لا يملك من أمره شيئا.. لماذا دعا بشار الأسد روسيا لإقامة قواعد جديدة بسوريا؟
في وقت تنغمس فيه روسيا بغزو أوكرانيا للعام الثاني، يفتح رئيس النظام السوري بشار الأسد الباب مجددا أمام موسكو لزيادة حضورها العسكري بسوريا.
وبدأ الحضور العسكري الروسي في سوريا عام 2015 لإنقاذ النظام السوري من السقوط عقب ثورة شعبية تفجرت في 18 مارس/آذار 2011.
ووصل بشار الأسد إلى موسكو، في 14 مارس/آذار 2023، في زيارة رسمية هي الرابعة له لروسيا منذ عام 2011، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تنازلات الأسد
وخلال لقاء مع الأسد أجرته وكالة "سبوتنيك" الروسية ونشرته في 16 مارس قال: "إن دمشق سترحب بأي مقترحات من روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة أو زيادة عدد قواتها في سوريا".
كما أوضح الأسد أن "الوجود العسكري الروسي في سوريا لا يتعين أن يكون مؤقتا، وإن هذا شيء قد يكون ضروريا في المستقبل".
وزاد بالقول: "وجود روسيا في سوريا له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم كدولة موجودة على البحر المتوسط".
وأردف: "لا يمكن للدول العظمى اليوم أن تحمي نفسها أو أن تلعب دورها من داخل حدودها، لا بد أن تلعب الدور من خارج الحدود، عبر حلفاء موجودين في العالم أو من خلال قواعد".
ومضى الأسد يقول: "إن اجتماع اللجنة المشتركة (خلال الزيارة) كان مختلفا، ركز على نقاط محددة، تحديدا على المشاريع الاستثمارية، حتى الاتفاقية التي سيتم توقيعها (اتفاقية شاملة بين النظام السوري وروسيا)".
وبين أن تلك الاتفاقية "ستتوجه باتجاه 40 مشروعا استثماريا محددا (ذكرها الأسد في سياق التعاون مع روسيا) في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط والنقل والإسكان، وفي المجالات الصناعية".
وقد قال الأسد لبوتين: "لأن هذه هي زيارتي الأولى منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أود أن أكرر الموقف السوري الداعم لهذه العملية الخاصة".
ودللت تصريحات الأسد الجديدة من موسكو، على عزمه تقديم مزيد من التنازلات لحليفه بوتين، ووضع أوراق إضافية في يده حول الملف السوري، وفق مراقبين.
ويتمثل الحضور العسكري الحالي لروسيا في سوريا من خلال الوجود الدائم لها على ساحل البحر المتوسط.
الوجود العسكري
وترسخ ذلك بعدما وقعت موسكو مع نظام بشار الأسد عقد استئجار طويل الأجل عام 2017 لقاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية السورية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى، إلى جانب القاعدة البحرية الروسية على ساحل طرطوس التي جرى استئجارها أيضا لـ 49 عاما.
كما تعد قاعدة مطار القامشلي المدني شرق سوريا والتابع لمحافظة الحسكة الحدودية مع تركيا، ثالث قاعدة كبيرة لروسيا وتتخذ منها مركزا لقواتها، وهي الأضخم والأكثر لوجستيا وفاعلية هناك.
وتمنح قاعدة حميميم لروسيا فرصة لإعادة إحياء مكانتها الدولية في النظام الدولي وعلاقتها بالأطراف الفاعلة وعلى رأسها الولايات المتحدة ثم الدول الأوروبية.
والتدخل الروسي في سوريا الذي بدأ منذ 30 سبتمبر/أيلول 2015، صنف كأهم نقاط التحول في الثورة السورية على الصعيد السياسي والعسكري.
إذ منع سقوط نظام بشار الأسد ومكنه من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من المدن التي كانت تحت نفوذ الثوار.
وتحولت قاعدة حميميم منذ ذلك الوقت إلى منطلق للطائرات الروسية، وتسببت بقتل عشرات الآلاف من المدنيين السوريين وتدمير كامل للبنى التحتية والمنازل وتهجير مئات الآلاف نحو خارج البلاد.
وبحسب دراسة نشرها مركز "جسور للدراسات، في 5 يناير/كانون الثاني 2021 فإن روسيا تمتلك 83 موقعا عسكريا بين قاعدة ونقطة وجود، موزعين على 12 محافظة سورية، منها 11 في الحسكة، و7 في دير الزور، و6 في الرقة.
وبعد سنوات من توقف مطار "الجراح" العسكري بريف حلب الشرقي عن العمل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 24 يناير 2023، أن موسكو ودمشق رممتا هذه القاعدة لاستخدامها بشكل مشترك.
وأوضحت الدفاع الروسية، أن "القاعدة الجوية المشتركة للقوات الجوية الروسية والسورية في مطار الجراح تجعل من الممكن تغطية حدود الدولة".
وتنبع الأهمية الإستراتيجية للمطار الذي استعادته قوات الأسد بدعم روسي من يد تنظيم الدولة عام 2017، إلى أنه يعد حلقة وصل بين شرق حلب وغربها.
كما يبعد مطار "الجراح" عن أقرب نقطة من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة عشرة كيلومترات.
ويبعد عن مدينة منبج 47 كيلومترا والتي تهدد تركيا بعملية عسكرية ضدها لطرد "قسد"، بينما يبعد عن أقرب نقطة لسيطرة فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سوريا نحو 40 كيلومترا.
حماية مصالح
وبين الفينة والأخرى تجري موسكو مناورات وتدريبات للبحرية الروسية على سواحل شرق المتوسط قرب قاعدة طرطوس، وهي المنشأة البحرية الوحيدة التي يمتلكها الكرملين خارج النطاق الجغرافي للاتحاد السوفيتي سابقا.
وفي أكثر من مناسبة كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله إن قاعدتي طرطوس وحميميم الروسيتين في سوريا، تشكلان عاملا مهما لحماية مصالح موسكو.
وبحسب مختصين عسكريين، فإن الكرملين يعد موطئ القدم هذا أمرا ضروريا لمواجهة الغرب وإبراز القوة الروسية في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتضخيم فرص جمع المعلومات الاستخبارية لموسكو ضد الولايات المتحدة وشركائها.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز الموقف العسكري الروسي في شرق البحر الأبيض المتوسط خيارات موسكو العسكرية في البحر الأسود.
كما أنه يخلق فرصا تجارية لها؛ فبدءا من عام 2017 تقريبا ازدادت الأنشطة بين شبه جزيرة القرم التي احتلها روسيا عام 2014 والنظام السوري.
وسبق أن قال غيورغي مرادوف نائب رئيس وزراء شبه جزيرة القرم، في تصريحات صحفية في 18 يناير 2022، إن موانئ شبه الجزيرة يمكن أن تصبح البوابة البحرية الجنوبية الرئيسة لروسيا في إطار تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع سوريا.
لكن مع محاولات الأسد زيادة تنامي النفوذ الروسي في سوريا لحماية حكمه، فإن كثيرا من المراقبين يؤكدون أن استمرار الوجود العسكري التركي والأميركي في شمال البلاد الغني بالموارد يضمن أيضا لأنقرة وواشنطن أن يكون لها رأي في مستقبل دمشق.
ويمنع كذلك زحف قوات الأسد وحلفائها الإيرانيين والروس لإعادة بسط السيطرة الكاملة على الأرض. ووجود روسيا في سوريا محدود بما يكفي لحماية مصالحها هناك بتكلفة منخفضة ولفترة طويلة من الزمن.
وتجلى ذلك بعدما اتخذت موسكو خطوة مهمة بتوقيع بوتين نهاية مايو/أيار 2020 مرسوما يفوض وزارتي الدفاع والخارجية العمل مع نظام الأسد لتوقيع بروتوكول إضافي يوسع الوجود العسكري الروسي على الأراضي السورية.
وأكد المرسوم الذي نشرت موسكو نصه على البوابة الإلكترونية المخصصة لنشر الوثائق والمعاهدات والاتفاقات على "موافقة الرئيس الروسي على اقتراح الحكومة بوضع بروتوكول إضافي يحمل اسم البروتوكول رقم واحد ليكون ملحقا بالاتفاقية الموقعة مع دمشق في 26 أغسطس/آب 2015، والتي سمحت بوجود عسكري روسي دائم على الأراضي السورية.
أوراق ضغط
ويرى المحلل والخبير العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب، أنه "في الحالة السورية المتحكم ليس الروس بل الأميركان، ولذلك فإن دعوة الأسد هذه هي إملاءات بوتين عليه ليكون هو من يطلب إقامة قواعد روسية جديدة بسوريا".
ويهدف هذا الأمر برأيه إلى الضغط على الأميركان لكون كلتا الدولتين (روسيا- أميركا) لديهما قواعد عسكرية بسوريا.
ويضيف أيوب لـ "الاستقلال" قائلا: "إن طلب الروس على اعتبار أنهم ينظرون إلى شرعية نظام الأسد، يتيح لهم التمدد والضغط على القرار الأميركي في سوريا".
واستدرك متسائلا: "لكن ماذا ستقدم القواعد الجديدة لروسيا؟ إذ كانت الولايات المتحدة قادرة على أن تشكل مجموعات تضرب هذه القواعد أو تدمرها أو تعمل على زعزعة أمنها".
وذهب للقول: "ما تفعله روسيا بهذه الدعوة لإقامة قواعد عسكرية، هي ضمن بروباغندا (دعاية كاذبة) روسية تضغط فيها سوريا على واشنطن، ولو كان للقوات الروسية قدرة عسكرية لطردت باقي القواعد العسكرية للدول التي أقيمت عقب عام 2011".
ورأى أيوب، أن "النظام السوري بات غير قادر على اتخاذ أي قرار بمفرده في سوريا، وأكبر دليل على ذلك عدم استطاعته صد الهجمات الإسرائيلية على مواقعه العسكرية والمطارات الرئيسة في سوريا".
وختم المحلل بالقول: "في الإستراتيجية الدولية لا يوجد خلاف بين روسيا والولايات المتحدة بسوريا، وهناك اتفاق على أن تبقى هذه المنطقة التي يوجد فيها العرب السنّة تحت نير الديكتاتوريات وفي حالة تخلف، وأن يظل الوضع السائد لفترة طويلة دون أن يحصل هذا الشعب على حريته وتستكمل عملية نهب ثرواته".
ويتفق الباحث في مركز "عمران" للدراسات الإستراتيجية، نوار شعبان، مع الخبير أيوب بأن "الرئيس الروسي ليس بحاجة لأخذ موافقة ومباركة من الأسد لإقامة قواعد عسكرية روسية إضافية في سوريا".
وقال شعبان لـ "الاستقلال": "روسيا كانت توقع اتفاقات مع نظام الأسد من داخل سوريا، ولذلك فإن هدف الجانب الروسي في ظل ضغوط حرب أوكرانيا، التأكيد على أن لديه الوقت والرفاهية لمقابلة أحد حلفائه المحليين في الشرق الأوسط والذي يحقق مصالحها في المياه الدافئة".
وختم بالقول: "إن الخطوة هي محاولة فرض عضلات من قبل الجانب الروسي وأن لديه القدرة على الموازنة في جميع المناطق التي تدخلت فيها روسيا عسكريا".