لا تدين حماس وتثير قلق إسرائيل.. هكذا ترفض ماليزيا الخضوع للضغوط الغربية
تعد ماليزيا ضمن دول قليلة رفضت إدانة حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد إطلاقها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عملية "طوفان الأقصى" ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي بمستوطنات غلاف غزة.
ورفضت ماليزيا الضغوط الغربية المتواصلة عليها لإدانة حماس بل صعدت لهجتها ضد العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، والذي تسبب في استشهاد أكثر من 7000 فلسطيني وإصابة أكثر من 20 ألفا آخرين.
وعادت ماليزيا إلى الواجهة الدولية مجددا بعد رفضها الانخراط فيما يشبه تحالفا دوليا اتهم حماس بـ"الإرهاب" وأدان عمليتها وحشد كل الأموال والسلاح بهدف "القضاء عليها" بعد عمليتها التي أدت إلى مقتل نحو 1400 إسرائيلي.
ضد الضغط الغربي
بينما أدانت معظم الدول الغربية وبعض الدول العربية حركة حماس لدورها في قتل مستوطنين إسرائيليين، رفضت ماليزيا القيام بذلك.
وقد سلط هذا الضوء على علاقة ماليزيا بالحركة التي صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من بين دول أخرى على أنها جماعة إرهابية، وفق زعمهم.
وقال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في 16 أكتوبر، إن بلاده لا تتفق مع الضغط الغربي لإدانة حركة حماس.
وأضاف في كلمة أمام البرلمان أن دولا غربية وأوروبية طلبت مرارا من ماليزيا في اجتماعات التنديد بحماس، بدون تقديم تفاصيل.
وتابع إبراهيم الذي لا تقيم بلاده علاقات دبلوماسية مع إسرائيل: "قلت إننا، من الناحية السياسية، لدينا علاقة مع حماس وأن هذه السياسة ستستمر".
وذكر أنه "بناء على ذلك، نحن لا نتفق مع موقفهم الضاغط، إذ إن حماس أيضا فازت (بالسلطة) في غزة بحُرية من خلال الانتخابات واختارها سكان غزة للقيادة (عام 2006)".
وخاض رئيس الوزراء الماليزي حراكا واسعا ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تضمن إجراءه زيارات إلى السعودية ومصر وتركيا.
ولفت إلى أنه يدرك "المخاطر" في مناصرة القضية الفلسطينية، لكنه سيواصل تسليط الضوء على محنة الفلسطينيين على المسرح الدولي، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية، في 23 أكتوبر.
وأوضح إبراهيم، الذي اختتم زيارته للسعودية قبل أيام، أنه "ليس أمامه خيار لأن القضية الفلسطينية قضية إنسانية".
ونقلت صحيفة "مالاي ميل" اليومية المحلية الناطقة باللغة الإنجليزية عنه قوله: "أعلم أن هناك العديد من المخاطر لمناصرة فلسطين، إلا أنه ليس لدي أي خيار آخر، حيث يقتل الأطفال والنساء في قطاع غزة"، دون تحديد ماهية المخاطر.
وردا على سؤال عما إذا كانت ماليزيا ستقدم شكوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بشأن أفعالها، قال إبراهيم: "لا نريد أن نكون وحدنا، أعتقد أن جميع الدول بحاجة إلى التعاون للبحث عن حل للشعب الفلسطيني".
وأكد على ضرورة "الضغط على تل أبيب لوقف إجراءاتها الحالية ضد غزة". وأضاف: "إذا تركت هذه التداعيات دون رادع، فسيكون لها تأثير خطير على الأمن الإقليمي".
وإضافة إلى زيارته السعودية، التقى إبراهيم في 22 أكتوبر، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في قصر وحيد الدين بإسطنبول، بعيدا عن وسائل الإعلام.
وقبلها بخمسة أيام، بحث أردوغان وإبراهيم هاتفيا آخر التطورات الفلسطينية الإسرائيلية، وفق بيان صدر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
كما اجتمع إبراهيم في قصر الاتحادية شرقي العاصمة القاهرة برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، في 23 أكتوبر وأكدا على ضرورة استمرار عمليات إرسال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة.
وأفاد بيان صدر عن الرئاسة المصرية أنه "تم التوافق بين مصر وماليزيا بخصوص ضرورة تنسيق الجهود لوقف التصعيد وتحقيق التهدئة، فضلا عن توفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين".
كما أكد الطرفان على "ضرورة الاستمرار في توفير النفاذ الآمن والعاجل للمساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع"، وفق المصدر ذاته.
وأعرب الجانبان أيضا عن "القلق من خطورة اتساع رقعة العنف إلى المنطقة، مع التشديد على الرفض التام لتصفية القضية الفلسطينية من خلال فكرة التهجير القسري لأهالي غزة".
ولم يكتف إبراهيم بذلك، بل تعهد في 16 أكتوبر بتقديم 100 مليون رينجيت ماليزي (21 مليون دولار أميركي) كمساعدات إنسانية لغزة: "نظرا للوضع المزري فيها".
Tekanan hebat daripada rejim Israel bukanlah suatu perkara mudah bagi rakyat Palestin yang terpaksa menanggung beban susulan pergolakan yang berlaku.
Justeru, kerajaan dengan kerjasama pihak swasta akan mengumpulkan bantuan kemanusiaan bernilai RM100 juta untuk disalurkan… pic.twitter.com/my1XqpLOeD— Anwar Ibrahim (@anwaribrahim) October 16, 2023
وبعدها بيوم، غرد قائلا إنه أجرى محادثة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، للتعبير عن دعم بلاده الثابت للشعب الفلسطيني.
I had a phone conversation with Hamas Head of Political Bureau, Ismail Haniyeh yesterday to express Malaysia's unwavering support for the Palestinian people.
Given the dire situation in Gaza, I strongly advocate for the immediate cessation of bombardment and the establishment of… pic.twitter.com/9Ozro8xtC3— Anwar Ibrahim (@anwaribrahim) October 17, 2023
مواقف راسخة
ولطالما أعلنت ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة عن دعمها الشديد للقضية الفلسطينية، ودافعت عن حل الدولتين للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
لم يكن هذا نهج إبراهيم وحده، فقد أكد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، مهاتير محمد، أن بلاده ستدعم دائما القضية الفلسطينية، وانتقد صمت المجتمع الدولي حيال المجازر الإسرائيلية.
واستطرد مهاتير محمد في فبراير/شباط 2022 عندما كان رئيسا مؤقتا للحكومة: "القوى العظمى لا تستخدم قوتها حينما يتعلق الأمر بالمجازر الإسرائيلية في فلسطين".
وأفاد بأن "ماليزيا تريد أن تكون صديقة لكل الدول، لكن عندما يتعلق الأمر بالظلم والدفاع عن حقوق المظلومين، يجب علينا رفع أصواتنا". وأردف: "كوالالمبور لم تغير في أي وقت سياستها تجاه فلسطين، سندعم القضية الفلسطينية دائما".
ومنذ بدء الحصار على قطاع غزة عام 2006 وما تبعه من حروب إسرائيلية عليه، بدأت وفود ماليزية بالقدوم إليه بهدف إدخال الغذاء والدواء، وزادت المنح الطلابية الجامعية المقدمة من كوالالمبور للفلسطينيين.
وتحدى رئيس الوزراء الماليزي الأسبق نجيب عبدالرزاق في عام 2013 الحصار الإسرائيلي على غزة وعبر إلى القطاع الفلسطيني تلبية لدعوة من حماس.
وكثيرا ما زار كبار قادة حماس ماليزيا قبل ذلك واجتمعوا مع كبار مسؤوليها. وخلال سنوات الحصار ازدادت أعداد الفلسطينيين في كوالامبور.
وقال موقع "الجالية" الذي يقدم معلومات عن الجاليات الفلسطينية عام 2018، إن أعدادهم تقدر بنحو 4 آلاف، كما افتتح مقرا لهم في كوالالمبور خلال سبتمبر/ أيلول 2022.
وتعد ماليزيا من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، وترى أن حل الدولتين هو السبيل لإنهاء الصراع، كما أنها لا ترتبط بأي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وبمجرد اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، دعت منظمات شبابية ماليزية إلى نصرة الشعب الفلسطيني والوقوف بجانب حماس.
وغردت عشرات المنظمات الشبابية عبر وسائل التواصل تحت وسم "إسرائيل جبانة"، كما دعت بعض المؤسسات الماليزية إلى مقاطعة إسرائيل عالميا.
ويقول مراقبون، إن موقف ماليزيا من القضية الفلسطينية ليس غريبا، فهو يعكس موقف أغلبية الشعب، حيث يشكل المسلمون ما يقرب من ثلثي السكان.
وأنور إبراهيم هو أول زعيم مسلم لا يعلن بوضوح عن دعمه لفلسطين فحسب، بل لحماس أيضًا، وفق ما قال موقع "channel news asia".
ولفت الموقع في 16 أكتوبر، إلى أن موقف ماليزيا لم يتزعزع منذ اليوم الأول للقضية الفلسطينية، والذي يعود إلى عقود مضت.
وبدوره، قال المحلل السياسي عزمي حسن من أكاديمية نوسانتارا للبحوث الإستراتيجية إن موقف أنور إبراهيم يتماشى مع مشاعر غالبية الماليزيين.
وأضاف لوكالة الأنباء القبرصية: "الماليزيون عموما لا ينظرون إلى حماس على أنها مجرد جماعة مسلحة بل حركة تحرر تحاول تحرير بلادها“، وفق ما نقل موقع "channel news asia".
وأشار إلى أنه حتى الأحزاب السياسية من مختلف الأطياف ستضع خلافاتها جانبا وتصوت بصوت واحد عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
وأضاف: "لم يحدث الأمر خلال فترة رئاسة أنور إبراهيم للوزراء فحسب، بل قبل ذلك بوقت طويل، الموقف الرسمي هو أنهم متفقون على هذا الأمر (دعم القضية الفلسطينية)”.
في 13 أكتوبر/تشرين الأول، انضم سياسيون من مختلف الأطياف، بما في ذلك رئيسا الوزراء السابقان مهاتير محمد ومحيي الدين ياسين، بالإضافة إلى العديد من الوزراء الحاليين، إلى حشد من الآلاف في المسجد الوطني الماليزي في كوالالمبور للحشد من أجل القضية الفلسطينية.
وقال دينيس إجناتيوس، سفير ماليزيا السابق لدى تشيلي والأرجنتين، لوكالة "channel news asia" إن تصريحات أنور إبراهيم منذ اندلاع الصراع كانت تهدف إلى وضع القضية برمتها في سياقها.
وأضاف: "الغرب يريد منا فقط أن ندين عنف حماس ضد إسرائيل، لكنهم لا يريدون رؤية الصورة في سياق أوسع، لماذا لا يستنكرون فظائع إسرائيل المستمرة منذ سنوات؟"
وأردف: “إنهم يريدون فقط أن يسمعوا تلك الجملة الصوتية التي تدين فيها ماليزيا حماس لأنها تغذي روايتهم".
قلق إسرائيلي
لم تكن ماليزيا البعيدة جغرافيا عن الشرق الأوسط ضمن دائرة الاهتمام الإسرائيلي خلال العقود الماضية، إلا بعدما بدأت الدولة الآسيوية الصاعدة في استقطاب الفلسطينيين والتعاطف معهم.
ولذلك، باتت إسرائيل تنظر إلى كوالالمبور على أنها تهديد كبير، كما أصبح الفلسطينيون هناك في دائرة استهداف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "موساد".
وكان أحدث مظاهر ذلك نجاح أجهزة الأمن في ماليزيا بتفكيك شبكة تجسس تابعة لإسرائيل في أكتوبر 2022.
وجند الموساد خلية من 11 ماليزيا على الأقل بهدف تعقب ناشطين فلسطينيين، كما اختطفت خبيرا فلسطينيا في تكنولوجيا المعلومات، ينحدر من غزة، وسط العاصمة كوالالمبور في 28 سبتمبر/ أيلول ونقلته إلى منزل ريفي في ضواحي العاصمة.
وبعدها تمكنت المخابرات الماليزية من الوصول إلى الخاطفين خلال 24 ساعة واعتقلتهم وحررت الرهينة الذي قيل إنه من حماس، وغادر البلاد بعد الحادث بأيام.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، فالشرطة الماليزية كانت قد أعلنت في 21 أبريل/نيسان 2018 اغتيال الأكاديمي الفلسطيني فادي البطش، بـ" إطلاق نحو 10 رصاصات عليه أثناء توجهه إلى أحد المساجد القريبة من منزله في كوالالمبور، لأداء صلاة الفجر".
وأعلنت ماليزيا ووزارة الداخلية في غزة وقتها عن تورط الموساد في اغتيال البطش الذي كان يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية (إلكترونيات القوى) من جامعة "مالايا كوالالمبور".
وإثر اغتياله، نشرت القناة العبرية العاشرة خبرا على موقعها الإلكتروني بعنوان "اغتيال مهندس حماس في ماليزيا".
واكتفى أفيغدور ليبرمان الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الجيش بالقول إن البطش كان متورطا في تصميم أنظمة صواريخ حماس.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" وقتها أن المهندس البطش كان قد نشر بحثا عن الطائرات بدون طيار، وأنه كان خبير صواريخ. بينما نفى والده وذووه هذه المعلومة.
وفي تقرير حديث لها، تقول مجلة إنتليجنس أونلاين الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات إن "ماليزيا أصبحت إحدى القواعد الخلفية الرئيسة لحركة حماس في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتدريباتها العسكرية".
وأردفت: "في عام 2014، روى أحد أسرى حماس كيف دُرب في ماليزيا على الهجوم بالمظلات، وهو الأسلوب الذي استُخدم أثناء الهجوم في 7 أكتوبر، فيما نفت كوالالمبور ذلك في حينه".
وأوضحت أن "ماليزيا تعد أحد مسارح العمليات الرئيسة للموساد، الذي نفذ بعضا من أهم عملياته في الخارج في السنوات الأخيرة".
وتطرقت المجلة إلى مدى حضور حماس في البلد الآسيوي، مضيفة أنه في 21 سبتمبر، ألقى المسؤول البارز في الحركة أسامة حمدان محاضرته حول "المقاومة الفلسطينية منذ عام 2021" في مؤتمر بمركز آسيا والشرق الأوسط (AMEC) في ماليزيا، أي قبل أسبوعين من هجوم 7 أكتوبر.
وكان ذلك أمام جمهور متعاطف مع القضية الفلسطينية، ما مكنه أيضا من تعزيز شبكاته المحلية، وفق وصف المجلة.
ومن بين آخرين، شهدت ندوة أسامة حمدان حضور الرئيس الفخري لمركز آسيا والشرق الأوسط AMEC سيد حامد البر، الذي شغل منصبي وزير الدفاع ثم وزير الخارجية سابقًا، والدبلوماسي زهيري بن بهاريم الذي يرأس شؤون منطقة غرب آسيا في وزارة الخارجية والسفير السابق لدى ميانمار.
وحضرها كذلك النائب سيد إبراهيم سيد نوه، الزعيم السابق لحزب عدالة الشعب التابع لرئيس الوزراء أنور إبراهيم.
وأردفت المجلة: "حمدان هو ممثل حركة حماس في لبنان ويزور ماليزيا مرة واحدة سنويا تقريبا منذ عام 2012، وهو بمثابة مبعوث الحركة الخاص إلى كوالالمبور حيث يتمتع بعلاقات واسعة على مستوى الطبقة السياسية".
وفي عام 2019، شارك حمدان في زيارة وفد من حماس إلى ماليزيا ترأسه موسى أبو مرزوق، الرجل الثاني في جناح الحركة بالخارج، والذي يوجه علاقاتها الدولية، وفق ما تقول المجلة.
وأضافت: "يحظى حمدان في كوالالمبور بحليف محلي هو مسلم عمران، مؤسس ومدير مركز آسيا والشرق الأوسط AMEC الذي نظم مؤتمر 21 سبتمبر، وهو أيضا رئيس المنظمة الثقافية الفلسطينية- ماليزيا (PCOM) التي يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها الممثل غير الرسمي لحركة حماس في ماليزيا".
ولفتت إلى أن عمران أنشأ مركز آسيا والشرق الأوسط في نهاية عام 2020 بهدف الترويج لوجهة نظر متوافقة تماما مع حماس بشأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وكانت ماليزيا من ضمن عدة دول إسلامية حذرت إسرائيل في 21 أكتوبر من السفر إليها بعد عملية حماس، ما يشير إلى قلق جدي في تل أبيب من هذا البلد الداعم لحركة حماس والقضية الفلسطينية.