رغم العقوبات الأميركية.. هل تسيطر روسيا على الفرص الاستثمارية في لبنان؟
مرة ثانية، يعود رجال الأعمال الروس إلى لبنان في جولة استكشافية جديدة لبحث إمكانية البدء في استثمارات في هذا البلد الغارق بأزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019.
ولم تغب العين الروسية عن لبنان من الناحية الاقتصادية، لكنها تكثفت عقب انفجار مرفأ بيروت عام 2020، والذي شكل ضربة قاسية لمحاولة تجاوز تلك الأزمة المستمرة.
ومن هنا وجد رجال الأعمال الروس الفرصة سانحة، لوضع أموالهم في استثمارات رابحة في لبنان، رغم أن الاهتمام الروسي متزايد بالاستثمار في قطاع النفط والغاز بلبنان.
والعلاقات الاقتصادية بين لبنان وروسيا "ليست قوية بما فيه الكفاية"، وذلك لأسباب سياسية في المقام الأول كما يؤكد مسؤولو لبنان.
استثمار روسي
ومن بوابة القطاع الخاص، استقبل مجلس رجال الأعمال اللبناني الروسي برئاسة جاك صرف وفدا من رجال الأعمال الروس في 12 أبريل/نيسان 2023، ضم حوالي 60 مستثمرا، في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان.
وحضر سفير موسكو لدى بيروت، ألكسندر روداكوف، وحشد من الفعاليات الاقتصادية اللبنانية ورجال أعمال لبنانيين اللقاء.
وركز اللقاء على تعزيز التعاون بين القطاع الخاص في البلدين، وخلق شراكات عمل بين الشركات، فضلا عن إجراء عرض للفرص الاستثمارية في لبنان.
كما ركز البحث على الميزات التي يتمتع بها لبنان لاعتماده كمركز للشركات الروسية الراغبة بالتوسع إلى دول المنطقة.
وخلال الاجتماع الموسع الذي ضم رجال أعمال روس ولبنانيين في بيروت، أكد السفير روداكوف أن العقوبات الغربية على بلاده عقب غزو أوكرانيا "لن تمنع موسكو من فتح قنوات اقتصادية وتجارية مع دول مختلفة في العالم".
ومع استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، ورد الدول الغربية بعقوبات قاسية، تتجه العيون إلى الاقتصاد الروسي الذي "يبدو أنه يعيش بياتا شتويا مع تأكد دخوله في مرحلة ركود".
وأوضحت صحيفة "إزفيستيا" الروسية، أن الإحصاءات الوطنية تشير إلى تسجيل البلاد انكماشا في الربع الثالث من عام 2022، للمرة الثانية على التوالي، فضلا عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 بالمئة في الربع الثالث من 2022.
من جانبه، قال رئيس مجلس رجال الأعمال اللبناني - الروسي، جاك صراف، إن الانتشار اللبناني الواسع في الدول الخليجية والإفريقية يساعد جدا في توسيع أعمال الشركات الروسية في هذه الدول.
وأشار صراف إلى أن موقع لبنان المميز يجعله مركزا جيدا للأعمال، داعيا الشركات الروسية إلى اعتماد لبنان كمركز لأعمالهم في المنطقة.
وأمام حاجة لبنان لأياد تنشط اقتصاده وتحمل كتفا عنه في إنجاز الكثير من المشاريع المتوقفة على التمويل والخبرات الأجنبية، يأتي بحث رجال الأعمال الروس للاستثمار في المجالات المجدية داخل هذا البلد الذي يقع 90 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.
ولهذا فإن هذه الزيارة لرجال الأعمال الروس ليست الأولى من نوعها إلى لبنان، فهي تأتي ضمن سلسلة تحركات منهم للفوز بعقود ومشاريع ولا سيما المتعلقة بمرفأ بيروت.
إلا أن تلك اللقاءات التي يمكن أن تسمى "استكشافية" لم تسفر عن بدء استثمار روسي حقيقي في لبنان، ولا سيما أن بيروت قدمت طلبا لموسكو لترميم مرفأ بيروت، الذي دمره انفجار كيماوي هائل في 4 أغسطس/آب 2020.
وأسفر الانفجار آنذاك عن مقتل 200 شخص وتسبب في خسائر بمليارات الدولارات، مما زاد من إضعاف الاقتصاد الذي يواجه بالفعل انهيارا بعد أن تسببت أزمة مصرفية في تهاوي قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
مشاريع متاحة
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية، يعاني لبنان من فراغ بمنصب رئيس لبنان منذ أن غادر قصر بعبدا رئيس الجمهورية ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كما أن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي محدودة الصلاحيات.
ولهذا يؤكد اقتصاديون لبنانيون، أنه من المهم تشكيل حكومة في أسرع وقت، حتى تكون فاعلة وقادرة على اتخاذ القرارات المناسبة لصالح البلاد وجلب استثمارات ومساعدات خارجية.
وفي نهاية يونيو/حزيران 2021، أكد المدير العام لشركة "الهندسة المائية والبناء" الروسية، أندريه متسغر، أن لبنان بحاجة إلى تنفيذ مشاريع تتعلق ببناء المرافئ وتطوير قطاع الطاقة، مشيرا إلى أنه عرض على السلطات اللبنانية نظام تمويل بناء يمكن مناقشته مستقبلا، في إطار المنفعة المتبادلة.
ووقتها لفت متسغر، إلى أن لدى لبنان فرصة للتغلب على أزمة الطاقة، وأحد هذه الحلول هو معالجة المواد الخام وتحويلها إلى مواد قابلة للاستهلاك.
وأوضح متسغر ردا على سؤال ما هي الآليات التي قد تتبع لتمويل هذه المشاريع في حال أسهمت الشركات الروسية في تنفيذها، قائلا: "لدينا اقتراحنا الخاص للسلطات اللبنانية. النظر بعرضنا للنظام التمويلي لمشاريعنا- نحن نبني وندير ولاحقا نسلم، ومن الممكن الاتفاق على آلية بشروط مقبولة للطرفين".
كما كشف المدير العام حينها، أنه قد يعرض على الجانب اللبناني النظر في بنك روسي كبير بهدف تمويل المشاريع.
ونهاية يونيو2021، زار لمدة أسبوع وفد من رجال الأعمال الروس لبنان، لدراسة إمكانية إنشاء إهراءات (صوامع تخزين) جديدة للقمح في مرفأ بيروت التي تدمرت بفعل الانفجار، وأخرى في مرفأ طرابلس.
وحينها قدم الوفد الروسي الاستثماري، لبيروت رغبة في العمل على 7 مشاريع تعد "إنقاذية" للبنان، تشمل إعادة إعمار مرفأ بيروت، وتحديث مرفأ طرابلس، وبناء 3 محطات لتوليد الطاقة.
بالإضافة إلى تأهيل مصفاتي نفط، في الزهراني وطرابلس (البداوي)، حسبما نقلت قناة "روسيا اليوم" عن مصدر مشارك في المحادثات المتعلقة بالعروض الروسية للبنان.
ووقتها أوضح المصدر أن هذه العروض قد تلقى "ترحيبا" من قبل أغلبية الشعب اللبناني، في حين أنها قد "تواجه" و"تحارب" من قبل بعض الجهات التي قد تكون لها "مصالح تجارية وسياسية" مع أطراف خارجية محددة.
عقبات خارجية
ويؤكد مراقبون أن الجهود التي تبذلها روسيا لتعزيز نفوذها الاقتصادي في لبنان قد تواجه تحديات عديدة على رأسها، موقف الولايات المتحدة التي لن تقبل، على الأرجح، توسيع النفوذ الروسي سواء في المجالات الاقتصادية أو السياسية في هذا البلد.
وكان وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض، أكد في مارس/آذار 2022 عن تلقي بلاده عرضا من شركة روسية خاصة لم يذكر اسمها لإنشاء مصفاة للنفط تسهم بإيجاد حلول للكهرباء والمحروقات"، وذلك عقب لقائه سفير موسكو لدى بيروت ألكسندر روداكوف، بحسب ما أفادت وكالة الإعلام اللبنانية الرسمية.
وسبق إعلان فياض قول حسن نصر الله، أمين عام "حزب الله" ذراع إيران العسكري بلبنان في كلمة متلفزة مطلع مارس/آذار 2022 إنه "منذ سنة ونصف قدمت شركة روسية عرضا حقيقيا بإنشاء مصفاة للنفط بكلفة مليار و200 مليون دولار".
وانتقد نصر الله وقتها "تأخّر الجهات اللبنانية الرسمية في الرد على العرض ووضع شروط إضافية"، متهما في الوقت نفسه، واشنطن بمنع السير في هذا الخيار.
وتعمل الولايات المتحدة التي لا تزال واحدة من أكبر الجهات المانحة للمساعدات العسكرية للبنان، على الإبقاء على موطئ قدم قوي في لبنان، بهدف موازنة قوة "حزب الله" وما تراه واشنطن على أنه توسيع النفوذ الإيراني في لبنان.
وكثيرا ما طمح "حزب الله" في تحسين لبنان العلاقة الاقتصادية مع روسيا، بعد أن ثبتت موسكو وجودها العسكري والاقتصادي بسوريا منذ عام 2015، حينما تدخلت لمنع سقوط نظام بشار الأسد حليف الحزب الأساسي.
ولهذا ينظر إلى التحركات الروسية الجدية تجاه لبنان، على أنها محاولة للدخول من الفراغ الاقتصادي الذي يعاني منه هذا البلد.
ولا سيما أن موسكو تدرك أن الأطراف الدولية الفاعلة بلبنان كالسعودية وفرنسا والولايات المتحدة، تطالب بيروت بإنجاز الاستحقاقات السياسية قبل الشروع في مد يد العون المالي لهذا البلد.
سوق جديدة
ومن هنا يبدو أن الاهتمام الروسي المتزايد بالسوق اللبنانية يريد أن يفتح آفاقا جديدة بعيدة عن الاستثمار في النفط والغاز، إذ شكلت المشتقات النفطية 89 بالمئة من إجمالي السلع التي استوردها لبنان من روسيا عام 2019.
إذ إن شركة "نوفاتيك" الروسية داخلة في تحالف الشركات المنقبة عن النفط والغاز في المياه اللبنانية إلى جانب شركتي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، كما فازت شركة "روسنفت" الروسية عام 2019 بعقد استثمار وتأهيل خزانات منشآت النفط في طرابلس اللبنانية.
كما قدمت شركات روسية عروضا لتأهيل محطة تكرير النفط، فضلا عن عروض في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية.
وفي هذا السياق، أكد موقع "Leb Economy" المختص بالشؤون الاقتصادية اللبنانية كافة، أن حضور رجال الأعمال الروس إلى لبنان هو من أجل "خلق شراكات عمل بين الشركات في البلدين، فضلا عن إجراء عرض للفرص الاستثمارية في لبنان، لا سيما في قطاعات العقار والسياحة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات".
وسبق أن قال المسؤول بوزارة العدل الأميركية، أندرو آدمز، في مقابلة مع وكالة "رويترز" في 3 أبريل/نيسان 2022، أن المدعين العامين في الولايات المتحدة وجدوا أدلة على أن ما تعرف بالأوليغارشية الروسية وتشير لنخب الأثرياء في روسيا يحاولون التهرب من العقوبات المفروضة عليهم.
وأفاد آدمز بأن بعض رجال الأعمال الروس يحاولون نقل أصولهم تحسبا لأي عقوبات مستقبلية.
وذكر أن الجهود جارية وتم الإبلاغ عن بعضها لنقل ممتلكات في شكل يخوت وطائرات وغيرها إلى مناطق يعتقد رجال الأعمال أن تجميد أصولهم سيكون صعبا بها.
وبحسب تقرير لصحيفة "الأخبار" اللبنانية نشر نهاية فبراير/شباط 2022، فإنه في زيارة سابقة لوفد روسي إلى حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، تمحور الحديث حول "شراء روسيا مصرفا لتسهيل الحركة المالية".
يذكر أن كثيرا من البنوك اللبنانية مازالت متحفظة في إجراء تعاملات مصرفية طبيعية مع نظيرتها الروسية، وذلك على ضوء العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على الشركات الروسية.
ووفقا لبيانات منظمة التجارة العالمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا ولبنان نحو 572.1 مليون دولار في عام 2018 متراجعا من 665.7 مليون دولار في عام 2017.