سابقة تاريخية.. لماذا أقصى تبون "جبهة التحرير الوطني" من حكومته الجديدة؟
لأول مرة في تاريخه، يغيب حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر الذي خرج من صلب مقاومة الاستعمار الفرنسي، عن تشكيل الحكومة بعد خسارته ثلاث حقائب وزارية.
ويعد حزب جبهة التحرير الوطني أكبر الأحزاب السياسية الجزائرية، حيث ورث جبهة التحرير الوطني التي فجرت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وأصبح الحزب الوحيد الحاكم في البلاد منذ استقلالها حتى إعلان التعددية السياسية عام 1989، كما كان حزب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وفي 16 مارس/ آذار 2023، أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعديلا حكوميا واسعا شمل 11 حقيبة وزارية، أهمها الخارجية والمالية، في الحكومة التي يواصل قيادتها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان.
ولم تذكر الرئاسة الجزائرية سبب التغييرات، لكن سبق للرئيس تبون أن أعرب في فبراير/ شباط 2022 عن امتعاضه من أداء الحكومة.
وذكرت يومية "المساء" المحلية في عددها في 18 مارس 2023، أن ما طبع هذا التعديل الحكومي هو "دمج وزارات واستحداث مناصب جديدة لتفعيل أداء الحكومة وتحسين خدمة المواطن وإنعاش الاقتصاد والتنمية".
وكان آخر تعديل وزاري أجراه تبون في حكومة أيمن بن عبد الرحمان في سبتمبر/ أيلول 2022، شمل وزارات الداخلية والنقل والصحة والأشغال العمومية.
وسبقه تعديل آخر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إذ أطيح حينها بوزراء الإعلام والزراعة والعمل.
غضب رئاسي
وجاءت هذه التعديلات بعد أسابيع من شائعات بشأن اقتراب موعد التعديل الحكومي، عقب إعراب تبون عن غضبه من أداء حكومة عبد الرحمان الذي تم تعيينه في 30 يونيو 2021، وزيرا أولا خلفا لعبد العزيز جراد، الذي قدم استقالته وقتها، قبل أن يُنقل إلى السلك الدبلوماسي.
وفي 21 فبراير/ شباط 2023، كشفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن الرئيس تبون عبّر عن غضبه من عدد من الوزراء خلال اجتماع مجلس الوزراء.
ونشرت الوكالة حينها مقالا تحت عنوان "التماطل إزاء توفير بعض المنتجات واستمرار بعض الممارسات: رئيس الجمهورية يشدد اللهجة"، جاء فيه أن "الرئيس غاضب حقا وغير راض عن وتيرة معالجة الحكومة للعديد من الملفات".
ورغم ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية عن "غضبة" للرئيس الجزائري فإن أكبر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يتم إبعاد حزب جبهة التحرير الوطني من التشكيلة الحكومية الجديدة.
وهو الحزب الذي ظل منذ إقرار التعددية السياسية والإعلامية في الجزائر قبل 34 سنة، حاضرا في كل الحكومات المتعاقبة، وغالبا ما كانت رئاسة الحكومة أو أغلبية الوزراء من نصيبه، لكنه خرج هذه المرة صفر اليدين.
ومع هذا التعديل الجديد، فقد الحزب وزارات: الصناعة، والصيد البحري، والبيئة والطاقات المتجددة.
بالمقابل كانت "حركة البناء الوطني" أكثر الأحزاب السياسية استفادة من التعديل الحكومي، إذ ازدادت عضوين في الحكومة، بعد تعيين اثنين من الإطارات المحسوبة عليها في الفريق الحكومي.
سابقة تاريخية
وعد مراقبون غياب حزب جبهة التحرير الوطني عن التشكيلة الحكومية الجديدة مؤشرا على محاولة الرئيس الجزائري تهميش هذا الحزب وجعله ضعيفا.
خصوصا بعدما رفض الترشح باسمه في رئاسيات 2019، حيث ترشح بشكل مستقل رغم أنه تقلد عدة مناصب وزارية سابقا باسم حزب جبهة التحرير الوطني.
الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، قال إن فقدان حزب جبهة التحرير الوطني لحقائبه الوزارية وعدم وجود ولو اسم واحد من الحزب في التعديل الحكومي الجديد يدل على أن هناك "غضبة" من طرف السلطات العليا على شخص الأمين العام للحزب أبو الفضل البعجي.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه رغم "تملق الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني للنظام الجزائري خصوصا عند زيارته أخيرا لمخيمات تندوف وحضوره مؤتمر جبهة البوليساريو إلا أن ذلك لم يشفع له بأن يواصل الحفاظ على نفس الحقائب أو إضافة حقائب أخرى".
و"البوليساريو" هي اختصار للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، المطالبة بالانفصال عن المغرب والتي تدعمها الجزائر، بينما تقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها.
وأشار كبير، إلى أن حزب جبهة التحرير الوطني يمتلك عددا هاما من النواب بل هو يشكل الكتلة الأكثر تمثيلا داخل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى من البرلمان الجزائري).
وفي 15 يونيو/ حزيران 2021، تصدر حزب جبهة التحرير الوطني نتائج الانتخابات التشريعية رغم التراجع الكبير في عدد المقاعد التي نالها في ظل مقاطعة كبيرة، إذ بلغت نسبة المشاركة 30.2% فقط.
وحصل حزب جبهة التحرير الوطني على 105 مقاعد في البرلمان المؤلف من 407 مقاعد، في حين حصل حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي على 64 مقعدا، و"مرشحون مستقلون" على 78 مقعدا، وحصل حزب التجمع الوطني الديمقراطي على 57 مقعدا.
أما حزب جبهة المستقبل فأحرز 48 مقعدا، وحزب حركة البناء الوطني حصل على 40 مقعدا، وجبهة الحكم الرشيد حازت 3 مقاعد، مقابل مقعدين لجبهة العدالة والتنمية، ومثلهما للحرية والعدالة، والفجر الجديد.
ورأى كبير، أن غياب وزراء حزب الجبهة عن التشكيلة الحكومية الجديدة يعني أن "النظام الحاكم لا ينظر بعين الرضى إلى سياسة أبو الفضل بعجي الأمين العام للحزب".
وتابع أن "سحب الحقائب الثلاث من حزب جبهة التحرير الوطني إشارة إلى أبو الفضل بعجي لكي يغادر منصب الأمين العام للحزب".
وفي 30 مايو/ أيار 2020، انتخب أبو الفضل بعجي أمينا عاما جديدا لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي كان ينتمي إليه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والرئيس الحالي عبد المجيد تبون.
وأكد كبير، أنه لم يسبق من قبل أن غاب حزب جبهة التحرير الوطني عن أي تشكيلة حكومية، مردفا "هي سابقة في تاريخ الحكومات بالجزائر لم تحدث من قبل".
وخلص إلى أن خلفيات غياب حزب جبهة التحرير الوطني عن التشكيلة الحكومية الجديدة راجعة بالأساس إلى تغير النظرة التي يرى بها النظام هذا الحزب الذي كان يشكل العمود الأساسي للجهاز السياسي لنظام الحكم في الجزائر.
وبعد الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في 22 فبراير/شباط 2019، تراجعت مكانة "الحزب التاريخي" بشكل كبير.
خاصة في ظل دعوات سابقة لإدخاله إلى المتحف وعدم السماح لأي أحد بممارسة السياسة باسمه، كونه رمزا لكل الجزائريين ويعبّر عن فترة مجيدة من الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي.
سيطرة التكنوقراط
وإضافة إلى إبعاد حزب جبهة التحرير الوطني، كرست التشكيلة الحكومية الجديدة سيطرة كبيرة للوزراء التكنوقراط، وهم الوزراء المستقلون التقنيون، الذين عينهم تبون وليست لديهم خلفية سياسية.
الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، رأى أن "استحواذ التكنوقراط على حصة الأسد من التعديلات الوزارية يؤكد أن هذه التشكيلة الحكومية الجديدة هي حكومة ما قبل انتخابات 2024 ويمكن أن نضعها في خانة حكومة تصريف أعمال".
ورأى كبير أن النظام الحاكم بالجزائر الذي يمثله عبد المجيد تبون لا يعتمد على الأحزاب السياسية بشكل كبير في تنزيل برنامجه، مبينا أن "هذا يؤكد مرة أخرى أن النظام الحاكم يسعى إلى تقزيم دور الأحزاب السياسية التي تسبح في فلكه".
وأردف أن "هذا الأمر ليس بجديد بل لاحظناه بشكل كبير في عهد عبد العزيز بوتفليقة الذي أدى إلى تمييع الحياة السياسية بالجزائر في ظل عدم وجود أي دور فعال للأحزاب السياسية في المجتمع وفي المشهد السياسي الجزائري".
وشدد كبير، على أن النظام الحاكم في الجزائر لا يهمه أن يكون للأحزاب دور هام في تدبير الشأن العام، مشيرا إلى أنها "أحزاب شكلية تستعمل فقط في صنع الواجهة المدنية لنظام حكم عسكري بامتياز".
وخلص إلى القول: "هذه هي سياسة النظام الجزائري الذي لا يهمه أن يكون للأحزاب دور كبير في الحياة السياسية".