اتفاقيات إستراتيجية أم استقرار مزعوم.. لماذا تصر أميركا على البقاء في العراق؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، مرسوما مدّد من خلاله حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في العراق، أعلنت سفيرة واشنطن في بغداد ألينا رومانوسكي، أن التمديد يمثل أهمية إستراتيجية كبيرة لدى الولايات المتحدة التي "لن ترحل عن المنطقة".

قرار بايدن وتصريحات رومانوسكي أثارا تساؤلا مُلحا بخصوص ما تخبئه الولايات المتحدة للعراق خلال المرحلة المقبلة، وذلك في ظل صمت رسمي عراقي حيال هذه التطورات، ومطالبات مستمرة من حلفاء إيران للحكومة بضرورة إنهاء أي وجود أميركي في البلاد.

"أهمية إستراتيجية"

المرسوم الذي وقعه الرئيس الأميركي في 16 مايو 2023 ينص على أنه "لا تزال هناك عقبات تعترض إعادة الإعمار المنظم في العراق، واستعادة الأمن والسلام والحفاظ عليهما، مع عقبات أخرى تعيق تطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية في البلاد".

كما نص البيان على أن هذه العقبات لا تزال تشكل تهديدا وصفه بـ"غير العادي" للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق وللولايات المتحدة، وبناء على ذلك "قررت (إدارة بايدن) أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13303 فيما يخص استقرار العراق".

وصدر قرار 13303 الخاص بالعراق في 22 مايو/ أيار عام 2003 خلال عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وذلك بعد شهر من إسقاط نظام صدام حسين واحتلال بغداد، ويقضي بحظر تصدير بعض السلع الخاصة، إضافة إلى معاقبة شخصيات وكيانات.

وبالتزامن مع ذلك، صرّحت سفيرة واشنطن لدى العراق، أن "الرئيس بايدن زار قبل نحو عام، وبالضبط في يوليو/ تموز الماضي (2022) السعودية، والتقى بزعماء المنطقة، وأوضح بشكل جلي أن الولايات المتحدة لن ترحل عن المنطقة، فهي تعدها ذات أهمية إستراتيجية".

وأضافت رومانوسكي خلال مقابلة تلفزيونية في 16 مايو 2023: "عملنا مع شركائنا في المنطقة لوقت طويل من أجل مواجهة عدد من التحديات، خصوصا لوضع حد لمختلف الأزمات، وبالتالي الولايات المتحدة ستظل موجودة وستبقى مهتمة بتعميق شراكاتها مع دولها، خصوصا مع العراق".

وفيما يتعلق بالوضع في العراق ورغبة الشعب في الاستقرار، قالت إنه "عندما أخرج وأتحدث إلى العراقيين، يتبين لي بوضوح شديد أنهم لا يريدون دولة تسيطر عليها المليشيات، بل يريدون نزع السلاح من أيديهم وإعادته إلى الدولة".

وشددت على أنه "لذلك، مهما تكن طبيعة علاقة رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) مع هذه الجماعات المسلحة والفصائل، فإن الهدف يجب أن يبقى منصبا على ضمان تمتع العراق بالاستقرار والأمن، وهو هدف منوط تحقيقه برئيس الحكومة".

وبينت أن "هذا الاستقرار ستستفيد منه حتما الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، جميعنا لا يمكننا جلب الأعمال والانخراط على نطاق أوسع إذا لم يكن هناك استقرار وأمن في العراق".

وأشارت رومانوسكي إلى أن "الولايات المتحدة ملتزمة جدا باستقرار العراق وسيادته، العراق في موقع محاط بالكثير من الجيران، وكدولة لها العديد من البلدان المجاورة بما فيها إيران، فإنها ترتبط بعلاقات مع جيرانها، في المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها".

وأكدت أن "أميركا تركز أساسا على ضمان أن تكون للعراق سيادته، وأن يتخذ قراراته بشكل مستقل، بما يخدم مصلحة ليس الحكومة فقط، وإنما الشعب العراقي أيضا".

ونوهت بأن "ما حققناه هنا بعد وجودنا في العراق منذ 20 عاما، هو عبارة عن مسار مستمر، نركز كثيرا في الوقت الراهن على المستقبل، سواءً في تعاملنا مع رئيس الوزراء أو الحكومة، وأن البلد له أهمية إستراتيجية كبيرة".  

"تعاطي براغماتي"

وفي الوقت الذي غابت فيه التصريحات الرسمية العراقية حتى 21 مايو 2023، فإن شخصيات قريبة من "قوى الإطار التنسيقي" التي انبثقت منها حكومة السوداني، أكدت أن ما صدر عن الولايات المتحدة ربما يكون مفهوما من الحكومة، لكن المليشيات المسلحة سترد على ذلك.

وقال حيدر الموسوي، رئيس مركز "القرار" القريب من الإطار التنسيقي إن "كلام سفيرة واشنطن ربما يكون مفهوما من الحكومة العراقية على أنه يأتي ضمن الاتفاقيات الإستراتيجية بين بغداد وواشنطن، وأن رئيس الوزراء سبق أن تحدث بأن البلد ما زال بحاجة إلى وجود القوات الأميركية المختصة بالاستشارة والتدريب".

وأعلن رئيس الوزراء العراقي أن بلاده لا تزال "بحاجة إلى القوات الأجنبية" الموجودة فيها ويعملون بصفة مدربين ومستشارين، وغالبيتها أميركية، وذلك خلال مقابلة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في 15 يناير 2023.

وأوضح الموسوي خلال مقابلة تلفزيونية في 17 مايو 2023 أن "العراق لديه طائرات (إف 16) وهي بحاجة إلى صيانة فمن البديهي أن تكون هناك جهات أميركية مختصة تعمل على ذلك، إضافة إلى وجود شركات أمنية تابعة للأخيرة تحمي مصالح الولايات المتحدة".

ولفت إلى أن "الفصائل المسلحة تفّرق بين التواجد القتالي العسكري الأميركي، وبين من جاءت وفق الطلب الحكومي العراقي ضمن قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وبين من يأتي من الأميركيين للتدريب والاستشارة".

وحول الاستهداف السابق الذي كانت تشنه المليشيات ضد البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة قبل تشكيل حكومة السوداني في أكتوبر 2023، قال الموسوي إنه "لم يثبت فعليا حتى اللحظة أن فصائل المقاومة (المليشيات) هي التي كانت تستهدف السفارة الأميركية في بغداد بالصواريخ".

وبيّن الموسوي أن "الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي قدمت مرونة في التعاطي مع قصة الوجود الأميركي في العراق بعد تشكيل الحكومة الحالية، وذلك لمنع  انهيار الدولة، وبالنهاية التعامل البراغماتي السياسي مقبول في كل دول العالم على الأقل في هذه المرحلة".

وتوقع الخبير العراقي أن "تصدر المقاومة بيانا مشتركا للرد على تصريحات السفيرة الأميركية، وهذه الفصائل لا تنكر مقاومتها للاحتلال الأميركي، لذلك لا يصح أن نسميهم مليشيات ما دام هناك قوة محتلة للبلاد".

وبخصوص مدى تأثير تصريحات رومانوسكي، رأى الموسوي أن "السفيرة الأميركية الحالية وغيرها من سفراء بريطانيا وكندا تحدثوا كثيرا عن المليشيات ولا بد من إنهائهم، لكن في النهاية لم يحصل شيء".

وعزا الموسوي بقاء المليشيات إلى أن "تنظيم الدولة ما زال يمثل تهديدا وجوديا، ودليل ذلك أن بايدن يتحدث عن الشيء نفسه أيضا، لذلك لا يوجد أحد (المليشيات) يتخلى عن سلاحه في ظل أزمة الثقة المعدومة، إضافة إلى  أن هناك مشكلات في العراق من الممكن استغلالها في أية لحظة".

وأكد أن "هذه الفصائل في وضع هدنة وهدوء مع الولايات المتحدة حاليا، ريثما تبدأ الحكومة في الاتفاق على جدولة انسحاب القوات الأميركية القتالية- إن كانت موجودة بالفعل- لأن أغلبهم قد انسحب من العراق في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي".

ورأى الخبير العراقي أن تجديد بايدن لقانون الطوارئ الأميركي ليس فيه جديد، لأن كل رؤساء الولايات المتحدة الذين كانوا قبله أيضا جددوا المصادقة على ذات المرسوم.

وفي السياق ذاته، قال عضو المجلس السياسي لمليشيا "النجباء" العراقية، فراس الياسر، خلال تغريدة على "تويتر" في 17 مايو 2023، إن "أميركا تستشعر التصعيد القادم ضدها في العراق، لذلك تستبق الأحداث وتعلن عن تمديد حالة الطوارئ لقواتها، في إشارة واضحة إلى مدى استخفافها بالطبقة السياسية وعدم احترامها للسيادة العراقية".

"مبررات للبقاء"

وبخصوص الهدف وراء قرار الرئيس الأميركي وتصريحات سفيرة واشنطن، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، محمود العبيدي، إن "كل ما جاء في مرسوم بايدن وتصريحات رومانوسكي يشير إلى استحالة ترك الولايات المتحدة للمنطقة، والعراق على وجه الخصوص".

ولفت العبيدي في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "قرار بايدن ما هو إلا مبرر أو ذريعة لاستمرار نفوذ بلاده في العراق، في وقت لا تتحرك فيه واشنطن لضرب المليشيات رغم قدرتها العالية على ذلك".

وأوضح أن "وجود المليشيات وحالة اللادولة في العراق يحصل بإرادة أميركية، لأنها قادرة بما تمتلكه من سلاح ومعلومات دقيقة عن قادة وعناصر هذه الجهات الموالية لإيران أن تنهيها في ظرف أسابيع، خصوصا أن المجتمع العراقي يمقتهم ويرفض تغولهم في الدولة".

وبيّن العبيدي، أن "الولايات المتحدة هي من سمحت لهذه المليشيات بالتشكل والتكاثر في العراق وحتى سوريا، وذلك لأهداف تتعلق باستمرار إثارة الفوضى في هذه البلدان، ما يجعل أطرافا في البلدين تلجأ إلى أميركا وتتمسك بوجودها سواء الأكراد أو القوى السنية".

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيهان، مهند الجنابي، إن فهم مرسوم حالة الطوارئ يتطلب الرجوع إلى قانون أميركي قديم جرى تشريعه عام 1977، وهو قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية والدولية الذي يخول رئيس الولايات المتحدة تنظيم التجارة الدولية بعد إعلان حالة الطوارئ.

وأوضح الجنابي لموقع "الجزيرة نت" في 19 مايو 2023 أنه "يحق للرئيس إصدار أوامر تخص التجارة الدولية، وكل ما يتعلق بأي تهديد للأمن القومي الأميركي، وهو ما استند إليه الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش الذي أقره في 22 مايو/ أيار -عقب غزو العراق- أمرا بالرقم 13303 الخاص بإعلان حالة الطوارئ الوطنية".

وأكد أن "تأثير تمديد حالة الطوارئ يتعلق بحماية أموال وصادرات بغداد النفطية بعد إنشاء صندوق تنمية العراق عقب الغزو، وحماية الأموال العراقية من الدائنين الدوليين للحكومات العراقية التي سبقت الغزو". 

وبحسب الجنابي، فإنه "رغم أن تمديد الطوارئ لا يخول الرئيس الأميركي التدخل العسكري، لكن تداعياته الاقتصادية حاضرة من ناحية العقوبات التي يمكن للقانون أن يفرضها أو يوفرها".

وخلص إلى أن "من ضمن ما يمكن للقانون إتاحته للحكومة الأميركية هو ما اتخذه الفيدرالي الأميركي تجاه البنك المركزي العراقي وإلزامه باعتماد نظام التحويلات المالية الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022".

ومنذ نوفمبر 2022 فرض الفيدرالي الأميركي قيودا على تداول الدولار في العراق، تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي، الأمر الذي تسبب بتراجع قيمة الدينار المحلي أمام الدولار وارتفاع السلع في الأسواق.