منعطف خطير.. هل انتقل السودان إلى مرحلة "الصدام العلني" مع الإمارات؟

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الخرطوم بدأت نقل وتصعيد صراعها مع أبو ظبي إلى مرحلة "الصدام القوي"، بسبب إصرار الإمارات على دعم متمردي “الدعم السريع” وقيادة خطة لتفكيك السودان بغرض السيطرة على موارده وموانئه. 

ففي توقيت واحد، وقعت بالعاصمة التشادية إنجمينا في 18 يونيو/حزيران 2024، انفجارات قوية في مخازن سلاح تكدسه الإمارات هناك لنقلها إلى مليشيا "الدعم السريع" في السودان.

فيما شهد مجلس الأمن أعنف هجوم سوداني على الإمارات، ووصفها بـ"الشر"، و"الإرهاب" لأول مرة في تاريخ علاقات البلدين.

توريط تشاد

فور وقوع الانفجار الضخم الذي شهده أحد معسكرات جيش تشاد قرب مطار إنجمينا، والذي طال مخازن أسلحة وذخائر تتبع الإمارات، وتغذي من خلاله "الدعم السريع"، وجهت أصابع الاتهام للخرطوم.

تكهنات عدة رجحت مسؤولية الجيش السوداني عن تدمير مخازن الذخيرة، بطرق غير معروفة، بفرض أن تشاد هي المحطة الوسيطة لإيصال الأسلحة إلى مليشيات "الدعم السريع" بقيادة حمدان دقلو (حميدتي) التي تدعمها الإمارات.

سودانيون لمحوا عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى دور بلادهم في تفجير المستودع ردا على الدور الإماراتي المشبوه في دعم "الدعم السريع" عبر تشاد.

وبعضهم بث فيديو لما قال إنه "لحظة قصف مطار إنجمينا، مطار حسن جاموس" وعسكري يقوم بالتصوير وراجمة على بعد أمتار منه.

وقال تشاديون عبر مواقع التواصل إن الانفجار لا يمكن أن يكون عرضيا وإن وراءه احتمال حدوث "أعمال تخريبية".

ونقل موقع "تشاد وان" في 18 يونيو عن مصادر استخباراتية محلية "احتمال قيام الأجهزة السودانية بعمل تخريبي".

ونشب حريق كبير إثر الانفجارات في مستودع ذخيرة تابع لمديرية الاحتياطي الإستراتيجي، وهي وحدة عسكرية خاصة مسؤولة عن إدارة مخزون الذخيرة، وفق وكالة "رويترز" البريطانية في 18 يونيو.

وامتدت التفجيرات على مدى ثلاثة كيلومترات، وأحرقت الذخيرة المتفجرة منازل تشاديين وقتلت وأصابت بعضهم، وفق المعارضة التشادية.

المصادر السودانية والتشادية تحدثت عن تطاير “الذخائر الإماراتية” التي كانت معدة للنقل إلى الدعم السريع في السودان ووقوعها على المطار ومنازل المواطنين.

"الحركة الوطنية التشادية" المعارضة تحدثت عن أن أكثر من 200 بين قتيل ومصاب في انفجار مخازن السلاح التي تتبع الإمارات في تشاد.

فيما قالت مصادر سودانية لـ"الاستقلال" إنه من الوارد أن يكون الأمر "لعبة قذرة بتدبير إماراتي لتوريط السودان في حرب مع تشاد بعدما فضح مندوب الخرطوم بمجلس الأمن دويلة الشر والمؤامرات في أبو ظبي".

ورجحوا قيام الإمارات بتدمير مخزنها الذي يحمل الكثير من الأسلحة والمتفجرات في منطقة إنجمينا، لإدانة الجيش السوداني وزيادة الضغط عليه وتوريط تشاد رسميا في الحرب، مؤكدين أن الخرطوم "كان يمكنها قصف هذه المخازن منذ شهور لكنها لم تفعل".

وأشاروا إلى سيناريو إمارتي لهدم الدولة السودانية عبر فتح جبهات ضدها من حدود تشاد، وأيضا فتح جبهة جديدة في الشرق قرب إثيوبيا، حث أظهرت صور أقمار صناعية معسكرا وقاعدة إثيوبية تم إنشاؤها قبل بضعة أشهر.

وتحدثوا عن رصد حركة طائرات شحن إماراتية تقوم بتسيير رحلات إلى إثيوبيا، وهي نفس الطائرات التي تقوم برحلات إلى قاعدتي أم جرس وإنجمينا في تشاد

ومع استقطاب الإمارات مرتزقة من تشاد وإفريقيا الوسطى، وارتفاع أعداد المرتزقة الأجانب في الحرب السودانية، فضلا عن التداخل القبلي بين تشاد والسودان يخشى سودانيون اتساع رقعة الحرب في بلادهم وإطالتها. 

لكن "الحركة الوطنية التشادية" أرجعت الانفجار وأسباب الحريق إلى “جنود يتبعون دويلة الإمارات ليس لديهم خبرات عسكرية ولا تدريب كاف، كانوا يقومون بشحن الأسلحة والصواريخ وإرسالها إلى الدعم السريع في السودان”.

وكانت الحركة الوطنية التشادية اتهمت حكومة بلادها والإمارات بالتخلص من بعض القبائل التشادية "في حرب بالوكالة"، وذكرت أن إحصائيات القتلى في السودان من الشباب التشاديين وحدهم 23 ألفا و6 آلاف و300 مفقود.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، طرد السودان، سفير الإمارات و15 شخصا من الدبلوماسيين العاملين في السفارة، "بسبب تدخل أبو ظبي السافر في شؤون السودان وإذكاء الحرب الأهلية ودعم المليشيات"، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية.

أدلة التورط 

وفي 19 يونيو 2024، كشف مصدر عسكري سوداني أن "الجيش يمتلك أدلة عديدة – لم يعرضها بعد – تثبت تورط الإمارات في دعم ومساندة الدعم السريع".

وأكد المصدر -الذي طلب عدم ذكر اسمه- لموقع "سودان تربيون"، أن “الجيش يمتلك صورا لإسقاط جوي نفذته الإمارات لدعم الدعم السريع في دارفور وعلى الحدود مع تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى”. 

وكشف عن تحركات نشطة لمسؤولين أمنيين وعسكريين إماراتيين في تشاد، عادّا ذلك “دليلا على تسليم الدعم السريع، بمعاونة جهات في هاتين الدولتين، العتاد والمؤن والذخائر”، وهو "ما جعل تلك القوات تستمر في القتال حتى الآن"، على حد تعبيره.

من جانبها، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عبر تقرير نشرته في 19 يناير/كانون الثاني 2024، أن الإمارات أنشأت "مستشفى وهميا" في تشاد لتُهرب منه السلاح إلى الدعم السريع التي يقودها حميدتي ضد الجيش السوداني.

وقالت إن "مستشفى جديدا بنته الإمارات في أم جرس شرقي تشاد، ظهر بحجة توفير العلاج الطبي للاجئين السودانيين، لكن أجهزة الاستخبارات الغربية سرعان ما أدركت أنه مخزن سلاح".

وأوضحت أن "طائرات الشحن التي تحط على مهبط الطائرات القريب كانت تحمل أسلحة في طريقها إلى الدعم السريع، عبر هذا المستشفى الوهمي".

"نيويورك تايمز" أكدت أنها حصلت على نسخة من تقرير لمحققي الأمم المتحدة يستعرض مجموعة تفاصيل جديدة عن الكيفية التي هربت بها الإمارات الأسلحة إلى مليشيا حميدتي عبر تشاد.

وتشمل تلك الأسلحة، طائرات مسيرة، ومدافع هاوتزر، وصواريخ مضادة للطائرات تم إرسالها عبر رحلات شحن سرية وطرق تهريب صحراوية، وعززت تلك الإمدادات قدرات الدعم السريع وجعلته يواصل الاستماتة أمام الجيش السوداني.

وخلال تصريحات للتلفزيون السوداني في 12 ديسمبر 2023، قال وزير خارجية السودان السابق، علي الصادق: "حينما اندلعت الحرب اتضح لنا وللعالم أجمع أن هناك دعما عسكريا ولوجستيا ومؤنا يأتي لحركة التمرد من الإمارات".

ولفت الصادق إلى أن "سياسة تشاد نحو السودان تبدلت أيضا بعد زيارات قام بها مسؤولون إماراتيون لها، وتم اكتشاف نقل مؤن عسكرية لقوات حميدتي عبر حدودها ومرتزقة".

الوزير أكد أن سياسة تشاد نحو السودان "أخذت منعطفا خطيرا جدا بعد زيارات مسؤولي الإمارات لها، وأصبحت هي مركز التموين الرئيس لقوات التمرد"، بعد أن كانت تتعاون مع الخرطوم لمنع تهريب السلاح عبر الحدود.

وكشف أن الإمارات شيدت مطار "أم جرس" قرب الحدود السودانية، واستخدمته كقاعدة لها للتموين وعلاج مليشيا الدعم السريع. 

وفي 5 مايو/أيار 2024، أعلنت وزارة الخارجية السودانية، أن الخرطوم تملك أدلة على استقبال مطارات تشاد، لأكثر من 400 رحلة طيران تحمل عتادا حربيا للدعم السريع من الإمارات.

وقال وزير الخارجية، حسين عوض علي، إن "تشاد خصصت مطاري أم جرس، وأبشي، لاستقبال الرحلات الجوية التي تنقل الأسلحة والعتاد العسكري إلى المليشيات الإرهابية من الإمارات".

وأضاف أن "رحلات نقل الأسلحة والعتاد تزيد عن الـ 400 رحلة، رصدتها الأجهزة الوطنية السودانية والدولية المتخصصة بتفاصيل الطائرات الناقلة والمسارات التي اتخذتها وتواريخ وصولها وتفريغها".

وسبق هذا اتهام الجيش السوداني رسميا الإمارات بدعم "الدعم السريع" بعد 7 أشهر من الحرب، على لسان مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن ياسر العطا، بحسب وكالة "رويترز" في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وفي كلمة أمام أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، قال العطا: "المعلومات التي ترد لنا من المخابرات والمخابرات العسكرية ومن الخارجية الدبلوماسية بأن الإمارات بتودي طائرات دعما لهؤلاء الجنجويد (الدعم السريع)".

ووصف العطا الإمارات بأنها "دولة مافيا" و"تحب الخراب" وأشار إلى دعم المتمرد الليبي خليفة حفتر أيضا للدعم السريع ضد الجيش.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أوغنديين في 10 أغسطس/آب 2023، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو على "شحنات أسلحة في طائرة قادمة من الإمارات".

وأكدوا أن الإماراتيين كانوا يزعمون أنها (الأسلحة) مساعدات إنسانية إلى اللاجئين السودانيين في تشاد.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن "مصادر إفريقية وشرق أوسطية"، أن الأسلحة التي تم العثور عليها كانت جزءا من "مؤامرة" إماراتية لدعم حميدتي.

أيضا أكد تقرير أعده خبراء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونشرته صحيفة "فايننشال تايمز" في 25 يناير 2024، أن “شحنات عدة من الأسلحة والذخيرة تُفرغها طائرات شحن إماراتية في مطار بتشاد، تُسلم إلى الدعم السريع عبر الحدود السودانية”.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، وصحيفة "الغارديان" البريطانية نشرتا في 29 سبتمبر/أيلول 2023 تفاصيل مهمة، نقلا عن مسؤولين من الولايات المتحدة وأوروبا ودول إفريقية، يؤكدون أن الإمارات تزود "الدعم السريع" بالأسلحة.

وأكدوا أنها أمدت مليشيا حميدتي بصواريخ استخدمتها لإسقاط طائرات الجيش السوداني، وبصواريخ كورنيت المضادة للدبابات، لمهاجمة قاعدة المدرعات المحصنة في العاصمة الخرطوم.

وشدد المسؤولون على أن طائرات الشحن الإماراتية تهبط بشكل شبه يومي في تشاد منذ يونيو 2023 لنقل السلاح إلى حميدتي وفقا لصور الأقمار الصناعية ومسؤولين غربيين وأفارقة.

"الراعي الإقليمي"

بوادر التحول السوداني للصدام مع الإمارات ظهرت أيضا من خلال الهجوم الحاد الذي شنه سفير الخرطوم على الإمارات أمام مجلس الأمن واتهامه أبو ظبي بأنها "سبب كل ما يجرى في السودان".

سفير السودان لدى مجلس الأمن، الحارث إدريس، قال خلال هجومه على الإمارات في 18 يونيو: "نحن نعلم شرها رغم أننا من أسهمنا في بنائها".

وقال ساخرا من تآمرها على بلاده، إنه "عندما كان السودان يدعم الدول وحركات التحرر، لم تكن الإمارات مذكورة في التاريخ ولا في خارطة العالم".

وأضاف: "نحن الذين أسسنا مجد الإمارات ونهضتها وتراثها الحديث بأذرعنا وملكاتنا العقلية"، ونطالب " مجلس الأمن الموقّر أن يخطو الخطوة بإدانة الإمارات لكي تتوقف الحرب"، في إشارة منه لدعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع وتسليحها.

وفي 22 أبريل/نيسان 2024 وصف الحارث إدريس، الإمارات أيضا بأنها "الراعي الإقليمي" لتمرد الدعم السريع.

وطالب مجلس الأمن، بإدانة الإمارات، مؤكدا أن "الصراع في السودان ما كان سيستمر إلى عام، لولا الدعم العسكري الذي تقدمه الإمارات للدعم السريع".

وقدم السودان في 28 مارس/آذار 2024 شكوى رسمية، تضمنت وثائق وصورا، يتهم فيها أبو ظبي بدعم مليشيا الدعم السريع.

وسبق هذا توجيه ممثل السودان اتهامات شفوية للإمارات في منتصف مارس 2024 أمام مجلس الأمن.

وبدأت العلاقة الإماراتية مع حميدتي عام 2018، حين دفعت أبوظبي مبالغ كبيرة لقائد المليشيا السودانية لإرسال آلاف المقاتلين إلى جنوب اليمن، كجزء من الحملة العسكرية الطاحنة التي تشنها الإمارات ضد الحوثيين في الشمال.

قلق أميركي

وأثار الدعم الإماراتي لحميدتي قلق أميركا، لأسباب تتعلق بتعارض ما تفعله الإمارات في السودان ويخدم روسيا أيضا لتعاونها مع مرتزقة “فاغنر”، مع المصالح الأميركية.

وأوائل ديسمبر 2023 أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، أثارت مسألة الحرب في السودان بشكل مباشر مع رئيس الإمارات محمد بن زايد، على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ في الإمارات.

كما أثار مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الموضوع بقوة أكبر خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الإماراتي طحنون بن زايد، وفقا لتصريح مسؤول أميركي كبير لصحيفة "واشنطن بوست".

وفي 18 يونيو 2024 ناقش أعضاء الكونغرس مساندة الإمارات، لمليشيات الدعم السريع المتمردة عبر تشاد، مقابل الحصول على قرض من أبو ظبي يقدر بـ1.5 مليار دولار، وهو ما يعادل 80 بالمئة من ميزانية تشاد السنوية.

وقبل ذلك في 23 مايو 2024، طرحت النائبة في الكونغرس الأميركي، والعضو البارز في اللجنة الفرعية لإفريقيا، سارة جاكوبس، تشريعا لحظر بيع الأسلحة الأميركية إلى الإمارات بسبب دعمها للدعم السريع وتمويلها الحرب في السودان.

وبررت النائبة الأميركية خطوة حظر بيع السلاح للإمارات "حتى يتمكن الرئيس بايدن من التأكد أن الإمارات لم تعد تقدم دعما ماديا للدعم السريع في السودان".