"طعنة في الظهر".. هل يجهز بوتين الأرضية اللازمة للتخلص من فاغنر؟
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على تقارير تشير إلى أن وزارة الدفاع الروسية تريد التخلي عن مرتزقة "فاغنر" في الهجوم الجديد في أوكرانيا، بسبب صراعات داخلية على السلطة.
وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" إن المسافة بين "الجيش الخاص" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا والرئيس الروسي نفسه بدأت تزداد أكثر فأكثر، لا سيما وأن بوتين شخص "لا يمكن التنبؤ بخطواته".
وتابعت: "في الواقع، لعبت مجموعة فاغنر دورا رئيسا في الهجوم الروسي، خاصة في معركة باخموت، وهي واحدة من أكثر المعارك دموية للجانبين وذات هدف رمزي أكثر من كونه عسكريا".
واستطردت الصحيفة: "مع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن عدد قوات فاغنر انخفض بشكل كبير قبل بدء التصعيد في الكرملين".
أرضية التخلص
من ناحية أخرى، اعترف زعيم مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوزين، بأنه سيتوقف عن تجنيد السجناء، "وهو أحد تكتيكاته لتغذية صفوف جيشه الخاص".
وفي هذه المرحلة، يتمثل السؤال الذي يطرح نفسه في هل بوتين يجهّز الأرضية اللازمة للتخلص من فاغنر؟
وأضافت الصحيفة أن "العلاقة بين بوتين والمقاولين العسكريين كانت وثيقة، ولكن ليس دائما على الملأ".
ولفتت إلى أن "المرتزقة كانوا حاضرين في نزاعات مثل سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، ووصفهم الخبراء بأنهم قوة الظل للكرملين، لأنهم مارسوا نفوذا في أماكن لم تكن روسيا مهتمة بالوجود فيها رسميا".
أما بالنسبة لتصريحات كبار القادة الروس وبوتين نفسه الذي نفى الارتباط بفاغنر، فإن غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 "قد غيّر كل شيء".
في السياق، قال مقدم البرامج في التلفزيون الروسي الرسمي، رسلان أوستاشكو: "خلال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أصبح مقاتلو فاغنر رموزا حقيقية للشجاعة العسكرية".
ونقلت الصحيفة أن "فاغنر شبه العسكرية افتتحت أواخر عام 2022 أول مقر لها بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية، في كتلة من المباني وصفت بأنها مقر (للمخترعين ومطوري المشاريع ومتخصصي تكنولوجيا المعلومات والمصنعين التجريبيين ومختلف الشركات الناشئة) في قطاع الدفاع الروسي".
واستدركت: "أما الآن، فقد بدأ هذا العصر الذهبي للعلاقات بين فاغنر وروسيا بالتلاشي".
في هذا المعنى، جاء في تقرير صادر عن معهد دراسات الحرب: "لم تعد مجموعة فاغنر بحاجة لعدد كبير من المتطوعين لأن وزارة الدفاع الروسية قد تنوي تهميش المجموعة في هجمات مستقبلية في أوكرانيا".
وتقدر وزارة الدفاع البريطانية أن فاغنر تتكون من حوالي 50 ألف مقاتل، بعد أن كان هذا العدد في حدود خمسة آلاف فقط قبل شبط/ فبراير 2022.
ومع ذلك، يقدر مجلس الأمن الأميركي أن 80 بالمئة من قوات فاغنر في أوكرانيا من السجناء السابقين، تتراوح جرائمهم بين السرقة والقتل، وأطلق سراحهم للقتال.
سيناريو معقد
لكن في الأسابيع الأخيرة، انخفض التجنيد في صفوف جيش بوتين الخاص بشكل كبير، وهو ما تكشف عنه الإحصاءات الواردة من دائرة السجون الروسية التي تظهر أن عدد السجناء الروس قد انخفض بمقدار ستة آلاف في الأشهر الثلاثة الماضية، بحسب "الكونفدنسيال".
ولفتت إلى أنه "في الأشهر السابقة، عندما كان التجنيد لصالح فاغنر في أوجه، وصل هذا الانخفاض إلى 23 ألف سجين".
وكشفت الصحيفة أن "تراجع قوات فاغنر يفسّر بعدة فرضيات، وتشير إحداها مباشرة إلى القائد، الذي يلقب بطباخ بوتين".
وفي حديث مع الكونفدنسيال، قال الباحث الأمني والخبير في عمليات فاغنر، رسلان طراد: "السيناريو معقد، لأن فاغنر حقق انتصارات عسكرية، ولكن في نفس الوقت أصبح بريغوزين يمثل مشكلة للضباط".
وشدد على أن "الصراع على السلطة في روسيا أكثر أهمية من الصراع على الجبهة".
وذكرت الصحيفة أن "زعيم فاغنر انتقد بشدة الإستراتيجية العسكرية لموسكو، حيث واجه مرارا قادة الدفاع بشأن الخسائر في الجبهة وما عده انسحابات مهينة خلال الحرب".
بالإضافة إلى هذه التصريحات، يمكن الحديث عن "الضجيج حول الانتصارات في المقدمة، مما تسببت في الكثير من الانزعاج في موسكو".
وأفضل مثال على ذلك كان معركة مدينة سوليدار، التي ادعى فاغنر أنه احتلها، إلا أن الكرملين كان شديد الحذر قبل إعلان النصر ونفى مزاعم "المرتزقة"؛ مما كشف عن صراع أو على الأقل فشل التواصل بين "جيش بوتين" وروسيا، تقول "الكونفدنسيال".
ونقلت الصحيفة أنه "من العلامات الأخرى على تدهور العلاقات بين بوتين وفاغنر تتمثل في تعيين فاليري جيراسيموف رئيسا جديدا لأركان القوات المسلحة الروسية".
وتابعت: "عموما، يعد الجنرال الروسي حليفا قويا لبوتين".
وأشار محللون في معهد دراسة الحرب إلى أن "ترقية جيراسيموف قد تسعى إلى تعزيز هياكل السلطة التقليدية مثل وزارة الدفاع ضد تحديات أخرى، على غرار بريغوزين ونقاد آخرين لموسكو".
تراجع الجودة
من جانب آخر، قد يكون بوتين غير راض عن التقدم التكتيكي لفاغنر في أوكرانيا.
ووصف أعضاء فاغنر السابقون الأداء العسكري وتكتيكات "المرتزقة" بأنها إحدى المشاكل الرئيسة للمجموعة، على غرار أندريه ميدفيديف هو أحد متطوعي فاغنر الذين تمكنوا من الفرار من أوكرانيا.
وأشار ميدفيديف إلى التكتيكات "القاسية" للمجموعة والأخرى التي يمليها بريغوزين.
وبشكل عام، يتناقض الافتقار إلى الإستراتيجية مع المهام في صراعات أخرى كانت فاغنر موجودة فيها، مثل سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وقال الباحث الأمني، طراد للصحيفة: "كانت هناك قوة دعم وقوة تدريب ووحدة تدخل".
قبل غزو أوكرانيا، كان غالبية أعضاء فاغنر جنودا وقدامى محاربين في القوات الخاصة، إلى أن اختاروا دمج المدانين السابقين لزيادة عدد القوات، "ومن هنا يمكن تفسير تراجع الجودة في أوكرانيا".
لكن، رغم عدم وجود إستراتيجية على الجبهة التي وصفها المتطوع ميدفيديف، فإن فاغنر "تتمتع بإمكانية الوصول إلى الأسلحة بشكل واسع، وحتى طائرات الهجوم أس يو-25 ودبابات تي-90".
عموما، يمتلك فاغنر الأسلحة للقتال في أوكرانيا، لكن تقدمه على هذه الجبهة بعيد كل البعد عما حققه على الجبهات الأخرى.
وقال طراد إن "فاغنر عمل وراء الخطوط الأمامية في إفريقيا وسوريا، مستخدما الحرب الإلكترونية والعمليات الخاصة بنجاح كبير".
وقالت الكونفدنسيال: "من المحتمل أن يكون بوتين بصدد تمهيد الطريق، على عكس ما حدث في سوليدار، بحيث يمكن أن تُنسب الانتصارات المستقبلية إلى قواته فقط وليس إلى (جيشه الخاص)".
وختمت تقريرها بالقول: "مع ذلك، لا يزال فاغنر بعيدا عن تقليص نفوذه في الجبهات الروسية الأخرى التي لا تزال مفتوحة، ففي الحقيقة، تنشط المجموعة بشكل خاص في منطقة الساحل، وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي وموزمبيق".