شراكات إستراتيجية واتفاقيات بالمليارات.. ما نتائج جولة أردوغان الخليجية؟
خلال العقد الأخير، اتسمت السياسة الخارجية التركية مع دول الخليج بالتقلب والتوتر بين آن وآخر، لكنها شهدت تغيرا كبيرا في العامين الأخيرين مع تطبيع العلاقات وتبادل الزيارات.
وتعد التطورات في المنطقة والتوترات الناجمة عن خطابات التدخل في الشؤون الداخلية من أهم العوامل التي أثرت في علاقات تركيا مع دول الخليج.
وبينما طبعت تركيا حديثا علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعد فترة طويلة، فإن علاقاتها مع قطر كانت أفضل بكثير.
وبدءا من 17 يوليو/ تموز 2023، شرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولة خليجية مدتها 3 أيام، شملت السعودية وقطر والإمارات، وتخللها توقيع اتفاقات ومذكرات تعاون بمليارات الدولارات.
اتفاقيات لافتة
ويبدو أن عالم المال والأعمال هو المستفيد الأول من توطيد تركيا علاقاتها مع دول الخليج، فعلى سبيل المثال أبرمت الشركات الخاصة التركية 26 اتفاقية مع دول الخليج الثلاث خلال جولة أردوغان.
وشهدت الجولة عقد منتديات أعمال مشتركة بين تركيا والبلدان الثلاثة، وحظيت بمشاركة نحو 200 رجل أعمال تركي من قطاعات متفرقة على رأسها العقارات والمقاولات والصناعة والزراعة والأغذية والمعلوماتية والمدن الذكية والمواني والمصارف، إضافة إلى حضور كثيف للمستثمرين من تلك البلدان.
وقالت دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية التركية إنه جرى التوقيع على 13 اتفاقية في مجالات مختلفة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة بقيمة 50.7 مليار دولار.
كما وقّعت تركيا وقطر على بيانٍ مشترك، احتفاء بمضي 50 عاما على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، يتضمن رؤية مستقبلية واعدة لمزيد من تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بما يخدم مصالح الدولتين والشعبين الشقيقين.
ومع السعودية، وقعت تركيا، اتفاقيات في مجالات الاستثمار المباشر والصناعات الدفاعية والطاقة والدفاع والاتصالات.
وقال الرئيس أردوغان، في بيان له أثناء مغادرته إسطنبول قبل بدء الجولة، إن "حجم تجارتنا الثنائية مع دول الخليج ارتفع من 1.6 مليار دولار إلى نحو 22 مليار دولار في العشرين عاما الماضية"، مشددا على أن توقعاته تصل إلى أبعد من ذلك. ومن المعروف أن الهدف هو الوصول إلى 30 مليار دولار.
في هذه الفترة التي أشارت فيها تركيا إلى الخطوات التي يجب اتخاذها في سياستها الخارجية، باتت جولة الخليج مهمة للغاية.
وجدر بالذكر أن الرئيس التركي الذي أدلى بتصريحات حول العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" خلال يوليو 2023، أعرب كذلك أن بلاده لن تدير وجهها بعيدا عن الشرق الأوسط.
كما حظيت زيارة الرئيس أردوغان، الذي استُقبل بحفل رسمي في محطته الأولى السعودية، بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية، التي أكدت على علاقات "الأخوة التاريخية" بين البلدين.
كذلك أعلنت صحيفة تركية مقربة من الحكومة لقرائها أن هذه الزيارة مثلت نافذة جديدة من الفرص.
كما ذكر أن القضية الحاسمة في العلاقات بين الطرفين ليست الموارد قصيرة الأجل، التي تعرف بأنها الأموال الساخنة القادمة من الخليج، لكن أُكد على ضرورة اعتماد صندوق استثماري طويل الأجل.
وجرى توقيع اتفاقية بين تركيا والسعودية من قبل أسماء رفيعة المستوى في 5 مجالات، في مقدمتها الاستثمار المباشر والصناعات الدفاعية والطاقة والاتصالات.
وخلال زيارات الرئيس أردوغان مع بعض الوزراء ورجال الأعمال، نُوقشت الخطوات التي يمكن اتخاذها لزيادة تعزيز وتطوير العلاقات القائمة. وعلى وجه الخصوص، نُوقشت فرص زيادة التعاون الاقتصادي.
وفي البيان الصادر عن السلطات، هناك أكثر من 1400 شركة سعودية عاملة في تركيا.
كما أن البيئة الاقتصادية في المملكة دفعت 390 شركة تركية للاستثمار في السوق السعودي، وسيقدم هذا التعاون ثماره للمنطقة في الفترة المقبلة.
ويُعد تقييم وقراءة العلاقة من خلال الزاوية الاقتصادية فقط قاصرا، حيث ستكون دول الخليج على استعداد لتطوير التعاون المشترك مع تركيا، وهو أمر ذو أهمية إستراتيجية في العديد من المجالات الأخرى.
وإذا نظرنا إلى الزيارات على أنها نتيجة وليست سببا، فيمكن أن تُبنى الزيارات على ركائز الأمن والدبلوماسية والاقتصاد.
وقبل جولة أردوغان في الخليج، سافر نائبه جودت يلماز ووزير الخزانة والمالية محمد شيمشك إلى تلك المنطقة والتقيا بالمسؤولين.
ومن بين المعلومات التي تعكسها الصحافة أن العاصمة الخليجية تركز على خيارات الاستثمار والشراء في العديد من القطاعات في تركيا، مثل الطاقة والغذاء والزراعة والصحة والطب والخدمات اللوجستية والنقل.
وفي مجال الدفاع، وقعت السعودية عقدين مع تركيا، لشراء طائرات مسيرة من طراز بيرقدار ذائعة الصيت، بالإضافة إلى خطة تنفيذية للتعاون الدفاعي بين البلدين.
وقال وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان عن توقيع العقدين، عبر تويتر: "بتمكين ودعم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، سعدت اليوم بتوقيع الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي مع وزير الدفاع الوطني في تركيا يشار غولر".
وأضاف أن تلك الخطة "تأتي تتويجا لمسار التعاون بين البلدين الصديقين في المجال الدفاعي والعسكري".
وتابع: "كما جرى التوقيع على عقدَي استحواذ بين وزارة الدفاع وشركة (بايكار) التركية للصناعات الدفاعية، تستحوذ بموجبهما وزارة الدفاع على طائرات مسيرة، بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة، وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية".
علاقة قوية
بينما كانت المحطة الثانية للرئيس أردوغان في دولة قطر الصديقة والشقيقة. ولا شك أن العلاقات بين البلدين، اللذين تربطهما علاقات صداقة وأخوة عميقة الجذور، تتقدم بسرعة في جميع المجالات.
كما أن الزيارات المتبادلة لها آثار إيجابية على العلاقات, وخلال الزيارة التي حدثت في هذه الأجواء الأخوية، استقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الرئيس أردوغان في حفل رسمي في العاصمة القطرية الدوحة.
وعقد الزعيمان اجتماعا بين وفود الدولتين بعد اجتماعهما الثنائي في قصر لوسيل. وخلال المحادثات، قدم الرئيس أردوغان سيارة "توغ" تركية الصنع إلى أمير قطر الشيخ تميم، ثم توجه الزعيمان إلى المبنى الذي عُقدت فيه المحادثات بالسيارة التركية.
وتحت رعاية الرئيس أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم، وُقع على اتفاقية ثنائية بمناسبة الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين جمهورية تركيا ودولة قطر.
ووقع الاتفاقية، المكونة من 100 وثيقة، وزير الخارجية هاكان فيدان ممثلا عن الجمهورية التركية، وعن دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية.
وأُعرب، في بيان مشترك، عن سعادة الطرفين بالاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ويقول البيان: "شهدت العلاقات بين تركيا وقطر تحولا نوعيا حتى وصلت إلى مرحلة الشراكة الإستراتيجية. إن التعاون الحالي بين البلدين الشقيقين يزداد قوة يوما بعد يوم، تحت القيادة الحكيمة لرجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".
وأكد البيان المشترك أن الروابط الثقافية والاجتماعية والدينية عميقة الجذور، والتي تستمد قوتها من أعماق التاريخ، تجمع شعبي البلدين.
كما نُوقشت مواضيع رئيسة أخرى، مثل الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، كما وجدت مكافحة تهريب المخدرات مكانها بين خيارات العمل المشتركة.
كذلك بُحثت الفرص الاستثمارية في الاجتماعات التي عقدت فيها اجتماعات ثنائية ومتعددة، بالإضافة إلى كيفية زيادة حجم التجارة الخارجية ونوع الاتصالات التي يمكن إقامتها مع دول ثالثة.
جدير بالذكر أنه في السنوات التسع الماضية، حضر الرئيس أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم 32 قمة، ووُقع ما يقرب من 100 اتفاقية.
وفقا لـ "الاتفاقية المشتركة حول إنشاء لجنة إستراتيجية عليا بين جمهورية تركيا ودولة قطر" الموقعة في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2014، تعاون البلدان في مجال التدريب العسكري والصناعات الدفاعية، كما أُنشئت قاعدة عسكرية للقوات المسلحة التركية في قطر.
وبموجب الاتفاقية، تمركزت القوات المسلحة التركية في قطر، بينما أجريت مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين.
كما اتخذ البلدان خطوات متداخلة في السياسة الخارجية، حيث صرحت الحكومتان القطرية والتركية أنهما لا تعدان جماعة الإخوان المسلمين، منظمة إرهابية، وفقا لرؤية النظام المصري.
كما أدان البلدان الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب لمصر، محمد مرسي، في عام 2013.
وتربط قطر وتركيا علاقات وثيقة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تسيطر على قطاع غزة، حيث تستضيف الدولتان أعضاء من الحركة.
صعود واضح
ومن المحطات المهمة للجولة، كانت الإمارات التي تعد واحدة من الدول المهمة في منطقة الخليج العربي.
وقد بدأت العلاقات بين تركيا والإمارات التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة، عام 1977.
وجدير بالذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، والتي اتخذت من حين لآخر مسارا متقلبا بين الصعود والهبوط، لا تتدهور بشكل كامل بسبب علاقاتهما التجارية، حيث تُعد تركيا من بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات.
وبتوقيع "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين"، خُلقت ما يقرب من 25 ألف فرصة عمل في الإمارات و 100 ألف فرصة في تركيا.
وخلال زيارته للإمارات في ظل هذه الظروف، استُقبل الرئيس أردوغان باحتفال رسمي من قبل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان.
وبعد النظر إليها أنها واحدة من الدول التي وقفت وراء محاولة الانقلاب التركية في 15 يوليو 2016، كسرت الإمارات الجليد مع تركيا بحركتها الدبلوماسية المكثفة.
وخلال الزيارة، ترأس الرئيس أردوغان وآل نهيان أيضا اجتماعا بين الوفود في القصر الرئاسي بأبوظبي.
وقد أعرب أردوغان عن سعادته بتطور الحوار الوثيق والتعاون في الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية مع الإمارات.
وقال إنه "بتوقيع مذكرة التفاهم المشتركة ستصل العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية". وانبثق عن الزيارة توقيع 13 اتفاقية بقيمة 50.7 مليار دولار بين البلدين.
وذكر أردوغان أن الاتفاقيات أُبرمت في مجالات الاستثمار والاقتصاد والصناعة والدفاع والقانون والقضاء والطاقة المتجددة وصناعة الفضاء.
وفي هذا السياق، اتفق الجانبان على إنشاء "لجنة إستراتيجية عليا" برئاسة الرئيسين التركي والإماراتي.
وخلال الزيارة، تسلم الرئيس أردوغان أيضا وسام الدولة الإماراتية، بالإضافة إلى ذلك، بدأ منتدى الأعمال الإماراتي التركي بالدعوة إلى "زيادة الاستثمارات والتعاون".
وجمع المنتدى عددا كبيرا من رجال أعمال البلدين من العديد من القطاعات، خاصة العقارات والمقاولات والصناعة والزراعة والأغذية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات المصرفية.
وتبادل المجتمعون الأفكار حول تحسين العلاقات. كذلك وُضعت الأسس للعمل الإيجابي الذي يتعين القيام به في الفترة المقبلة.
ونتيجة لذلك، أحرز الرئيس أردوغان خلال زيارته للخليج تقدما كبيرا في تطوير علاقات جيدة في المجالات العسكرية والدبلوماسية والثقافية، وكذلك في المجال الاقتصادي.
وفي حين أن الاستثمارات الخليجية ستعزز الاقتصاد التركي، فإن الدعم الأمني التركي سيكون بمثابة مظلة لدول الخليج أيضا.
كما يتوقع أن تسهم المصالح المتبادلة بشكل إيجابي في خدمة السلام والازدهار بالمنطقة.