تحالف متمردي مالي والنيجر.. كيف يهدد الانقلابيين الجدد في إفريقيا؟
من السابق لأوانه الحديث عن توقعات بشأن التحالف الجديد
لم تعد التحالفات في منطقة الساحل الإفريقي مقتصرة على الدول، فبعد مرور ما يقرب من عام على إنشاء تحالف دول الساحل بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تتجه الجماعات المتمردة بدورها نحو توحيد قواها.
وتطرقت صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية هنا إلى الأنباء الواردة عن تحالف جماعات متمردة بارزة في مالي والنيجر، ومنها تحالف "الإطار الإستراتيجي الدائم"، الذي يضم عدة حركات أزوادية مسلحة، ومتمردي جبهة التحرير الوطني.
دفاع متبادل
وذكرت تقارير أن مدينة تنزواتين الواقعة على الحدود المالية الجزائرية، احتضنت لقاء بين قيادات من الجماعتين بين 25 و29 من أغسطس/آب 2024، بحسب أنباء أوردتها إذاعة فرنسا الدولية.
وترأس وفد متمردي جبهة التحرير الوطني النيجرية باراك طاهر حميد الذي يحمل صفة "القائد العام" لهذه الحركة المسلحة المعارضة للمجلس العسكري الحاكم في النيجر، بينما ترأس وفد تحالف الإطار الإستراتيجي المالي العباس آغ أنتالا.
ويتمثل "هدف هذه الجماعات المسلحة في تعزيز علاقاتها والدفاع المتبادل عن مصالحها" فيما لم يجر التوقيع عن وثيقة أو الإعلان عن اتفاق.
وتطرقت صحيفة نيغريسيا الإيطالية إلى ما يعنيه تدشين هذا التحالف خاصة للمجالس العسكرية الانقلابية الحاكمة في منطقة الساحل.
وبينت أن التعليقات الأولى من المحللين تؤكد خاصية "تقلب" التحالفات عبر الحدود من هذا النوع.
كما أنها تستجيب، وفقا لنفس آراء المحللين، لاحتياجات اتصالية أي الدعاية والتضخيم، أكثر من اشتراكها في تحقيق أغراض عملية وسياسية حقيقية.
عموما، ترى الصحيفة أنه من السابق لأوانه الحديث عن توقعات بشأن هذا التحالف الجديد أو تقييم مدى قدرته على الاستمرار.
ويضم التحالف المالي المتمرد حوله ما تبقى من قوات الطوارق القبلية وحركات عربية متمردة ثارت ضد الحكومة المركزية في باماكو بين عامي 2012 و2013.
في ذلك الوقت كانت تلك الحركات والقوات تنشط تحت اسم “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”.
وكانت الأخيرة تعرف نفسها بأنها حركة تسعى لتحرير أرض أزواد وضمان حق تقرير المصير للشعب الأزوادي.
إلا أن أهدافها باءت بالفشل بسبب عاملين، يتمثلان في دخولها في خلافات وصراع دموي مع الحركات المسلحة والتدخل العسكري الفرنسي في المنطقة، وفق الصحيفة الإيطالية.
توتر مستمر
وتدخلت باريس بإطلاق عملية سيرفال العسكرية عام 2013 بهدف وقف تقدم الجماعات المسلحة نحو جنوب مالي.
وتلا ذلك توقيع اتفاقيات السلام في الجزائر عام 2015، والتي منحت بعض الحكم الذاتي للطوارق في الشمال.
كما وضعت الاتفاقيات إطارًا للمفاوضات المستقبلية بين الحكومة المركزية والمتمردين إلا أنها ظلت من الناحية العملية، حبرًا على ورق.
وذلك إلى أن قرر المجلس العسكري المالي بقيادة الجنرال أسيمي غويتا (الذي وصل إلى السلطة بانقلاب في مايو/أيار 2021) تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وكان قد أعلن نجاحه في استعاد مدينة كيدال، التي كانت معقلًا ونقطة إستراتيجية لمتمردي الطوارق في الشمال، بعد قتال عنيف جدّ على مشارفها بين قوات الجيش المالي والقوات الأزوادية.
وفي يوليو/تموز 2024، وقعت اشتباكات ضارية بين الجيش المالي مدعوما بقوات مرتزقة "فاغنر" الروس، والحركات المسلحة الأزوادية (الطوارق) في تنزواتين على الحدود مع الجزائر وهي نفس المدينة التي احتضنت أخيرا لقاءات قادة الجماعتين المتمردتين في مالي والنيجر.
وكان بيان صادر عن الإطار الإستراتيجي قد أوضح أن هيئة الأركان المسلحة التابعة له، أحصت مقتل "84 من عناصر فاغنر"، و"47 قتيلا في صفوف القوات المسلحة المالية" ، في تلك المعارك.
وأضاف البيان آنذاك أنه جرى كذلك "نقل أكثر من 30 بين قتيل ومصاب إصابة خطرة، جوا إلى كيدال" في صفوف الجيش المالي وعناصر “فاغنر”، كما تحدث عن وجود "عدد كبير من الجثث المتفحمة داخل العربات المدرعة".
وتحدث كذلك عن وجود 7 أسرى لدى الإطار الإستراتيجي، وتدمير 6 عربات مدرعة، و6 عربات نقل جنود أثناء القتال، كما تحطمت طائرة هليكوبتر أثناء القتال في كيدال.
جبهة التحرير
في أغسطس/آب 2023، أعلن الناشط السياسي محمود صلاح عن تشكيل وجبهة التحرير الوطني رسميًا مباشرة بعد انقلاب النيجر في الشهر السابق.
وتطالب الجبهة بإعادة توزيع أكثر عدالة لعائدات موارد الطاقة، والعودة إلى النظام الدستوري والإفراج عن الرئيس السابق محمد بازوم، الذي أطاح به الانقلاب العسكري.
وكانت الجماعة قد تصدرت عناوين الأخبار الدولية في 16 يونيو/حزيران 2024، بعد تخريبها خط أنابيب النفط الخام بين النيجر وبنين.
واعترفت بمسؤوليتها عن الهجوم وقالت في بيان إنها عطّلت قسماً من خط الأنابيب "كإشارة تحذير للمجلس العسكري النيجيري".
وكان الهجوم وقع على بعد 10 كيلومترات من قرية سلكام في منطقة دوسو، جنوبي شرقي البلاد.
واستهدف خط الأنابيب الذي يغطي ما يقرب من 2000 كيلومتر، ويربط حقل "أجاديم" النفطي في النيجر بساحل بنين.
وقبل ذلك، كانت الجبهة قد أعلنت في مايو/أيار 2024 أيضا مسؤوليتها عن هجوم على موقع للجيش في سيغودين، منطقة بيلما.
وشككت الصحيفة الإيطالية في إمكانية استمرار التحالف بين الجماعتين المتمردتين مستقبلا.
لا سيما أنهما تمتلكان على المستوى العملياتي البحت أهدافًا غير متقاربة رغم تشاركهما في معاداة المجالس العسكرية الحاكمة في بلديهما.
فبينما يهدف تحالف الإطار الإستراتيجي الدائم إلى استعادة السيطرة على شمال مالي، تطالب جبهة التحرير الوطني في النيجر على الجانب الآخر بتوزيع عادل للثروات النفطية، إلى جانب حقيقة أن التحركات تجرى في بلدين مختلفين.
لكن الصحيفة استدركت بأن "مالي والنيجر جارتان، وبأن التحالفات العشائرية والمبنية على المصالح في منطقة الساحل هي عابرة للحدود بطبيعتها".
لذلك لا تستبعد "وقوع مشاكل وأحداث دراماتيكية لحكومتي باماكو ونيامي" أي إمكان أن يستهدفهما تحالف الجماعات المتمردة.