السوريون يتربعون على قائمة الأجانب المجنسين في ألمانيا.. ما الأسباب؟

12

طباعة

مشاركة

في مشهد يؤكد مدى قوة حضورهم، تربع اللاجئون السوريون الفارون من جحيم الحرب ببلدهم على عرش الجاليات الأكثر حصولا على الجنسية الألمانية عبر الاندماج السريع.

وكشفت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا، بتاريخ 31 مايو/أيار 2023، أن أعداد السوريين الذين حصلوا على الجنسية الألمانية زاد لأكثر من ضعف ونصف الضعف عام 2022 مقارنة مع 2021.

وبهذا، تصدر السوريون قائمة الأجانب المجنسين، بعد أن استوفى كثير منهم ممن وصلوا بين 2014 و2016 المعايير المطلوبة.

الجنسية الألمانية

وقال المكتب، إن 48 ألفا و300 سوري حصلوا على الجنسية الألمانية خلال عام 2022 من أصل 168 ألفا و500 شخص أجنبي.

وارتفعت بذلك نسبة الأجانب الحاصلين على الجنسية في هذا البلد الذي فتح ذراعيه للاجئين وما يزال من مختلف دول العالم خلال عام 2022 بنحو 28 بالمئة مقارنة بعام 2021.

وبهذا الرقم الجديد، يحل السوريون بالمرتبة الأولى بعدد التجنيس بنسبة 29 بالمئة من إجمالي المجنسين عام 2022.

أي أكثر من ضعف عدد السوريين في عام 2021 الذي وصل وقتها إلى 19 ألفا، وسبعة أضعاف ما كان عليه عام 2020 الذي لم يتجاوز العدد 6700 شخص فقط.

وكان متوسط أعمار السوريين الحاصلين على الجنسية 24 سنة، ويمثل الذكور ثلثي العدد. وقبل حصولهم عليها، مكثوا في ألمانيا من 4 إلى 6 سنوات في المتوسط.

وجاء الأتراك في المرتبة الثانية بنحو 14 ألفا و200 شخص حصلوا على الجنسية الألمانية عام 2022.

ويعيش في ألمانيا حوالي 924 ألف لاجئ سوري، بعدما أجبرتهم آلة نظام بشار الأسد العسكرية على الفرار من مدنهم عقب عام 2011، و40 بالمئة منهم نساء بمتوسط أعمار لا يتجاوز الـ 20 عاما، مقارنة مع 118 ألفا نهاية العام 2014، وفق مكتب الهجرة واللاجئين.

وكان المكتب المذكور سجل أكثر من 700 ألف طلب لجوء من سوريين في ألمانيا منذ 2015 حينما رحبت بهم المستشارة السابقة أنجيلا ميركل خلال ذروة أزمة اللاجئين آنذاك.

وأظهر السوريون في ألمانيا استعدادا للاندماج رغم الفروقات في الثقافة والقيم الأخلاقية، عبر المهارات اللغوية القوية والالتزام بالقوانين السارية.

وقد شارك العديد من اللاجئين السوريين في ألمانيا ممن حصلوا على الجنسية بالتصويت للمرة الأولى في الانتخابات التي جرت على مستوى البلاد في 26 سبتمبر/أيلول 2021، لاختيار المستشار الجديد خلفا لأنجيلا ميركل.

ويمكن منح الجنسية لأي شخص عاش في ألمانيا لمدة ثماني سنوات على الأقل ويستوفي الشروط المطلوبة.

وفي حالة اللاجئين المعترف بهم، يمكن تقليص هذه الفترة إلى ست سنوات، بشرط أن يتحدثوا الألمانية، وأن يكونوا قادرين على كسب لقمة العيش لأنفسهم وعائلاتهم وأن يكون سجلهم الجنائي نظيفا من الجرائم.

توافر الشروط

وفي هذا السياق، أوضح السوري حسن السليم أن "شروط الحصول على الجنسية الألمانية كانت سابقا صعبة وتحتاج إقامة الشخص لمدة 8 سنوات، قبل أن يصدر قرار جديد بتخفيض المدة إلى 6 للأشخاص المندمجين في المجتمع الألماني سواء أكان منجزا التدريب المهني أم عن طريق الدراسة".

وأضاف السليم الذي حصل على الجنسية الألمانية عام 2022 لـ "الاستقلال"، أنه "من جديد عمدت الحكومة الألمانية إلى تقديم تسهيلات للحصول على الجنسية الألمانية لمن مر على وجوده 6 سنوات بشرط أن يكون الشخص لديه مستوى من اللغة الألمانية".

وكذلك بعد اجتياز اختبار الثقافة، إضافة إلى عقد عمل يفضل أن يكون مفتوحا، وعدم تلقي الشخص مساعدات مالية واجتماعية من الحكومة.

ومضى يقول: "إن هناك نسبة قليلة من السوريين حصلوا على الجنسية بمدة 6 سنوات وهؤلاء إما كانوا ممن تخرجوا في الجامعات أو التدريب المهني".

ولفت السليم، إلى أن "الجنسية الألمانية لا يوجد ضمن شروط الحصول عليها توافر أي ميزات معينة بالشخص بل يكفي تحقيق الشروط المذكورة لكي يصبح مواطنا ألمانيا كامل الحقوق".

واستدرك قائلا: "هناك الكثير من هؤلاء حصلوا على الجنسية الألمانية وهم لا يملكون شهادات جامعية كونها ليست شرطا بل مضى على وجودهم على الأراضي الألمانية 7 سنوات وانخرطوا في سوق العمل بشكل نظامي".

ونوه السليم إلى "أنه لا يوجد مهن معينة تسهل الحصول على الجنسية الألمانية فالكل متساوٍ في حق الحصول عليها، سواء للطبيب الذي يعمل في المشافي أو الموظف في شركة أمازون أو في المهن الأخرى والمعامل والورش، ويكفي أن يكون الشخص منتجا في المجتمع ويستطيع إعالة نفسه". 

وبحسب التقرير السنوي الصادر العام 2022 عن مجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج والهجرة، ثمة "حاجة خاصة للعاملين المهرة في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية".

وفي نهاية 2021، مارس نحو 5,404 أطباء سوريين المهنة في ألمانيا، وشكلوا المجموعة الأكبر من الأجانب الممارسين لها في البلاد، وفق نقابة الأطباء الفدرالية، متفوقين على رومانيا ثم اليونان والنمسا.

صعود سياسي

وأصبح النقص في العمالة المتخصصة يسبب مشكلة حقيقية في ألمانيا، إذ إن هناك مليون وظيفة شاغرة حاليا في هذا البلد الذي يعد أكثر البلدان الأوروبية التي تحتضن اللاجئين السوريين، فيما يخرج جيل الستينيات إلى التقاعد.

وبسبب شيخوخة السكان، من المتوقع أن يخسر سوق العمل سبعة ملايين شخص بحلول عام 2035 إذا لم تتخذ الحكومة أي خطوات وفقا لدراسة أجراها معهد أبحاث سوق العمل (IAB) عام 2023.

ومطلع مارس/آذار 2023، حذر المستشار الألماني أولاف شولتز في البرلمان من أن الاعتماد على سكان ألمانيا فقط "لن يكون كافيا" لتعويض النقص، في وقت يحاول الصناعيون مواجهة هذا التحدي بأنفسهم من خلال اقتراح تدريب الأجانب.

وتأتي نجاحات السوريين الذين يحظون بدعم وتأييد من المواطنين الألمان، كنموذج تراكمي على مدى العقود الماضية، بعد أن استطاع أقرانهم الوصول إلى مناصب حكومية هناك.

وقدم أكثر من لاجئ سوري نموذجا لبدء حياة جديدة بعيدا عن وطنه الأم، من خلال اقتحام عالم السياسة في هذا البلد عبر تقلد مناصب مهمة وحساسة.

إذ فاز اللاجئ السوري ريان الشبل بمنصب رئيس بلدية أوستلسهايم في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية في 3 أبريل/نيسان 2023، بعدما حصل على الأغلبية المطلقة (55.41 في المئة) من الأصوات في الانتخابات، بحسب ما ذكر موقع مجلة شتيرن الألمانية.

والشبل المنحدر من مدينة السويداء والذي أصبح العمدة الجديدة للبلدة يبلغ من العمر 29 عاما، درس الإدارة المالية والمصرفية بسوريا، وقد وصل إلى ألمانيا عام 2015، وتعلم اللغة سريعا هناك.

كما فاز "حسان الخاطر" من مواليد مدينة الميادين عام 1989 والمتخرج في كلية الحقوق بجامعة "الفرات"، بمقعد في بلدية كاسل الألمانية - فرع الأجانب - بعد صدور نتائج الانتخابات المحلية في مارس 2021.

وحصل الخاطر على درجة الماجستير في القانون من جامعة غوتنغن الألمانية في سبتمبر من العام المذكور.

والخاطر الذي وصل ألمانيا عام 2015 كان برنامجه الانتخابي حينها "العمل على المساعدة في اندماج ناجح وعيش مشترك للأجانب في كاسل وإيصال صوتهم للبرلمان المحلي للمدينة".

ويمثل هذه الصعود السياسي للسوريين الفارين من بطش الأسد صفحة جديدة في كتاب من سبقوهم ممن لمعوا في بلاد المهجر بخبراتهم ومعارفهم ومهاراتهم في البلدان التي هاجروا إليها في مختلف أنحاء العالم، حتى تبوأوا حقائب وزارية.

اندماج اقتصادي

ومن المتوقع أن يرتفع عدد السوريين الذين يحصلون على الجنسية خلال السنوات القادمة، كما يتوقع باحثون في شؤون اللاجئين.

وقد حل اللاجئون السوريون في المرتبة الأولى بين الأجانب الحاصلين على الجنسية الألمانية في ولاية برلين للعام 2022، بواقع 1687 سوريا.

وتقدموا بذلك على الأتراك الذين عادة ما كانوا يشكلون النسبة الأكبر من الأجانب المجنسين في كل عام، حسبما أعلن مكتب الإحصاء الألماني في بيان له بتاريخ 23 مايو 2023.

وضمن هذه الجزئية، سبق أن نقلت صحيفة "لاكروا" الفرنسية عن جان شنايدر، مدير الأبحاث في المجلس الألماني الاستشاري للاندماج والهجرة قوله: "إن عدد السوريين المؤهلين للتجنيس بألمانيا وصل 449 ألفا".

وأرجع ذلك إلى "اندماجهم الاقتصادي الناجح وتعلمهم للغة"، هذا فضلا عن "إظهارهم دافعا قويا للغاية للحصول على الجنسية".

ورجحت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته في 28 أغسطس/آب 2022، أن يشهد العدد الإجمالي للتجنيس بألمانيا ازديادا كبيرا.

إذ تخطط حكومة المستشار الحالي أولاف شولتز لتغيير القانون ليصبح الحصول على الجنسية ممكنا بعد 5 أو حتى 3 سنوات لمن يندمجون بشكل سريع ومتميز.