أمل أخير.. ما قدرة المستقلين على تحرير نقابة صحفيي مصر من قبضة النظام؟

بعد أن نجح النظام المصري في تحويل نقابة الصحفيين العملاقة إلى جثة هامدة عبر نقيب حكومي، هو ضياء رشوان، الذي يشغل في الوقت ذاته، ولأول مرة في تاريخها، منصب رئيس هيئة استعلامات رئاسة الجمهورية.
يبدو أن الصحفيين المعارضين والمستقلين قرروا أن يخطوا خطوة مهمة نحو تحرير ثغر الحريات من فم النظام بعدما رشحوا معارضا شهيرا لمنصب النقيب.
إذ أعلن "تيار الاستقلال" في النقابة، الذي يضم ناصريين ويساريين ومستقلين وليبراليين، التخلي عن التنافس على منصب نقيب الصحفيين والدفع بمرشح واحد مشترك، خوفا من أن ينتقل المنصب إلى حجر السلطة مجددا.
وذلك في ظل تقديم السلطة المرشح، وكيل النقابة، رئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية خالد ميري، التابع لنظام عبد الفتاح السيسي والمنفذ لسياساته.
وغافل وكيل نقابة الصحفيين الأسبق، الصحفي خالد البلشي، رئيس تحرير موقع "درب" اليساري المعارض، النظام، وأعلن في آخر أيام الترشح 15 فبراير/ شباط 2023 منافسته على منصب نقيب الصحفيين.
وبذلك يتوقع أن تكون الانتخابات القادمة "ساخنة" في ظل انتهاء فترة ولاية ضياء رشوان النقيب الحالي (دورتين) ودخول وجه حكومي جديد أضعف، وعودة المعارك السياسية الساخنة للنقابة بعد 4 سنوات من الموت السريري للأنشطة داخلها.
وتجرى انتخابات التجديد النصفي للنقابة (النقيب و6 أعضاء من 12 من مجلسها) يوم 3 مارس/ آذار 2023، في ظل ظروف قاسية تحاصر الصحفيين تتعلق بالاعتقالات والأجور.
وفي وقت تشهد البلاد أزمة اقتصادية إضافة إلى سيطرة الشركة المتحدة للإعلام (تابعة لجهاز المخابرات) على 14 صحيفة، وهي ظروف يراها البعض مواتية للتغيير في النقابة.
ويقصد بتيار الاستقلال النقابي أولئك الذين يدافعون عن استقلال مهنة الصحافة والتصدي للتشريعات المقيدة والسالبة للحريات، ويشتهر المنتمون له بالتظاهر أعلى سلالم النقابة.
ويشير مصطلح "استقلال النقابة" للفصل بين ما هو "إداري" أو "سياسي" وما هو "نقابي"، وأن النقابة تدافع عن مصالح جميع أعضائها.
زخم لافت
وتجرى انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب الذي يشغله حالياً ضياء رشوان، وستة من أعضاء المجلس الذين انتهت مدتهم وهم: خالد ميري، ومحمد شبانة، وهشام يونس، ومحمود كامل، وحماد الرمحي، ومحمد يحيى يوسف.
وبحسب قانون نقابة الصحفيين، تُجرى انتخابات التجديد النصفي كل عامين في أول جمعة من شهر مارس، والذي يوافق 3 مارس 2023، وغالبا ما تؤجل الانتخابات تلقائيا، أسبوعا أو اثنين لحين اكتمال النصاب القانوني.
ودعا مجلس النقابة، الجمعية العمومية للصحفيين للانعقاد، الجمعة 3 مارس 2023 بمقر النقابة، للتصويت، حال اكتمال نصابها القانوني، على مقعد النقيب ونصف مقاعد المجلس.
وحال عدم اكتمال النصاب تُدعى للانعقاد الثاني، الجمعة 17 مارس 2023، وتجرى الانتخابات كالمُتبع تحت إشراف قضائي.
وتضمنت القائمة النهائية للمرشحين 55 مرشحا، بينهم 13 مرشحا لمنصب نقيب الصحفيين، و42 مرشحا لمجلس النقابة يتم انتخاب 6 منهم فقط.
وتدور توقعات بين الصحفيين حول أن تشهد الانتخابات، مفاجآت في ظل الأزمة الاقتصادية، ويحدث تصويت عقابي ضد المرشحين المحسوبين على الحكومة بسبب الغضب من إفقار الصحفيين وتهميشهم وقمعهم.
ويتوقع "قطب العربي " الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقا لـ"الاستقلال" أن "تحدث مفاجأة ونشهد تصويتا عقابيا من جمهور الصحفيين ضد المرشحين القريبين من السلطة".
وقال عنهم، إنهم "حولوا النقابة خلال الأعوام الماضية إلى جثة هامدة كفنوها بأستار بالية"، في إشارة لإحاطة مبني النقابة بسقالات وقماش بناء للترميم لكن لم يحدث.
إلا أن الصحفي محمد عبد القدوس وكيل أول النقابة السابق، المحسوب على التيار الإسلامي، والذي لم يرشح نفسه منذ انقلاب 2013، لا يتوقع "تصويتا عقابيا" من الصحفيين ضد مرشحي السلطة و"ميري" لصالح "البلشي" وبقية تيار الاستقلال.
وأوضح عبد القدوس لـ"الاستقلال" أنه يتوقع أنه لو حدث تصويت عقابي، سيكون في صورة "مقاطعة الصحفيين الانتخابات ذاتها"، أو يكون التصويت منفصلا لكل صحفي وفقا لخدماته النقابية ومواقفه من الحريات وحقوق الصحفيين.
ورأى أن "فرص البلشي في الفوز (كنقيب) ضعيفة نسبيا مقارنة بجمال عبد الرحيم (ترشح على مقاعد المجلس)، لأن الصحفيين يحتاجون مرشحا قويا يجمعهم لا ينتمي لتيار معين، ويحسن الخدمات المقدمة لهم، حيث يضطر كثير من الصحفيين لانتخاب من يقدمون الخدمات، وهو ما ينجح فيه المحسوبون على السلطة.
ويؤكد "قطب العربي" أن وجود عدد من المرشحين المستقلين وحتى المعارضين وبينهم مرشح لمنصب النقيب أكسب انتخابات النقابة أهمية وحيوية كانت تفتقدها خلال الفترة الماضية.
لكنه أوضح أن هذه الوجوه المستقلة والمعارضة لا تتضمن منتمين للتيار الإسلامي الذي ظل محروما من الترشح كأمر واقع منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، حيث سيتعرض أي مرشح يحمل هذا اللون إلى اتهامات ومطاردات تدخله السجون إلى جوار عشرات الصحفيين السجناء.
ويتوقع العربي أن يكون هناك حظوظ جيدة في الفوز للأسماء المرشحة من المستقلين والمعارضين في معركتها مع "تيار الخدمات" الحكومي، لأن مرشحي الخدمات لم يظهر منهم عروض لخدمات جديدة ومغرية يقدمونها لزملائهم.
كما أن المرشح الحكومي لمنصب النقيب لم يعلن عن وعود بامتيازات مالية وخدمية جديدة كما كان يحدث من قبل حيث تمر الدولة بظروف اقتصادية صعبة لا تسمح لها بإغداق هذه المزايا للصحفيين.
ويربط قطب بين هذا وبين ما يرى أن "السلطة لم تعد تعبأ بغضب الصحفيين حيث إنها أصبحت تستخدم سياسة العصا الغليظة لا القوة الناعمة ضدهم".
ويحاول الصحفيون المستقلون تشكيل قوائم مضادة تضم 4 منهم بجانب اثنين من المتعاطفين معهم، على أمل توجيه الصحفيين لانتخابهم.
بيد أن مرشحي السلطة غالبا ما يبادرون بإغراء جموع الصحفيين بالخدمات والمنح المالية، التي تقدمها الحكومة، لانتخابهم، واختيار قائمتهم التي غالبا ما توزعها جهات أمنية على رؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة المواليين لهم لحشد الصحفيين للتصويت لها.
"تمويت" النقابة
عقب انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013، ثم توليه الرئاسة، اتبع سياسة "تمويت السياسة"، وضمنها تفريغ النقابات والجامعات من العمل السياسي باعتبارها مجال نشاط بارز لجماعة الإخوان التي سعى لإقصائها بالقوة.
ضمن هذه الخطة، حرص النقيب ضياء رشوان، المعروف بصلاته مع أجهزة الأمن والمخابرات، وأعضاء المجلس الحكوميين، على تقييد العمل النقابي وحصار نشاط الصحفيين داخل المبنى، الذي اشتهر باعتصاماتهم ومظاهراتهم المستمرة.
وسعى سكرتير النقابة محمد شبانة لحصار "سلم النقابة" الشهير، بـ"شدات معدنية" بدعوى ترميم المبنى، بهدف منع الوقوف عليه والتظاهر حيث اشتهرت سلالم النقابة بأنها "هايد بارك" التظاهر ولعبت دورا في ثورة 2011.
ودفع هذا صحفيين للتندر بالحديث عن وجود حالة "موات" أو "تمويت" متعمدة من جانب السلطة وممثليها في النقابة من الصحفيين الحكوميين لدور النقابة العريق في الحريات، عبر قتل أي نشاط والصمت وعدم الدفاع عن الصحفيين المعتقلين.
وساعد على تمويت دور النقابة وحالة الركود والجمود وشلل أركانها، سيطرة تيار موال للأجهزة الأمنية على مجلس النقابة بواقع 8 صحفيين حكوميين مقابل 4 معارضين، جرى إقصاؤهم من مناصب النقابة وسحب أي دور نقابي منهم.
وبسبب هذه السيطرة الحكومية، بجانب القمع الأمني واستصدار عشرات القوانين المكبلة للحريات، صارت النقابة مكممة الفم منذ انقلاب 2013 ولا يصدر منها كلمة أو بيان بشأن اعتقالات أو سجن الصحفيين أو الحريات في مصر.
كما لعبت السلطة على وتر تعيين مئات الصحفيين التابعين لصحف المخابرات (المتحدة للإعلام) في نقابة الصحفيين لضمان هيمنة وأغلبية في انتخابات النقابة بفضل الصحفيين الموالين لها، خاصة في ظل غلق أو تدجين صحف مستقلة وحزبية.
ويتمتع خالد ميري، المرشح الحكومي لمنصب النقيب، بعلاقات قوية مع أجهزة الأمن، لا سيما جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) التابع لوزارة الداخلية، منذ أن كان محرراً يغطي ملف القضاء قبل اندلاع الثورة في 25 يناير 2011.
وقد رقي إلى منصب مدير تحرير صحيفة الأخبار عقب الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وتولى منصب رئيس التحرير بقرار من عبد الفتاح السيسي عام 2017.
لذلك جاء ترشيحه لمنصب النقيب، مؤشرا على أن الجهات الأمنية ترغب في استمرار وضع يدها على شؤون النقابة عبر الصحفيين المتعاونين معها، وغالبيتهم من الصحف الحكومية والخاصة التابعة لشركة المتحدة للإعلام.
وفي سبيل ذلك، يركز المرشحون المحسوبون على الحكومة على تقديم خدمات مادية تبدأ بعرض مرشح السلطة دوما، رفع قيمة "البدل النقدي" الشهري للصحفيين، والذي تدفعه الحكومة، وكان آخر رفع له في أغسطس/ آب 2022 عبر ضياء رشوان.
ويصل "البدل" إلى 3000 جنيه حاليا (حوالي 100 دولار)، ويعتمد عليه غالبية الصحفيين بسبب تدني الرواتب أو غلق صحفهم وتشريدهم أو جلوسهم بلا عمل.
رشاوى الانتخابات
وبدأت رشاوى الانتخابات بتأكيد خالد ميري، لصحيفة "الأسبوع" 12 فبراير 2023 المملوكة لشركة المخابرات (المتحدة)، أن برنامجه سيشمل ملف المعاشات والأجور، وألمح أيضا لزيادة بدل الصحفيين.
ويشير تحليل "الاستقلال" لقائمة المرشحين التي نشرتها نقابة الصحفيين، إلى أن المنافسة على منصب النقيب سوف تنحصر بين ميري والبلشي، برغم ترشح أسماء أخرى ممن يشاركون في كل انتخابات وبعضهم لا يحصدون سوى أقل من 10 أصوات.
ومن بين 42 تقدموا للفوز بالمقاعد الستة المخصصة لمجلس النقابة (نصف المقاعد)، يمكن رصد أسماء 8 صحفيين كانوا أعضاء في مجلس النقابة الحالي وأعادوا ترشيح أنفسهم أو مجالس النقابة السابقة
منهم 4 من المعارضين وهم عمرو بدر وجمال عبد الرحيم ومحمود كامل وهشام يونس إضافة إلى ثلاثة حكوميين هم "محمد شبانة، ومحمد يحيى يوسف، وحماد الرمحي".
ويتبقى حاليا ستة أعضاء في مجلس النقابة مستمرون لعامين مقبلين هم: أيمن عبد المجيد، وحسين الزناتي، وإبراهيم أبو كيلة، ودعاء النجار، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمد خراجة.
وعبد الحفيظ ومحمد خراجة من المعارضين، ولو نجح المعارضون الأربعة المشاركون في انتخابات مارس 2023 سيسيطر المستقلون على نصف مجلس النقابة.
وهناك أسماء أخرى من المعارضين ترشحت لمجلس النقابة ولديها حضور إعلامي ويحتمل نجاحها، منهم محمد الجارحي الذي يدير مستشفى 25 يناير التي تم تدشينها بعد ثورة 2011، والذي يؤيده ضمنا رجل الأعمال نجيب ساويرس.
فيما غاب الصحفيون الإسلاميون عن الترشيح رغم أنه كان يترشح منهم في كل انتخابات ما بين 3 و4 بسبب اعتقال غالبيتهم أو هجرتهم للمنفى بسبب البطش أو الحصار والترهيب الأمني.
وتركز برامج المرشحين القريبين من السلطة على الخدمات المادية المقدمة للصحفيين بينما يدعو المعارضون لبرامج قائمة على الدعوة لاستقلال النقابة والحريات والإفراج عن الصحفيين المحبوسين
وظاهريا يبدو الهدوء مسيطرًا على الأجواء الخاصة بانتخابات الصحفيين لكن الحقيقة أن هناك تحركات موسعة تشهدها الكواليس لـ"تظبيط" الكتل الانتخابية، حيث تقوم جهات أمنية بتوزيع قوائم بالمطلوب نجاحهم على الصحف الموالية لها.
قبل إعلان المرشح اليساري خالد البلشي التنافس على مقعد نقيب الصحفيين، كان "تيار الاستقلال" الذي ينتمي له يؤكد عدم ترشيح أحد للمنصب، والتمسك بما أسموه "الخيار زيرو"، ما جعل الجميع يتوقع فوز الحكومة بالتزكية بمنصب النقيب.
لكن إعلان البلشي في آخر يوم للترشح أنه سيكون مرشح تيار الاستقلال، وإعلانه تحدي نظرية أن "الحشد (لصحفيي الحكومة) سيهزم الإرادة (استقلال النقابة)، قلب المشهد، وأعطى الانتخابات زخما كبيرا.
في بيان ترشحه حرص خالد البلشي على إيصال عدة رسائل للصحفيين والسلطة معا، ركز فيها على أنه ترشح لمواجهة "حالة استفراد شخص أو مجموعة بعينها بمصير جموع الصحفيين".
وأن يشعر الصحفيون أن "الجمعية العمومية هي من أتت بهم وليس أطرافا خارجها"، مشددا على "التغيير واستعادة نقابتنا".
ويرى الصحفي سليم عزوز أن مهمة خالد البلشي تبدو انتحارية، في ظل أن أسماء من التيار ذاته قد عزفت عن خوض الانتخابات، لأنها لا تريد أن تدخل معركة مع مرشح لسلطة غاشمة، وفق وصفه لموقع "الجزيرة نت" في 15 فبراير 2023.
ألمح لمباغتة ترشح "البلشي" للسلطة، قائلا إن "السلطة لم تكن تكترث للانتخابات لذا لم تختر مرشحا لامعا، لقناعتها قبل ترشح البلشي أنها معركة لا تستحق الوقوف خلف مرشحها بالأموال والامتيازات".
وتكاد تكون عبارة "إنقاذ النقابة" هي الشعار الأبرز لدى غالبية مرشحي تيار الاستقلال، حيث يرى غالبيتهم أن النقابة تدار من "الخارج"، في إشارة للجهات الأمنية المصرية، ولم تعد تدار، كالسابق، بواسطة إرادة الصحفيين (الجمعية العمومية).
الصحفي محمد الجارحي، بدوره، قال لموقع "المنصة" في 13 فبراير، إن من أسباب تدهور العمل النقابي "إدارة النقابة من خارجها"، وقال أيضا لصحيفة "المشهد" المصرية الخاصة أن هدفه "إحياء دور النقابة واستعادة كرامة المهنة".
ويبدي عمرو بدر، الرئيس الأسبق للجنة الحريات بمجلس نقابة الصحفيين، تفاؤله بحظوظ تيار الاستقلال في حصد عدد من المقاعد، لـ "رغبة تيار كبير في تغيير الأوضاع الحالية التي تتسبب في تردي أوضاع المهنة وتراجع دورها في الرقابة على السلطة".
وقال لموقع "رصيف 22" المستقل في 14 فبراير، إن "فرصة تيار الاستقلال موجودة بقوة الناس الغاضبة، الغضب يصب دائماً عند تيار الاستقلال وليس العكس".
إنقاذ النقابة
ولدعم تيار الاستقلال، والمرشح المعارض لمنصب النقيب، وجه نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش، رسالة إلى الصحفيين المصريين، عبر فيسبوك لـ "إنقاذ" تاريخ النقابة في النضال (82 عاما).
ودعاهم إلى "مشاركة تصحح المسار في الانتخابات وتنقذ النقابة"، بسبب "ما وصل اليه حالنا المهني والنقابي وأوضاع المهنة وأحوال الصحفيين".
قال: "أمامكم الآن وحدكم اتخاذ قرار إما استمرار تغييب النقابة أو عودتها إليكم، اختياركم الآن سيحدد إما استمرار وبقاء الذين انحرفوا بمسار النقابة أو الذين علي استعداد للحفاظ علي هذا الكيان ليعود لدوره الطبيعي دفاعا عن الحقوق ودفاعاً عن المهنة".
وتعرض البلشي الذي كان يتولى لجنة الحريات وطالب بإطلاق كل الصحفيين على اختلاف توجهاتهم، لسلسلة مضايقات وتم حجب ثلاثة مواقع صحفية دشنها لمعارضة السلطة، هي: البداية، كاتب، درب.
وقد حملت السلطة البلشي مسؤولية أزمة اقتحام قوات الأمن للمرة الأولى في تاريخها مقر النقابة عام 2016، للقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، على خلفية مواقفهما المعارضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، في عهد النقيب السابق يحيى قلاش، والتي كانت أحد أبرز الصدامات بين الدولة والنقابة.
وفي 4 أبريل/ نيسان 2016، أصدر المدعي العام أمراً باعتقال الصحفي خالد البلشي بتهمة "إهانة الشرطة" و "الدعوة للإثارة ضد النظام العام وإسقاط النظام".
وانتقدت الشبكة العربية لحقوق الانسان في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 "الانتقام البوليسي من خالد البلشي" وقالت إنه يجب أن يتوقف بعدما تم اعتقال كمال البلشي شقيق خالد البلشي لترهيب الأخير.
وكان البلشي فاز بمقعد في مجلس نقابة الصحفيين في انتخابات مارس 2019، لكن بموجب قانون النقابة الذي يقسم الفائزين بين "فوق السن" أي أعضاء نقابة فوق 10 سنوات، و"تحت السن"، تم استبعاد البلشي.
وفاز البلشي حينئذ بـ 1440 صوتا ومع هذا خسر وصعد بدلا منه مرشح الحكومة محمد يحيى يوسف الذي حصل على 1154 صوتا فقط!!.
وشجع الصحفيين إلى التحرك باتجاه انتزاع النقابة من يد الأمن أيضا نجاح المحامين في عزل مرشح حكومي هو سامح عاشور وتولي مستقل وقيامهم بالتصدي للسلطة حتى سجنت 6 محامين في شمال مصر.
ولا تلقى قضية الصحفيين المعتقلين منذ الانقلاب اهتماما سوى خلال انتخابات النقابة، لهذا فهي فرصة للمحبوسين للتعبير عن أنفسهم حتى إن صحفيين كانوا معتقلين ترشحوا للفت الأنظار في انتخابات 2019.
وحتى مرشح السلطة خالد ميري صرح فور إعلانه خوض الانتخابات في بيان له أن "محاولات الإفراج عن الصحفيين لن تتوقف، والملف على وشك الإغلاق".
ويؤكد عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ أن 14 صحفيا نقابيا، بالإضافة إلى آخرين غير نقابيين، محبوسون على ذمة قضايا رأي.
ووفق التقرير السنوي لانتهاكات حرية الإعلام في مصر لعام 2022، الذي أصدره المرصد العربي لحرية الإعلام (جهة حقوقية مستقلة)، شهد العام الأخير إطلاق سراح 19 صحفيا.
في حين تم اعتقال 16 صحفيا آخرين، وبذلك وصل عدد الصحفيين والصحفيات المحبوسين حاليا إلى 47 صحفيا، مع إدراج 5 من الصحفيين والإعلاميين العاملين بالخارج على قوائم الإرهاب.
ووثق التقرير الإحصائي السنوي لعام 2022 للمرصد المصري للصحافة والإعلام (جهة حقوقية مستقلة) 238 حالة انتهاك ضد الصحفيين والإعلاميين أو المؤسسات التي يعملون بها، بزيادة نسبتها 126 بالمئة عن عام 2021 الذي سجلت فيه انتهاكات بإجمالي 105 حالات.
وتحتل مصر المرتبة الثالثة عالميًا بقائمة أكثر الدول احتجازًا للصحفيين، بحسب "لجنة حماية الصحفيين الدولية" عام 2021.