فرنسا.. كيف يواجه الناشطون حظر التظاهر ضد عنف الشرطة والقمع؟

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع فرنسي الضوء على عنف الشرطة الفرنسية في مواجهة المحتجين، بعد حوادث قتل متعددة لشبان وأطفال خلال السنوات الأخيرة كان آخرهم الفتى من أصل جزائري نائل المرزوقي.

وفي مواجهة حظر تظاهرة كان من المفترض أن تنظم في 15 يوليو/تموز 2023، تعتزم "التنسيقية الوطنية لمكافحة عنف الشرطة" مواصلة الضغط والحشد، من أجل "الحقيقة والعدالة" للضحايا.

وأيد القضاء الفرنسي حظر التظاهرة، التي دعت لها "التنسيقية الوطنية لمكافحة عنف الشرطة"، التي تضم 50 مؤسسة، من بينها حزب "فرنسا الأبية"، و"حزب الخضر"، و"الاتحاد العمالي العام".

ونقل موقع "TV5 Monde" الفرنسي عن عمر السلاوتي، أحد أعضاء التنسيقية، قوله إن "الشعور العام للناشطين في مواجهة حظر التظاهرة هو الغضب والمرارة".

فخلال مؤتمر صحفي، ثم في اجتماع عام حضره فرنسيون توافدوا لدعمهم، انتقد الناشط والمدرس في إحدى المدارس الثانوية في بلدية أرجنتوي، الواقعة شمال غرب العاصمة، قرار المحكمة بتأكيد هذا الحظر.

حظر سياسي

وأضاف السلاوتي أن "وزير الداخلية ( جيرالد دارمانان) قرر إخماد بعض القضايا السياسية المتعلقة بموضوع واحد، وهو عنف الشرطة، تجاه أشخاص معينين، وهم الأشخاص الذين يعانون من التمييز العنصري وينحدرون من الأحياء الشعبية".

وفي 12 يوليو 2023، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، حظر جميع المظاهرات "المرتبطة مباشرة بأحداث الشغب"، بعد أسبوع من حظر مظاهرة أخرى نُظمت تكريما لأداما تراوري.

و"تراوري" هو مواطن فرنسي مسلم ذو أصل مالي، توفي وهو في حوزة الشرطة الفرنسية، في 19 يوليو 2016، وقد أثار موته احتجاجات ضد "وحشية الشرطة" في فرنسا.

وأفاد الموقع الفرنسي بأن هذه "المنظمات المجتمعة في إطار هذه التنسيقية -بما في ذلك العديد من لجان أسر ضحايا عنف الشرطة- طعنت في قرار قيادة الشرطة، لكن في صباح يوم المظاهرة، رفضت المحكمة الإدارية الطعن".

وقال السلاوتي: "حتى عندما نسعى للتعبير عن آرائنا من خلال القنوات المسموح بها، وعندما نقدم طلب تصريح تظاهر صحيح، وعندما تؤكد لنا السلطات المحلية عدم وجود مشكلة في هذا المسار، يظل التظاهر غير ممكن".

وصرحت ممثلة التنسيقية، المحامية لوسي سيمون، أن "قيادة الجهاز الأمني، بدعم من قضاة المحكمة الإدارية في باريس، تمنع جميع قنوات التعبير عن المطالب الديمقراطية المشروعة".

وأكدت أن "مثل هذا القرار يولّد إحساسا مريرا لدى المنظمين، والشعور بكبت حقهم الأساسي في التعبير".

ووفق المحامية الفرنسية، فإن "المحكمة الإدارية لم تعد تؤدي دورها كسلطة مستقلة وحاجز وقائي ضد انتهاك القانون، حيث يرى قاضي الإحالة أن طبيعة التجمع نفسه تسبب اضطراب السلم العام".

وتابعت: "كما قيل لنا أيضا إنه ليس هناك عدد كافٍ من رجال الشرطة لحماية هذه المظاهرة".

ووصفت المحامية قرار المحكمة بأنه "سياسي" و"يعتم على الانتقادات الموجهة لعنف الشرطة"، مشددة على أنه "لم تحدث سابقا أي أعمال عنف أو تجاوزات خلال هذه المسيرات".

وتساءلت المحامية قائلة: "عندما نسد القنوات الخاضعة للرقابة، التي تسمح بالتعبير عن الغضب ومطالب الشعب بشكل ديمقراطي، ما الذي يمكن أن نتوقعه غير شكل آخر من أشكال الغضب؟".

وفقا للبعض، فإن نقص مساحة التعبير عن النفس هو أيضا أحد تفسيرات الأشكال العنيفة التي اتخذتها الثورات بعد مقتل نائل المرزوقي، على يد ضابط شرطة في 27 يونيو/حزيران 2023.

وحسب موقع "TV5 Monde" الفرنسي، فإن "العديد من الناشطين يعتقدون أن هذا الحظر المتكرر سيؤدي إلى اتباع أشكال أخرى في التعبير أكثر تشددا".

ونقل عن أحد المحتجين قوله إنه "من خلال حظر التظاهرات التي تنظم بسلام كل عام على هذا النحو، فإن الدولة تتحمل خطر تصاعد النضال، واتخاذه لأشكال متطرفة".

الخطة "ب"

وعلى عكس مسيرة إحياء ذكرى "تراوري" التي أقيمت في الأسبوع السابق، قررت التنسيقية عدم تحدي حظر التظاهرة التي كان من المفترض أن تُقام  في 15 يوليو 2023.

وأوضح السلاوتي أن سبب ذلك هو "وجود أطفال وكبار في السن وجرحى ومصابون بصدمات نفسية"، مشيرا إلى أنهم "عقدوا مؤتمرا صحفيا، على مقربة من ساحة الجمهورية، وأن هذا كان بمثابة إشارة رمزية مهمة".

وحسب التقرير، فقد كانت هناك "خطة بديلة" مُعدة بالفعل، وهي صالة رياضية في الدائرة العشرين في باريس، وقد أعدها بعض المقربين من التنسيقية.

وقال الموقع: "امتلأت الصالة بحوالي 200 إلى 300 شخص، وحضر الجمهور للاستماع إلى عائلات الضحايا وهم يذكرون أسماء العديد من ضحاياهم، ويحكون عن نضالهم، ويستعرضون مطالبهم".

وأوضح أن الخطابات كانت تتخللها هتافات منها: "بدون عدالة، لن يكون هناك سلام"، مشيرا إلى أن الجرحى السابقين في مظاهرات السترات الصفراء انضموا إلى الحدث.

واحدة من المطالب الرئيسة في هذا الحراك الاحتجاجي تتعلق بإلغاء قانون الأمن الداخلي، الصادر عام 2017، والذي يوسع استخدام الشرطة للسلاح.

فبموجب القانون الذي أُقر في 2017، فإنه يُسمح للشرطة بإطلاق النار في خمس حالات، منها تجاهل سائق السيارة أو ركابها أمرا بالتوقف، ووصفهم بأنهم يشكلون خطرا على حياة الضابط، أو سلامته الجسدية، أو سلامة الآخرين.

وبحسب المعارضين لهذا القانون، فإنه يمنح "رخصة للقتل"، ويوفر الحصانة لقوات الأمن التي تطلق النار في حالة رفض الامتثال لأوامرها، وقد أدى إلى "زيادة غير مسبوقة" لعدد الوفيات في هذا النوع من الحالات.

وتطالب التنسيقية أيضا، حسب التقرير، بإجراء تعديلات هيكلية أكثر على عمل الشرطة في فرنسا، منها إلغاء المفتشية العامة للشرطة الوطنية، المعروفة باسم "شرطة الشرطة"، وإنشاء هيكل أكثر استقلالية.

كما يطالب المحتجون بإنفاذ قوانين توقف التفتيش العشوائي على أساس الجنس أو العرق، ووقف استخدام الرصاص المطاطي، وما إلى ذلك.

وحسب التقرير، فإن الناشطين يدعون كذلك إلى إصدار عفو عام عن "الشباب المتمردين من أحياء الطبقة العاملة"، الذين تلقى بعضهم أحكاما ثقيلة.

ولتحقيق هذه المطالب، يعول الجميع على الوحدة، و"هذا ليس هذا بالأمر الجديد"، وفق التقرير. 

فقد نظمت عائلات الضحايا نفسها منذ فترة طويلة؛ كما أن تعاون الحركات المختلفة ضد عنف الشرطة الفرنسية موجود منذ سنوات، حسب الموقع.

لكن المختلف هذه المرة، هو أن التحالفات تخطت هذا الإطار الضيق، لتتلاقى مع أحزاب سياسية كبيرة من اليسار، مثل حزب الجبهة الشعبية، بالإضافة إلى بعض النقابات.