قصة طويلة بين بوتين والغرب.. أين تتجه "فاغنر" بعد مصرع بريغوجين؟
بعد مصرع زعيم مرتزقة "فاغنر" الروسية، يفغيني بريغوجين، بدأ الحديث عن تأثير ذلك على التوازنات السياسية الداخلية والخارجية لموسكو.
وعد كثيرون تحطم طائرة بريغوجين قرب موسكو هو انتقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويربطون هذا التصور بأحداث مماثلة في الماضي.
ففي مارس/ آذار 2018، توفي سيرغي سكريبال وهو موظف سابق في جهاز المخابرات الروسي مع ابنته يوليا في بريطانيا، بعد تسميمهما بمادة كيميائية عصبية.
ولاحقا، تمَّ تسميم زعيم المعارضة، أليكسي نافالني، بمادة كيميائية مماثلة في أغسطس/ آب 2020، وكلاهما كانا مخالفين لبوتين.
رد الفعل
وقال مركز "سيتا" التركي في مقال للكاتب، مراد أصلان، إن "وضع قائد فاغنر، بريغوجين، وشريكه ديمتري أوتكين، مختلف بعض الشيء عن سكريبال ونافالني".
وأوضح أن "بريغوجين وأوتكين كانا ينفذان أعمال روسيا القذرة والتدخلات العلنية أو السرية (مقابل رسوم)، في حين أن سكريبال كان عميلا بريطانيا خان دولته ونافالني كان الخصم السياسي لبوتين".
وأشار إلى أن "بريغوجين وأوتكين اثنان من رجال الأعمال الذين حلوا محل القوات المسلحة الروسية، وما جعلهما مختلفين هو الخطوط القومية في المقام الأول".
وبعبارة أخرى، كان "تفانيهما" في العمل موضع تقدير من قبل الشعب والقوميين، وخدما المصالح الروسية في سوريا وليبيا ومنطقة الساحل في إفريقيا، بالإضافة إلى أنهما "أظهرا شجاعتهما وزادا من مكانتهما من خلال التعبير عن عجز الحكام الروس في أوكرانيا"، وفق الكاتب التركي.
وأردف أصلان بأن "ما سيحدث لفاغنر بعد وفاة بريغوجين وشريكه أوتكين يُعد أكثر قضية متداولة خاصة في الدول الغربية".
وأضاف أنه "من الطبيعي أن يُتوقع من روسيا ما بعد بريغوجين أن تتخذ التدابير اللازمة ضد فجوة فاغنر وتمنع تصادم المناطق الرمادية المحتمل (وهو الحيز بين السلام والحرب بين الجهات الحكومية وغير الحكومية)".
واستطرد: "لهذا تبحث روسيا عن البدائل لتفادي هذا الوضع".
ومن بين البدائل، إعادة تشكيل فاغنر، ونقل المناقصات التي تلقتها فاغنر من خلال إنشاء شركة عسكرية جديدة، بالإضافة إلى إشراك وتدخل القوات الخاصة الروسية.
وعلق أصلان أن أول هذه الخيارات يتطلب موافقة موظفي فاغنر الحاليين، والثاني يتطلب تصفية فاغنر وخلق "بريغوجين" جديد، والثالث يتطلب المشاركة المباشرة مع العناصر التي تُعد وكلاء للدول الغربية.
وشدد على أن "بوتين، الذي سيبقى على الأرجح بين الخيارين الأول والثاني، سيتخذ موقفا مرنا وفقا للشروط التي يمليها الوضع".
وتابع: "هناك قضية أخرى تتبادر إلى الذهن وهي ماذا سيكون رد الفعل على بوتين في روسيا بعد هذا الحادث؟"
فترة صمت
ولفت أصلان إلى أن "هناك فترة صمت في روسيا نظرا لسيطرة الدولة الكاملة على وسائل الإعلام والتدخل اللحظي لقوات الأمن".
واسترسل: "الواقع أن حملة الشرطة الفورية ضد أولئك الذين عارضوا التدخل في أوكرانيا لا تزال في الذاكرة، ومن المرجح أن تخضع وفاة بريغوجين لنفس فترة الصمت تلك".
واستدرك أصلان: "تُعد التطورات التي قد تحدث في الحرب الأوكرانية الروسية بعد وفاة بريغوجين مهمة أيضا".
ونظرا لحقيقة أن فاغنر قد انسحب بالفعل من الجبهة، فإن النزاعات التي أصبحت ثابتة في أوكرانيا وعادت إلى خط المعركة لن تتغير بوفاة بريغوجين.
ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن معنويات ودوافع الجنود الروس الملتزمين بشدة بالقومية الوطنية.
فمما لا شك فيه، أن كثيرا من الجنود والعساكر الروس تركوا الجبهة ولم يريدوا القتال في الحرب وكان منهم زعيم فاغنر، بريغوجين.
وتسببت فاغنر التي تمرّدت على بوتين وشككت في جدوى قرار الحرب على أوكرانيا بزعزعة صفوف المقاتلين وتشكيك الجنود الروس بقدرتهم على إنهاء هذه الحرب بسرعة، يوضح أصلان.
وذكر أن "القيادة العسكرية والسياسية الروسية تحتاج إلى تقديم قصة نجاح للشعب والجنود حتى يتمكنوا من القتال بكل ما أوتوا من قوة في الحرب".
وأكد الكاتب على أنه "مما لا شك فيه أن قصة النجاح هذه، يجب أن تُزيّن بخطابات سياسية ودينية وقومية".
التداعيات المحتملة
ورأى أصلان أنه "من غير الواقعي توقع تغييرات في وضع روسيا في مناطق الأزمات مثل إفريقيا وسوريا وليبيا، كالتغييرات التي من الممكن أن تحدث في أوكرانيا، لأن سياسة موسكو في تطويق حلف شمال الأطلسي (الناتو) في إفريقيا ليست جديدة".
وأوضح أنه "اتخذت بالفعل إجراءات في بلدان الساحل مثل النيجر ومالي والسودان، حيث يجري طرد الشركات الغربية والجنود الغربيون من هذه البلدان".
وتابع: "رغم وفاة زعيم فاغنر، فمن المرجح أن تستمر سياسة روسيا في إفريقيا بنفس الوتيرة".
ولفت الكاتب النظر إلى أن "خطة روسيا هي إزالة أوكرانيا من أجندة الرأي العام الغربي، وبالنظر إلى الأولويات المتغيرة للدول الغربية مع حرب أوكرانيا، فإن خلق وضع جديد في إفريقيا قد يبعد أوكرانيا من أن تكون أولوية مرة أخرى".
أما في سوريا، فالوضع مختلف بعض الشيء، حيث ظلت روسيا التي تعاني من الحرب الأوكرانية بعيدة عن الأضواء في سوريا، ولذلك فقد ملأت إيران الفجوة هناك.
وأضاف أصلان: "ربما لن تتغير هذه الصورة طالما تستمر الحرب الأوكرانية، حيث سيكون الخطر الحقيقي بالنسبة لروسيا في سوريا هو الاتفاق بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية مع إيران مقابل برنامجها النووي والنفط /الغاز".
فإذا أبرمت إيران صفقة مع الغرب مقابل رفع العقوبات، فيمكنها تحقيق مكاسب كبيرة، وفي هذه الحالة، قد تُظهِر روسيا خيارا مثل موازنة إيران مع تركيا في سوريا، وبهذا المعنى، فإن فاغنر ليست في الواقع معيارا في سوريا.
وتابع أصلان: "أما ليبيا فهي مسألة مختلفة تماماـ حيث يتم الاعتماد على فاغنر، التي أصبحت خليفة (الانقلابي، خليفة) حفتر، بعد تدخل القوات التركية وتغيير ميزان القوى في ليبيا، ففاغنر تسيطر على الهلال النفطي في سرت ومدينة الجفرة الإستراتيجية".
وشدد على أن "أولوية روسيا هنا هي فتح الباب أمام دول الساحل الإفريقي عبر شرق ليبيا والحصول على حصة من النفط الليبي".
واستطرد: "لذلك، لا ينبغي أن نتوقع من روسيا مغادرة ليبيا، فسيكون من مصلحتها التصالح مع طرابلس وبنغازي بتنازلات طفيفة وتجربة فترة انتقالية".
وقال أصلان: "في هذه المرحلة من الضروري الانتباه إلى نوع الضغط الذي يمكن أن تمارسه الدول الغربية على رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وحفتر".
وأوضح أنه "من المرجح أن يكون تسريع العملية السياسية في ليبيا وإجراء الانتخابات في وقت قصير أولوية للغرب، لكن من أجل تجنب عملية تصفية فاغنر من ليبيا سيكون من مصلحة روسيا عدم إجراء الانتخابات في ليبيا والحفاظ على الوضع الراهن".
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: "بعد وفاة بريغوجين، ستكون هناك فوضى عارمة في صفوف فاغنر وفي المناطق التي تعمل فيها مثل ليبيا حيث سيتم تصفية فاغنر، ولهذا يجب على روسيا استعادة رباطة جأشها سواء في الداخل أو الخارج، ومن المؤكّد أنها فترة انتقالية ستنتهي قريبا إلا أنه سيتم الشعور بآثارها في جغرافيا واسعة".
وتابع: "في هذه الحالة، من الضروري الانتباه إلى الخطوات التي ستتخذها روسيا بالفعل من قبل بوتين مع ردود فعل الدول الغربية، فتفضيل الغرب للموقف الاستفزازي بالإضافة إلى خطوات فاغنر المضادة قد يصعب الأمر على بوتين".