مساومة وشروط.. هل تعترف روسيا بجمهورية شمال قبرص التركية؟
تحدثت صحيفة الإندبندنت بنسختها التركية عن رمزية أداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال أولى زيارته الخارجية إلى جمهورية شمال قبرص، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار.
وتطرق الكاتب حسن أونال في مقال بالصحيفة إلى أداء أردوغان خلال أولى زياراته الخارجية لقبرص التركية إبّان الانتخابات، وتصريحاته بشأن مشروعية الجمهورية وضرورة اعتراف دول العالم بها كدولة مستقلة.
وأردف أن الرحلات الخارجية الأولى لأردوغان كانت إلى جمهورية شمال قبرص التركية في 12 يونيو/حزيران 2023، ثم مساء نفس اليوم إلى أذربيجان، وهي مناسبة وصحيحة للغاية من حيث تقاليد الدولة التركية.
فقد جرت العادة أن يقوم كل رجل دولة يتولى منصبه كرئيس في تركيا، بأول رحلة خارجية إلى جمهورية شمال قبرص.
وفي السنوات الأخيرة، باتت أذربيجان الشقيقة، تمثل الزيارة الثانية حسب التقاليد الرئاسية التركية، "وقد أسهم الرئيس أردوغان في استمرار هذا التقليد وفعله بشكل صحيح".
الاعتراف بقبرص
ودعا الرئيس أردوغان، في تصريحاته أثناء وجوده في جمهورية شمال قبرص التركية، بشكل خاص إلى الاعتراف بها من دول العالم.
وأكد في التصريح ذاته أنه سيكون في الجزيرة القبرصية مرة أخرى في 20 يوليو/تموز، وأنه سيأتي مرة أخرى برسائل جديدة، مشيراً إلى أنه من متابعي القضية.
وأكد الكاتب أن هذا التصريح ليس قائمًا بذاته أو الأول من نوعه. ففي الواقع، يعد استمرارا لعملية جارية منذ فترة ومدعمة بالتصريحات التي أدلى بها أردوغان ورئيس شمال قبرص إرسين تتار ومسؤولو الجمهورية الأخيرة.
وهناك الكثير من النقاش والمفاوضات حول قضية قبرص وقد جرت مناقشة جميع القضايا وتناولها عدة مرات.
لكن اتضح في عام 2017 أن القبارصة اليونانيين لن يوافقوا على أي اتفاق على أساس تقاسم السلطة وتوزيع كل شيء بالتساوي.
لذا فإنَّ تركيا تسعى الآن بإصرار نحو خيار الدولتين بين قبرص اليونانية والتركية، وفق ما يقول الكاتب.
وقد أعلن الرئيس أردوغان ذلك لأول مرة في الجزيرة القبرصية في 20 يوليو 2021. كما أعرب إرسين تتار عن ذلك عدة مرات في نفس العام.
تلا ذلك دعوة الرئيس أردوغان العالم بأسره للاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومازالت هذه السياسة مستمرة حتى الآن.
وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة، بدا وكأنه إذا فازت أحزاب المعارضة، فقد تتخلى إدارتهم الجديدة عن هذه السياسة.
إذ كان من الممكن استخلاص هذا الاستنتاج في إطار التفسيرات المقدمة من قبل المعارضة، وفق تقدير الكاتب.
واستدرك: "لكن بما أنهم خسروا، فإمكاننا رؤية سياسة أردوغان مع تصريحه هذا، ونفهم أن تركيا ستصر على الحل المتشكل في دولتين".
في الواقع، ينبغي القول إنه في العالم متعدد الأقطاب الذي نعيش فيه، سيكون اقتراح تركيا للحل المتشكل من دولتين أسهل بكثير.
وبعبارة أخرى، فإن ترويج تركيا لجمهورية شمال قبرص التركية في عالم متعدد الأقطاب مقارنة بالعالم أحادي القطب يحتوي شروطاً وبيئةً أكثرَ ملاءمة.
وعند النظر إلى مكان الغرب في موضوعنا، فإنّ العالم الغربي هو المذنب الأكبر في وصول قضية قبرص على هذا النحو الصعب.
وذلك لأن الغرب جعل من قبرص قضية مربكة بإصراره على إخراج تركيا من نطاق الجزيرة بترديد خطابات "الحل والحل" المستمرة، واستغلاله بعضاً من نقاط ضعف أنقرة وأخطائها.
وسيكون من الخطأ أن نتوقع حل هذه القضية عبر الاعتماد على العالم الغربي أو من خلال النوايا الحسنة المزعومة، والتي لا وجود لها، حسب قول الكاتب.
ومن المحتمل أن يجرى حل هذه القضية من قبل الجهات الفاعلة الرئيسة بخلاف الغرب أو الدول التي تنتمي إلى العالم التركي في عالم متعدد الأقطاب.
الموقف الروسي
وتابع الكاتب: "صحيح أن تركيا ستجد المزيد من الفرص للترويج لجمهورية شمال قبرص التركية في العالم متعدد الأقطاب".
كما ستجد أن ضغوطات العالم الغربي عليها في هذا الصدد قد خف، لكنّ هذا لن يحدث من تلقاء نفسه، وفق تقديره.
لهذا، فهناك حاجة لسياسات خاصة تتبعها تجاه كل دولة، وإحدى هذه الدول هي روسيا، وذلك لأن موسكو كانت دائما ما تؤيد الحل الفيدرالي في قبرص تحت مظلة دولة واحدة.
لكن عند التفكير في الأمر، فإن مثل هذا الحل لا يتوافق مع المصالح الوطنية لروسيا. وتابع: لنفكر في الأمر، ماذا سيحدث عندما تتحول هذه الجزيرة إلى دولة واحدة نتيجة لأي حل مشترك؟".
الجواب: "ستكون جزيرة قبرص ضمن أراضي الاتحاد الأوروبي، نظرًا لأنه سيتعين على تركيا مصافحة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل مثل هذا الحل".
ولذلك فإن دولة قبرص التي سيجري إنشاؤها بعد هذا الحل ستكون أيضًا عضوًا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وفق رؤية الكاتب.
وأوضح أن روسيا خاطرت بحرب كبيرة حتى لا يتوسع الناتو في أوكرانيا، حتى أنها شرعت في حرب كبيرة جدًا ضد العالم الغربي بأسره.
ولذلك، فهي لن تهب جزيرة مثل قبرص، التي تشغل موقعاً حرجاً من شأنه السيطرة على شرق البحر الأبيض المتوسط بأكمله، إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وعندما نتحدث عن هذا، فإن النخبة الروسية وخبراء السياسة الخارجية الذين يتابعون هذه القضايا يؤكدون أن هذا هو الحال.
إذ يؤكد كلهم بالإجماع أن هذه سياسة سابقة، وأن هذا لم يعد مفيدًا لروسيا في ظل الظروف الحالية، وفق الكاتب.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استحضار عداوة اليونان والقبارصة اليونانيين ضد روسيا في الأيام التي سبقت حرب أوكرانيا.
إذ شاركوا في العقوبات، وفتحوا أراضيهم لاستخدام الغرب، كما أن جميع القواعد العسكرية في اليونان من ميناء ألكساندرو بولي في اليونان.
وبين الكاتب أنَّ القبارصة اليونانيين ينتهجون سياسة مناهضة لروسيا بالكامل. ولهذا السبب تعدهم موسكو من فئة الدول المعادية.
واستطرد: "لذلك، تأتي الحاجة لمبادرة هنا، فإذا كان هناك حل الدولة الواحدة، وهو افتراض بعيد للغاية، فسيكون بفضل مصافحة تركيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو أمر غير مرجح".
وفي حال حدوث ذلك، ستقترب تركيا أيضًا من العالم الغربي أكثر، وهذا لن يصب في صالح روسيا.
لذلك هناك حاجة إلى مفاوضات جديدة مع روسيا هنا، والتي لديها أسباب كافية لقبولها الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية، لكنّ هذا لن يحدث تلقائيًا، حيث لا تزال هناك حاجة إلى المساومة".
وفي هذه الأيام تتّجه الأطراف نحو اتفاق سلام في سوريا، ويبدو أنه جرى خلق بيئة مناسبة لمناقشة القضية بين الزعيمين التركي والروسي، إذاً ما الذي ستحصل عليه روسيا من هذا؟، يتساءل الكاتب.
ويجيب أن الخلاف بين تركيا واليونان داخل الناتو سيستمر في التعمق، ولا يمكن أن تكون هناك فائدة أكبر لروسيا من هذا.
بالإضافة إلى ذلك، سيجرى منع قطعة أرض مهمة جدا مثل قبرص من أن تصبح منطقة تابعة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
علاوة على ذلك، سيتم منع دولة مهمة مثل تركيا، والتي ازدادت قيمتها أكثر فأكثر في حرب أوكرانيا بالنسبة لروسيا، من أن تصبح معسكراً بعيداً للعالم الغربي.
"هل هذه الأسباب كافية لتعترف روسيا بجمهورية شمال قبرص التركية؟"، يجيب الكاتب بالقول: "نعم،؛ لأن هذه تعد مصالح إستراتيجية للغاية، وسيكون من المفيد العمل مع موسكو في هذا الصدد".
لذلك، فإن الدعوات للاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية تعد في محلها. ويعتقد الكاتب أن مثل هذه السياسة في روسيا ستؤدي إلى النتائج المطلوبة.
وأضاف مختتماً: "على الأقل، أستطيع أن أرى أن هذا ممكن عمليًا بالنظر إلى محادثاتي مع النخبة الروسية، ولقاءاتي مع الصحفيين والاهتمام بمقابلاتي الصحفية المنشورة في وسائل الإعلام الروسية"، وفق قوله.
وختم بالقول: "لا يوجد شيء يمكنني فعله كأكاديمي في الوقت الحالي سوى أن أقول آمل أن يحدث ذلك، لكن يبدو أننا لا نزال في البداية".