بعد فشل الرصاص.. محاولات إسرائيلية خبيثة لقطع نسل فلسطينيي الداخل

12

طباعة

مشاركة

لم يدخر الاحتلال أي وسيلة في سبيل تهجير فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 من أراضيهم، بدءا من القوة العسكرية، ثم التضييق المعيشي ونشر الجريمة وحتى تسليط الحملات الأمنية ضدهم وليس انتهاء بهدم المنازل والقرى العربية.

ولم تتوقف مخططات الاحتلال عند هذا الحد بل لجأ إلى أسلوب جديد يستخدم فيه الطب والاحتيال لمحاربة الوجود الفلسطيني في الداخل، وبالتحديد في مناطق النقب جنوب فلسطين المحتلة.

حقن التطهير العرقي

وكشف تحقيق نشرته مجلة "ليبرال" العبرية، في 21 سبتمبر/أيلول 2022، عن أن سلطات الاحتلال تحقن النساء الفلسطينيات في النقب بمانع الحمل "ديبو بروفيرا"، دون تقديم أي معلومات عن العقار.

والتحقيق أعدته الصحفية في المجلة "عيدن سولومان"، وحمل عنوان: "التمييز الوقائي" وتناول حالات من نساء بدويات خلال الأشهر الماضية جرى إعطاء العلاج لهن دون إيضاح آثاره في منع الحمل.

و"ديبو بروفيرا- Depo-Provera" هو علاج هرموني يؤخر التبويض في الرحم لمدة ثلاثة أشهر، وتصل فعالية الدواء في منع الحمل 99 بالمئة، ويفترض أنه يعطى بأمر الطبيب لحالات مرضية معينة وطارئة.

وأثبت التحقيق أن النساء البدويات هن المستهدفات الوحيدات بهذه الحملة، وهذا الإجراء لا يوجه إلا للفلسطينيات على مستوى دولة الاحتلال.

وأوضح بالبيانات والأدلة أن ما يحدث ليس عشوائيا، بل إنه يجرى حقن النساء  من المجتمع الفلسطيني دائما بهذه الحقن.

ولم يعرف منذ متى يستخدم الاحتلال هذه الحقن ضد النساء الفلسطينيات في الداخل المحتل.

وتستنفر إسرائيل قدراتها كافة لمحاربة الوجود الفلسطيني في النقب، وعلى مدى العقود الماضية نجح الاحتلال في خفض أعداد المواليد الفلسطينيين.

ففي عام 1996، بلغ معدل الإنجاب لدى المرأة الفلسطينية في النقب أكثر من 10 أطفال، وكانت بذلك صاحبة الرقم الأكبر في الإنجاب داخل الأراضي المحتلة. 

ولكن خلال العقدين التاليين وحتى عام 2015، انخفضت نسبة الإنجاب إلى 5.5 أطفال لكل أم، وفق معهد "مايرس بروكديل" المتخصص في السياسة الاجتماعية بدولة الاحتلال.

فيما بلغ معدل الإنجاب لدى اليهوديات من الطائفة "الحريدية" سبعة أطفال، وهي نسبة ثابتة منذ الثمانينيات من القرن الماضي.

ومن جانبها، قالت أنعام (27 عاما)، وهي فلسطينية من بلدة حورة وسط النقب في الداخل المحتل، إنها كانت إحدى ضحايا الحملة الإسرائيلية للحد من النسل الفلسطيني، هي وغالبية نساء المنطقة التي تقطن بها.

وأضافت في حديث لـ "الاستقلال": "جرى حقني بإبرة لم أكن أعرف نوعها ولم يخبرني الممرض عنها شيئا سوى أنها ضمن البروتوكول العلاجي للنساء، وتبين لاحقا أنها ديبو بروفيرا التي تعمل على منع الحمل ويقتصر إعطاؤها على النساء الفلسطينيات".

وأوضحت أنها تلقت الحقنة لثلاث مرات منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وبعد الكشف عن الحقنة والحملة التوعوية التي نظمتها ناشطات فلسطينيات في الداخل، "امتنعت عن تلقي العقار".

وتابعت "سبق الحقنة محاولات كثيرة لثني الفلسطينيات عن الإنجاب، حيث كانت تقتصر حملات التوعية بخطر الحمل والإنجاب المتكرر على النساء البدويات، في حين يجرى تشجيع اليهوديات ومتابعتهن صحيا بشكل دوري".

وشددت على أن العناية الطبية للمرأة الفلسطينية بالداخل محدودة جدا وتبين أن كل هذا يهدف لتشجيع زيادة النسل اليهودي في مقابل الحد من المواليد الفلسطينيين.

وبدوره قال "عطية" (31 عاما)، أحد فلسطينيي الداخل من بلدة حورة، إن "المجتمع البدوي الفلسطيني" يتعرض لمحاولة طمس وتستخدم سلطات الاحتلال أسوأ الأساليب ومن بينها محاولة إصابة النساء بالعقم من خلال العقاقير.

وأضاف "نتعرض لمجزرة بالضبط كما يتعرض لها أهل جنين وغزة ولكنها بدون دماء، حيث تحاول إسرائيل إخفاء النسل الفلسطيني، والنكبة لم تتوقف منذ عام 1948". 

وأوضح أن العقاقير تعطى للمرأة البدوية الفلسطينية بعد إنجاب الطفل الأول بمعدل إبرة كل 3 أشهر، دون إعلامها أن هذا الدواء يتسبب في منع الحمل، وبعدها تبدأ رحلة المرأة للعلاج على أمل الحمل مرة أخرى، وحين تلجأ إلى المراكز الصحية الإسرائيلية لا يساعدها أحد.

وتابع أنه "منذ سنوات بدأت الشكوك داخل المجتمع البدوي بضلوع المراكز الصحية بحملة تعقيم، ولكن كانت التوقعات السائدة أن الحملة تستهدف الرجال، وبدأت حملات توعية على مواقع التواصل، إلى أن توصل تحقيق صحفي إلى أن الحملة تستهدف النساء البدويات".

وشدد عطية على أنه لا يثق بمؤسسات إسرائيل الطبية وإن كانت تصدر في الواجهة بعض أبناء الداخل في طواقم التمريض، ولكن تبقى إدارة المشافي تابعة لسلطات الاحتلال التي تنفذ خطة لقلعهم من أرضهم وحرمانهم من إنجاب الأطفال.

وأوضح أن سلطات الاحتلال بجانب استهداف خصوبة النساء استهدفت الجبهة الداخلية للمجتمعات العربية في النقب، من خلال نشر المخدرات والسلاح وتسهيل انتشار العصابات والعمل على سيادة الانفلات الأمني ولغة التهديد بهدف فقدان الفلسطينيين للأمن ودفعهم للهجرة.

وأضاف "يجرى توزيع الأراضي لأي يهودي يرغب في السكن في النقب، وفي المقابل نحن من نملك الأرض تهدم بيوتنا وتصادر أراضينا في محاولة لثنينا عن الصمود فيها، ولكن من لم ينجح القتل في طرده من أرضه لن يدع هذه الحملات تنجح".

واتهم الشاب الفلسطيني أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) العرب "بأنهم شركاء للاحتلال فيما يقوم به من حملات ضد النقب".

فهم لا يحركون ساكنا لإيقاف ما يحصل من تهجير، وإن كانوا غير قادرين فليتنحوا ولا يكسبوا الاحتلال شرعية أمام العالم، كما قال.

النمو المقلق

ورغم مواصلة إسرائيل حملاتها، فهي ترى حتى الآن أن نسبة النمو السكاني في أوساط الفلسطينيين في النقب مرتفعة لدرجة تؤهلهم لمضاعفة عدد أفرادهم كل 14 سنة، ما يعني أن 250 ألف فلسطيني يعيشون حاليا في النقب سيكون عددهم عام 2036 نصف مليون شخص. 

بذلك سيشكل البدو نصف سكان النقب، وفقا لتقديرات نشرتها صحيفة "ذا ماكر" الاقتصادية العبرية.

وتنبئ هذه التقديرات بحسب مراقبين أن الحملات ضد الوجود الفلسطيني في النقب ستتواصل وتشتد خلال السنوات القادمة بشكل أكثر علانية.

وتأتي التقديرات في ظل تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، 29 ديسمبر /كانون الأول 2022، تعد الأكثر يمينية في تاريخ الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو.

وكشف التلفزيون الإسرائيلي الرسمي منتصف عام 2017 عن نقاش مغلق أداره رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول معدل الولادة لدى فلسطينيي النقب.

وأوضح أن المعطيات أصابت نتنياهو بحالة من الذهول، وقال: "هذا تهديد وجودي يفرض بلورة خطة قومية".

ويضم ائتلاف نتنياهو الحالي أحزابا يمينية متطرفة، أهمها "القوة اليهودية" بزعامة المتطرف إيتمار بن غفير، الذي حصل على وزارة الأمن الداخلي ومقعد في مجلس الوزراء الأمني.

وسيتولى بن غفير حقيبة الأمن الداخلي، مع صلاحيات واسعة غير مسبوقة تشمل إدارة شرطة حرس الحدود في الضفة الغربية المحتلة.

وبدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، إن المؤسسات الصحية بتعليمات سياسية وأمنية تشترك الآن في محاربة الوجود الفلسطيني، على الأقل في النقب المحتل، من خلال استخدام حقن تضر بخصوبة النساء وإمكانية الحمل لديهن.

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "تفترض إسرائيل أن وعي سكان النقب محدود وبالتالي هذا يمكنها من تنفيذ إجراءات طبية وحقن النساء الفلسطينيات بالعقاقير بشكل منتظم عند كل زيارة للمراكز الصحية".

وأوضح النعامي أن مشكلة إسرائيل مع فلسطينيي الداخل في النقب ديمغرافية فنسبة التكاثر لديهم عالية، وبالتالي يستخدم ضدهم هذا النوع من الاحتيال الطبي، والذي يرقى لجريمة ضد الإنسانية بكل المواثيق الدولية.

وتابع "مع صعود حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، وهي الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان، ستتعاظم الحملة بكل تأكيد، خصوصا مع وجود الثقل الكبير لوزير الأمن الداخلي الحالي إيتمار بن غفير بالائتلاف، وهو الداعي الأول لتهجير فلسطينيي الداخل للدول العربية".

ولا تتوقف الحملات لمحاربة فلسطينيي الداخل في النقب عند هذا الحد، بل تواصل إسرائيل أسلوب سحب الجنسيات ضدهم.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن الاحتلال يواصل إجراء إلغاء "المواطنة الإسرائيلية" من آلاف الفلسطينيين في النقب منذ سنوات، بذريعة أن هذه الجنسية قد منحت بالخطأ لشخص غير مستحق لها.

وعقب معركة سيف القدس مايو/أيار 2021، زادت سلطات الاحتلال من حملاتها ضد فلسطينيي الداخل بشكل فج وواضح، بعد الدور الذي لعبوه في مساندة القدس والضفة وغزة.

وقال المحلل السياسي مصطفى الصواف، إن الاحتلال آخذ في محاربة الوجود الفلسطيني دون أن يحسب العواقب المتوقعة من هذه الحملات.

وأضاف "استعرت حملات الاحتلال بعد انتفاضة الداخل مايو 2021، حيث أربك الفلسطينيون الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ ما دفعها لتوجيه قوات الجيش للمدن العربية للسيطرة على الوضع".

وشدد على أن الحملة الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل تشملهم جميعا في كل المناطق، ولكنها تصبح أكثر شراسة عندما يتعلق الأمر بالنقب؛ لأن الفلسطينيين بالنقب نسبة التكاثر عندهم عالية بالمقارنة بالمستوطنين.

"وبالتالي وجودهم في هذه المنطقة قليلة السكان ومساحات أراضٍ واسعة يسمح لهم بالسيطرة على أجزاء كاملة من دولة الاحتلال وقد تفقد السيطرة عليها في السنوات القادمة".

وأوضح الصواف أنه عقب معركة سيف القدس زاد الاحتلال حملاته الإجرامية ضد فلسطينيي الداخل بشكل مسعور، بعد أن رأى أنهم امتداد لشعبهم في الضفة وغزة والقدس.

وشدد الخبير على أن تعاظم الحملات ضد فلسطينيي الداخل ينذر بمواجهة بينهم وبين الاحتلال، وقد أثبتوا أنهم الأقدر على استهداف الكيان في مقتل.