مركز تركي: فقدان طالبان للاعتراف الدولي يهدد مشاريع آسيوية مهمة
قال مركز دراسات تركي إن أفغانستان، التي كانت مسرحا للصراعات والحروب والتدخلات والهجمات الإرهابية لأكثر من 40 عاما، تشكل جسرا مهما بين وسط وجنوب آسيا.
وبين مركز أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية "أنكاسام" في مقال للكاتب التركي "إيمره كايا" أن وجود مشكلة أو تهديد في أفغانستان يحدث أثرا يتجاوز حدود هذا البلد، فتتأثر آسيا الوسطى، خصوصا جنوب آسيا بشكل جزئي.
ومع الديناميكيات المتغيرة في الفترة الأخيرة، تتأثر أوراسيا (كتلة أرضية مكونة من قارتي أوروبا وآسيا)، بشكل عام أيضا بالتطورات التي تركز على أفغانستان.
مشاريع مهددة
وذكر كايا أنَّ عملية الصراع التي مرت بها أفغانستان أثرت بشكل رئيس على الدور الأفغاني في المشاريع المُقامة في المنطقة.
إذ جرى تطوير شبكة من قبل البلدان المحيطة بها دون إشراك أفغانستان نظراً للتهديدات الأمنية التي يعتقد وجودها هناك.
ومن جهة أخرى، كانت المشاريع الموافَق والمُوَقَّع عليها والتي تشمل أفغانستان هي التي يصعب البدء فيها وإنهائها وتنفيذها.
فقد كان أهم عامل يؤثر على تنفيذ هذه المشاريع هو عدم الوثوق بمصير أفغانستان، يقول الكاتب.
وأضاف: "على الرغم من أن طالبان سيطرت على أفغانستان في 15 أغسطس (آب) 2021، فإن الشكوك والتهديدات الإرهابية ماتزال مستمرة في البلاد إلى اليوم، لأن الإدارة التي عينتها الحركة لم يجر الاعتراف بها من قبل أي دولة بعد".
بالإضافة إلى ذلك فإنَّ المنظمات الإرهابية ماتزال موجودة مع أنَّ النزاعات بين الدول والجماعات المختلفة قد قلت بشكل كبير في المنطقة.
وأهم مثال على ذلك هو ما يسمى بـ "إمارة خراسان" والتي تتبع تنظيم الدولة، إذ هاجمت المنظمة الإرهابية فندقا في كابول في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022، مما دفع الصين إلى دعوة مواطنيها إلى مغادرة البلاد.
ولفت الكاتب النظر إلى وجود العديد من المشاريع التي تشمل كابول وأولها خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يمر من تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند (TAPI).
بالإضافة إلى خط نقل الكهرباء الذي يمر من تركمانستان وباكستان وأفغانستان (TAP)، مع ممر النقل الذي يعبر من الدولة الأخيرة.
وتابع: "هناك أيضا مشروع الطاقة في آسيا الوسطى وجنوب آسيا، المعروف باسم CASA-1000، وهو قيد الإنشاء حالياً بقيمة 1.16 مليار دولار ويسمح بتصدير فائض الطاقة الكهرومائية من قيرغيزستان وطاجيكستان إلى أفغانستان وأخيرا باكستان".
ومن المشاريع المهمة أيضا خط سكة حديد تركمانستان - أفغانستان - طاجيكستان (TAT) وطريق اللازورد ضمن نطاق الممر المركزي، والذي جرى مناقشة تمديده إلى الهند.
وهناك حديث عن أن إدارة بكين قد تُدرج أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، وفق الكاتب.
وأشار أيضا إلى أن حركة طالبان تبذل جهودا لتنفيذ هذه المشاريع، فجزء كبير منها يعد في مرحلة البناء.
وهذه المشاريع ستوفر مكاسب مهمة لبلدان وسط وجنوب آسيا وستسرِّع عملية تطبيع أفغانستان وتكامل المنطقة.
غير أن مسألة الاعتراف بأفغانستان (طالبان) والتهديدات الأمنية والإرهابية والمشاكل الاقتصادية تمنع وتعيق البلاد من استغلال إمكاناتها.
ومع ذلك، مثلما لا تستطيع أفغانستان استخدام إمكاناتها بسبب التهديدات، لا يمكن لوسط وجنوب آسيا الوصول إلى إمكاناتها لأسباب مماثلة.
ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أنَّ تكثيف التجارة والعلاقات، خاصةً في مجال الطاقة، بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا سيسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
فأحد أهم مخاوف دول آسيا الوسطى والهند على وجه الخصوص هو التطرف، وفق قول الكاتب.
وبين أن تطبيع العلاقات مع أفغانستان سيؤدي إلى استقرارها حيث إنها ستحارب الإرهاب بشكل أكثر فاعلية.
وإذ حدث ذلك، "ستحل واحدة من أكبر مشاكل أوروبا، فاستقرار أفغانستان يمنع ويحدّ من الهجرة للدول الأوروبية".
سياسة التدمير الذاتي
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن الغرب أجرى حسابات خاطئة تجاه أفغانستان وآسيا الوسطى؛ لأنَّ الاعتقاد السائد كان أنَّ الولايات المتحدة الأميركية تخطط بانسحابها من كابول لإنشاء مركز تهديد وفوضى في قلب آسيا من شأنه أن يحد من نشاط الصين وروسيا.
غير أن الحرب الروسية الأوكرانية التي مر على انطلاقتها عام كامل، بالإضافة إلى أزمة تايوان غيرت المعادلات الإقليمية.
وبالتالي أصبحت أوروبا تعتمد في مجال الطاقة على آسيا الوسطى عوضاً عن روسيا، وبهذا بدأ رأس المال الغربي يفضل الهند.
لذلك، فإن التهديدات المتمركزة في أفغانستان تضر بمصالح الغرب لأنها تؤثر سلبا على دول آسيا الوسطى والهند.
بعبارة أخرى، يمكن القول إن الغرب تبنى سياسة التدمير الذاتي في أفغانستان، وفق الكاتب.
واستدرك كايا أنه عند النظر إلى الاختلافات بين أوروبا والولايات المتحدة والمصالح المتضاربة أحيانا، يمكن القول إن إدارة واشنطن تحاول منع كتلة بروكسل من التصرف بعيدا عن نفوذها.
بعبارة أخرى، يمكن القول إن الولايات المتحدة تحاول الحد من قدرة أوروبا على التصرف بشكل مستقل من خلال مصادر التهديد الإقليمية وذلك للتأثير على أوراسيا بأكملها وتشكيلها.
وأضاف الكاتب: "فكما يمكن أن نرى، تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان أمرا حاسما بالنسبة لوسط وجنوب آسيا، وقد تبين أن كابول تلعب دورا حاسما في المشاريع الإقليمية.
خاصة عندما تكون هذه المشاريع المختلفة تعتمد على الطاقة والممرات، فإن الأمن والاستقرار الإقليميين لهما أهمية حيوية، كما قال.
بالإضافة إلى ذلك، أفغانستان بلد سيؤثر على عملية التنمية في آسيا وأوراسيا؛ ففي حين أصبحت آسيا الوسطى والهند مراكز جذب مهمة للأوروبيين، يمكن القول إن هذه التهديدات ستضر أيضا بأوروبا.
وذكر كايا أن المصادر الرئيسة للصراع المتمركز في أفغانستان هي: تدخل الجهات الفاعلة الأجنبية، وفكرة خلق نفوذ إقليمي والسياسات المُتَّبعة تجاهه.
إذ يؤدي ذلك إلى منع المشاريع التي ستخدم التنمية والصعوبات الاقتصادية، يقول الكاتب.
وأكمل بالقول إن إساءة استخدام الهويات الدينية والعرقية تخلق بيئة مواتية للمنظمات الإرهابية، وكل هذا بدوره يعيق تنفيذ المشاريع الإقليمية وإرساء الاستقرار.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: كان يُعتَقَد أن الولايات المتحدة تريد تعطيل عملية التنمية في القارّة الآسيوية بأكملها، وخاصة وسط وجنوب آسيا، من خلال ترك مركز إقليمي خالي من الاستقرار عند الانسحاب من أفغانستان.
إلا أنه بحسب تقييم الكاتب التركي، من الواضح أن الولايات المتحدة تحاول استغلال الحرب الروسية الأوكرانية لخلق منطقة فوضى تؤثّر سلبا على أوراسيا أيضا.
ولذلك فإن ضمان الأمن في أفغانستان أمر مهم للمنطقة بأكملها والمشاريع الإقليمية المقامة فيها بما في ذلك أوراسيا.