"قزم الإليزيه".. كيف ردت إيران على سخرية فرنسا من خامنئي؟
فجرت الرسوم الكاريكاتيرية الأخيرة لمجلة شارلي إبدو الفرنسية، حالة شديدة من الغضب في الأوساط الإيرانية، بعد سخريتها من المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي.
ونشرت مجلة شارلي إبدو الساخرة، في 4 يناير/كانون الثاني 2023، رسوما كاريكاتيرية تسخر فيها من خامنئي بعد إطلاقها في ديسمبر/كانون الأول 2022، مسابقة دولية لرسمها، بهدف "دعم الإيرانيين الذين يناضلون من أجل حريتهم".
وأوضح مدير المجلة، لوران سوريسو، أن نشر الرسوم "طريقة لإظهار دعمنا للرجال والنساء الإيرانيين الذين يخاطرون بحياتهم للدفاع عن حريتهم ضد النظام الديني الذي يضطهدهم منذ العام 1979".
وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، الذي قال إن "العمل المهين وغير اللائق من قبل ناشر فرنسي بنشر رسوم كاريكاتيرية ضد السلطة الدينية والسياسية لن يمر دون رد حاسم وفعال".
كما استدعت الخارجية الإيرانية السفير الفرنسي لدى طهران، وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية نشر الرسوم الكاريكاتيرية، وذلك بالتزامن مع وقف عمل لجنة الدراسات الإيرانية التابعة لفرنسا في إيران.
وفي إطار الحملة الإعلامية المضادة من الجانب الإيراني، نشرت صحيفة "وطن أمروز" تقريرا تحت عنوان "قزم الإليزيه"، في إشارة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
واستعرضت الصحيفة فيه الأسباب التي دفعت المجلة الفرنسية لنشر هذه الرسوم، واتهمت فيه الرئيس ماكرون بالوقوف خلف هذا العمل.
فشل المشروع
عدّت الصحيفة "إهانة" مجلة شارلي إبدو للزعيم الإيراني صورة من صور التنفيس عن الغضب من جانب المسؤولين الغربيين ومن وصفتهم بـ"الخدم" من الناطقين باللغة الفارسية، لفشلهم في تنفيذ مخططهم ضد إيران بعد اندلاع المظاهرات بسبب موت الفتاة مهسا أميني.
وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2022، اندلعت احتجاجات بأنحاء إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد ملابس النساء.
وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بإيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة.
واتهمت السلطات الفرنسية بالوقوف وراء إهانة "زعيم الثورة"، الذي يعد مرجعية للكثير من الشيعة، رغم محاولتها تبرير هذا العمل باستخدام عبارات من قبيل"حرية التعبير".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المجلة الساخرة قد اعتادت على نشر رسوم كاريكاتيرية لمسؤولين من دول العالم، ولكن هذه المرة جاءت "توصية" من جهات أخرى بالمشاركة في نشر هذه الرسوم، منها جريدة لوموند، في إشارة إلى وجود جهة تحرك هذه الصحف والمجلات.
وترى أن نشر الرسوم ما هو إلا جزء من خطة موجهة لتهدئة غضب قصر الإليزيه من فشل المشروع الفرنسي "المثير للفتنة" في إيران، ووسيلة لمنح التنفس الاصطناعي لـ"مثيري الشغب" المقيمين في الخارج، والذين افتضح أمرهم في الشارع، على حد وصف الصحيفة.
وذكّرت بمواقف ماكرون من طهران، وقالت إن الرئيس الفرنسي كان من أوائل المسؤولين الأوربيين الذين التقوا بالمعارضين من أصول إيرانية، وأعلن أن "أبناء إيران في حالة ثورية".
ولهذا فإن قصر الإليزيه يريد أن يظهر أنه مستمر في طريقه من خلال الرسوم الكاريكاتيرية التي تنشرها مجلة شارلي إبدو التي تعد أداة في يده.
وبعد اتهام ماكرون بالوقوف وراء الرسوم المسيئة لخامنئي، قالت الصحيفة إنه سجل خطأ فادحا في سجله السياسي بسبب موقفه هذا، وبسبب لقائه ببعض "المهرجين" و"المحتالين المعادين لإيران" أيضا، في إشارة إلى استقبال ماكرون لمعارضين إيرانيين، مثل الناشطة مسيح علي نجاد.
بحسب ما ورد في صحيفة "وطن أمروز" الإيرانية، فإن الإليزيه تعرض في الفترة الماضية لضربة قوية بسبب هزيمة "مشروع الفوضى" في إيران، ولهذا فإنه يحاول كبح جماح غضبه والانتقام من طهران ببعض الرسوم الكاريكاتيرية.
أما عن المواجهة الإيرانية، فقد ذكرت الصحيفة ما وصفته بأنه "فقء عين" للفتنة التي يريد الإليزيه إثارتها، عبر إلقاء القبض على اثنين من الرعايا الفرنسيين في إيران بتهمة التجسس والعمل ضد الأمن القومي الإيراني من خلال أعمال "الشغب" الأخيرة.
وردا على استدعاء السفير الفرنسي في طهران، وإلقاء القبض على رعايا باريس، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إنه على إيران أن تهتم بما يحدث داخلها قبل أن تنتقد فرنسا، لأنها تتبع سياسة خاطئة بسبب العنف ضد شعبها واعتقال الفرنسيين.
وقالت كولونا، إن إيران تنتهج سياسات سيئة عبر اتباع العنف مع مواطنيها وباعتقال فرنسيين. وتابعت قائلة "دعونا نتذكر أن حرية الصحافة موجودة في فرنسا على عكس ما يحدث في إيران وأن تلك الحرية يشرف عليها قاض في إطار قضاء مستقل، وهو أمر لا تعرفه إيران جيدا بلا شك".
"ربائب الصهيونية"
ربطت الصحيفة بين مجلة شارلي إبدو وماكرون والصهيونية، وقالت إن أحدث حملة كاريكاتيرية هجومية للمجلة، تشير إلى إفلاس السياسة الخارجية لباريس.
كما أن هذه الحملة تظهر – من وجهة نظر الصحيفة – أن الأمور الداخلية في فرنسا ليست تحت سيطرة رئيس جمهوريتها "الأسمي" وحكومة حزبه "الصوري"، وإنما هي "تحت سيطرة تحالف أصحاب البنوك اليهود".
وفسرت ذلك بأن ماكرون، بوصفه موظفا سابقا في بنك روتشيلد في إنجلترا، وزعيما لحزب ليبرالي ظهر من قلب النزاع بين البنوك الأوروبية الكبرى، وبدعم مفاجئ من وسائل الإعلام التابعة للشركات الغربية، يتهم من جانب معارضيه بخدمة هذا التحالف.
وتزعم الصحيفة أن السياسيين في مقر الاتحاد الأوروبي، وفي باريس أيضا، متفقون على أن هذا "المغرور" الذي يفتقد إلى الخلفية الحزبية في مجال السياسة الفرنسية، لم يخلق أزمة داخل المجتمع الفرنسي الساخط والقلق فقط، وإنما يخسر كروت باريس الدبلوماسية على المستوى الخارجي أيضا.
ونتيجة هذه السياسة هي "العزلة الواضحة للدولة التي كانت تقود الاتحاد الأوروبي داخل الاتحاد نفسه، وذلك بالتوازي مع فقدان مناطق النفوذ الجغرافي والمساحات التقليدية لفرنسا الاستعمارية، ومن بينها الشام ودول المغرب العربي والدول الفرانكوفونية وغرب إفريقيا".
وبسبب هذا الإفلاس السياسي، وجد ماكرون نفسه في هذا الموقف المحفوف بالمخاطر مضطرا إلى تقديم كل ما يمكن تقديمه لتحالفات السلطة والثروة من أجل البقاء، خاصة أنه "عميل" لهذه التحالفات، وفق صحيفة "وطن أمروز".
وقد أشار وزير الخارجية الإيراني، أمير عبداللهيان، إلى هذه النقطة في مكالمته الهاتفية مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، إذ أعرب عن تقديره لموقفه في إدانة خطوة مجلة شارلي إبدو المهينة.
وأكد عبد اللهيان على "دور الصهاينة في الخطوات المسيئة التي اتخذتها المجلة الفرنسية ضد المقدسات والرموز الدينية للعالم الإسلامي".
ولتأكيد فكرة وقوف الصهيونية وراء مجلة شارلي إبدو وإساءاتها المتكررة لرموز العالم الإسلامي، ذكرت الصحيفة نموذج جانيت بوغراب (سياسية ووزيرة فرنسية سابقة)، التي وصفتها بأنها إحدى أبرز الناشطين الصهاينة.
وقالت إن الأخيرة وصلت إلى مناصب حكومية مهمة في سن مبكرة، وتولت وزارة الشباب في حكومة الرئيس الأسبق نيكولاي ساركوزي الذي كان يقدم نفسه على أنه يهودي وصهيوني متعصب.
وبينت الصحيفة أن بوغراب التي تعد ابنة لفرع روتشيلد الفرنسي، كشفت عن وجود علاقة بينها وبين بينستيفان شاربونييه، رسام الكاريكاتير في مجلة تشارلي إبدو، والذي لقي مصرعه في 2015 بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول.
وتابعت أن ارتباط مكتب المحاماة الخاص بالمؤسسات المصرفية التابعة لعائلة روتشيلد في فرنسا بمجلة شارلي إبدو كان يثير شكوك الباحثين، ولكن عندما صرحت هذه "الصهيونية" عن علاقتها بشاربونييه، عرف الكثيرون من هو الداعم السياسي والقانوني وربما المالي للمجلة.
ومن هنا، ترى الصحيفة أن الادعاءات المتكررة من قبل ناشري شارلي إبدو والسلطات الفرنسية بأن هذه المجلة مستقلة، وتابعة لرسامي الكاريكاتير اليساريين المتطرفين والفوضويين، تعد واحدة من السخريات المنسوبة إلى هذا المنشور.
وذلك لأن بوغراب، وسيط عائلة روتشيلد مع شارلي إبدو، التي كانت تعرف نفسها على أنها شخصية سياسية يسارية، لم يكن لها مكان في الهيكل السياسي لليسار في هذا البلد. والمثير للدهشة، أنها حصلت على منصب وزاري في حكومة ساركوزي اليمينة، تخلص الصحيفة.