اجتماع الفصائل الفلسطينية بمصر "لم يهدف" لإنهاء الانقسام.. ما أسباب انعقاده؟

12

طباعة

مشاركة

تساءل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عن أسباب عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في مصر، رغم معرفة الجميع أنه لن تنبثق عنه مصالحة وطنية.

وعقد هذا الاجتماع في 30 يوليو/ تموز 2023، في مدينة العلمين شمالي مصر، لـ"بحث سبل إنهاء الانقسام والاتفاق على رؤية وطنية وسياسية مشتركة"، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن الفصائل.

وترأس الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الاجتماع الذي حضره معظم الفصائل، ومن بينها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

دلالات الاجتماع

واستعرض المعهد الإسرائيلي دلالات هذا الاجتماع، مشيرا إلى أن ممثلي الفصائل استجابوا لنداء رئيس السلطة، وجاءوا إلى مصر، رغم أنه كان واضحا للجميع أن المؤتمر لن ينهي الانقسام الفلسطيني.

وتساءل المعهد الإسرائيلي، قائلا: "إذن لماذا عُقد المؤتمر؟ وما الذي يجب أن تنتبه إليه إسرائيل؟" 

وأوضح أن هذا الاجتماع سبقه لقاء بين عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، إسماعيل هنية، في 26 يوليو 2023، في أنقرة، بحضور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. 

ونقل أن "قادة حماس أشادوا بالروح الودية والتوافقية التي اتسم بها الحوار" الأخير في القاهرة.

وورد في الرسالة التي قرأها عباس خلال الاجتماع، "إنني أدعوكم لتشكيل لجنة منكم تستكمل الحوار حول القضايا والملفات المختلفة التي جرى مناقشتها اليوم، بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية".

لكن شكك المعهد الإسرائيلي في جدية دعوة رئيس السلطة لإنهاء الانقسام المستمر منذ يونيو/ حزيران 2007، بسبب الخلافات الحادة بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" و"حماس"، فيما لم تفلح الوساطات الإقليمية والدولية في إنهائه.

ويرى أن "التجمع كان في الأساس محاولة لوقف انهيار أولوية القضية الفلسطينية على جدول الأعمال العربي، خاصة في ظل سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية في أراضي الضفة الغربية، والتطبيع الذي تروج له الولايات المتحدة، بين السعودية وإسرائيل".

وحذر معهد دراسات الأمن القومي من خطورة تجاهل الحكومة الإسرائيلية تطورات العلاقة بين الفصائل الفلسطينية.

وفي هذا السياق، رصد عدة تحركات خلال يوليو 2023، منها زيارة عباس مخيم اللاجئين في جنين بعد "عملية عسكرية" شنتها قوات الاحتلال في المدينة، وتجديد الجهود الفلسطينية لإنهاء المقاومة العسكرية فيها. 

هذا علاوة على زيارة عباس إلى تركيا، وإرسال جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح (التي يترأسها زعيم السلطة أيضا)، عدة مرات إلى إسطنبول كان آخرها في يناير/كانون الثاني 2022، للقاء صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

قاسم مشترك

وأشار المعهد إلى أن "هذه المرة، وعلى عكس الماضي، كان اجتماع العلمين من دون حضور معتاد لمسؤولي المخابرات المصرية". 

وأضاف أن "الخط الرابط بين هذه الأحداث هو الحاجة إلى خلق قاسم مشترك داخلي بين الفصائل، يمكن من خلاله تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية كقيادة، في مواجهة التحديات غير المسبوقة التي تتعرض لها".

وحول ماهية هذه التحديات، ذكر أنها تتمثل في خطوات حكومة بنيامين نتنياهو الساعية لتغيير قواعد اللعبة في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية من جهة، فضلا عن التحركات الأميركية الإقليمية الواسعة الهادفة إلى إنجاز تطبيع محتمل بين تل أبيب والرياض.

وأردف أنه "في الأشهر الأخيرة، كان هناك قدر كبير من القلق في صفوف السلطة الفلسطينية من الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليها لدرجة إلحاق ضرر لا رجعة فيه بموقفها، بسبب سياسة الاستيطان المتسارع في الضفة الغربية".

ولهذه الأسباب، يزعم المعهد أن السلطة الفلسطينية باتت ترى ضرورة تعزيز شرعيتها، إذ إن رفع شعارات الوحدة بين الفصائل قد يعيد للأولى درجة من الشرعية أمام إسرائيل والمجتمع الدولي، وهو ما تحتاجه بشدة.

من جهة أخرى، يرى أن انخراط حماس وتواجد قيادتها العليا في الاجتماع إلى جانب عباس يشير إلى وجود مصلحة مشتركة -تكونت في ظل الواقع الحالي- تجمع بين الطرفين.

وأوضح أن حماس التي تطمح أن تكون بديلا للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، ترى حاليا وجوب الحفاظ على الأولى لأنها تؤسس لوجود فلسطيني رسمي وشرعي على المستويات الإقليمية والدولية.

وادعى المعهد أن حماس حاليا غير مهتمة كثيرا بالعودة إلى المواجهة المباشرة مع إسرائيل كما في الأيام التي سبقت اتفاقات أوسلو عام 1993.

وأتبع: "إن تعزيز مكانة حماس، من بين أمور أخرى، من خلال إبراز أن مكانتها مساوية لمكانة فتح، سيساعدها على المناورة بين مختلف فصائل المقاومة بهدف السيطرة على قوة المقاومة المسلحة للفصائل كافة".

التطبيع مع السعودية

وفي الوقت نفسه، تجري الإدارة الأميركية محادثات مكثفة مع السعودية بهدف تعزيز التحالف الإقليمي ضد إيران وإعادة استقرار نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، والتي سيجري في إطارها محاولة تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

ويقول المعهد إنه في مقابل اتفاقية التطبيع هذه، من المحتمل أن تطلب الإدارة الأميركية من إسرائيل الامتناع عن الاستمرار في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في الضفة الغربية".

وهو الأمر الذي من شأنه أن يعرض للخطر إمكانية الترويج لتسوية بين إسرائيل والفلسطينيين في الشرق الأوسط، وفق تقديره.

ونوه أن "الفلسطينيين ليسوا شركاء في التحركات التي تقودها الإدارة الأميركية بالوقت الراهن، وأحد أسباب ذلك هو ضعف الشرعية المحلية والدولية للسلطة الفلسطينية".

وبالعودة إلى اجتماع الفصائل الفلسطينية، ينفي المعهد أنه كان مسعىً جادا للمصالحة، لكن هدفه الرئيس إظهار التقارب وتنسيق المواقف بين حركتي فتح وحماس.

وأشار إلى أن "الجميع يدرك أنه لا إمكانية حاليا لجسر الهوة بين الحركتين، بسبب التقاطعات الأيديولوجية والسياسية". 

"لكنهم في ذات الوقت مضطرون لإيجاد آلية للتعامل مع مشاكل الواقع، التي قد تدمر القضية الفلسطينية على الساحتين الإقليمية والدولية"، وفق تقديره.

وأردف: "لذلك اختاروا بالاتفاق، وربما تحت ضغط مصري نقل رسالة إيجابية، مفادها وجود تفاهمات بشأن إدارة الانقسام وليس حله في الساحة الفلسطينية".

ويؤكد المعهد أن رئيس السلطة الفلسطينية لا يزال قادرا على التواجد وإحداث بعض المنجزات، بالرغم من التدهور المستمر لمكانته.

وأوضح: "دعا أبو مازن (محمود عباس)  الفصائل للاجتماع، وقاد هذا الاجتماع، واتبع الجميع أجندته بما في ذلك حركة حماس".

وفي هذا السياق، حذر المعهد من الانطباع الذي انبثق عن الاجتماع وهو أن "الاتفاقات والتفاهمات بين فتح وحماس كافية لربط الساحة الفلسطينية برمتها".

وأشار إلى ما أوردته الصحف الفلسطينية من أن أبو مازن طلب من هنية خلال اجتماعهما بإسطنبول، ضرورة إظهار الوحدة وتبني المقاومة "غير العنيفة"، حيث إن ذلك سيسهل على عباس إقناع الإدارة الأميركية بالضغط على الإسرائيليين.

وحول الدرس الذي من الممكن للحكومة الإسرائيلية استخلاصه، يقول المعهد إن "التهديدات الأكثرة حدة ضد القضية الفلسطينية تحفز التقارب بين الفصائل المتنازعة".

وأخيرا، يحذر من أن "تجاهل ما يحدث على الساحة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص محاولة تعزيز تنظيم العلاقات بين الفصائل ردا على التحركات الإقليمية، قد ينطوي على ثمن باهظ للغاية".