"جماعة القربان".. حركة شيعية تختار الانتحار تقربا للإمام علي في العراق

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

لا يزال مستمرا في العراق، مسلسل ظهور جماعات دينية جديدة يثير الجدل كثيرا- والرعب أحيانا- بالأوساط الشعبية، ولاسيما في مدن جنوب البلاد ذات الغالبية الشيعية، والتي تعلن السلطات الأمنية مطاردتها واعتقال أفرادها والقيادات الروحية لها.

وفي أبريل/ نيسان 2023، أثير الجدل في البلاد بخصوص جماعة تُدعى "أهل القضية" والتي تعتقد بأن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، هو الإمام المهدي، ودعت إلى مبايعته على هذا الأساس، الأمر الذي أثار غضب الأخير وأعلن تجميد تياره مدة عام كامل.

لم يمض سوى شهر واحد، حتى أعلنت وكالة الاستخبارات والتحقيقات العراقية في 19 مايو/ أيار 2023، إلقاء القبض على مجموعة من "جماعة القربان" في محافظة ذي قار جنوب البلاد، ووصفتها بـ"المنحرفة" و"الخارجين عن القانون" في ثاني حملة من نوعها خلال أيام.

"جماعة القربان"

وبحسب البيان الرسمي لوكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية، فقد "تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق مجموعة (جماعة القربان) وإحالتهم إلى الجهات المختصة لإكمال الإجراءات اللازمة"، دون الخوض في مزيد من تفاصيل التهم القانونية الموجهة إليهم.

وقبل ذلك بيوم واحد، اعتقلت السلطات العراقية 5 أشخاص من المنتمين لجماعة "القربان" الدينية في المحافظة ذاتها، بعدما داهمت قوة أمنية تابعة للاستخبارات العامة منازل قيادات "القربان"، دون ذكر مزيد من التفاصيل عن العملية وفي ما إذا كان بين المعتقلين زعيم الجماعة من عدمه.

وأثارت "جماعة القربان" في مدينة سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار الرعب في صفوف المجتمع المحلي، وذلك بعدما أقدم أحد أفرادها على الانتحار شنقا بواسطة حبل أحد "المواكب الحسينية" (خيمة تمارس فيها شعائر دينية شيعية) في قضاء الناصرية مركز المحافظة.

وهذه الجماعة التي بدأت تنشط جنوب العراق الشيعي وخاصة في ذي قار، عُرفت من خلال هتافاتها أثناء الزيارات الدينية بجملة "علي الله.. الله علي" والتي يرفضها رجال الدين والمجتمع العراقي.

وما يثير الجدل والرعب كثيرا في منهج هذه الجماعة هو عبادتهم للخليفة الرابع للمسلمين، علي بن أبي طالب، إضافة إلى إجراء أفرادها بين الحين والآخر قرعة فيما بينهم ومن يظهر اسمه يذهب منتحرا قربانا للأخير.

وتشير بيانات غير رسمية إلى أن أكثر من 24 شخصا أقدموا على الانتحار في ذي قار منذ مطلع العام 2023، فيما جرى تسجيل عشرات المحاولات من ذات النوع ولم يكتب لها النجاح.

وفي نهاية يناير 2023، أعلنت منظمة "الإخاء" الحقوقية العراقية، رصد 102 حالة انتحار في محافظة ذي قار خلال عام 2022، محذرة من تفاقم ظاهرة الانتحار وتصاعد عدد ضحاياها بشكل مطرد.

وأشارت إلى أنه في "عام 2016 على سبيل المثال سجلنا 48 حالة انتحار، فيما ارتفعت خلال العام التالي إلى 53 حالة، ثم انخفضت عام 2018 لتسجل 51 حالة، وعام 2019 سجلت 55 حالة، ثم قفزت خلال عام 2020 لتصل إلى 80 حالة وارتفعت في عام 2021 لتبلغ 85 حالة".

وكانت محافظة ذي قار قد شكلت خلية أزمة الانتحار عام 2016 يترأسها المحافظ، وتضم في عضويتها ممثلين عن دوائر الصحة والشباب والرياضة ومديرية الشرطة وجامعة ذي قار، ومفوضية حقوق الإنسان والعمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.

أحفاد ابن سبأ

وبخصوص تاريخ نشوء هذه الجماعة وزعاماتها، قال رجل الدين الشيعي منتظر المياحي من محافظة ذي قار إن "المجموعة هذه غير معروفة على نطاق واسع، والحديث عنها لا يتم بصفتها معروفة، إذ لا يُعرف حتى الآن رئيسها مثلا أو المنظرون الخاصون بها".

ولفت المياحي خلال حديث نقله موقع "السومرية نيوز" العراقي في 17 مايو 2023، إلى أن "تجمعات أفراد جماعة القربان تجرى في السر، بصفتهم مخالفين للأعراف والقوانين والأديان".

وأشار إلى أن "هناك الكثير من الأفكار في الفضاء العام، لكن هذا المسار ربما هو تابع للجماعات المنحرفة التي تؤله الإمام عليا، وترى أنه هو الله، ما يستدعي إطلاق حملة واسعة لتعقب تلك الأفكار، وإنهاء وجودها".

ووفقا لمعلومات الموقع العراقي، فإنه "حتى الآن سُجلت ثلاث حالات انتحار داخل موكب حسيني في ذي قار، وأن أفكار هذه الجماعة أثارت الرعب بصفوف المجتمع المحلي بعموم المحافظة".

وعلق الخبير العراقي في شؤون الفرق الإسلامية، فاروق الظفري على "تويتر" في 19 مايو 2023 أن "جماعة القربان هم أحفاد ابن سبأ. هذه نتائج الشحن والغلو الطائفي لرواديد وروزخونات المنبر الكسروي الأسود جماعة القربان يعيدون دعوة إبن سبأ في قوله لعلي رضي الله عنه ( أنت أنت الله) فحرقهم بالنار".

وظهرت شخصية عبد الله بن سبأ في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وتنسب إليه الروايات التاريخية بأنه مشعل الاضطرابات والاحتجاجات ضد الأخير في الخفاء، وكان من الغلاة بحب علي بن أبي طالب ومدعيا لألوهيته، ومؤسس الفرقة السبئية وهي أصل فكرة التشيع من وجهة نظر البعض.

من جهته، قال الكاتب الأردني، ياسر الزعاترة، على "تويتر" في 17 مايو 2023 إن "التطرّف يعصف بالوضع الشيعي العراقي. أحد أشهر العلماء (هادي المدرسي) يقول إنه يعلم الغيب، وإن الإمام المهدي يتحكّم بالكون. جماعة سمّت نفسها أهل القضية، تقول إن مقتدى الصدر هو الإمام المهدي، والأخير يتبرّأ منهم. الأكثر إثارة هي جماعة القربان".

وأضاف: "ما لم يستمع القوم للمفكر الشيعي العراقي (أحمد الكاتب) وأمثاله من العقلاء، ويعيدوا النظر في "أسطورة المهدي"، كما يصفها، فإن هذا التطرف سيواصل التناسل. من يدّعون المهدوية مسلسل لا نهاية له، وكل حين يظهر منه (موسم) جديد".

وتابع: "أنزل الله كتابه المبين لإدارة حياة البشر في كل حين، وليس لتركهم يتخبّطون قرونا، وترحل منهم مئات الأجيال؛ كي يستمتع جيل واحد بوجود (مهديّ) يُصلح الكون (المهدي عند السنّة قضية خلافية، ولا صلة لها بالمهدي الغائب عند الشيعة، كما أنه ليس أصلا، ولا من أركان الإيمان)".

ورأى الزعاترة أنه "لا يمكن فصل ما يجري عن السياق السياسي بعد سيطرة القوى الشيعية على النظام السياسي في العراق، وهي بالمناسبة تفضّل إشغال الناس بالقضايا المذهبية، لستر فشلها وفسادها، خاصة أن أكثر رموزها هم من القوى الدينية".

جماعات أخرى

لكن "القربان" ليست هي الجماعة الأولى التي تشهدها ذي قار، ففي عام 2014 برزت "المولوية" أو كما يطلقون على أنفسهم "أبناء الله"، في المحافظة ذاتها جنوب العراق، والتي يتزعمها رجل الدين الشيعي "أحمد الحسن اليماني".

ووجهت للجماعة في 2018، اتهامات من مسؤولين عراقيين باختراق التظاهرات التي اندلعت وسط وجنوب البلاد خلال ذلك العام، والعمل على ضرب مؤسسات الدولة وحرق مقار الأحزاب السياسية.

وذكرت صحيفة "المدى" العراقية خلال تقرير لها في فبراير/شباط 2018، أن أحمد الحسن أعلن نفسه بأنه هو "اليماني" الموعود الذي يعتقد الشيعة الاثني عشرية أنه يمهد لظهور المهدي (الإمام الثاني عشر عند الشيعة)، والذي يعتقد أتباعه بأن لديه قدرات خارقة.

ويدعو التنظيم، الذي يرجح بأنه انضم إليه عشرات الآلاف من التابعين له في جنوب العراق، إلى الاستعداد لساعة الصفر التي تتزامن مع ظهور "الإمام المنتظر" عند الشيعة.

وترتبط جماعة "أبناء الله" وشعارها "البيعة لله" بشكل عنقودي، بحيث ينضم كل خمسة أشخاص إلى مجموعة منفردة، الأمر الذي يصعب معرفة علاقة كل مجموعة بالمجموعات بالأخرى.

ونقلت صحيفة "المدى" عن مصدر أمني في ذي قار أن "المولوية" يتبعهم 50 ألف عنصر منتشرين من بغداد إلى جنوب العراق، وأن منشورات عثرت عليها بحوزتهم كانت "تسقّط المرجعيات الدينية وتشتمهم".

وفي عام 2006، أقدمت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، على تنفيذ عملية عسكرية أميركية عراقية على منطقة الزرقاء شمال النجف ضد مقار جماعة تطلق على نفسها "جند السماء".

وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية السابق محمد العسكري في بيان حينها أن عدد قتلى الجماعة الدينية المسلحة بلغ نحو 200، في حين تمكنت القوى الأمنية من اعتقال 120 منهم إثر انتهاء الاشتباكات شمال النجف.

وتابع: "صادرت القوى الأمنية 500 قطعة سلاح و11 مدفع هاون فضلا عن عربات عسكرية وسيارات ووثائق مهمة"، لكنه رفض إعطاء المزيد من المعلومات.

وعن الفكر الذي تحمله، صدر بيان عن محافظة النجف أن هذه الجماعة معروفة لدى العامة باسم "المهداوية" نسبة إلى الإمام المهدي، مؤكدا أن زعيمهم اسمه أبو قمر اليماني ينحدر من مدينة الديوانية، لكنه اتجه نحو البصرة واتخذ لقبا جديدا هو أحمد أبو الحسن، ويدعي أنه "نازل من السماء مباشرة".

لكن نائب محافظ النجف عبد الحسين عبطان أكد وقتها أن الشخص المعني عراقي الجنسية قتل خلال المواجهات واسمه الحقيقي سامر أبو قمر من نواحي الديوانية، لكنه اتخذ لنفسه اسم علي بن علي بن أبي طالب .

أما بالنسبة لدوافع وارتباطات الجماعة، فقال عبطان: "وصلت إلى قناعة كاملة من خلال ما رأيت أن من يقف وراء هذا التنظيم هي شبكة (تنظيم) القاعدة، وأن أهدافهم هي قتل المراجع الدينية واحتلال الصحن الحيدري (مرقد الإمام علي) والسيطرة على مدينة النجف".

وأضاف عبطان أن "جند السماء" تنظيم كبير ومعقد ظاهره شيعة وباطنه غير ذلك، فهو تنظيم عقائدي لديه خبرة طويلة في القتال وإمكانيات عسكرية كبيرة وتلقوا تدريبات رفيعة المستوى نظرا لتصرفهم أثناء الهجوم، وأن هناك أجانب من مصر والسودان وأفغان.