الصين حجة أميركا وفرنسا لإضفاء شرعية على وجودهما بالمحيط الهادئ.. كيف؟
على عكس ما يعتقد كثيرون، رأى مركز دراسات تركي أن المنافسة العالمية في غرب المحيط الهادئ لا تقتصر على التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
بل هناك جهات فاعلة أخرى ومنها فرنسا التي تتنافس مع كل من الولايات المتحدة والصين في السياسة الإقليمية، وفق ما يقول مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات "أنكاسام".
زيادة النفوذ
وأردف الكاتب التركي "جينك تامر": هدفت رحلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بابوا غينيا الجديدة وفانواتو وكاليدونيا الجديدة في 23 يوليو/تموز 2023 إلى حماية وتعزيز مصالح باريس في المنطقة.
ففي هذه المنطقة التي تشتد فيها المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، تسعى فرنسا إلى أن تفرض نفوذها.
ولهذا تعمل فرنسا في المقام الأول على التعاون مع الدول الغربية التي تشاركها في الرؤية من أجل الحفاظ على بقاء المحيط الهادئ الغربي حرًا ومفتوحًا.
ونظرًا للتغيرات السريعة في الظروف، فإن فرنسا تشارك بشكل أكبر في العمليات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك التدريبات ودوريات الحرية في الملاحة البحرية لتزيد من وجودها هناك.
وتزامنت رحلة ماكرون إلى المحيط الهادئ مع مشاركة القوات الفرنسية في مناورات عسكرية كبرى تقودها الولايات المتحدة وأستراليا في المنطقة.
وقد أدت بعض التطورات إلى زيادة اهتمام فرنسا بالمنطقة، مثل مشاركة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في افتتاح السفارة الأميركية في تونغا، وهي إحدى دول جزر المحيط الهادئ، بالإضافة إلى توقيع الولايات المتحدة أخيرا اتفاقية تعاون دفاعي مع بابوا غينيا الجديدة.
وبينما تعمل الولايات المتحدة على زيادة وجودها في غرب المحيط الهادئ، تحاول باريس زيادة نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري حتى لا تتخلف في المنافسة المستمرة مع واشنطن، وفق الكاتب.
وأردف: "الجدير بالملاحظة في هذه المرحلة هو أن كلا من فرنسا والولايات المتحدة تدعي أن هناك تهديداً صينياً في المنطقة وبالتالي تضفي الشرعية على نفوذها الإقليمي هناك".
وفي حديثه خلال زيارته إلى جمهورية فانواتو في جنوب المحيط الهادئ، حذر ماكرون من "الإمبريالية الجديدة" وأدان السلوك المفترس للقوى الكبرى في المنطقة.
ضمن هذا السياق، قال الزعيم الفرنسي: "تظهر إمبريالية جديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخاصة في أوقيانوسيا، وإن منطق القوة هذا يهدد سيادة الدول الهشّة والصغيرة".
وأردف أنَّ "العالم الحديث يهز سيادة واستقلال منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويكمن السبب الأساسي في ذلك الموقف المفترس للقوى العظمى".
وأشار الكاتب التركي إلى أنَّه من المحتمل أنَّ تكون كلمات وتحذيرات ماكرون تستهدف بشكل أساسي الدول الغربية المنافسة بدلاً من الصين.
وفي الآونة الأخيرة وضمن فعاليات قمة فيلنيوس التي عقدتها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يوليو/تموز 2023، اعترضت فرنسا على اقتراح الحلف فتح مكتب في اليابان، مؤكدة أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من التوترات الإقليمية.
وعلى الرغم من اعتراضات فرنسا، فإنَّ حلف شمال الأطلسي سيستغرق بعض الوقت للتركيز على التحديات الأمنية في منطقة المحيط الهادئ.
أهداف الولايات المتحدة
ولفت الكاتب النظر إلى أن هدف الولايات المتحدة هو توجيه الناتو وشركائه الإقليميين، وهم اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، خاصة في الحرب ضد الصين.
وكان أكبر معترض على هذا هو فرنسا، التي ترى أنَّ سياسة واشنطن العدوانية في المحيط الهادئ لها عواقب وخيمة عن كثب.
وتعتزم فرنسا التصدي لخطوات الولايات المتحدة الخطيرة، وذلك لحماية الملايين من مواطنيها في الأراضي الجزرية في غرب المحيط الهادئ وفي بولينيزيا الفرنسية.
في الواقع، لدى فرنسا 7000 عسكري و13 سفينة و11 طائرة حربية في الدول الجزرية لحماية هذه الأراضي، كما تمتلك 7 قواعد عسكرية في غرب المحيط الهادئ.
وأضاف الكاتب: تعلن فرنسا عن وجودها العسكري المتنامي هناك بهدف مواجهة "النفوذ الصيني". وفي هذا السياق فقد طورت علاقات وثيقة مع البلدان ذات التفكير المماثل، غالبا الهند وأستراليا.
وإذا استثنينا أستراليا في الفترة الأخيرة، فإن القاسم المشترك بين هذه الجهات الفاعلة هو أنها على استعداد لاتخاذ خطوات أمنية سلمية للحفاظ على غرب المحيط الهادئ حراً ومفتوحاً، وتمتنع عن الأعمال التي من شأنها زيادة التوترات مع الصين.
وتابع: كان الهدف الإستراتيجي الطويل الأجل لفرنسا هو حماية مصالحها الخاصة وتعزيز نفوذها وتأكيد وجودها من خلال استعراض القوة، وفق الكاتب.
أما في المنافسة في غرب المحيط الهادئ، تسعى فرنسا لتعزيز نفوذها في المنطقة ولكن في بعض الأحيان تتخلف عن واشنطن وفي أحيان أخرى تتبع نهجها.
إذ عانت فرنسا من أول هزيمة كبيرة لها في المنطقة ضد الولايات المتحدة مع اتفاقية "أوكوس" وخسرت على إثرها فرصة التحالف مع أستراليا، ثم تحولت إلى البحث عن تعاون جديد مع شركاء مثل الهند واليابان.
وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من مرة له بأن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، كذب عليه فيما يتعلق بصفقة غواصات مع فرنسا انسحبت منها أستراليا، لتدخل بدلاً منها في اتفاقية دفاعية جديدة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أطلق عليها اسم "أوكوس".
وأعلنت أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا عام 2021 عن تحالف "أوكوس"، الذي يُنظر إليه على أنه محاولة أخرى لمواجهة نفوذ الصين الاقتصادي والعسكري المتزايد في المنطقة.
وعلى الرغم من أن فرنسا تحاول ضمان مشاركة واسعة في المناورات العسكرية في المحيط الهادئ مع حلفائها الغربيين، فإنها تعمل فقط مع الهند وأستراليا في سياق الحوارات الأمنية الثلاثية.
في الواقع، باريس غير مرتاحة لحقيقة أن حلفاءها في المنطقة يتعاملون بشكل عام مع واشنطن.
وترى باريس أن التعاون الوثيق الأخير بين أستراليا واليابان والولايات المتحدة يعرض مصالح فرنسا الإقليمية للخطر.
بديل لواشنطن
واستدرك الكاتب: كان خطاب الولايات المتحدة المتزايد حول "محاربة الصين" ناجحاً في نظر دول المنطقة، وبدأت هذه الجهات الفاعلة، إذا جاز التعبير، في العمل في "مدار واشنطن".
وينبغي أيضاً تقييم رحلة ماكرون إلى غرب المحيط الهادئ بأنَّ فرنسا تحاول أن تظهر للدول الجزرية هناك أنها يمكن أن تكون "بديلا" للولايات المتحدة.
في هذا السياق، تحرص الدول الجزرية الصغيرة والهشة في المحيط الهادئ على تحسين العلاقات مع فرنسا، مع مراعاة مخاطر الاعتماد المفرط على الصين أو الولايات المتحدة.
ويمكن القول إن المنافسة في غرب المحيط الهادئ تتركز على جزر سليمان وبابوا غينيا الجديدة، وهما بلدان كبيران نسبياً ومكتظان بالسكان.
على سبيل المثال، تعمل بابوا غينيا الجديدة، وهي أكبر دولة جزرية في المحيط الهادئ من حيث عدد السكان، الآن على اتفاقية أمنية مع أستراليا بعد توقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة.
ومن ناحية أخرى، كانت الاتفاقية الأمنية بين الصين وجزر سليمان واحدة من أكثر القضايا التي نوقشت في الأشهر العشرة الماضية، وفق الكاتب.
وأضاف: تركز الولايات المتحدة على توسيع شراكاتها السياسية والعسكرية مع كل من الجهات الفاعلة الإقليمية ودول جزر المحيط الهادئ لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد.
بالإضافة إلى ذلك، فقد شددت واشنطن دورياتها الأمنية في جزر المحيط الهادئ بسبب المخاوف بشأن أنشطة بكين البحرية.
ومن الناحية الدبلوماسية، يقول الكاتب إن فرنسا تتبع أيضاً خطوات الولايات المتحدة نفسها في المحيط الهادئ لتثبت وجودها هناك.
فبعد يوم من زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى بابوا غينيا الجديدة 27 يوليو 2023، زار ماكرون الجزيرة المعنية.
وبشكل عام، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون ردع دول جزر المحيط الهادئ عن إقامة علاقات أمنية مع الصين.
من ناحية أخرى، تحاول فرنسا إيجاد مكان لنفسها في هذا الصراع على السلطة، يخلص الكاتب.