"لن يدوم طويلا".. هل ينهي الاتفاق السعودي-الحوثي الأزمة في اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

تتسارع التطورات في ملف الأزمة اليمنية على نحو دراماتيكي، عقب سنوات من المحادثات "السرية" و"المسلحة" بين السعودية ومليشيا "الحوثي".

ويبدو أن التفاهمات بين الرياض وطهران التي رعتها الصين قد انسحبت، بطبيعة الحال، على العلاقات المتوترة بين السعودية و"الحوثيين"، وباتت وجهات نظر الجانبين متقاربة من أي وقت مضى.

تلك المحادثات التي أشرفت عليها الصين وباشرتها الدبلوماسية العمانية، أسفرت في آخر تطوراتها عن لقاء بين السعوديين و"الحوثيين" كتتويج لمجموعة من الاتفاقات.

انتزاع التنازلات

وأجرى وفد سعودي برئاسة السفير لدى اليمن، محمد آل جابر، في 9 أبريل/نيسان 2023، زيارة إلى العاصمة صنعاء، حيث استقبل رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط، الوفدين السعودي والعماني في القصر الجمهوري.

هذه الخطوة لاقت ترحيب "الحوثي"، حيث نقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في حينها، أن "المشاط رئيس المجلس الأعلى للحوثيين رحب بجهود السلام التي رعتها عُمان من أجل رأب الصدع بين الجانبين".

وأتى اللقاء الأكثر أهمية في سياق الأزمة باليمن تتويجا لمجموعة من التفاهمات بين الطرفين، أهمها الاتفاق على هدنة تدخل حيز التنفيذ منذ نهاية رمضان الجاري وتستمر حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، ثم تليها 3 أشهر تمهيدا للدخول في مرحلة انتقالية تستمر لمدة عامين، يتم خلالها تشكيل حكومة تعترف بها الرياض.

وفي مقال نشره بصحيفة "الانترسبت" الأميركية الصادرة في 7 أبريل 2023، قال الكاتب الأميركي، راين جريم، إن "الصين انتزعت من السعوديين تنازلات جعلت محادثات وقف إطلاق النار ممكنة".

وتابع: "فيما يبدو فإن السعوديين يستسلمون بالكامل لمطالب الحوثيين، والتي تشمل فتح الميناء الرئيس للسماح بوصول الإمدادات الحيوية إلى البلاد، والسماح للرحلات الجوية إلى صنعاء، والسماح للحكومة بالوصول إلى عملتها لدفع رواتب موظفيها ..".   

في واقع الأمر، فإن الاتفاقية شملت حزمة من إجراءات بناء الثقة، من بينها تبادل الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين، وفق مبدأ "الكل مقابل الكل"، كما شملت إجراءات من طرف واحد، من بينها إعادة فتح الموانئ التجارية والنفطية والمنافذ الجوية والبرية.

بالإضافة إلى إنهاء الحظر الاقتصادي من خلال إيقاف عمليات تفتيش السفن الواصلة إلى الموانئ اليمنية والتي كانت تعبر عن طريق ميناء جدة، وتوسيع قائمة البضائع المسموح باستيرادها إلى 500 صنف كانت في قائمة الحظر، وفق الكاتب جريم.

وبحسب مراسل وكالة "شينخوا" الصينية، الصحفي فارس الحميري، فإن الاتفاقية شملت حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، أهمها إعادة توحيد البنك المركزي في كل من صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثي، وعدن التابع للحكومة الشرعية، وتوحيد سعر صرف العملة، بالإضافة إلى صرف مرتبات موظفي الدولة المتوقفة منذ اندلاع الأزمة في اليمن.

هذه التنازلات برأي متابعين، كانت السعودية قد قدمتها للخروج من المأزق الذي تورطت به في اليمن، ووقعت فيه صنيعة سوء تقديرها للأزمة في "البلد غير السعيد".

وقال الكاتب اليمني، فهد سلطان، عبر نشرها بفيسبوك في 9 أبريل 2023، إن "الحوثي في مهمة إخراج السعودية من الورطة التاريخية، لم تعد السعودية - بعد اليوم - طرفا في الحرب وإنما وسيط سلام".

وأضاف أنه "بدلا من إعمار ما دمرته في اليمن بحربها العبثية مع الإمارات لأكثر من 80 بالمئة من البنية التحتية مع ملف التعويضات، ستكتفي (السعودية) بدفع مبلغ كاش للحوثي، فيما هي ستحشد الدول في مؤتمر مستقل لدعم إعمار اليمن، كونه خرج من حرب أهلية، وستكون مثلها مثل الصين أو السويد تدفع مبلغا والحوثي يتولى الأمر."!!

وشدد سلطان على أنه "لو هناك حكومة محترمة ستوقف هذا المخطط الإجرامي، ولو هناك نخبة وأحزاب ووطنيين شرفاء لكن لهم رأيا آخر ..".

معاقبة اليمنيين

هذه التوافقات وإن كانت تبدو كحل للأزمة، إلا أن كثيرا من اليمنيين ذهبوا إلى أنها "تعاقبهم" بتمكين الحوثيين من الحكم ثم الاعتراف بهم لاحقا كسلطة شرعية، وهو الأمر الذي سيرحل معركة اليمنيين مع "الحوثي" ويحدد مسارها.

وقال المدون اليمني، أسامة عادل: "(آنذاك عام 2014) دعمت السعودية الحوثيين بهدف إعاقة مشروع الديمقراطية الوليدة، وأكلت خازوقا دفعت ثمنه غاليا، وخسرت مليارات وسمعة وجنود وغيره، واليوم تتذاكى وستأكل خازوقا أكبر وعواقبه أشد..".

وأضاف "ماعلينا، المهم احنا اليمنيين نعيد ضبط بوصلتنا، فالمرحلة الثانية مع الإمامة بدأت اليوم، وقد يكون هذا التقارب لمصلحة المعركة الجمهورية، وفي التاريخ القريب شواهد كثيرة تؤيد ذلك".

أما الكاتب والروائي، مروان الغفوري، فقد عد هذا السلام "تمكين الحوثيين من رقاب اليمنيين". 

وغرّد عبر حسابه على تويتر في 9 أبريل قائلا: "يتبجحون وكأنهم اجتاحوا الأمصار، ها هو السلام على الطاولة من أجل إنقاذ الرهائن (20 مليونا تحت قبضتهم)، غدا سيغادرون إلى الحرب، لأن أحدا لم يقل لهم: أنتم لم تكسبوا معركة واحدة، كل ما في الأمر أن الطرق فتحت أمامكم على سبيل النكاية، مرحبا بالسلام الذي لن يدوم طويلا".

الكاتب عصام القيسي علق على التسوية السياسية مع "الحوثي" بالقول إن "السعودية تنتقم من اليمنيين الذين قاموا بثورة 1962 (أدت لقيام الجمهورية) وهي الثورة التي عارضتها السعودية حينها".

ورأى القيسي، في تدوينة عبر تويتر في 9 أبريل 2023، أن "السعودية انتقمت لما فعله اليمنيون عام 1962 وفعلت ذلك بطرق تبدو منطقية شرعية لمن لا يعرف الحقيقة. فككت الشرعية حاملة القضية الوطنية أضعفت الجيش الوطني وألجأت الجميع للتفكير في الخلاص الفردي ومن الآن فصاعدا ستحرس الحوثي بعيونها".

"المثير في الأمر أن الاتفاق يستبعد "الشرعية اليمنية" كطرف رئيس في الأزمة، وكانت السعودية قد قامت بتفكيك الحكومة الشرعية وإضعافها خلال سنوات وجودها في الرياض، واتخذت نيابة عنها القرارات السيادية والمصيرية في سياق الأزمة، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين للقول إن "الشرعية باتت بلا شرعية".

وبحسب صحيفة "الانترسبت" فإن الطريقة التي تنتهي بها الحرب "تؤكد مدى عدم شرعية حكومة اليمن المدعومة من واشنطن في السنوات الماضية".

وأضافت: "رغم أن الحكومة الشرعية، وهم من مجموعة من المنفيين الذين يعيشون في فنادق الرياض، مدعومون بالكامل من قبل السعودية وتحت إشرافها وتشير إليهم السعودية بالحكومة الشرعية في اليمن في وثائقها، إلا أن الحكومة لم تمارس حكما فعليا ولم يكن لها شرعية خارج فنادقها".

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: "انظر كيف وصل الخبر إلى الحكومة التي يقودها مجلس القيادة الرئاسي، فالرياض قد أبلغت المجلس القيادة بقرارها إنهاء الحرب وإغلاق الملف اليمني نهائيا، وكانت هذه هي النهاية السيئة للحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الولايات المتحدة".