ود مدني تعود للسودان.. لماذا يمثل تحريرها علامة فارقة في خضم الحرب؟

داود علي | منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

هل اقتربت معركة الخرطوم الكبرى بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع؟ سؤال يفرض نفسه في خضم الحرب الداخلية بعد تطورات ميدانية متلاحقة.

كان آخر التطورات ما وقع في 11 يناير/ كانون الثاني 2025، عندما أعلنت القوات المسلحة السودانية، تحرير مدينة "ود مدني"، عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، وذلك بعد عام من سقوطها في يد مليشيات "الدعم السريع" المتمردة. 

وقد نشرت كتائب "درع السودان" المتحالفة مع الجيش، مقاطع فيديو توثق احتفالات القوات المنتصرة، داخل مدينة ود مدني.

ولا يمكن النظر إلى سيطرة قوات الجيش على "ود مدني" على أنه حدث عابر في الصراع الدموي الدائر بينه وبين متمردي الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان 2023. 

إذ يعد تحرير المدينة الإستراتيجية بمثابة نقطة مهمة نحو "تغير معادلة الصراع في السودان" الذي بدأ منذ سيطرة الجيش على جزء كبير من العاصمة الخرطوم، تحديدا مدينة أم درمان في 27 سبتمبر/ أيلول 2024. 

إذ إن مدينة ود مدني كانت قاعدة عسكرية ينطلق منها الجيش السوداني، لمهاجمة قوات الدعم السريع في الخرطوم.

وهو ما جعلها هدفا عسكريا مهما خلال المعارك ومحاولات السيطرة بين الطرفين، إضافة إلى المزايا الاقتصادية التي تتمتع بها المدينة.

ضربات متبادلة

وبالعودة إلى تاريخ سقوط المدينة في يد الدعم السريع في ديسمبر/ كانون الأول 2023، فقد كان الأمر بمثابة ضربة مفصلية للجيش والدولة السودانية.

وقتها نفذت مليشيا الدعم السريع انتهاكات مروعة وصادمة في المدينة، خاصة أن سيناريو السقوط كان جدليا.

 فبينما كانت المعارك تدور آنذاك على تخوم “ود مدني”، وقعت المفاجأة عندما أصدر الجيش بيانا بانسحاب قوات رئاسة الفرقة الأولى، لتسقط المدينة بشكل كامل.

وكانت إشارة أن الدعم السريع في طريقه لانتصارات كبرى في الحرب، وأن الجيش عاجز عن الصمود وحماية المدن والولايات المهمة.

لذلك ففي أول حديث له بعد استعادة ود مدني، تعهد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، أن يسترد الجيش "كل شبر" في السودان سيطرت عليه مليشيات الدعم السريع، وألا يترك البلاد للمتمردين.

وفي المقابل، قال خصمه اللدود قائد متمردي الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أول تعليق له على الهزيمة، وسيطرة الجيش السوداني على ود مدني، قائلا: "الحرب جولات وكر وفر، اليوم خسرنا جولة، لكننا لم نخسر المعركة".

وفي تسجيل صوتي، أكد حميدتي تصميمه على مواصلة القتال، قائلا: "نحن نقاتلهم (الجيش) منذ 21 شهرا، وسنقاتلهم لـ21 عاما".

وكان القائد الميداني الرائد بسام أبو ساطور، قد صرح في مقطع فيديو عبر الصفحة الرسمية للجيش على "فيسبوك" قائلا: "نحن الآن داخل ود مدني، وقوات الدعم السريع اندحرت وفرت من المدينة".

وهو ما أكدته كتائب "درع السودان"، المتحالفة مع الجيش، التي صورت هروب عناصر "الدعم السريع" من المدينة، وسقوطهم بين قتيل وأسير.

انتصار إستراتيجي

وعلق على هذه التطورات العسكرية، الخبير الإستراتيجي السوداني اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، قائلا إن "دخول الجيش لود مدني، جاء نتيجة خطط عسكرية محكمة وضعت منذ وقت مبكر، ونفذت عبر 4 محاور عسكرية".

وأوضح اللواء السوداني لوكالة "الأناضول" التركية، في 12 يناير 2025، أن دخول ود مدني لم يكن عملية عسكرية منعزلة جرت اليوم فقط.

وإنما أسهمت فيها العمليات العسكرية الأخيرة للجيش، والذي تمكن عبرها من تحرير مدن بمحيطها في ولاية سنار (جنوب الجزيرة) وغيرها. 

وتابع أن “جميع هذه المعارك تصب في صالح تحرير ولاية الجزيرة”، مبينا أن استعادة السيطرة على ود مدني تحمل مكاسب عسكرية إستراتيجية عديدة للجيش.

وأشار إلى أن هذا الانتصار سيؤدي إلى انهيار معنويات قوات الدعم السريع، وستتبع فلولها التي فرت شمالا وغربا.

كما رأى أن السيطرة على ود مدني ستسهم في تسهيل العمليات العسكرية بالخرطوم، نظرا لقرب المسافة بين المدينتين.

وفي 14 يناير 2025، قال الضابط السابق في الجيش السوداني جمال الشهيد "إن سيطرة الجيش على ود مدني، لها أهمية إستراتيجية كبرى، لأنها العاصمة الثانية في السودان، ومنها ينطلق الناس إلى جنوب البلاد وشرقا وجنوبا".

وأشار في استضافة على قناة "الحرة" الأميركية إلى أن "هذا الانتصار الحاسم، له أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، حيث تكفل هذه المنطقة السودان بالحبوب الغذائية وتصدر للخارج من خلال مشروع الجزيرة".

مشروع الجزيرة 

وتنبع أهمية ولاية الجزيرة من كونها تعد “سلة غذاء السودان” وتضم أكبر المشاريع الزراعية على مستوى العالم.

وتضم الولاية، مشروع الجزيرة وهو أكبر مشروع زراعي مروي في قارة إفريقيا وتبلغ مساحته 2.2 مليون فدان (850 كيلومتر مربع).

وفي 21 مارس/ آذار 2024، حذرت وكالات الأمم المتحدة، من حدوث مجاعة وشيكة، حيث أعلن برنامج الغذاء العالمي أن انخفاض إنتاج المحاصيل وارتفاع أسعار السلع والخدمات هذا العام يشكل خطرا كبيرا لانعدام الأمن لملايين الأشخاص في جميع أنحاء السودان.

وخص بالذكر مشروع الجزيرة، الذي كان يعاني آنذاك من اجتياحات مليشيات الدعم السريع، ما أدى إلى تضرره بشكل كبير، ووقوع البلاد على شفا كارثة أمن قومي.

ويقع المشروع في أهم نقطة إستراتيجية في السودان، في منطقة الوسط بين النيلين الأزرق والأبيض، داخل السهل الطيني الممتد من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم عاصمة البلاد.

والجزيرة من المشروعات التاريخية في السودان حتى قبل إعلان الجمهورية نفسها، إذ وضعت لبناته الأولى عام 1911، كمزرعة تجريبية أقامها المحتل الإنجليزي (آنذاك) لزراعة القطن في مساحة قدرها 250 فدان (بمنطقة طيبة وكركوك) شمال مدينة ود مدني بولاية الجزيرة. 

وعندما نجحت التجربة بدأت المساحة في الازدياد عاما بعد آخر حتى بلغت 22 ألف فدان عام 1924. وفي العام الذي تلاه افتتح المشروع رسميا، وجرى دعمه بمشروع خزان سنار. 

وفي عام 1943 ازدادت المساحة حتى بلغت مليون فدان، وفي الفترة من 1958 وحتى 1962، تمت إضافة أرض زراعية بمساحة مليون فدان أخرى عرفت باسم امتداد المناقل ليصل المشروع إلى مساحته الحالية (2.2 مليون فدان). 

ويضم المشروع أكثر من 3 ملايين ونصف مليون نسمة يقيمون فيه بشكل مستقر، وجميعهم من المزارعين والعمال الزراعيين الدائمين والموسمين وعمال المؤسسات الخدمية.

وكان يسهم حتى عام 2023 بنحو 65 بالمئة من إنتاج السودان من القطن، ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والفول السوداني والخضراوات والأعلاف وزهرة الشمس بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني.

لذلك يعد تحرير ود مدني والسيطرة على كامل ولاية الجزيرة أولوية قصوى للجيش، حتى يتسنى له التحكم في الموارد الاقتصادية والغذائية للشعب السوداني، الذي يعاني معظمه من مجاعة ونقص حاد في الموارد.

سابقة في الحرب

ورأى الصحفي السوداني محمد نصر في حديث لـ"الاستقلال" أن هناك مجموعة من الوقائع رافقت تحرير ود مدني ودحر الجنجويد (الدعم السريع) هناك.

وعلى رأسها أنه لأول مرة يجري أسر هذا العدد من الضباط والجنود التابعين للمليشيات، وهناك أخبار بوقوع أكثر من 300 أسير في يد الجيش. 

وتابع: "كذلك عملت وحدات عسكرية ومجموعات من كتائب المقاومة على رصد ومحاكمة الخونة المتعاونين مع الدعم السريع الذين سهلوا سقوط المدينة في السابق، وقد جرى إعدام بعضهم ميدانيا، على غرار ما حدث في سوريا بعد سقوط بشار الأسد". 

وأوضح أن “من جرت محاكمتهم تورطوا في جرائم قتل للمواطنين، أو اغتصابات بحق نساء المدينة خلال عملية التهجير السابقة، وكانت أسماؤهم معلومة".

ومع ذلك، يؤكد أنه "لا بديل عن دولة القانون، ولا يمكن عمل محاكمات في الميادين وقتل الناس؛ لأننا لسنا بصدد إقامة شريعة الغاب، بل التمسك بالدولة ومؤسساتها". 

وحذر الصحفي السوداني من أنه رغم الانتصار في ود مدني، فإنه لا بد من عدم إغفال أن الجنجويد يمتلكون قوة كبيرة ولهم وجود ضخم في ولاية الجزيرة، وما زالوا يسيطرون على كثير من المحليات والقرى".

وواصل القول: “يمكن أن تكون لهم رجعة قوية، على غرار ما فعله الجيش الآن، لذا لا بد من تثبيت القوة وتحرير سائر المدن المحيطة بود مدني، كخطوة تأمينية”.