الأسرى فشلت، واستمرار العمليات العسكرية بشكلها الحالي لن يحقق الهدف المنشود".
أما الافتراض الثاني فهو أن "الجيش لم ينجح في تنفيذ خطوات إضافية من شأنها تعزيز تحقيق أهداف الحرب (تدمير قدرات حماس العسكرية والسياسية).
ومنها، تطويق مناطق القتال، والإخلاء الكامل للسكان من المناطق الحيوية لاستمرار القتال، وفرض حصار كامل على شمال القطاع، وإنشاء آلية لتوزيع المساعدات الإنسانية تمنع حماس من مواصلة السيطرة على توزيعها وعلى مخيمات النازحين".
ويكمن الافتراض الثالث في "وجود فجوة بين تقييم الوضع القتالي في غزة والإنجازات المحققة كما يراها المستوى السياسي والعسكري، وبين الواقع على الأرض، أي أن هناك تقليلا من شأن قدرة حماس على استعادة قدراتها العسكرية والسياسية".
وحسب الخطة، فإن حماس تمتلك عدة موارد مهمة تمكنها من الحفاظ على وجودها في غزة؛ وهي الموارد المالية والقوة البشرية والإمدادات اللوجستية.
ويزعم واضعو الخطة أن "هذه الموارد ستُدمر من خلال السيطرة على آلية توزيع المساعدات الإنسانية لسكان القطاع".
وادّعوا أن "الطريقة الوحيدة لإضعاف قدرة حماس على التعافي هي من خلال استهداف واحد أو أكثر من هذه الموارد الأربعة، وذلك عبر فرض حصار على حماس في شمال القطاع"، معتقدين أن هذه الخطوة "ستؤدي إلى خلق ضغط على حماس".
وبعد فرض الحصار، تأتي الخطوة الثانية، حيث "سيطلب الجيش الإسرائيلي من سكان شمال القطاع (منطقة شمال ممر نتساريم)، والبالغ عددهم حوالي 300 ألف شخص، إخلاء المنطقة إلى جنوب القطاع في غضون أسبوع تقريبا، من خلال ممرين إنسانيين".
وتابع المعهد نقله عن خطة الجنرالات “بعد الانتهاء من إخلاء السكان، سيتم إعلان شمال قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة وسيتم فرض حصار كامل عليها، يشمل منع دخول الإمدادات، بما في ذلك الطعام والماء والوقود. ولن يُسمح برفع الحصار إلا إذا استسلم حوالي 5000 مقاتل”، مشيرا إلى إمكانية "استخدام ضغط الحصار لتعزيز صفقة تبادل الأسرى".
ويعتقد واضعو الخطة أن "تنفيذ هذه الإجراءات سيزيد من فرص استسلام حماس".
عناصر الخطة
من جهته، يرى معهد دراسات الأمن القومي أن تلك الخطة لن "تحقق أهداف الحرب"، معللا ذلك بأنها "تتجاهل عددا من المشكلات والقيود الجوهرية التي ستعيق تنفيذه وتحقيق أهدافه".
ومضى يعرض الآثار المترتبة على الخطة في تحقيق ما يسمى “أهداف الحرب”، مفندا تلك الآثار، وموضحا عدم صحة حسابات الجنرالات.
ويراهن الجنرالات على أن تلك الخطة “ستسهم في استعادة المختطفين”، زاعمين أن "منع الإمدادات عن حماس (الطعام والماء والوقود) هو ما أدى إلى صفقة استعادة المختطفين نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2023".
ورد المعهد على هذا الادعاء قائلا: "هذا ادعاء غير مثبت؛ حيث كانت مسألة منع الإمدادات واحدة من الأمور التي أخذتها حماس في الحسبان، ولكنها لم تكن المسألة الرئيسة".
بالمقابل، زعم المعهد أن “الأمر الرئيس الذي دفع بالحركة للموافقة على إطلاق سراح المختطفين في تلك الفترة، هو الانتقادات الحادة التي تعرضت لها من قبل الرأي العام العربي والدول العربية”.
ونفى المعهد وجود دلائل تدعم الافتراض بأن الحصار والجوع في القطاع سيعززان من فرص إطلاق سراح المختطفين.
بل على النقيض من ذلك، حذر من أن “الخطة المقترحة تتضمن خطرا حقيقيا على الأسرى الإسرائيليين؛ إذ سيكونون أول من يُسحب منهم الطعام والماء إذا ما تناقصت الموارد في المنطقة”.
وشدد المعهد على أن الخطة "لا توفر حلا للواقع الحالي؛ حيث ستنجح حماس في إعادة بناء نفسها من خلال تجنيد مقاتلين جدد في صفوفها، والحفاظ على أسلحتها وإخفائها".
واستعرض عقبة رئيسة في تنفيذ الخطة، تتعلق بالمدنيين في شمال القطاع؛ حيث يحذر من عواقب قانونية دولية قد تنال إسرائيل، لا سيما في ظل احتمالية رفض العديد من أهالي الشمال الاستجابة لدعوات إسرائيل للنزوح جنوبا.
وقال إن "فرض الحصار على القوات المعادية هو إجراء شرعي ومسموح به وفقا للقانون الدولي، بشرط أن تُتاح للمدنيين فرصة معقولة للخروج من المنطقة عبر ممرات آمنة قبل فرض الحصار".
واستدرك: “مع ذلك، فإن (خطة الجنرالات) لا تأخذ في الحسبان الاحتمالية القائمة بأن بعض السكان سيبقون في شمال القطاع وسيكونون تحت حصار، وتتجاهل التداعيات التي ستترتب على ذلك بالنسبة لإسرائيل”.
ويفصل المعهد في شرح معضلة سكان شمال القطاع قائلا: "من المحتمل أن يرفض بعض السكان الإخلاء مرة أخرى إلى ملاجئ في جنوب القطاع، لأن البدائل المتاحة هناك لا توفر ظروفا معيشية أفضل".
وتابع: "ففي الشمال، توجد مبانٍ أكثر للاختباء مقارنة بالملاجئ في الجنوب، خصوصا مع اقتراب فصل الشتاء".
ومن الناحية القانونية، لفت المعهد الانتباه إلى أن "استخدام الحصار سيكون سببا لانتقادات دولية واسعة النطاق، بسبب إمكانية الضرر الذي قد يلحق بالسكان المدنيين".
وبناء عليه توقع "تفاقم الحملة القانونية القائمة ضد إسرائيل في الساحة الدولية، وتعزز الاتهامات الموجهة إليها بشأن منع المساعدات الإنسانية واستخدام التجويع كأسلوب للقتال".
مأزق قانوني
وحذر المعهد من "احتمالية أن يُحرك الحصار المفروض على شمال القطاع جولة أخرى من الأوامر ضد إسرائيل في إطار قضية الإبادة الجماعية الجارية ضدها في محكمة العدل الدولية".
وأضاف: "سيسهم أيضا في تعزيز الطلبات لإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت المعلقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وسيزيد من خطر استجابة المحكمة الجنائية الدولية للطلب وإصدار الأوامر".
كذلك حذر المعهد من أن الخطة وتداعياتها ستسهم في زيادة تداعي الشرعية الدولية لإسرائيل.
واستطرد: "لكن إذا فرضت إسرائيل حصارا على شمال القطاع، ستتعرض لانتقادات حادة ومتزايدة، مما سيعزز الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب جرائم حرب، وسيمتد ذلك حتى إلى أصدقائها القلائل، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، حيث سيجدون صعوبة في الاستمرار في دعمها".
وفي هذا السياق، يؤكد المعهد أن "النشاط العسكري يعتمد بشكل كبير على الشرعية الدولية، وهي ضرورية لإسرائيل لاستمرار الحرب وتحقيق أهدافها في قطاع غزة ولبنان".
وحذر المعهد من أنه "نظرا لاستمرار الحرب لأكثر من عام، والوضع الإنساني المزري للسكان في غزة، فضلا عن القتل والدمار الواسع النطاق في القطاع، لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بأن تُظهر وكأنها تفرض قيودا على المساعدات للسكان، وبالتالي تضر بنفسها بما تبقى لها من شرعية".
من جهة أخرى، يرى المعهد أن الخطة "لا تقدم حلولا سياسية من شأنها أن تساعد على استقرار قطاع غزة، وإعادة تشكيله على المدى الطويل".
وذلك لأن الخطة، "لا تهيئ الظروف لنمو قيادة بديلة لحماس في القطاع، بل إنها في الواقع تتماشى مع سياسة الحكومة التي ترفض أي اقتراح لدمج السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع".
كما أن "(خطة الجنرالات) قد تقود إسرائيل إلى طريق احتلال قطاع غزة وإقامة حكومة عسكرية هناك، وبالتالي تقع على عاتقها مسؤولية أكثر من مليوني مواطن من سكانه".
وتابع: "الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التحديات الأمنية والسياسية التي يواجهها الجيش، ويضع عبئا ثقيلا على المجتمع الإسرائيلي من جوانب أخلاقية واقتصادية".
في ضوء هذه الانتقادات المتعددة، قدم المعهد ما يرى أنه "الطريقة الوحيدة" للخروج من المأزق، وهي "الإدارة الإسرائيلية للمساعدات الإنسانية، لكن ليس بشكل مباشر، بل بشكل غير مباشر".
وشرح المعهد فكرته: “سيتولى الجيش مراقبة حركة القوافل الإنسانية من الجو”.
وتابع: "ولتحقيق ذلك، هناك حاجة أيضا إلى تنسيق وثيق أكثر مع الآليات الدولية المعنية بتوفير المساعدة (بما في ذلك الأونروا)".
كما "يجب على إسرائيل تحديد مناطق إنسانية؛ حيث سيتم توزيع المساعدات على السكان، بمعنى أن السكان سيتوجهون إلى تلك المناطق للحصول على المساعدة اللازمة".
وحدد المعهد هذه المناطق قائلا: "يُفضل أن تكون هذه المناطق قريبة من مؤسسات صحية نشطة (بما في ذلك المستشفيات الميدانية؛ الأردنية والإماراتية)".