تقارب تركيا مع الأسد.. كيف دفع مليشيات قسد للتحالف مع المعارضة السورية؟
المعارضة السورية تجاهلت مرارا خطوة الانفتاح على "قسد"
مع تسارع محاولات تركيا لتطبيع علاقتها مع نظام بشار الأسد، تسعى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، لمد "يد الحوار" إلى المعارضة السورية.
ورغم أن المعارضة السورية رفضت مرارا الحوار مع "قسد" كونها تحمل "مشاريع انفصالية"، فإن الأخيرة التي تسيطر على مناطق واسعة شمال شرقي سوريا أعادت الحديث عن رغبتها في التواصل مع الأولى.
قسد والمعارضة
وقد خرج زعيم مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، وأبدى استعداده للحوار مع جميع من وصفهم بـ"الأطراف الوطنية" في شمال غربي سوريا (مناطق المعارضة) بالإضافة إلى جميع القوى التي تسعى للحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
وخلال اجتماع عقده عبدي في 19 سبتمبر/أيلول 2024 مع قيادة وأعضاء "جيش الثوار" و"قوات الشمال الديمقراطي" أشار إلى استعداد "قسد" لتقديم كل أشكال الدعم والمساندة، والترحيب بالمهجرين من إدلب ومناطق شمال غربي سوريا.
اللافت أن حديث عبدي المطلوب بالنشرة الحمراء من قبل تركيا جاء خلال اجتماع مع فصيلي "جيش الثوار" و"لواء الشمال الديمقراطي" التابعين لقسد.
وهما بالأساس فصيلان سابقان في "الجيش السوري الحر" المعارض قبل تأسيس قسد عام 2015 بدعم أميركي.
وعَرْض قسد ورقة "الحوار الوطني" مع المعارضة السورية ليست بالجديدة، بل كثيرا ما تتزامن مع حديث أنقرة عن التقارب مع دمشق.
وقالت هيئة قسد السياسية "مسد"، في 4 يونيو/حزيران 2024 إنها "منفتحة للتواصل مع جميع القوى الوطنية بالمناطق المحتلة لإنهاء الاحتلال وتحقيق التحول الديمقراطي"، في إشارة إلى مناطق المعارضة شمال غربي سوريا التي توجد فيها القوات التركية.
وتثير محاولات تركيا التقرب من النظام السوري برئاسة بشار الأسد امتعاض المعارضة التي تتلقى باستمرار دعوات من "الإدارة الذاتية" الكردية شمال وشرق سوريا للحوار.
والإدارة الذاتية هي المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية وقد تأسست عام 2013 وهي على خلاف أساسي مع تركيا على الحدود الشمالية.
وتعد قوات قسد امتدادا لـ "حزب العمال الكردستاني" المحظور والمصنف إرهابيا لدى أنقرة وفي الاتحاد الأوروبي وأميركا.
وكثيرا ما تستغل "قسد" حالة الانتقاد من أهالي شمال غربي سوريا لسياسات تركيا تجاه الانفتاح على النظام السوري، أو في حال تعرض اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية لحوادث عنصرية.
ودعت "مسد" عبر بيان لها في 2 يوليو/تموز 2024 القوى السياسية السورية لتكون على قدر المسؤولية تجاه مصير السوريين".
وقالت إن "الحوار الوطني والعاقل هو السبيل لتجاوز مأساتنا وفرض رؤية الشعب السوري على الساحة الدولية كمرتكز لأي مشروع يستهدف الحل".
وأضاف البيان الذي صدر بالتزامن مع أحداث عنصرية غير مسبوقة في ولاية قيصري ضد السوريين، أن "محاولات تركيا لإعادة العلاقات مع النظام على حساب مصالح الشعب وتضحياته، تؤكد أن خلاص السوريين لن يكون إلا بوحدتهم وتعاونهم وتجاوز خلافاتهم لمصلحة المشروع الوطني الجامع".
وأعلنت تركيا منتصف عام 2024 عزمها فتح "صفحة جديدة" من العلاقات مع النظام السوري، وإنهاء القطيعة المستمرة منذ عام 2011 على خلفية الجرائم الكبرى التي ارتكبها بشار الأسد ضد مئات الآلاف من السوريين.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال يوليو 2024 رئيس النظام السوري بشار الأسد أكثر من مرة إلى زيارة تركيا أو اللقاء معه في دولة ثالثة.
إلا أن الأسد خرج في أكثر من مرة وقال إن اللقاء مع أردوغان مرتبط بانسحاب القوات التركية من شمال غربي سوريا.
وهو الأمر الذي ترفضه أنقرة حيث ربط وزير الدفاع التركي يشار غولر، إمكانية سحب قوات بلاده بإقرار دستور جديد في سوريا.
وقال غولر في مقابلة مكتوبة مع وكالة "رويترز" البريطانية نشرت في 12 أغسطس/آب 2024 “نحن مستعدون لتقديم كل الدعم الممكن لإقرار دستور شامل، وإجراء انتخابات حرة، وخلق أجواء شاملة من التطبيع والأمن”.
وأردف: "وفقط عندما يتم ذلك، وضمان أمن حدودنا بالكامل، سنفعل كل شيء، وهو أمر ضروري في إطار التنسيق المتبادل".
كما أن أردوغان عاد وقال في 21 سبتمبر 2024: “أظهرنا رغبتنا في لقاء الأسد من أجل تطبيع العلاقات التركية السورية وننتظر الآن رد الجانب الآخر”.
دوافع محتملة
وأمام ذلك، تخشى قسد من أي تقارب بين تركيا ونظام الأسد، قد يسمح بتقليص نفوذها على أراضي شمال شرق سوريا.
لا سيما أن تركيا تريد مد نفوذها بعمق 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية انطلاقا من حدودها الجنوبية، ما يعني طرد قوات قسد من مناطق واسعة هناك.
لهذا وفق المراقبين فإن "قسد" تلجأ إلى اللعب في الأوراق المتاحة لديها في محاولة "غير مضمونة" للتشبيك مع المعارضة السورية لتخفيف حدة التطبيع عليها من جانب.
ومن جانب آخر تريد الإبقاء على حضورها السياسي من بوابة "المقايضة" عبر دعم مناطق المعارضة بالمواد النفطية كونها تستولي على 90 بالمئة من إنتاج البلاد من النفط والغاز.
علاوة على أن حديث مظلوم عبدي عن الحوار مع المعارضة السورية، حاول من خلاله إرسال رسالة بشأن حفاظ قسد على المكونات العسكرية المنضوية تحت لوائها ولكنها ترفع علم الثورة السورية وشعاراتها.
وضمن هذا السياق، يؤكد الباحث السوري، يونس الكريم لـ"الاستقلال" أن "قسد لم تتوقف عن محاولة التواصل مع النظام السوري من جهة ومع المعارضة من جهة أخرى.
لكن في الوقت الراهن، يرى أن حديث قسد عن استعدادها للحوار مع المعارضة السورية يعود لأسباب كثيرة.
ومنها محاولتها تهديد نظام الأسد الذي يمتنع عن تنفيذ الاتفاقيات التي أبرمها مع قسد بموجب المفاوضات السابقة بينهما برعاية روسية.
وجرى التوصل لتوافقات بين علي مملوك مستشار بشار الأسد، وإلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، الذراع السياسي لقسد، بحسب الكريم.
وأردف: "هناك ضغط من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإقامة جبهة من المعارضة السورية تعمل على التوازن مع النظام المدعوم من روسيا وإيران، ومع إيقاع التسارع التركي نحو التطبيع مع نظام الأسد".
أيضا "قسد تحاول عبر هذه الحركة الإستراتيجية أن تستبق حدوث تطبيع بين تركيا والنظام وحينها سيكون موقف قسد ضعيفا.
وهو ما يعني خشية الأخيرة من التضحية بها من قبل الأسد في سبيل التقارب مع أنقرة.
ولذلك تسعى قسد إلى إرباك تركيا وإشغالها بالمعارضة السورية وتخفيف الضغط عنها، وفق الكريم.
ورأى الباحث أن “قسد تحاول الوقوف في وجه تيار العشائر العربية المدعومة من الأسد وإيران في مناطق نفوذها شمال شرقي سوريا، عبر الإيهام بأنها باتت جزءا من المعارضة السورية".
وأن هذا التيار العشائري الذي يتصادم عسكريا معها بين الفترة والأخرى يتبع للنظام وليس هو أقرب إلى المعارضة، وفق قوله.
وذكر أنه "رغم محاولات قسد مد يدها إلى المعارضة السورية في السابق إلا أن هذه الجهود لم تكلل بالتوافق وكان هناك رفض على تقدير أن (هذه المليشيا) عدو تركيا اللدود".
لا سيما أن أنقرة هي ضامنة المعارضة السورية ما يعني أن الأخيرة لا يمكنها أن تضحي بتركيا لأجل قسد التي لم تثبت على موقف سياسي ثابت من الثورة السورية وليس لديها ذات الأهداف التي يطمح لها السوريون.
ولهذا تفضل المعارضة بقاء تركيا كحليف قوي لها على اختيار التحالف مع قوات قسد، وفق الباحث.
تجاهل المعارضة
اقتصاديا، فإن فتح المعابر الحدودية بين النظام السوري وتركيا والعراق في مناطق سيطرة قسد مثل معبري قامشلي – نصيبين مع تركيا، وتل كوجر - ربيعة مع العراق، من شأنه تحويل واردات اقتصادية كثيرة من معبر سيمالكا – فيش خابور الحدودي مع إقليم كردستان إلى المنافذ المذكورة.
وهذا يعني ضربة اقتصادية لنفوذ وتحكم قسد على المنفذ الدولي الوحيد لشمال شرقي سوريا "سيمالكا"، والذي يصدر ويستورد البضائع بكميات كبيرة يوميا من وإلى مناطق الداخل السوري المختلفة.
ومن هنا يرى البعض أن قسد تخشى من خنقها اقتصاديا في حال أي تطبيع بين أنقرة ودمشق، ما يجعل مناطق المعارضة متنفسا بديلا لها.
لكن مع ذلك، فإن المعارضة السورية لم تتخذ بعد قرارا بالانفتاح على قوات سوريا الديمقراطية.
إذ يدعو "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، المجتمع الدولي "لرفع أي غطاء عن مليشيات قوات قسد التي تدعي زورا تمثيل الكرد وهي من أكثر من مارس الانتهاكات ضدهم".
كما رفض رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 الدستور الذي أقرته قسد في مناطق نفوذها.
وقال البحرة حينها: "أي جهة تفرض دستورا مبنيا على خلفية عقائدية أو مناطقية، ففعلها مرفوض من الناحية السياسية والقانونية".
ولطالما سعت ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية إلى الاعتراف الدولي بها لكن ما تطمح له لم يجد آذانا صاغية على الرغم من دعوة مسؤوليها لحضور اجتماعات في الولايات المتحدة ودول أوروبية.
لكن ما هو واضح أن محاولات انفتاح قسد على المعارضة السورية الذي قوبل بالتجاهل مرارا، تتزامن مع رفض الأخيرة التقارب بين أنقرة ودمشق.
وخلال لقاء رئيس هيئة التفاوض السورية، بدر جاموس، مع نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، والمدير العام لقسم سوريا في وزارة الخارجية التركية، مصطفى يورداكول، أعرب الأول “عن قناعته بعبثية محاولات التطبيع كلها مع النظام السوري”.
وأشار جاموس إلى الفشل الذريع الذي ستتعرض له أي محاولة لتعويم هذا النظام بعد أن تسبب في مقتل مئات الآلاف من المواطنين السوريين وتشريد وتهجير الملايين منهم، كما تسبب بتدمير البنى التحتية السورية والاقتصاد وكل الأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة.
ولفت في 19 سبتمبر 2024 إلى أن "السوريين مازالوا، بعد مرور أكثر من 13 عاما، مصرّين على المضي قدما بثورتهم حتى تتحقق أهدافها في الحرية والعدالة ودولة المواطنة والقانون، وذلك عبر تطبيق بنود الحل السياسي المتفق عليه دوليا".