بعيدا عن الابتزاز الروسي.. هل يعتمد الغرب آلية جديدة لإيصال المساعدات للسوريين؟

12

طباعة

مشاركة

تسعى عدد من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة لضمان استمرار وصول المساعدات إلى مناطق شمال غرب سوريا، عبر تجاوز التفويض المعمول به من مجلس الأمن الدولي سابقا.

ويأتي هذا الخيار عقب فشل مجلس الأمن في 11 يوليو/تموز 2023، في تمديد آلية إدخال المساعدات من تركيا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري عبر معبر باب الهوى شمال إدلب الخاضع للمعارضة.

صندوق مساعدات

وقال دبلوماسيون ومسؤولو إغاثة، إن القوى الغربية تعمل على إيصال المساعدات للمحتاجين في شمال غرب سوريا من خلال صندوق جرى إنشاؤه لتجاوز الأمم المتحدة.

وتدعم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا صندوق المساعدات لشمال سوريا، الذي يهدف إلى توزيع المساعدات باستخدام المنظمات المحلية في الشمال الغربي، مما يعكس الطريقة التي تعمل بها الأمم المتحدة في المنطقة.

وقال دبلوماسي أوروبي لصحيفة "ذا ناشيونال" الإنجليزية في 22 يوليو/تموز 2023، إن "روسيا كانت تجعل الأمر أكثر صعوبة في مجلس الأمن، وكنا بحاجة إلى أخذ زمام المبادرة".

وشدد الدبلوماسي (لم تذكر اسمه) على أنه "لا يمكن السماح للجدل حول السيادة بتجاوز الجهود الإنسانية".

وعلى مدى العقد الأخير، بقي إيصال المساعدات إلى سوريا محور خلاف دولي وطرفه الأول روسيا -نيابة عن النظام السوري- الذي تدخلت عسكريا عام 2015 لمنع سقوطه مما وفر لها موطأ قدم لأول مرة على البحر الأبيض المتوسط عام 2017 عبر قاعدة بحرية في طرطوس وأخرى عسكرية بريف اللاذقية بعقدين منفصلين مدة كل منهما 49 عاما.

وتحاول موسكو أن تشرك النظام السوري في توزيع المساعدات على مناطق المعارضة بحجة أن إرسال المساعدات عبر تركيا من دونه "يقوض سيادة الدولة السورية".

ولهذا استخدمت روسيا، حقها في النقض داخل مجلس الأمن لمنع صدور قرار يُمدد العمل بآلية إدخال المساعدات لشمال غربي سوريا لتسعة أشهر.

فيما تصر الأمم المتحدة وعاملون في المجال الإنساني وغالبية أعضاء المجلس على تمديد الآلية سنة واحدة على الأقل للسماح بتنظيم أفضل للمساعدات وضمان إيصالها إلى مستحقيها.

وانتهت في 10 يوليو 2023 مفاعيل الآلية التي تتيح إيصال مساعدات يستفيد منها 2,7 مليون شخص شهريا يعيشون بالمخيمات.

وتدخل إلى تلك المناطق المساعدات الإنسانية الدولية عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثة مناطق المعارضة، وهي نقطة العبور الوحيدة التي يضمنها قرار صادر عن مجلس الأمن حول المساعدات العابرة للحدود.

ويجري عبر معبر "باب الهوى" الذي يبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلو مترا إيصال نحو 85 بالمئة من حجم المساعدات الإنسانية الإجمالي إلى سوريا.

بدائل وخيارات

والجهود الدولية المبذولة في سبيل استمرار تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود لمناطق المعارضة، تكسر رغبة النظام في جعل نفوذه على كامل توزيع المساعدات الدولية.

وفي هذا الإطار، يؤكد وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، عبد الحكيم المصري، أن "خطة القوى الغربية كانت مقترحة منذ التجديد السابق لإدخال المساعدات كخيار لتجاوز الفيتو الروسي داخل مجلس الأمن من خلال وضع آليات جديدة لضمان بقاء مساعدة السوريين المحتاجين في الشمال الغربي".

وأضاف المصري لـ"الاستقلال" أن "الدول الغربية وجدت أن إدخال المساعدات عبر نقاط التماس مع النظام السوري غير مجدية، لكون الأمم المتحدة تعلم كيف يقوم النظام باستغلال المساعدات حتى داخل مناطقه عبر منح مناقصات شراء لمنظمات وجمعيات تابعة له ولأسماء الأسد زوجة بشار".

ومضى يقول إن "الدول الغربية كانت تعطي النظام السوري فرصة، لكن راهنا بعد منع تمديد إدخال المساعدات للسوريين عبر تفويض من مجلس الأمن فإن روسيا كانت تتوقع أن المساعدات ستتوقف، إلا أن ما حصل هو أن الدول الغربية لم تربط الوضع الإنساني بسوريا بموافقة موسكو ونظام الأسد".

واستدرك المصري: "لذلك فإن الدعم سيكون من غير معبر باب الهوى ومن معابر ثانية لتخفيف عبء الحياة عن الناس والفقراء حيث تشكل سد فجوة في شمال غرب سوريا".

وألمح المصري إلى أن "من الآليات الجديدة المتوقعة هي إدخال المساعدات بدون موافقة مجلس الأمن عبر كل المعابر الحدودية مع تركيا، وكذلك دعم المنظمات بحيث يكون التوزيع نقديا، أو عبر منح تلك المنظمات الأموال لكي تقوم بتجهيز سلال غذائية ومواد ضرورية، إضافة إلى هناك بدائل كثيرة متوفرة على الأرض لتقديم المساعدة للسوريين".

ونوه المصري بأن "هناك الكثير من المنظمات العاملة في الشمال السوري تقدم مساعدات وما تزال بدعم من الدول الأجنبية، وهي خارج سلطة الأمم المتحدة وغير مرتبطة بالتفويض من مجلس الأمن".

وبين الوزير أنه "جرى هناك لقاءات مع منظمات تتبع للأم المتحدة وتعهدوا بتقديم المساعدات من خارج تفويض مجلس الأمن عبر عدد من المعابر لمنع تأثر المنطقة بالفيتو الروسي".

وذهب المصري للقول: "لم يكن أحد يتوقع أن تفقد روسيا ورقة إدخال المساعدات التي لطالما لوحت بها كسياسة ابتزاز، لكن هذا يدل على التخبط الروسي جراء حرب أوكرانيا انعكس على الملف السوري، ولا سيما أن موسكو أعلنت أخيرا انتهاء العمل باتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود".

رفض المساومة

وعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة خاصة في 19 يوليو/تموز 2023 لبحث مسألة استخدام روسيا لحق النقض "الفيتو" ضد قرار تمديد تفويض دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا.

وفي كلمته خلال الجلسة، قال القائم بأعمال البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جيفري ديلورينتيس، إنه "لا بديل عن الآلية العابرة للحدود".

وشدد على أن "الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني على الأرض يتفقون جميعا على أن اقتراح النظام السوري ليس بديلا عمليا".

وأكد ديلورينتيس أنه "يجب عدم استخدام المساعدات الإنسانية كورقة مساومة، ولا يمكن أن يكون على أساس الشروط".

وطرح نظام الأسد في رسالة بعثها إلى مجلس الأمن الدولي في 14 يوليو 2023، شرطين لقبوله مرور المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي،و الأول "وجوب ألا تتواصل الأمم المتحدة مع كيانات مصنفة إرهابية".

وهو ما رفضه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوشا).

والشرط الثاني الذي بعثه نظام الأسد "بأن يكون هناك إشراف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التابع للنظام على توزيع المساعدات".

لكن مكتب "أوشا" شدد على أن هذا الطلب "لا يتوافق مع استقلالية الأمم المتحدة، كما أنه ليس عمليا، لأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ليسا موجودين في شمال غرب سوريا".

وعلق المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، ريتشارد غوان، لوكالة "فرانس برس" في 15 يوليو 2023، على شروط نظام الأسد بقوله: "النظام يسعى عبر هذه الخطوة لتأكيد سيطرته على مناطق لم يتمكن من استعادتها عسكريا".

منع الضرر

التعنت الروسي في تقليص نطاق عمل الآلية الدولية لإدخال المساعدات للسوريين منذ عام 2014 والتي كانت عبر 4 معابر حدودية قبل أن تنحصر بمعبر واحد فقط هو باب الهوى ويتوقف هذا الأخير بموجب الفيتو، يمثل خدمة لمصالح نظام الأسد "الابتزازية".

ويعني ذلك أنه من دون قفز المجتمع الدولي على هذا "الابتزاز" لمساعدة نحو 4 ملايين شخص للبقاء على قيد الحياة شمال سوريا، فإن بطء تدفق المساعدات سيعمق معاناتهم.

ولا سيما أن هؤلاء الفارين من بطش آلة النظام الحربية، يفتقرون لأدنى مقومات الحياة مع تفشي الأمراض وفقر متزايد فاقمه الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال سوريا فجر 6 فبراير/ شباط 2023.

ولهذا يؤكد كثير من المراقبين أن روسيا تحاول تمهيد الطريق لعودة النظام السوري إلى مناطق المعارضة من بوابة المساعدات، وهذا ما ترفضه كثير من دول الغرب رغم فتح بعض الدول العربية ذراعها من جديد للنظام.

لكن بالمقابل، يخشى سوريون فروا من حكم الأسد من أن يتمكن الأخير قريبا من منع المساعدات الطبية والغذائية، التي يحتاجون إليها بشدة، ما لم يجر الموافقة على شروط النظام الخاصة.

وضمن هذه الجزئية، تؤكد منظمة الدفاع المدني السوري المعارضة، أن المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا "قانونية دون إذن من مجلس أو نظام الأسد، الذي قتل وهجر السوريين واستخدم الأسلحة الكيميائية لقتلهم ودمر البنى التحتية وسبل عيش المجتمعات".

وأضافت المنظمة في بيان لها نشر في 15 يوليو/تموز 2023 أنه "من المحبط للسوريين أن يصبغ ملف المساعدات الإنسانية بصبغة سياسية في ظل استمرار التوظيف السياسي من قبل النظام وروسيا، من دون أدنى تقدير للقيم الإنسانية".

وأشار إلى "وجود مستند قانوني لتسهيل إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا وبدون الحاجة إلى تصويت من مجلس الأمن أو موافقة النظام السوري".

وذكرت المنظمة أنه "يجب ألا ننسى الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها النظام بحق السكان".

ولفت إلى أن "أكثر من مليوني مهجر في شمال غرب سوريا لديهم تاريخ طويل من التهجير المتكرر والحصار من قبل نظام الأسد واستخدامه المساعدات كسلاح".

وشددت المنظمة على أن "هناك ضررا نفسيا كبيرا ستتسبب به الأمم المتحدة حال موافقتها على الخضوع لنظام الأسد، عبر إجبار السكان في شمال غرب سوريا على استلام دوائهم وغذائهم بموافقة النظام، وهو المسؤول عن معاناتهم، واستخدم بشكل ممنهج خلال السنوات الماضية المساعدات كسلاح في حصارهم وتجويعهم".