خداع أم مشكلات في سد النهضة.. لماذا أعلنت إثيوبيا أن الملء الرابع هو الأخير؟

12

طباعة

مشاركة

بعد خداع متكرر، من جانب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بشأن سد النهضة الإثيوبي، وتراجعه عن "الاتفاق الأخير" مع مصر، أعلن بشكل مفاجئ انتهاء الملء الرابع لهذا المشروع الذي يهدد الحصة المائية للقاهرة.

"أحمد" كشف عبر مقطع فيديو على حسابه على تويتر 10 سبتمبر/أيلول 2023، عن "الانتهاء بنجاح من عملية التعبئة الرابعة والأخيرة لسد النهضة".

تحدث عن "العديد من التحديات" الداخلية و"ضغوطات خارجية"، لكنه أكد أن بلاده "ستنجز ما تعهدت به، بمواصلة دعم السد حتى النهاية".

إعلان إثيوبيا انتهاء الملء الرابع و"الأخير"، أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا بالفعل آخر ملء (أي آخر احتجاز لمياه النيل عن مصر والسودان)؟

أم أنها عملية خداع إثيوبية جديدة خاصة أن المفاوضات التي سبقت الإعلان الإثيوبي للوصول لاتفاق حول الملء، فشلت؟

أم أن إثيوبيا تقصد أنها ستوقف التخزين في السد بعدما وصل إلى 41 مليار متر مكعب من أصل سعته (74 مليارا)، لإجراء أبحاث حول أضرار محتملة فيه مثل شروخ أو انهيارات أرضية، حسبما يردد خبراء حكوميون مصريون؟

وعقب الإعلان الإثيوبي عن اكتمال الملء الرابع من سد النهضة، عمت الفرحة إثيوبيا، فيما ساد القلق والحزن عبر مواقع التواصل في مصر وسط ترقب للقادم المجهول، واتهامات لنظام السيسي بالتخلي عن أمن البلاد المائي والقومي.

وكان السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا، قد اتفقا في 13 يوليو/تموز 2023 على "الانتهاء خلال 4 أشهر من صياغة اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد"، ومر شهران دون أي اتفاق.

إذ أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، في بيان 28 أغسطس/آب 2023 انتهاء جولة المفاوضات التي استضافتها القاهرة والخاصة بأزمة سد النهضة، موضحةً أن جولة التفاوض "لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي بشأن اتفاق لقواعد ملئه وتشغيله".

كما أكد المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، 10 سبتمبر 2023 أنه "لم يلحظ أي تقدم بشأن الحلول من الجانب المصري لحل أزمة السد"، وتجاهل الجانب السوداني، ربما لانشغال الخرطوم بالحرب الداخلية.

ماذا يعني بـ "الأخير"؟

كانت كلمة "الأخير" في البيان الإثيوبي حول "الملء الرابع والأخير"، مربكة، وغير مفهوم لماذا وضعتها إثيوبيا في بيانها، وهل كانت كلمة عابرة غير مقصودة أم مقصودة؟

خبراء مياه مصريون أكدوا أن إثيوبيا تمارس الخداع مجددا وهي تعلن أن الملء الرابع هو "الأخير"، لأن السد أصبح يحتجز حاليا 41 مليار متر مكعب مياه بينما سعته 74 مليارا، لذا سيكون هناك ملء خامس وسادس حتى يمتلئ تماما.

أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، أكد أن "التخزين الرابع معناه أن إجمالي المياه في بحيرة السد أصبح حوالي 41 مليار متر مكعب، وسيكون هناك ملء خامس وسادس".

وألمح الخبير في شؤون المياه هاني إبراهيم لخداع إثيوبيا لمصر وعدم التزامها بما جرى الاتفاق عليه بأن يستمر الملء حتى نهاية سبتمبر/أيلول، ويكون 10 مليار متر مكعب فقط لا 20 في ثلاثة أشهر.

فريق ثانٍ قلل من أهمية الإعلان الإثيوبي، موضحا أن أديس أبابا لم تعلن أن الملء الرابع هو "الأخير" ولكنها تقصد أنه آخر ملء حدث، وسيليه مراحل أخرى في السنوات اللاحقة.

دللوا على ذلك بترجمة ما قاله "آبي أحمد" على تويتر: "وصلنا إلى قمة التل (أعلى جزء تم بناؤه من السد) وليس نهاية التل"، والذي يعني أنه سيكون هناك ملء خامس في العام 2024 حين تستمر إثيوبيا في تعليته.

ومن المقرر أن تبدأ إثيوبيا في تعلية الجزء الأوسط من السد لحوالي 20 مترًا أخري قبل موسم الفيضان المقبل الذي يبدأ في يونيو 2024.

وقد أكد هذا الباحث الإثيوبي، نور الدين عبده، موضحا أن الارتفاع النهائي لجسم السد يتبقى له 20 مترًا، والقدرة الاستيعابية لبحيرة السد تصل إلى أكثر من 70 مترًا".

كما أكده خبير شؤون المياه المصري هاني إبراهيم عبر فيسبوك موضحا أن الملء الرابع لن يكون الأخير، لأن هذه الكلمة "عائدة على آخر مرحلة تمت من الملء وهي الرابعة، لكن هناك عمليات ملء أخرى، مؤكدا أن "إثيوبيا لا تلتزم أصلا بأي توافقات حتى لو كانت هي التي قدمتها".

فريق ثالث قال إن هناك احتمالا أن يكون إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي أن هذا الملء الرابع هو "الأخير" مؤشرا لوجود مشكلات في السد ومخاوف أمنية قد تستدعي تمهل إثيوبيا قبل أي تعلية وملء جديد في ظل تواتر أنباء تروجها صحف مصر عن أنه في طريقه للانهيار لعيوب فنية.

أشار لهذا الأمر خبير الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، عطية عيسوي، الذي أوضح أن كلمة "الأخير"، قد تعني أن إثيوبيا قد تكتفي في المرحلة الحالية بالملء الرابع.

قال لموقع "الحرة" الأميركي 10 سبتمبر 2023 إنها قد تفعل هذا "حتى يتم التأكد من أن تخزين المزيد من المياه لن يلحق أضرارا بالسد، مثل شروخ أو انهيارات أرضية، مما قد يهدد بفشل المشروع بالكامل".

لكنه رجح ألا تتوقف عند الملء الرابع بشكل نهائي، "لأن ذلك يعني أنها لن تستطيع تشغيل معظم توربينات السد، وهي 12، ولم يتم تشغيل سوى اثنين منها حتى الآن".

تخاذل مصري

الرد المصري المتخاذل على الإعلان الإثيوبي أثار تساؤلات حول ما إذا كان يعد رضا بما حدث أم عجز وقلة حيلة، وسط سخرية من المصريين على مواقع التواصل من "تآمر السيسي أو خداع إثيوبيا له".

واكتفت خارجية القاهرة بالرد مساء 10 سبتمبر 2023 بالنظر إلى الملء الرابع لخزان سد النهضة، على "انتهاك جديد من أديس أبابا لإعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015 ومخالفة قانونية".

كما اكتفى "مصدر مسؤول" بمكتب وزير الري بالقول لموقع "المنصة" 10 سبتمبر 2023 إن "مصر ترفض بشدة أي خطوات أحادية في سد النهضة".

وبين أنه لا يهم مصر الملء الرابع لأنها تبحث عن "اتفاق دائم يغطي جميع حالات ملء وإعادة ملء وتشغيل سد النهضة، خاصة في فترات الجفاف والجفاف الممتد".

وسبق لرئيس فريق التفاوض الإثيوبي السفير سيليشي بيكيلي، أن أكد لـ "وكالة الأنباء الإثيوبية" 31 أغسطس 2023 أن بلاده لن توقع على "أي وثيقة يمكن أن تحد من حقوق أديس أبابا التنموية".

وذلك في معرض رده على من وصفهم بـ "بعض المفاوضين الذين دافعوا بصوت عال عن اتفاق ملزم"، مشددًا "ننظر بعناية إلى المواد التي نتوقعها".

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قال خلال اجتماع "مجلس الجامعة العربية" 6 سبتمبر 2023 إن جولة المفاوضات الثلاثية، التي أضافتها القاهرة بشأن سد النهضة، "بينت عدم وجود تغير في المواقف الإثيوبية".

وكذلك "عدم وجود توجه للأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة التي تلبي مصالح الدول الثلاث"، قائلا: "نرصد على التوازي عدم تغير التوجه الإثيوبي الأحادي اتصالاً بملء وتشغيل سد النهضة".

ورأى مصريون أن تعمد رئيس الوزراء الإثيوبي (المدني) الظهور بجوار السد وهو يعلن اكتماله دون بهرجة أو احتفال ونياشين، "سخرية من الجنرال السيسي وليقول له شكرا على حسن تعاونك معنا".

وظهر "أحمد" مع مهندسي المشروع وهو يرتدي زيا بسيطا محتفلا معهم بإكمال الملء الرابع. وكتب حساب رئيس الوزراء الرسمي على تويتر يقول إنه حضر مع "كبار المسؤولين الحكوميين خلال الملء الرابع والأخير لسد النهضة".

في المقابل دافعت لجان السلطة الإلكترونية عما جرى من ملء السد وعدته انتصارا لمصر، مدعية أن القاهرة أجبرت إثيوبيا على ملء نصف في 4 سنوات وفق خطتها.

وسخر الناشط الإثيوبي مما تنشره لجان السيسي منها صفحة تُسمي "المخابرات العامة المصرية" حول منح مصر إثيوبيا فرصة أخيرة، وأن السد سينهار، قائلا: "أما انتهى زمن التهديد والتفاخر؟".

ورد عليهم ضمنا الخبير المصري هاني إبراهيم بتأكيده، بالوثائق، أن إثيوبيا لم تلتزم بحجز كميات المياه التي وعدت بها القاهرة، وملأت 20 مليارا بدلا من 10 في بحيرة السد الكارثية، ما يشكل تأثيرا كبيرا على مصر.

وعلق رجل الأعمال الملياردير نجيب ساويرس علي الإعلان الإثيوبي بسخرية قائلا: "يا ترى فيه ملء خامس .. و لا شرقتوا خلاص".

أخطاء وتداعيات

وحُرمت مصر هذا العام من استقبال فيضان النيل في موعده السنوي المقرر في 15 أغسطس (ويسمى عيد وفاء النيل)، ولم تصلها المياه لأول مرة في التاريخ، سوى بعد خروجها من سد النهضة في 9 سبتمبر.

وقال أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة نادر نور الدين عبر فيسبوك إن المياه بدأت تخرج من إثيوبيا إلى السودان ثم مصر.

وأشار إلى أن مياه النيل الأزرق بدأت في التدفق يوم 9 سبتمبر الى السودان ومصر من أعلى الحاجز الأوسط بعد انتهاء الملء الرابع، وتوقع أن تصل للقاهرة خلال 17 يوما أي في 26 سبتمبر.

وحمل نور الدين، وزير الخارجية الحالي سامح شكري مسؤولية تداعيات حجز المياه عن مصر، مؤكدا أنه "هو من تبنى التوقيع على إعلان مبادئ سد النهضة وطلب من أساتذة القانون مراجعتها قانونيا فقط، وليس من حيث المحتوى أو الناحية الفنية".

يُذكر أن المبدأ العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، الموقعة بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، ينص على أن "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا".

"ويمكنهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/الحكومات".

وعن أضرار الملء المتتالي، قال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام إن الخلاصة المعروفة للجميع إن التخزين في سد النهضة "مستقطع من حصة مصر المائية".

وأضاف: "عندما يكون الفيضان أعلى من المتوسط، يجري تخزين الزيادة عن الحصة المصرية في السد العالي كي نستخدمها في سنوات الفيضان المنخفضة، لا أن تخزنها إثيوبيا في سد النهضة".

"ولذلك فإن هدف التوصل لاتفاقية هو أن تسمح القاهرة لأديس أبابا بملء معظم مخزون سد النهضة في السنوات عالية الإيراد، على أن تُصرف إثيوبيا بالتدريج هذه المياه لمصر في سنوات الجفاف".

وقال، عبر فيسبوك، إنه "بدون ذلك، تبقى إثيوبيا ومن وراءها يسعون للقضاء على السد العالي وفوائده المائية والكهربية لمصر، وقد يطمعون أكثر من ذلك في جزء من حصص القاهرة والخرطوم المائية".

ووصف "علام" تصنيف ملء السد إلى الأول والثاني والثالث والرابع بأنه "للتغطية على سياسات إثيوبيا المتعنتة ومحاولة إظهار أنه لا يؤذى دول المصب، وهذا في حد ذاته إسفاف شديد"، وفق تعبيره.

وانتقد "تعاون" مصر مع أهداف إثيوبيا بترشيد استخداماتها لأقل من الحصة المائية خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه من أي خطوات إثيوبية مفاجأة، ما أدى لنقص ملحوظ في الأرز واستيراده بالعملة الصعبة.

خيانة عظمى

ودفع هذا الخبير نايل شافعي للمطالبة باستفتاء شعبي فوري لإنقاذ مصر من المجاعة، ومن "الخيانة العظمى" للسيسي، مؤكدا أن المياه التي ستصب للقاهرة بعد الملء الرابع، ستكفي المصريين شهرين فقط.

أوضح أنه سيصل لمصر بعد الملء الرابع مليارا متر مكعب من مياه النيل الأزرق فقط بدلا من 48 مليارا، وتساءل: كيف سيعيش بها المصريون؟

وتخشى مصر من تأثير السد الذي تبنيه أديس أبابا على النيل كون القاهرة تعتمد على هذا النهر في تأمين 97 بالمئة من احتياجاتها المائية.

وكان أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، قال في 8 سبتمبر 2023 على فيسبوك، إن سد النهضة خزن هذا العام 24 مليار متر مكعب عند منسوب 625 مترا فوق سطح البحر، بما يعادل حوالي 50 بالمائة من المتوسط السنوي لتدفق النيل الأزرق.

وعن تداعيات الملء الرابع، أشار شراقي إلى أنه أنهى نظام الزراعة الفيضية على جانبي النيل الأزرق في السودان.

وترى الغالبية الساحقة من المصريين على مواقع التواصل أن موافقة وصمت نظام السيسي على بناء هذا السد "جريمة في حق الشعب والأجيال القادمة".

وانتقد تخلي النظام المصري عن الاتفاقيات التاريخية الموجودة التي تمنع إقامة أي سدود على مجرى النيل الأزرق، خاصة اتفاقيات أعوام 1929 و1959.

وكانت إثيوبيا أعلنت في مارس/آذار 2023 اكتمال بناء 90 بالمائة من سد النهضة.

وتشير دراسة نشرها "غاشاو أيفرام" طالب دكتوراه في جامعة أديس أبابا وباحث في معهد الشؤون الخارجية، حول خطر النزاع المصري الإثيوبي على سد النهضة إلى أن الخلاف ليس مرتبطًا فقط بالجوانب المادية لأمن الموارد.

أكد في الدراسة المنشورة على موقع "صدى كارنيجي" 19 يناير/كانون الثاني 2023 أن النزاع طويل الأمد حول سد النهضة الإثيوبي الكبير يمتد إلى أبعد من تأثيره على الموارد المائية.

أشار إلى "نزاع بين الهوية المصرية القديمة المتمحورة حول النيل، والهوية الإثيوبية الجديدة المتمركزة حول النيل والتي هي قيد البناء".

أوضح أن مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير "يهدد استمرارية العالم الذي بنته مصر حول رؤيتها للنيل ككائن حي لا ينفصل عن تاريخ البلاد وثقافتها وهويتها الحضارية".

وبين أن مصر، قد تضطر، في ضوء التطورات المتعلقة بالمشروع، إلى "إعادة تعريف هويتها الوطنية المتمحورة حول نهر النيل".

ذكر أن إثيوبيا لا تعد بدورها سد النهضة جزءا من البنية التحتية التي تولد الكهرباء فحسب، بل أيضا "رمزا للوحدة الوطنية في مواجهة الفقر والتخلف المتصور".

شرح كيف أن السد "يُقدم (في أديس أبابا) على أنه مشروع سيادي يضاهي انتصار إثيوبيا على إيطاليا في معركة عدوة عام 1896"، وكيف أنه "لا يتحقق هذا النصر الحديث ضد معتدٍ أجنبي، بل ضد عدو داخلي هو الفقر المدقع".

قال إن النهر الذي كان مصدرًا للانقسامات في الماضي تستخدمه النخبة الحاكمة الآن لتوحيد الشعب تحت مظلة "هوية إثيوبية جديدة" ذات مرتكزات اجتماعية، وفي صلبها سد النهضة.

إذ تصوّر إثيوبيا السد بأنه "مشروع إفريقي"، نظرًا إلى أن نهر النيل يمر في 11 بلدًا من هذه القارة.

أما بالنسبة لمصر فهي ترى أن هذه الحسابات نفسها تشكل تهديدا للأمن المائي العربي، والمفاوضات في سياق هذا الصراع المبني على الهوية هي "لعبة غالب ومغلوب"

لذا، يرى الباحث الإثيوبي أن "التوصل إلى اتفاق بين الدولتين حول الجوانب المادية يتطلب بذل جهود للنأي بنهر النيل عن الحسابات الأمنية في سياق مشحون بالهويات المتنافسة".