الحوار الوطني يستهدف الشريعة الإسلامية.. ماذا وراء ضجة " الكد والسعاية" بمصر؟

12

طباعة

مشاركة

خلال اجتماع "لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي" بالحوار الوطني، الذي يجرى تحت إشراف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، أثيرت ضجة كبيرة خلال مناقشة نصوص الشريعة الإسلامية في مسائل الميراث والطاعة ونفقة الزوجة.

وطالب مشاركون في جلسة المناقشة التي عقدت يوم 3 أغسطس/آب 2023، بتقنين وتعميم ما يسمى "حق الكد والسعاية" الذي ينص على حق المرأة في جزء من مال زوجها شريطة أن تكون شاركت في تكوينه.

وطالب المشاركون بتقنين تقاسم الزوجة ثروة زوجها في حالات الوفاة أو الطلاق دون شروط، بالمخالفة للشريعة الإسلامية.

لكن الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة بجامعة الأزهر، الذي حضر الجلسة رفض ذلك، مؤكدا أنه "مخالف للشريعة".

على الجانب الآخر، أعرب نشطاء سياسيون عن استغرابهم لطرح قضايا جدلية في "الحوار الوطني" المفترض أنه مخصص لمناقشة أمور سياسية واقتصادية تتعلق بانحراف السلطة عن الحريات وتبنيها القمع، وأكدوا أن طرح هذه القضايا ربما يكون متعمدا لـ"الإلهاء".

أوضحوا لـ"الاستقلال" أن جلسات المؤتمر يفترض أن تنتهي في أغسطس 2023، ولم يتم إنجاز أي مكاسب للحريات وحقوق الإنسان، فيما تواصل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التضييق على حياة المصريين.

وكان المستشار محمود فوزي رئيس الأمانة العامة للحوار الوطني، قال إن هناك 113 قضية فرعية سيتم مناقشتها في جلسات الحوار الوطني، وأغلبها لا علاقة له بفكرة الحوار بين السلطة والمعارضة، ما يعده النشطاء "تسويفا".

وتأتي أهمية إحياء فتوى "الكد والسعاية" في خضم استعداد البرلمان المصري لإصدار قانون جديد للأحوال الشخصية، والذي بدأ وضعه منذ عام 2017، لكن تعطل إصداره بسبب رفض شيخ الأزهر وعلماء طرح بنود بالقانون مخالفة للشريعة الإسلامية.

قصة اقتسام الميراث

في فبراير/ شباط 2022، دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب، إلى إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" في التراث الإسلامي، لكن هذه الدعوة لقيت جدالا بعدما اعترض عليها علماء وعدوها مخالفة للشريعة الإسلامية.

خاصة أن من روجوا لها، من منظمات نسائية وصحف، خرجوا بها عن المعنى الذي قصده الأزهر، من إعطاء جزء من الثروة للزوجة شرط أن تكون شاركت زوجها في عمله، إلى الحديث عن إعطاء الزوجة نصف ثروة زوجها حتى ولو لم تشاركه تنميتها.

هذه الفكرة، كما طرحها شيخ الأزهر، كانت تنص على بحث الإفتاء بإعطاء الزوجة نصيبًا من ثروة الزوج عند الوفاة، إلى جانب نصيبها الشرعي من الميراث، وذلك لحفظ حقوق المرأة العاملة، لكن تم طرحها بصورة مختلفة في مناقشات "الحوار الوطني".

مقررة "لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي" بالحوار الوطني نسرين البغدادي، طرحت فكرة "حق الكد والسعاية" من زاوية أن "المرأة تدعم زوجها وأسرتها، وتشارك في جميع المهام وضغوط الحياة، وتحمل أعباء منزلية، وتعاون في النفقات سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة".

وأضافت أن المرأة تجد نفسها في مراحل متأخرة من العمر دون شريك أو سند يعينها، ولا تعد شريكة في تكوين ثروة الزوج"، وطالبت بتفعيل فتوى أو قانون باسم "حق الكد والسعاية".

أيضا دعت عضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين شيرين فتحي، لوضع نص قانوني يُقر حق الكد والسعاية للزوجة التي توفى عنها زوجها، أو طلقت وكانت شريكة له في تحقيق ثروته.

واقترحت نصف الثروة حال الوفاة أو الطلاق، وألا يخل هذا بحقها في الميراث أيضا.

لكن أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أحمد كريمة، رفض تطبيق حق الكد والسعاية، وإعطاء الزوجة نصف ثروة زوجها، قائلا: إن "شراكة الزوجة في ثروة الزوج مخالف للشريعة الإسلامية".

"كريمة" الذي شارك في المناقشات، قال إن تطبيق حق الكد والسعاية بمثابة "اتهام للشرع بالتقصير"، وقال إن "الإسلام دين الدولة ويجب أن نحكم بالشريعة الإسلامية"، مشددا: "تلك حدود الله فلا تعتدوها"، داعيا لحلول أخرى.

لم يكتف "كريمة" بذلك، بل ورأى أن "قوانين الأحوال الشخصية أضرت بالأسرة ومؤتمرات (الأمم المتحدة) للسكان أضرت الأسرة المصرية"، لأنها طرحت قضايا "الجندر" ومساواة المرأة بالرجل، وتساءل "لماذا لم تأخذوا بآراء الأزهر الشريف في هذه القوانين؟"

وبسبب هذا الحسم من قبل الدكتور كريمة، اقترح الأستاذ في كلية الحقوق جامعة بني سويف حسام لطفي، وثيقة تأمين من قسط واحد عند إبرام عقد الزواج، تُدفع مرة واحدة ويحصل عليها أي من الزوجين عند انتهاء علاقة الزواج.

"الكد والسعاية"

ترجع الجذور التاريخية لفتوى الكد والسعاية" إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، حين طالبت بهذا الحق "حبيبة بنت زريق" زوجة عامر بن الحارث.

"حبيبة" كانت تنسج وتطرز الثياب والعمائم، بينما كان زوجها يتاجر فيها، وحين مات الزوج وبدأ الورثة تقسيم أراضيه وأمواله وأخذوا مفاتيح المخازن ليقتسموا ما بها، نازعتهم الزوجة الأرملة لكون هذه الأموال بفضل "كدها وسعايتها" مع زوجها.

وحين وصل الأمر إلى الخليفة عمر بن الخطاب ليحكم بينهم بالعدل، قضى بينهما بالشركة نصفين، فحكم لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها وسعايتها ثم بالربع من نصيب الزوج بصفتها وارثة لأنه لم يترك ولدا.

ولذلك أجمعت المذاهب الفقهية الإسلامية، على "حق الكد والسعاية"، لا سيما المالكية والحنفية منها، وعمل فقهاء المالكية على تأصيل حق الكد أو حق الشقا، واتفقوا على أن كل امرأة ذات صنعة مثل نسج وغزل وغيرها شريكة في ثروة زوجها.

وفي القرن العاشر الهجري (الـ 16 الميلادي) تجدد الجدل حول هذه الفتوى التي أحياها وأكدها أبو العباس أحمد بن الحسين بن عرضون، وهو فقيه تولى القضاء في مدينة شفشاون شمالي المغرب.

لذلك يُعرف "حق الكد والسعاية" أو "حق الشقا" في التراث الإسلامي بأنه "حق المرأة في الثروة التي يُنشئها ويُكونها الزوج خلال فترة الزواج، بحيث تحصل على نصيبها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية في تكوين هذه الثروة".

 وذلك بحسب دراسة فقهية، للباحث المغربي بكلية العلوم القانونية بالمغرب، كمال بلحركة، حملت عنوان "حقوق المرأة العاملة عند النوازل بين المغاربة"، حاول فيها تأصيل هذا الحق بالرجوع لواقعة جرت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

وقال إن حق الكد والسعاية آلية عرفية قوامها العدل والإنصاف والاعتراف بالجميل، تضمن للأفراد المساهمين في تكوين الثروة الأسرية والعائلية أو تنميتها، إمكانية المطالبة بحقوقهم المالية المترتبة عن مساهمتهم في جمع تلك الثروة.

وأوضح بلحركة أن حق الكد والسعاية لا يقتصر على الزوجة، بل يشمل الأبناء والأقارب الذين أسهموا في تنمية واستثمار أموال الأسرة تطوعًا دون نصيب أو أجرة معلومة، وبالتالي لهم الحق في الحصول عليه عندما يطالبون به، بمقدار عملهم.

وقد شرحت الدكتورة فتحية الحفني، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، معنى فتوى الكد والسعاية التي تحفظ للمرأة العاملة حقوقها، مؤكدة "أن حق الكد والسعاية لا ينص على كتابة نسبة معينة للزوجة في العقود التي يتم تحريرها، وإنما توضع النسبة التي أسهمت بها مع زوجها، ضمانًا لحقوقها".

وأشارت إلى أنه "إذا توفي الزوج، وكانت الزوجة مشاركة معه في كل شيء، وتم تحرير عقود بموجب حق الكد والسعاية، تحصل على نصيبها أولا، وبعد ذلك توزع التركة"، بحسب موقع "مصراوي" في 15 فبراير/ شباط 2022.

ورغم كونه مصطلحا فقهيا قديما، إلا أن حق "الكد والسعاية" الذي ينص على حق المرأة في جزء من مال زوجها الذي شاركت في تكوينه، يثير الجدل بين العلماء وفقا لتقرير نشره موقع "ارفع صوتك" 9 مارس 2022.

فعلي حين قال فقهاء عن نصيب المرأة بعد انقضاء الزوجية بالطلاق أو الوفاة، أن "لهن قسمة بالتساوي بحسب تعبهن وكدهن مع الزوج".

سعى موالون للسلطة في مصر، من بعض رجال الدين والمنظمات النسائية، لتوسيعه كمبدأ عام والمطالبة باقتسام الثروة أو الميراث بين الزوج والزوجة رغم مخالفة ذلك للشريعة.

وضمن هذه المناقشات أثيرت مسألة: هل حق الكد والسعاية يتضمن الأعمال المنزلية للزوجة؟.

لكن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أكد أن حق الكد والسعاية لا يتضمن الأعمال المنزلية اليومية والأدوار التي تقوم بها في بيت زوجها، بحسب صحيفة "اليوم السابع" في 19 فبراير 2022.

رأي شيخ الأزهر

يوم 16 فبراير 2023، وفي ظل الجدل المثار حينئذ حول قضايا المساواة بين الجنسين، أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب، على ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية"، لحفظ حقوق المرأة "العاملة".

وتصدر خبر الدعوة إلى إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما فسره شيخ الأزهر، على أنه إعطاء الزوجة "نصيبا" من ثروة الزوج عند الوفاة، إلى جانب نصيبها الشرعي من الميراث.

كانت الفتوى في إطار الاجتهاد وتقضي بحق ونصيب معلوم للمرأة في مال زوجها سواء في حالة الطلاق أم الوفاة، و"ذلك نظير عملها ومشاركتها له في تكوين تلك الثروة".

وقد أكد شيخ الأزهر بأنها "لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت عليها النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة".

وعاد شيخ الأزهر ليؤكد خلال برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» عام 2022 على ضرورة حفظ حق الكد والسعاية للزوجة في ثروة زوجها.

وسبق أن دعا الأزهر الشريف أيضا في بيانه الختامي لمؤتمر التجديد المُنعقد في يناير 2020، إلى إحياء هذه الفتوى.

حيث أكد أنه "يجب تعويض المُشترِك في تنمية الثَّروة العائلية، كالزوجة التي تخلِط مالَها بمال الزوج، والأبناء الذين يعملون مع الأب في تجارة ونحوها، فيُؤخَذ من التركة قبل قسمتها ما يُعادِل حقَّهم، إن عُلِمَ مقداره، أو يُتَصَالَح عليه بحسب ما يراه أهل الخِبرة والحِكمة إن لم يُعلَم مقداره".

في فتواه بتاريخ 19 فبراير/شباط 2023 أرجع "مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية" الأصل الفقهي لحق "الكد والسعاية" إلى أدلة الشريعة الإسلامية الواردة في حفظ الحقوق، والمقررة لاستقلالية ذمة المرأة المالية.

قال: منها الآية الكريمة: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ" [النساء: 32]، إضافة إلى قضاء الخليفة عمر بن الخطاب بحق زوجة في مال زوجها الذي نمياه معا قبل تقسيم تركته، ثم قضى بمثله كثير من القضاة والفقهاء عبر العصور.

لكنها أكدت: "يُعد حق الكد والسعاية هو حق الزوجة في ثروة زوجها إذا شاركته في تنميتها ببذل المال أو بالسعي والعمل".

قالت إن من صور مشاركتها العملية: عملها معه ببدنها في مشروع أو شركة أو صنعة ونحو ذلك.

ومن صور المشاركة المالية: إعطاؤه من هبة أبيها لها أو من هبة غيره، أو ميراثها من أبيها أو من غيره، أو من راتب عملها، أو من صَداق زواجها، أو مقتنياتها، أو حُليِّها، ونحو ذلك مما امتلكته، وكان في ذمتها المالية المستقلة التي قرّرها الإسلام لها. 

أضافت الفتوى أن هذا الحق "يقدّر بقدر مال الزوجة المضاف إلى مال زوجها وأرباحه، وأجرة سعيها وكفاحها معه، ويجوز لها المطالبة به أو المسامحة بشأنه".

وشددت الفتوى على أنه "في الشريعة لا يتعلق أخذ الزوجة حق كدها من ثروة زوجها بانتهاء الزواج سواء بوفاة أم انفصال، وإنما هو حق للمرأة حتى في حال بقاء الزواج".

وقالت إن هذا الحق "لا يغني عن التزام الزوج بالنفقة على زوجته لأن الأصل في الشرع هو أن النفقة واجب والتزام على الزوج قرره الإسلام للزوجة".

لكن الدكتور أحمد كريمة، يوضح أن "هناك خلطا فيما يتعلق بالكد والسعاية، موضحا أنه يتعلق بالشراكة المالية وليس تقسيم ثروة الزوج".

وهو ما يتوافق مع فتوى الأزهر، التي شوهتها منظمات نسائية وسيدات شاركن في "الحوار الوطني" بالحديث عن أنها اقتسام الثروة سواء عملت الزوجة في تنميتها أم لا.

لذلك شدد الشيخ "كريمة" خلال جلسة لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي في الحوار الوطني على أن حق الكد والسعاية للأسرة مرفوض، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وترفض ذلك.

وفي حديث سابق لقناة "ETC" المصرية الخاصة، أكد كريمة أن حق الكد والسعاية قاصر على المعاملات المالية، مثل أن المرأة تشارك أو تعاون زوجها في عمله مثل الزراعة والتجارة حلال وجائز شرعا.

قال: "يمكن أن نحاسبه من باب شركة الأبدان ويقتسما الربح وهذا أمر مقرر في الفقه الإسلامي وقد تكون شركة مفاوضة"، لكنه رفض ما يقال عن أن هذا الحق يعني إعطاء الزوجة نصف ثروة زوجها لو طلقها أو مات على الطريقة الغربية.

أوضح أنه في المعاملات المالية يمكن للزوجة أن تحصل على نصيبها كأي شخص أجنبي، وهذا لا خلاف عليه، لكن هذا الأمر يجب ألا يطبق نظير أعمالها المنزلية، لأن الشريعة الإسلامية خصصت لها حقا في المهر والنفقة مقابل تلك الأعمال.

أكد أنه "يجب ألا نقول إن للمرأة حقا في مال زوجها إذا مسحت وكنست وأدت الأعمال المنزلية لأن هذا الأمر سينزل بها من مرتبة الزوجة إلى خادمة" بينما القرآن كرمها وخصص لها نفقة، هي حق على الزوج".