تأثير الدومينو.. كيف يهدد انقلاب النيجر الاستقرار المأمول في ليبيا؟
سلط مركز دراسات تركي الضوء على الانقلاب العسكري في النيجر وتداعياته ومدى تأثيره على الأمن والاستقرار في ليبيا.
وقال مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية (أورسام): "في ليلة 26 يوليو (تموز) في النيجر، كان العقيد أمادو عبد الرحمن والجنود المرافقون له حاضرين في بث تلفزيوني جرى فيه الاستيلاء على الحكومة".
وعلى إثر ذلك، جرى الانقلاب على الرئيس محمد بازوم واحتجازه، وأغلقت الحدود وأعلن حظر تجول مؤقت.
وقاد قائد الحرس الوطني عمر تشياني، عملية الانقلاب على الرئيس بازوم. ولاحقا، عين الجنرال نفسه رئيسا للمجلس الانتقالي في البلاد.
وفي أعقاب التطورات، تفاعلت العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية مع الانقلاب العسكري، وفق الكاتب التركي "فواد أمير شيفقاتلي".
بل وأدانت دول المنطقة المجاورة للنيجر، وخاصة المنظمات الإقليمية والدولية، الشخصيات العسكرية التي انقلبت على العملية الديمقراطية.
وأردف المركز: تتمتع النيجر بموقع إستراتيجي من حيث مواردها الغنية باليورانيوم وتستضيف قواعد الدول التي لها وجود عسكري نشط في منطقة الساحل، مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
وبهذا المعنى، يمكن القول إن روسيا والصين وتركيا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا لديها بعض الارتباطات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في البلاد.
وعلى وجه الخصوص، جاءت تصريحات الإدانة من ليبيا، حيث علق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على التطورات.
ردود فعل
وأدان المنفي "المحاولة غير الدستورية لتغيير الإدارة في النيجر"، وذكر أن الخطوات العسكرية غير القانونية لا تستند إلى أي أساس مشروع.
وأضاف أن ميثاق الاتحاد الإفريقي يرفض التدخلات غير الدستورية، مشيرا إلى أن وحدات الجيش المتورطة في الانقلاب في النيجر يجب أن تعود إلى ثكناتها.
وبدوره، أعرب الدبيبة، عن قلقه إزاء التطورات في النيجر، وأكد في حسابه على تويتر أن التحركات العسكرية التي تقوض الأمن والاستقرار تثير قلق دول المنطقة.
وشدد على التزامه بمبادئ الاتحاد الإفريقي، مضيفاً أنه من الضروري استعادة المؤسسات الديمقراطية التي جرى تعليقها في النيجر.
وقد أشار الكاتب التركي إلى أن التطورات في النيجر ذات أهمية كبيرة لليبيا، التي تعيش مأزقاً سياسيا بسبب الانتخابات.
وبين أن التقدم البطيء في مفاوضات اللجنة المشتركة 6+6، والضغط المتزايد الذي تمارسه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يقلل من احتمال التوصل إلى اتفاق يهدف إلى حل شامل.
ولجنة "6+6" مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة (نيابي استشاري) نص على تشكيلها التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري (دستور مؤقت وُضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011).
ووفق اتفاق المجلسَين كلُفت اللجنة إعداد قوانين انتخابية "توافقية" تجري عبرها انتخابات تحل أزمة صراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022 وأخرى برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا إلى حكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب
بالإضافة إلى ذلك، فإن إطالة أمد العملية يمهد الطريق أمام اللواء الانقلابي خليفة حفتر، لتحويل خطابه إلى لهجة أكثر عدوانية.
التأثر بالخارج
ورجح الكاتب أن الاستقرار والسلام اللذين تحاول ليبيا إقامتهما في الداخل سيتأثران بعوامل خارج المنطقة.
تماماً مثل مالي، المتضررة من الانقلاب في النيجر والتي قد تدخل في عملية فوضى، مما قد يؤدي إلى امتداد الصراع إلى ليبيا عبر حدود مشتركة واسعة.
وفي مثل هذا السيناريو، يمكن للجماعات المسلحة ولا سيما تلك التي تنشط في جنوب البلاد أن تستغل الفوضى وتنخرط في بعض الأنشطة غير القانونية.
وعلق الكاتب: "إحدى النقاط الرئيسية التي يجب التأكيد عليها في هذه المرحلة هي أن أنشطة التهريب والجماعات الإرهابية حولت منطقة فزان في ليبيا إلى مكان عبور.
ويحتوي هذا الموقف على إمكانية إضافة ثغرة أخرى إلى الثغرات الأمنية الحالية، وفق تقدير الكاتب التركي.
"لدرجة أنه في ظل نهج المناطق التي لا يمكن السيطرة عليها، يجري تعريف منطقة فزان على أنه لا يمكن توفير الخدمات العامة الأساسية فيها وحيث وصلت المخاوف الأمنية إلى مستوى خطير في نظر الشعب".
وتابع الكاتب: "في هذه المرحلة، وبالنسبة إلى أنَّه بلدٌ مستقر نسبياً في منطقة الساحل ويتمتع بسلطة دولة قوية، وصل الجو في النيجر إلى بعد لا يمكن السيطرة عليه".
وهو ما يوفر للجهات المسلحة غير الحكومية في البلاد البيئة التي يبحثون عنها، والذي بدوره يحول هذه النقاط إلى ملاذات آمنة، بحسب تقديره.
تحفيز حفتر
وأضاف: من ناحية أخرى، قد يؤدي نجاح الانقلاب العسكري في النيجر واستيلاء شخصيات عسكرية على البلاد إلى تحفيز خليفة حفتر.
وهذا السيناريو، الذي يمكن قراءته على أنه تأثير الدومينو، له أمثلة خاصة بالمنطقة في الماضي.
فكما هو معروف، في عامي 2014 و2019، فشلت محاولات حفتر الانقلابية ضد الحكومات المدعومة من الأمم المتحدة في الغرب.
ومع ذلك، في المرحلة الحالية، تظهر تصريحاته وجهوده لتقويض عملية المصالحة/الحوار في ليبيا من خلال النخب السياسية والعسكرية، وخاصة البرلمان الذي يتخذ من طبرق مقراً له، أن حفتر لا يزال لديه أهداف مماثلة في المستقبل.
لذلك، فإن الاضطرابات الداخلية في النيجر وامتداد البيئة الفوضوية هناك إلى ليبيا قد يوفر لحفتر البيئة التي يبحث عنها.
وبالنسبة لحفتر، الذي يخوض منافسة صامتة مع القوات الموالية للحكومة الحالية في جنوب ليبيا، فإن انعدام الأمن الذي سينشأ في هذه المنطقة بسبب الأحداث في النيجر قد يمهد الطريق لتدخل عسكري في محافظة فزان.
فلهذه المناطق قيمة رمزية مهمة من حيث متغيرات القوة في السياسة الليبية، وفق قول الكاتب.
أمن قومي
وأضاف: السيناريو الثالث لتداعيات الانقلاب في النيجر هو إمكانية تحول الشباب الذين يحملون السلاح إلى "مرتزقة"، كما في حالة السودان وتشاد، مع انتقال الأحداث في ذلك البلد إلى مرحلة أكثر تقدماً.
وبالنظر إلى الجنجويد السودانيين الذين قاتلوا إلى جانب حفتر في الماضي القريب - وتحولوا الآن من أطراف في الحرب الأهلية في السودان إلى "قوات الدعم السريع" - وجماعات ميليشيا "جبهة التغيير والوفاق" في تشاد، فمن الممكن أن يخلق مثل هذا الوضع مشاكل أوسع في ليبيا.
لذلك، فإن توسيع نطاق نفوذ الجماعات الإرهابية المتطرفة والجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول التي اكتسبت القدرة على التنقل في المنطقة قد يؤدي إلى مخاطر أمنية في المستقبل.
أخيراً، يمكن القول إن تنظيم الدولة، الذي تبنى إستراتيجية "الخلايا النائمة" في منطقة فزان في ليبيا، يتابع عن كثب التطورات في النيجر وسيبدأ الاستعدادات للأنشطة العملياتية مرة أخرى اعتماداً على التطورات هناك.
إذ نفذ التنظيم آخر هجوم انتحاري له على نقطة تفتيش للشرطة في سبها أكبر مدن الجنوب الليبي، عام 2021.
وأشار الكاتب التركي إلى أنه وبالنظر إلى تصريحات ونهج المنفي والدبيبة، يمكن القول إن كل هذه العوامل يجري تقييمها من قبل البيروقراطية العسكرية في ليبيا.
فقد يسهل الانقلاب في النيجر مرور الجماعات المسلحة والمليشيات إلى ليبيا بسبب ضعف الرقابة على الحدود والثغرات الأمنية في الجنوب، وهو ما ينظر إليه على أنه مسألة أمن قومي.
بالإضافة إلى ذلك، من خلال تقويض عملية الانتقال السياسي الجارية في ليبيا، قد تمهد الأحداث الطريق لخطوات مناهضة للاستقرار من قبل الجهات الفاعلة الشبيهة بحفتر التي تقلص دورها في المجال السياسي.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: التطورات في النيجر يتابعها عن كثب صناع القرار في ليبيا، وسيجري اتخاذ تدابير حدودية جادة في هذا الاتجاه على المدى القصير.