الصين ترفع ميزانية جيشها وسط منافسة حامية مع أميركا.. ما خططها؟
يحتل الجيش الصيني المرتبة الثالثة عالميا في قائمة موقع "غلوبال فاير باور"، المتخصص بالشؤون العسكرية، في تصنيفه السنوي لأقوى جيوش العالم للعام 2023.
وعلى مدار عقود طويلة كرست الصين جهودها على تطوير قدراتها العسكرية، والاستعداد لخوض غمار حرب بحرية وجوية وبرية شاملة، من خلال الاعتماد على موارد محلية بشكل أساسي.
وأوضح تقرير "غلوبال فاير باور" الصادر في 7 يناير/كانون الثاني 2023، أنه إذا استمرت الصين في هذا الاتجاه، ستصبح الخصم العسكري العالمي الرئيس للولايات المتحدة.
يعزز هذا ما حدث في 5 مارس/آذار 2023، عندما قررت الحكومة الصينية زيادة الميزانية المالية للجيش الصيني بنسبة 7.2 بالمئة، مما سيسمح له بمواصلة تحديثه على نطاق واسع.
لا سيما أن بكين تواجه تحديات صعبة في جبهات متعددة، أخطرها ملف تايوان، والتغول العسكري الأميركي البحري والجوي بالقرب من مناطق النزاع بين الصين وجيرانها في بحر جنوب الصين، وآسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا.
وعد 2050
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أعلن الرئيس الصيني "شي جين بينغ" عن هدف استكمال تحديث الجيش بحلول عام 2035، وذلك خلال تفقده مركز العمليات المشتركة للجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي.
وقال "شي جين بينغ": "سيصبح الجيش على مستوى متقدم كثيرا على ما هو عليه الآن بحلول عام 2050".
وطلب من القيادة العليا للجيش تكريس نفسها لهذا الهدف، مع الاستعداد الكامل للقتال في كل وقت وفق متطلبات العصر الحديث.
وبحسب ما قال موقع "سبوتنيك" الروسي في 26 مارس 2023، فإن بكين تخطط لإنفاق تريليون و553 مليار يوان (224 مليار دولار) على دفاعها، أي أقل 3 مرات من الميزانية الدفاعية الأميركية.
وتقلق تلك الميزانيات الولايات المتحدة، حتى إن وزارة الدفاع الأميركية اتهمت بكين في نوفمبر 2022، بأنها ترغب في زيادة ترسانتها النووية إلى 1500 رأس بحلول عام 2035.
ووفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام للعام 2022، تمتلك الصين 350 رأسا نووية، فيما تمتلك الولايات المتحدة 5428، وروسيا 5977، أما بريطانيا فتمتلك 225، وفرنسا 290.
ورغم أن الصين اتخذت إستراتيجية مختلفة بداية من 3 سبتمبر/أيلول 2015، عندما أعلنت خفض أعداد الجنود بشكل حاد، في إطار حملة تحديث وإضفاء طابع احترافي وتحسين الإنفاق، تجاه التكنولوجيا والحرب السيبرانية، لكن يظل جيش التحرير الشعبي الصيني هو الأكبر في العالم.
إذ يضم الآن في صفوفه مليونين و35 ألف رجل وامرأة، حسب تقرير مركز الأبحاث البريطاني والمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية للعام 2023.
وهذا العدد يقسم بشكل خاص بين القوات البرية (965 ألفا) والجوية (395 ألفا) والبحرية (260 ألفا) والوحدة المسؤولة عن الصواريخ الإستراتيجية كذلك (120 ألفا).
وتعد القوة الصاروخية أهم وحدة للصواريخ الإستراتيجية الصينية، وهي تسيطر على الصواريخ النووية والتقليدية.
ويعمل في وحدة القوة الصاروخية 100 ألف جندي موزعين على 6 أقسام تعمل بشكل منفصل عن بعضها بعضا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، أنشئت قوة الدعم الإستراتيجي وهي أولى خطوات الإصلاحات التي أدخلتها القيادة العسكرية للجيش.
وبحسب وزارة الدفاع الصينية فإنها مزيج من وحدات الدعم، وتضم قوات عمليات تستخدم تكنولوجيا فائقة مثل الحرب الإلكترونية وحرب الفضاء.
ويمتلك الجيش الصيني 3 حاملات طائرات، تعمل اثنتان منها فقط حاليا والثالثة في مرحلة اختبار في البحر.
وعلى مستوى القوات الجوية، حققت الصين تطورا سريعا، بحسب دراسة نشرها المعهد الدولي للدراسات (IISS) البريطاني، في نوفمبر 2022.
أورد أنه جرى دعمها في ذلك الوقت بمقاتلات جديدة مثل "جيه-16" والمقاتلات الشبح "جيه-20" وهي طائرات "تضاعف على الأرجح" معدل إنتاجها السنوي خلال السنوات الماضية.
الطفرة الصينية
وكذلك أحدثت الصين طفرة حقيقية في مجال تكنولوجيا الحوسبة الفائقة الذي تتميز به الشركات الصينية، بامتلاكها مجموعة من أسرع الحواسيب في العالم.
وهو ما مكنها من تحقيق نقلة هائلة، وضعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة قلق مستمر.
حتى إن واشنطن فرضت عقوبات اقتصادية على شركات صينية عملاقة، في محاولة لإبطاء برنامج الأسلحة الأسرع من الصوت في الصين.
ففي 8 أبريل/نيسان 2021 أدرجت وزارة التجارة الأميركية، 7 شركات تكنولوجيا صينية متخصصة في أجهزة الحوسبة الفائقة وعالية السرعة، ضمن "القائمة السوداء" بسبب دعمها للجيش الصيني، وهو ما عدته واشنطن تهديدا للأمن القومي الأميركي.
وكانت "فيتيوم" الصينية من أبرز الشركات التي وضعتها واشنطن على رأس القائمة السوداء، وفرضت عليها العقوبات، وهي شركة أشباه موصلات صينية، تعمل على تصميم المعالجات الدقيقة عالية الأداء.
وتأسست فيتيوم عام 2012، كفرع لمؤسسة الصين للإلكترونيات، وتعد على علاقة وثيقة بتطوير الجيش الشعبي الصيني.
واستخدم الجيش الصيني معالجات فيتيوم الدقيقة للحاسوب الفائق في أكبر مجمع لأبحاث الديناميكا الهوائية في الصين، والذي يجري أبحاثا عن أسلحة تفوق سرعة الصوت.
وفي 10 أبريل 2021، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، تقريرا قالت فيه: "تبني الصين أنظمة أسلحة متطورة، قادرة في يوم من الأيام على استهداف حاملات الطائرات الأميركية (أو تايوان)".
وأكدت أن "بكين تطور صواريخ في منشأة عسكرية سرية في جنوب غرب الصين، معتمدة على الكمبيوتر الضخم المستعمل في صناعة الأسلحة برقائق صغيرة، صممتها شركة صينية تدعى (فيتيوم)".
وأوضحت أن "شركة فيتيوم تعد مثالا على كيفية تسخير الصين للتكنولوجيا المدنية للأغراض العسكرية الإستراتيجية".
إذ استغلت حلقة حيوية في سلسلة التوريدات العالمية الخاصة بالرقائق الإلكترونية، وأنشأت تقنية فوق صوتية، تتيح للصواريخ الانطلاق بسرعة تتجاوز سرعة الصوت بخمسة أضعاف، ما قد يمكنها من الإفلات من أنظمة التصدي الدفاعية، وفق الصحيفة.
توترات متصاعدة
في تحليله للتوترات بين الولايات المتحدة والعالم الغربي من جهة، والصين من جهة أخرى، شدد الدبلوماسي الأميركي المخضرم هنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، على التحذير من تفجر منافسة تخرج عن السيطرة بين الغرب والصين، واستند في تقييمه إلى تجارب التاريخ.
وفي كلمة له عبر تطبيق "زووم" خلال مؤتمر نظمه المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن 27 مارس 2021، رأى كيسنجر أنه في حال عدم الوصول إلى تفاهم بين الولايات المتحدة والصين حول نظام عالمي جديد، فإن العالم سيواجه فترة خطيرة مثل تلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى.
وكانت نظرة كيسنجر في محلها، ففي 28 مارس 2023، أعلنت بكين استعدادها الكامل للتعاون مع روسيا، وتوعدت أميركا برد انتقامي في حال التقى رئيس مجلس النواب برئيسة تايوان.
وذكرت وزارة الدفاع الصينية أن الجيش الصيني على استعداد للعمل مع الجيش الروسي، لتعزيز الاتصال والتنسيق الإستراتيجي.
وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية "تان كي فه" أن البلدين سيتعاونان في تنفيذ مبادرات أمنية عالمية، وسيعملان على تعزيز الثقة العسكرية وحماية العدالة الدوليتين بشكل مشترك.
وتعد الصين جزيرة تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتعقد العزم على استعادتها بالقوة إن اقتضت الحاجة.
وترى أنه عملا بمبدأ "الصين واحدة،" لا ينبغي لأي دولة إقامة علاقات رسمية مع بكين وتايبيه في آن واحد، وهي رسالة المقصد الرئيس منها أميركا، وتدخلاتها في النزاع لصالح تايوان.
وفي 29 مارس 2023، رد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي، على التصريحات الصينية بالقول إن "الجيش الأميركي قادر على خوض حروب في أماكن مختلفة في حالات الطوارئ إذا دعت الحاجة لذلك".
لكنه أشار خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ إلى أنه من الصعب للغاية خوض حرب مع روسيا والصين بشكل متزامن.
المصادر
- بعد رفع ميزانيته العسكرية.. تعرف على قدرات الجيش الصيني ووحداته القتالية
- لماذا تواصل الصين بناء قدراتها العسكرية... هل تستعد للحرب؟
- 2023 Military Strength Ranking
- تحذيرات بشأن تايوان.. الصين مستعدة للعمل مع الجيش الروسي وأميركا تعترف: يصعب علينا محاربة الدولتين
- زيادة الإنفاق الدفاعي الصيني: مخاوف أمنية ونوايا خفية
- الصين تنظم عرضا عسكريا ضخما وتعلن خفض عدد قوات جيشها