20 عاما على احتلال العراق.. إلى أين وصلت دعاوى التعويض والمحاسبة؟
سلط مركز "الحقوق الدستورية" الأميركي (The Center for Constitutional Rights) الضوء على احتلال الولايات المتحدة للعراق، بمناسبة مرور 20 عاما على هذه الحرب التي غيرت وجه الشرق الأوسط.
وقال المركز إنه "بعد 20 عاما من غزو الحكومة الأميركية للعراق، نجدد دعوتنا إلى تقديم تعويضات للمتضررين نتيجة العدوان غير القانوني، والحرب الوحشية التي لا معنى لها والتي لا أساس لها غير السعي من أجل الربح".
وأشار إلى أنه "قبل 10 سنوات، أجرينا تعاونا مع مجموعات المجتمع المدني العراقي، وأفراد أميركيين، للمطالبة بتعويض المتضررين، وهذه الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا مع استمرار تزايد الخسائر البشرية التي لا تُحصى بسبب الحرب".
خسائر فادحة
هذه الخسائر تمثلت في مئات الآلاف من القتلى، وحوالي مليوني شخص معاق، ونحو تسعة ملايين نازح، ودمار بيئي، وتعرض عدد لا يحصى من الأشخاص للتعذيب أو الصدمات أو الأذى، والاحتلال، وتبني التعذيب كسياسة مستقرة فيما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وجيل كامل ولد ونشأ تحت الحرب.
وأكد المركز الأميركي أن "التعويضات حق أصيل يكفله القانون الدولي، فضلا عن التقاليد العريقة لحركات الحقوق المدنية القائمة على العدالة".
وأضاف أنه "لا ينبغي لنا أن ندع صعوبة تأمين العدالة تمنعنا من السعي لتحقيقها، سواء للعراقيين أو للآخرين الذين تضرروا من النهج الإمبريالي الأميركي والاستغلال، والإبادة الجماعية".
"علاوة على التعويضات، تستلزم العدالة كذلك محاسبة مرتكبي هذه الجرائم المروعة، بمن فيهم المسؤولين عن التعذيب في سجن أبو غريب، ومراكز الاعتقال الأخرى في العراق.
فضلا عن إنصاف أولئك الذين تعرضوا للتعذيب والمعتقلين فيما يُسمى "الحرب على الإرهاب" بشكل عام، يضيف المركز.
وأكد مركز "الحقوق الدستورية" أنه "منذ عام 2004، رفع ثلاث دعاوى قضائية منفصلة ضد متعاقدين عسكريين، مقيمين في الأراضي الأميركية، وذلك نيابة عن عراقيين تعرضوا للتعذيب في سجن أبو غريب سيء السمعة".
وكشف التقرير أنه في إحدى القضايا، دخل ثلاثة عراقيين العام الخامس عشر من الجهد القانوني المبذول للحصول على تعويضات من إحدى الشركات.
"هذه الشركة انخرطت في مؤامرة لارتكابها العديد من الأعمال غير القانونية والمنحطة، من الإيذاء الجسدي باستخدام الكلاب، إلى الاعتداء الجنسي، إلى الضرب الذي أدى لكسور في العظام، وإصابة الأعضاء التناسلية"، وفق التقرير.
وشدد المركز على أنه رفع دعوى قضائية ضد ضابط البحرية الأميركي السابق، إريك برنس، وشركته "بلاك ووتر"، بتهمة قتل وإصابة مدنيين عراقيين.
وأشار إلى أنه طالب بتعويضات، بالنيابة عن أسر ضحايا "مذبحة ساحة النسور"، التي وقعت في 16 سبتمبر/أيلول 2007، على يد شركة بلاك ووتر الأمنية الخاصة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2008، اتهمت الولايات المتحدة خمسة من حراس شركة بلاك ووتر بالقتل غير العمد لـ 14 عراقيا، والشروع في قتل 20 آخرين.
ولكن في 31 ديسمبر 2009، رفض قاض أميركي جميع التهم الموجهة للشركة، بحجة أن القضية المرفوعة ضد حراس "بلاك ووتر"، شُرحت بشكل غير صحيح، هذا فضلا عن أن هؤلاء كانوا يتمتعون بالحصانة.
تحديات قانونية
وأكد المركز أنه بناء على تجربته، فإن "الجهود القانونية ضد القادة السياسيين والعسكريين رفيعي المستوى -بدءا من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، ونائبه ديك تشيني- تفرض مجموعة مختلفة من التحديات".
وكانت هذه التحديات واضحة في مسار مركز "الحقوق الدستورية" لمحاسبة المسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بوش أمام المحكمة الجنائية الدولية عن الجرائم المرتكبة في الحرب في أفغانستان أو تلك التي نتجت عنها.
وفي إشارة إلى عدم يأس المركز، أضاف أن "أولئك الذين يسعون إلى العدالة والمحاسبة يمكن أن يأخذوا الإلهام من الناشطين في بلدان أخرى، مثل الأرجنتين وغواتيمالا، الذين شنوا حملات نجحت بعد عدة عقود".
وتابع المركز: "بينما ندعو إلى تحقيق العدالة للعراقيين، فإننا نتضامن مع جميع الأشخاص الذين يعيشون في البلدان التي تستهدفها الإمبريالية الأميركية".
"وعلى وجه الخصوص، في أفغانستان، التي تعرض مدنيوها لحرب ودمار لا نهاية لهما، وتسييس للحرب، ومن ثم التخلي عن حماية حقوق الإنسان، بل وتسهيل الدولة لهذه الانتهاكات، الأمر الذي قاد إلى معاناة إنسانية"، يضيف التقرير.
وبين أن هذه الانتهاكات لا تشمل فقط أولئك الذين قُتلوا وشوهوا على أيدي الجيش الأميركي ووكلائه.
بل أيضا المتضررين من العقوبات والانقلابات الأميركية ونهب الشركات، وأنظمة التقشف التي فرضتها المؤسسات الاستعمارية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة مثل صندوق النقد الدولي.
"وهذا يشمل أيضا الفلسطينيين المقهورين تحت حكم إسرائيل، التي تعد من أدوات الإمبريالية الأميركية"، يؤكد التقرير.
وشدد المركز على أن الإمبريالية الأميركية - التي ترتكز على تفوق الرجل الأبيض والمدفوعة بمقتضيات الرأسمالية- غالبا ما تتلقى دعما واسعا، بما في ذلك من بعض الذين يعرفون أنفسهم كمناهضين للحرب.
عقوبات مميتة
ففي الواقع، يواصل الكونغرس "تفويضاته الفضفاضة" لاستخدام القوة العسكرية، حسب وصف التقرير.
وأضاف أنه "يجب إلغاء هذه التفويضات، واستبدال السياسات غير القانونية للحرب والعسكرة اللانهائية بسياسات وممارسات قائمة على القانون الدولي، وتحترم الحقوق".
"لكن هذا الشهر فقط (مارس/ آذار 2023) صوت الكونغرس بأغلبية 414 صوتا مقابل صوتين فقط، لصالح الإبقاء على العقوبات أحادية الجانب على سوريا.
ويأتي هذا على الرغم من أن العقوبات المذكورة تسببت في معاناة واسعة النطاق وأعاقت جهود الإغاثة من الزلزال، حسب رؤية التقرير.
ويرى طيف كبير من السوريين أن العقوبات لا علاقة لها بجهود الإغاثة كون الزلزال ضرب مناطق شمالي سوريا التي لا يسيطر عليها رئيس النظام بشار الأسد، والذي يمنع المساعدات عن النازحين هناك ويواصل قصفهم عبر الجو.
وأشار المركز إلى أن مظاهر الإمبريالية هذه تختلف عن الحرب على العراق في الدرجة فقط، إذ إنه في الواقع، كانت العقوبات المميتة على هذا البلد مقدمة للغزو الأميركي.
وأكد أنه "يجب تخصيص تريليونات الدولارات التي يجري إنفاقها على النزعة العسكرية، لتلبية الاحتياجات المادية والوفاء بحقوق الإنسان للمجتمعات الأكثر تهميشا".
علاوة على ذلك، وفي إطار تغذية الإسلاموفوبيا، فإن ما يسمى "الحرب على الإرهاب" تستخدمها الحكومة الأميركية لتعزيز الاضطهاد من خلال فرض القيود على الهجرة، والتنميط العنصري والديني، والمراقبة الجماعية.
وفي الوقت نفسه، تستخدم قوات الأمن الأميركية تكتيكات وأسلحة الحرب بشكل متزايد، وغالبا ما تُعزز هذه النزعة عبر إجراء مناورات مع جيوش الدول الأخرى، وفق قوله.
وأردف: "وردا على انتفاضة عام 2020 ضد عنف الشرطة الأميركية، وصف قادة سياسيون وإدارات للشرطة المتظاهرين ذوي البشرة السمراء بأنهم إرهابيون واقترحوا تعقبهم بالطريقة التي تتبع في الشرق الأوسط".
وأشار المركز إلى أنه لطالما "غذّت الحروب الخارجية للولايات المتحدة النزعة الفاشية في الداخل"، مؤكدا أن "القمع في الولايات المتحدة والإمبريالية متشابكان، ويجب أن يُقاوَما بالقدر نفسه".