التهجير قسرا.. كيف توظفه إسرائيل للضغط الشعبي على "حزب الله"؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

في خطة بدت مكشوفة، يستخدم الكيان الإسرائيلي التهجير قسرا في لبنان، لزيادة الضغط الشعبي على "حزب الله".

وسلطت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية الضوء على ذلك، من خلال مقال للأستاذة المساعدة في كلية نورمان باترسون للشؤون الدولية بجامعة كارلتون الكندية، لاما مراد، وأستاذة العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، سارة إي باركنسون.

هجوم دراماتيكي

وقالت الأكاديميتان إن "الجيش الإسرائيلي أسقط في 27 سبتمبر/أيلول 2024، عشرات الآلاف من أرطال الذخائر الخارقة للتحصينات على حي سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت".

وأضافتا "كان قادة حزب الله مجتمعين في ذلك الوقت؛ وأسفر الانفجار عن اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله".

وحينها أشار الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، إلى اغتيال نصر الله بصفته "إجراء للعدالة" لضحايا "نصر الله"، بما في ذلك آلاف الأميركيين والإسرائيليين واللبنانيين، لكن لم يشر أي منهما إلى التكلفة المدنية للعملية.

فقد دُمرت ستة مبان سكنية بالكامل؛ وتضررت مبان أخرى إلى الحد الذي جعلها غير صالحة للسكن، وفق المقال.

ورغم أن عدد القتلى الرسمي يبلغ 33 شخصا، فضلا عن 195 جريحا، فقد أشار المسؤولون اللبنانيون إلى أن العديد من الضحايا ربما دُفنوا أو احترقوا بالكامل بسبب الانفجارات.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن مسؤول في البنتاغون قوله إنه "لم ير قط مثل هذا العدد من القنابل المستخدمة ضد هدف واحد".

وأعقب هذا "الهجوم الدراماتيكي" -وفق وصف المقال- تصعيد مستمر، نجم عنه قتل أكثر من 1400 شخص في غضون أسبوعين، معظمهم من المدنيين.

هذا العدد يتجاوز بالفعل عدد ضحايا حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والتي استمرت 34 يوما.

وبهذا، يرتفع العدد الإجمالي لضحايا القصف الإسرائيلي في لبنان، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى أكثر من 2000 شخص.

ربع السكان

وأشار المقال إلى أنه "بجانب الخسائر الفادحة في الأرواح، أدى الهجوم الإسرائيلي الأخير على لبنان إلى نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص، أي ما يقرب من ربع سكان البلاد".

واستطرد: "وتغطي أوامر الإخلاء الإسرائيلية الآن ربع الأراضي اللبنانية، وهي أكبر أزمة نزوح في لبنان حتى هذا التاريخ".

وأكد أن "الساسة الإسرائيليين يستخدمون بالفعل التهديد بالنزوح الممتد، وربما الدائم، كتكتيك ضغط ضد المدنيين اللبنانيين".

فقد خاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخيرا الشعب اللبناني عبر الفيديو، معلنا: "إنكم تملكون الفرصة لإنقاذ لبنان قبل أن يسقط في هاوية حرب طويلة من شأنها أن تؤدي إلى الدمار والمعاناة كما نرى في غزة".

بينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، نفتالي بينيت، للمدنيين اللبنانيين: "الآن حان وقتكم لطرد حزب الله، لا تدعوهم يعودون!".

ولاحظَت كل من "مراد" و"باركنسون" أن "كلا التصريحين يربط مصير المجتمع اللبناني بمدى قدرته واستعداده لنبذ حزب الله".

علاوة على ذلك، عد الكثير من الساسة والمحللين الإسرائيليين الفرار الجماعي من جنوب لبنان فرصة، وطالبوا بإنشاء "منطقة عازلة" أو "منطقة أمنية" على الحدود.

وهذا يعني، على حد تعبير المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يشوع، "تطهير جنوب لبنان" من سكانه.

ويبلغ عدد النازحين في البلاد حاليا 1.2 مليون شخص، بما في ذلك مواطنون لبنانيون بالإضافة إلى سوريين وفلسطينيين وعمال مهاجرين من دول مثل إثيوبيا وبنغلاديش والسودان.

وقالت الكاتبتان: "لقد نزح العديد من الفارين من غزو إسرائيل عدة مرات في أقل من عام، فقد بدأ القصف الإسرائيلي لمنطقة حدودها مع لبنان ومناطق وادي البقاع الشرقي في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023".

وأضافتا: "أجبرت تلك الضربات الإسرائيلية أكثر من 110 آلاف من السكان على مغادرة منازلهم، بينما بقيت الغالبية العظمى من الذين فروا في البداية داخل مناطقهم، واختاروا اللجوء إلى أماكن أكثر أمانا نسبيا، ولكن معروفة بالنسبة لهم".

استهداف الجميع

غير أنه في 23 سبتمبر/أيلول 2024 تغيرت الأمور، فقد بدا القصف الإسرائيلي غير المسبوق على جنوب لبنان ووادي البقاع، وكأنه "يستهدف الجميع"، بحسب وصف الأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت، منى فواز.

ففي ذلك اليوم وحده، قتل أكثر من 550 شخصا وجُرح الآلاف، وشهدت مناطق بأكملها في جنوب لبنان ووادي البقاع والضاحية فرار سكانها في غضون ساعات نحو بيروت والجبال المحيطة بالعاصمة، والإبعاد إلى الشمال.

ومع استهداف الضربات الصاروخية لأحياء لم تمسها إسرائيل من قبل، ومع تقدم الغزو البري الإسرائيلي، بدأ العديد من أولئك الذين هُجّروا بالفعل في الانتقال مرة أخرى، وفق المقال.

وأضاف: "ينام عشرات الآلاف من الناس، بما في ذلك الفلسطينيون من مخيمات اللاجئين التي يبلغ عمرها 76 عاما في لبنان، على شواطئ بيروت وفي شوارعها".

وقد فر أكثر من 400 ألف شخص إلى سوريا منذ 23 سبتمبر/أيلول، ثلاثة أرباعهم من السوريين الذين نزحوا بسبب الحرب في بلادهم.

وأدت غارة جوية إسرائيلية في 4 أكتوبر 2024 قرب معبر "المصنع الحدودي" إلى إغلاق هذا الشريان الرئيس الذي يربط بين سوريا ولبنان، مما أثار مخاوف أكبر بشأن قدرة المدنيين على الفرار من العنف.

ورغم أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) تدير حاليا 11 ملجأ طوارئ تؤوي 4570 لاجئا فلسطينيا نازحا، فقد اضطرت أيضا إلى إغلاق معظم عملياتها في مدينة صور الجنوبية بسبب التهديد بالقصف.

وبينما كانت تباطأت استجابة المنظمات الدولية الأخرى للحرب المتصاعدة، فإن الاستجابات المحلية كانت هي الغالبة، وفق المقال. 

وأفاد بأنه "تم إنشاء نحو ألف مأوى جماعي على مدى الأسابيع القليلة الماضية، حيث امتلأت 80 بالمئة منها بالفعل بكامل طاقتها".

مثيرة للقلق

وأغلقت المدارس العامة في مختلف أنحاء البلاد، حيث حُوّل ما يقرب من نصفها إلى ملاجئ لنحو 200 ألف شخص، إلى جانب عدد من المبادرات الخاصة التي توفر المأوى والإغاثة لآلاف آخرين.

وتستضيف العديد من الأسر العشرات من الأقارب، وحتى الغرباء تماما، في شقق ضيقة.

وأوضح المقال أنه "في المجمل، كانت الاستجابات الشعبية اللبنانية للحرب ملحوظة، ومن حسن الحظ أن الأزمات المتكررة في لبنان وضعف الدولة، قد دفع المجموعات ذاتية التنظيم والبلديات إلى المسارعة في تعبئة مواردها المحدودة لدعم المحتاجين".

ولفت إلى أن "هناك أيضا بعض التقارير المثيرة للقلق، التي تتحدث، على سبيل المثال، عن حرمان السوريين والفلسطينيين من دخول الملاجئ أو إخلائهم تحت ستار إفساح المجال للبنانيين".

وذكرت الأكاديميتان أن "استخدام إسرائيل للتهجير قسرا كسلاح سياسي أمر مألوف جدا بالنسبة لسكان لبنان".

ويستند جزء من إستراتيجية إسرائيل -وفق المقال- إلى نظرية مفادها أن الأشخاص النازحين المنهكين وغير الآمنين ماليا سيضغطون بطريقة أو بأخرى على "حزب الله" لحمله على مغادرة لبنان.

واستدرك: "لكن هذا التكتيك لم ينجح ضد (حركة المقاومة الإسلامية) حماس في غزة، ولم ينجح أيضا في المرة الأولى التي حاول فيها الإسرائيليون ذلك في لبنان، أثناء احتلالهم في الفترة من 1982 إلى 2000".

وأكد المقال أن "الهجمات الإسرائيلية ورغم أنها قد تعطل القدرة العسكرية والسياسية لحزب الله، فإنها في نهاية المطاف لن تؤدي إلا إلى تأجيج المزيد من الاستياء، والمقاومة للعدوان الإسرائيلي في أشكال أخرى".