تداعيات الحرب وسقوط الأسد.. كيف تراجع نفوذ حزب الله سياسيا في لبنان؟

يوسف العلي | بعد ٦ دقائق

12

طباعة

مشاركة

كشفت التطورات السياسية الأخيرة في لبنان عن مدى تراجع نفوذ حزب الله، بعد حرب تدميرية خاضها الأخير مع إسرائيل، وتبعها الإطاحة بحليفه في سوريا، نظام بشار الأسد.

فالهزائم العسكرية التي مُني بها حزب الله اللبناني خلال حربه مع إسرائيل وأودت بأبرز قادته، وعلى رأسهم أمينه العام السابق، حسن نصر الله، تبعتها نكبات سياسية في الساحة اللبنانية، كان آخرها اختيار رئيس ورئيس حكومة جديد للبلاد بعيدا عن دائرة سيطرته ونفوذه.

"قبول بالواقع"

وشهد لبنان أخيرا انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وهو اسم لم يكن مقبولا لدى حزب الله.

وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2025، كلّف رئيس الجمهورية المنتخب، القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بعد حصوله على 85 صوتا برلمانيا، متقدما على منافسه رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، الذي حصد 9 أصوات فقط.

"الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) لم يكن مع انتخاب نواف سلام، وكان يدعم نجيب ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة.

 فقد صرّح محمد رعد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله، قائلا: "من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية؛ لأن أي سلطة تناقض العيش المشترك، لا شرعية لها على الإطلاق".

وأشار خلال مؤتمر صحفي بعد لقاء الرئيس جوزيف عون، في يوم تكليف نواف سلام، إلى أن "البعض يعمل على التفكيك والتقسيم والشرذمة والإلغاء والإقصاء تعنتا وكيدا وتربصا".

وفي إشارة إلى أن تكليف نواف سلام جاء خلافا لما تريده كتلتا “الثنائي الشيعي”، قال رعد: "كنا نأمل أن نلاقي اليد التي لطالما تغنت بأنها ممدودة وإذ بها قُطعت".

وفي 16 يناير، نقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن برلمانيين مقربين من حركة "أمل" الشيعية (لم تسمهم)، أن تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة هو بمثابة "خديعة"، مؤكدين أن التكليف سبقه توافق بين النواب المسيحيين والمسلمين من السنّة لانتخاب ميقاتي".

وبحسب البرلمانيين المقربين من الحركة الشيعية، فإن ما حدث هو محاولة لحرمان التيار الشيعي "حزب الله وحركة أمل" من المشاركة في الحكومة الجديدة، متهمين كتلة "التيار الوطني الحر" التي صوتت بـ13 صوتا لصالح نواف سلام بـ"إكمال الانقلاب".

ونقلت الوكالة عن مصادر في "حزب الله" اللبناني (لم تسمها)، أن الأخير سعى لإبقاء نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة، كونه اعتقد أن الأمر محسوم بموجب بنود اتفاق سياسي، بعد أن وافق ممثلو الحزب في البرلمان على انتخاب قائد الجيش رئيسا للبلاد يوم 9 يناير.

وفي السياق، قال الكاتب اللبناني، معروف الداعوق:  إن التحالف الشيعي “أراد هذه المرة، تكرار الإمساك بزمام الحكومة الجديدة، بترشيح ميقاتي والوقوف وراءه ودعمه، لتكرار صيغة التحكم في سياسة الدولة وقراراتها”.

وذلك "انطلاقا من أن رئاسة الجمهورية ذهبت إلى خصومه السياسيين، وبالتالي يجب أن تكون الحكومة من حصته".

وأضاف الكاتب خلال مقال نشره موقع "آم ليبانون" اللبناني في 14 يناير، أن “واقع الأمور هذه الأيام وضغط المتغيرات، لم يطابق طموحات التحالف المذكور”.

وتابع: "انسحبت بعض جوانب انتخاب عون على عملية تسمية رئيس الحكومة، وبعدما كان ميقاتي متقدما على جميع خصومه المرشحين، تبدلت فجأة مواقف معظم النواب الذين يؤيدون تسميته، باختيار القاضي سلام لهذه المهمة".

وأكد الداعوق أن "ما كان يمارسه الثنائي الشيعي وتحديدا حزب الله، بتخويف خصومه السياسيين بالسلاح، لفرض رئيس الحكومة والوزراء والحصص بالقوة على قياس الحزب ومصالحه، سقط إلى غير رجعة، وأصبح القبول بالواقع أفضل من البقاء خارج اللعبة هذه الأيام".

"شحذ الضمانات"

وكشفت واقعة أخرى أيضا عن تراجع نفوذ "حزب الله" وفرض إرادته السياسية، تمثلت في انتخاب قائد الجيش عون رئيسا للبنان، بعدما بقي المنصب شاغرا لمدة عامين بسبب إصرار الحزب على دعم سليمان فرنجية، بحجة رغبته في تولي المنصب شخصية تحفظ "ظهر المقاومة".

ولم يحظَ عون في الجولة الأولى بدعم حزب الله، وحصل على 71 صوتا فقط، ما حال دون فوزه الذي يتطلب 86 صوتا.

لكن الدورة الثانية شهدت تحولا مفاجئا؛ إذ صوت الثنائي الشيعي لصالحه، مما رفع عدد أصواته إلى 99، ليطوي بذلك صفحة فراغ رئاسي طويل.

وفي هذه النقطة، رأى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، علي الأمين، أنه "لم يكن لدى حزب الله خيار سوى انتخاب عون، كونه يدرك، أكثر من غيره، حجم التحولات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية وسقوط نظام الأسد في سوريا"، حسبما نقلت قناة "الحرة" الأميركية في 10 يناير.

وأوضح الأمين، أن "هذه التحولات أنتجت معادلة جديدة في لبنان، نقلت حزب الله من موقع المقرر في رئاسة الجمهورية – أي من فرض الرئيس أو تعطيل الانتخابات– إلى مرحلة يشحذ فيها ضمانات تحول دون تهميشه".

وأشار إلى أن “امتناع حزب الله عن انتخاب عون في الجلسة الأولى لم يكن رفض التصويت له، بل أراد أن يظهر أن فوز عون لم يكن ليتم لولا أصوات الحزب وحركة أمل، كما أوضح النائب محمد رعد". 

وتابع: "أما الحديث عن الضمانات، فيكفي أن نشير إلى أن عون، لم يتطرق في خطاب القسم إلى المقاومة، بل تحدث بشكل قاطع عن حصرية السلاح بيد الدولة، وأكد أن الجيش هو المسؤول عن حماية الحدود وحفظ أمن لبنان".

وبحسب رأي الأمين، فإن "حزب الله أراد أن يظهر لجمهوره أنه كان الطرف الحاسم في وصول عون إلى الرئاسة، ليؤكد أنه لا يزال فاعلا ومؤثرا، حتى لو كانت الضمانات المقدمة له تقتصر على عدم تهميشه".

وشدد على أن "موازين القوى تبدلت في لبنان، وأن حزب الله خضع بملء إرادته لقرار خارجي بانتخاب عون، وقد عاد إلى حجمه الطبيعي أي كتلة نيابية تضم 15 نائبا".

ولفت إلى أنه "إذا عبّر بعض نواب الحزب عن استيائهم من الضغط الدولي، فكان الأجدر بهم عدم انتخاب عون أو مقاطعة جلسة الانتخاب".

وخلص الأمين إلى أن "قبولهم (نواب حزب الله) بهذه الشروط يعكس إدراكهم لضرورة التأقلم مع الواقع الجديد وتجنب الاصطدام به، وذلك نتيجة تداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل وسقوط الأسد على دور الحزب ونفوذه".

وعلى عكس الخطابات التقليدية التي ميزت العهود السابقة بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990)، جاء خطاب عون محملا برسائل واضحة، أبرزها تأكيده على ضرورة "تثبيت حق الدولة في احتكار السلاح" كركيزة أساسية لتعزيز سيادة لبنان. 

وتعهد عون بأن يشكل انتخابه بداية "مرحلة جديدة في تاريخ لبنان"، داعيا إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية بقوله: "آن الأوان لنراهن على استثمار بيروت في تعزيز علاقاتنا الخارجية، بدلا من الاعتماد على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض".

"استعادة السيادة"

وأظهرت واقعة ثالثة، فقدان “حزب الله” سيطرته على مطار رفيق الحرير الدولي في بيروت، وذلك عندما أخضعت السلطات الأمنية اللبنانية في 3 يناير، طائرة من شركة "ماهان" الإيرانية التابعة للحرس الثوري، إلى التفتيش.

وأفادت وسائل إعلام محلية أن السلطات اللبنانية منعت دبلوماسيا إيرانيا من دخول البلاد بعد رفضه تفتيش حقيبته الدبلوماسية، وقالت إن بيروت تجري اتصالات مكثفة مع السلطات في طهران بشأن طائرة إيرانية قيل إنها بصدد نقل أموال لحزب الله.

وذكرت "المؤسسة اللبنانية للإرسال" في 3 يناير، أن معلومات تفيد بأن الدبلوماسي الإيراني -الذي قدم على متن طيران ماهان الإيراني- منع من دخول لبنان بعد رفضه تمرير حقيبته الدبلوماسية على جهاز التفتيش الإلكتروني (سكانر)، انطلاقا من كون الحقائب الدبلوماسية لا تخضع للتفتيش.

ونقلت قناة "المستقبل" اللبنانية في 3 يناير، عن مصادر أمنية (لم تسمها) قولها إن جهاز أمن المطار وبعد مراجعة القيادات الأمنية العليا سيمنع خروج شحنة تحملها الطائرة الإيرانية من حرم المطار.

وأشارت إلى أن اتصالات سياسية سريعة أجريت مع الجانب الإيراني لإبلاغه بأن الطائرة لو هبطت وثبت نقلها للأموال بعد تفتيشها فإن الشحنة ستصادَر لصالح الدولة اللبنانية، باعتبارها أموالا مشبوهة، وفي حالة الرفض المسبق للتفتيش فإنه لن يسمح لها بالهبوط.

وبحسب مصادر القناة اللبنانية، فإن سلطات المطار "حددت أحد المدارج البعيدة عن حدود المطار لتهبط فيه الطائرة في حال وصولها إلى لبنان، وذلك لضمان تفتيشها ومنع الوصول إليها من قبل أطراف على صلة بالضاحية الجنوبية لبيروت".

وعلى ضوء هذه الحادثة، تظاهر العشرات من أنصار "حزب الله" في محيط "مطار رفيق الحريري الدولي" بالعاصمة بيروت، احتجاجا على تفتيش الطائرة، حسبما أظهرت مقاطع مصورة نقلتها قناة "المنار" التابعة للحزب في 3 يناير.

وانتقدت وكالة "تسنيم" الإيرانية في 3 يناير، التدابير التي اتخذت بحق الطائرة الإيرانية، بقولها إن "اتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية تنص على أن الدبلوماسيين يتمتعون بحصانة كاملة، مما يعني أنهم لا يخضعون للتفتيش أو المراقبة الشخصية في الدولة المستقبِلة".

وأشارت إلى أن “هذه الحصانة تشمل العديد من الحقوق والامتيازات التي تتيح للدبلوماسيين ممارسة مهامهم بحرية وأمان، بما في ذلك عدم التفتيش في المطارات”.

وبينت الوكالة أنه "لا يجوز لدولة الاستقبال تفتيش أو إخضاع الدبلوماسيين للتفتيش الشخصي أو فحص ممتلكاتهم أو أمتعتهم".

ورأت أن ذلك “يعد انتهاكا للحصانة التي يحظى بها المبعوثون الدبلوماسيون وفقا للاتفاقية، كما أن أي هجوم على الحصانة الدبلوماسية قد يتسبب في توتر العلاقات بين الدول”، زاعمة أن عمليات التفتيش في مطار رفيق الحريري، بدأت قبل أسابيع وتتم "بإشراف ضباط أميركيين".

وأشارت "تسنيم" إلى أن "جمعا من اللبنانيين توجهوا على دراجاتهم النارية نحو المطار، لكن الجيش أغلق طريق الدخول إليه"، في إشارة إلى تظاهرة أنصار حزب الله.

في غضون ذلك، قال وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسام مولوي: "يجري تفتيش الطائرة الإيرانية في مطار بيروت، وجهاز أمن المطار يطبق التعليمات".

وتعليقا على ذلك، قال نزيه متى عضو مجلس النواب عن حزب القوات اللبنانية، بقيادة سمير جعجع، إن لبنان يسعى لاستعادة سيادته على مرافقه الحيوية، ومن بينها المطارات، وضبط الحدود، مشيرا إلى محاولات إيرانية لـ "استباحة سيادة البلاد".

وأضاف النائب اللبناني خلال مقابلة تلفزيونية في 4 يناير، أن طهران "لم تعتد على تفتيش طياراتها القادمة إلى لبنان، وكانت تحظى بدعم كبير من حزب الله، حيث كانت تدخل لهم السلاح والأموال".

وسبق لمطار "رفيق الحريري" في بيروت أن كان محل تجاذب بين الفرقاء السياسيين في لبنان حين فتح النائب السابق وليد جنبلاط في عام 2008 ملف كاميرات المراقبة التي زرعها حزب الله في محيط المطار.

وقال جنبلاط حينها: "لا قيمة للإجراءات التي تقام لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 (الذي يقضي بمنع دخول السلاح إلى لبنان) إذا كان رئيس جهاز أمن المطار وغالبية العناصر والضباط معه تابعين لحزب الله الذي لا يعترف بالدولة".

وبضغط من الأكثرية النيابية حينها، والتي كانت تُعرف بـ"قوى 14 آذار" وهي مناهضة لحزب الله وإيران، اتخذت الحكومة اللبنانية في 5 مايو/أيار 2008 قرارا بإقالة قائد جهاز أمن المطار وفيق شقير الذي يُدين بالولاء للحزب بقيادة حسن نصر الله في وقتها.

وكان هذا القرار إلى جانب تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة لحزب الله اللبناني، سببا دفع الأخير وحلفاءه من الأحزاب اللبنانية للسيطرة على العاصمة بيروت، ومحاولة احتلال مناطق من جبل لبنان (ذي الغالبية المسيحية) بقوّة السلاح في 7 مايو 2008.