لم يقض في الحكم إلا عاما.. ما قصة "انقلاب بيرو" وعزل الرئيس كاستيو؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"على قدر ما كان صعوده سريعا إلى القصر الرئاسي كان كذلك خروجه منه"، بهذه الكلمات يمكن تلخيص تجربة رئيس بيرو المعزول "بيدرو كاستيو" المعلم المثير للجدل الذي انتقل في سنوات قليلة من فصول الدراسة إلى معارك السياسة.

وفي 7 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أعلنت النيابة العامة في بيرو توقيف الرئيس اليساري بيدرو كاستيو بعدما صادق البرلمان على عزله من منصب رئيس الجمهورية بتهمة "العجز الأخلاقي" وأقاله متجاهلا قراره بحل هذه الهيئة التشريعية قبل ساعات.

وبينما سارعت الولايات المتحدة في وصفه بـ"الرئيس السابق"، انزعجت دول يسارية أخرى في أميركا اللاتينية من القرار، وبعد ساعات، أدت نائبته دينا بولوارتي اليمين الدستورية لتتولي منصب الرئيس المؤقت.

و"كاستيو"، معلم سابق بمدرسة ابتدائية وجاء من خارج النخبة السياسية التقليدية في بيرو ليتولى السلطة بشكل غير متوقع، لكنه خلال عام واحد واجه أزمات متواصلة مع تعديلات حكومية متكررة وتحقيقات بالفساد.

قصة قصيرة

وفي 20 يوليو/ تموز 2021، أُعلن عن فوز اليساري بيدرو كاستيو بمنصب الرئاسة في بيرو بعد أسابيع من مراجعة مزاعم التزوير الانتخابي من قبل منافسته اليمينية كيكو فوجيموري.

وقال كاستيو في خطاب فوزه، وفقا لما نقلته عنه شبكة آر بي بي الإخبارية المحلية حينها: "سنعمل معا ونجمع هذا البلد معا، وسنرفض كل ما يتعارض مع الديمقراطية".

وكان كاستيو ظهر على الساحة السياسية في بيرو قبل أربع سنوات من الانتخابات الرئاسية، عندما قاد آلاف المعلمين في إضراب ناجح حول الأجور.

وخلال حملته الرئاسية، تعهد كاستيو بتأميم قطاعات التعدين والنفط والغاز المربحة في بيرو، وقال إنه يهدف إلى خلق مليون وظيفة جديدة خلال عام.

كما اقترح إعادة العمل بعقوبة الإعدام للمساعدة في معالجة شبكات الجريمة المنظمة (مافيا) المتفشية في البلاد.

لكن بعد أشهر من توليه المنصب بدأ يواجه كاستيو معضلات كبيرة بصورة لافتة، ولا سيما مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة اليمينية.

لتنتهي القصة باعتقال الشرطة للرئيس في 7 ديسمبر 2022، بتهمة "الانقلاب"، بناء على طلب البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية بموجب بند "العجز الأخلاقي" الوارد بالدستور.

ويسمح الدستور في بيرو بعزل الرئيس بناء على ارتكاب مخالفات سياسية لا بالضرورة لخرقه القانون، ما جعل إجراءات العزل متكررة في البلاد.

وأفلت كاستيو من محاولتي عزل سابقتين بسبب "العجز الأخلاقي"، كان آخرها في مارس/ آذار 2022، لكن تم عزله في المرة الثالثة، ليصبح ثالث رئيس يُعزل منذ عام 2018 بموجب بند "العجز الأخلاقي".

وفي المرة الأولى حاول نواب المعارضة بالبرلمان توجيه الاتهام إلى كاستيو في ديسمبر 2021 بشأن تحقيق أجرته النيابة في تمويل غير مشروع لحزب "بيرو الحرة" الحاكم اليساري.

وحاولوا إقالة الرئيس وجمع ثلثي النواب البالغ عددهم 130 لصالحهم، لكن 46 نائبا فقط وافقوا على عزله ففشلت المحاولة، بحسب وكالة اسوشيتدبرس في 9 ديسمبر 2022.

وفي المرة الثانية في مارس 2022، حاول المشرعون اتهام كاستيو بـ"العجز الأخلاقي"، وهو مصطلح مدرج في دستور بيرو لكن فشلت المحاولة الثانية ولم يوافق سوي 55 نائبا فقط من 130.

وكان قد أطيح سابقا برئيسين هما: بيدرو بابلو كوتشينسكي (يمين) عام 2018، ومارتن فيزكارا (2018-2020) بموجب بند "العجز الأخلاقي"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية في 7 ديسمبر 2022.

كسر عظم

في ديسمبر 2021 اتهمت المعارضة التي تسيطر على البرلمان كاستيو قبل عزله، بالتدخل في قضية فساد متورط فيها مقربون من حزبه الحاكم، بحسب أسوشيتيد برس.

واتهمته أيضا بـ"الخيانة" بعدما أعلن استعداده للتنازل عن قطعة من أرض بلاده، ونيته إجراء استفتاء على منح منفذ من أرض بلاده على المحيط الهادئ لبوليفيا المجاورة التي لا تطل على البحر.

وكان قد صرح كاستيو في يناير/ كانون الثاني 2022، أنه ينظر بإيجابية إلى "منح البحر لبوليفيا" على حد تعبيره، شريطة قبول الشعب. 

وأشار إلى إمكانية عقد استفتاء لمنح بوليفيا منفذا للبحر عبر الأراضي البيروفية، وقال: "إذا وافق البيروفيون، فأنا مدين للشعب، ولن أفعل أبدا أشياء لا يريدها الناس".

ونتج عن حرب المحيط الهادئ في القرن التاسع عشر (1879-1884)، حين هزمت شيلي بيرو وبوليفيا، سيطرة شيلي على الأراضي الغنية بالمعادن التي كانت تحت سيطرة البلدين ما أدى إلى خسارة بوليفيا سواحلها ولم يعد لها منفذ إلى البحر.

وفي إطار بحثها عن منفذ بحري، أبرم الرئيس البوليفي السابق "إيفو موراليس" ونظيره من بيرو "آلان جارسيا"، اتفاقا في عام 2010 يسمح لبوليفيا ببناء ميناء خاص بها على المحيط الهادئ.

وهذا الاتفاق يوسع صفقة سابقة جرت عام 1992 بإعطاء قطعة أرض صغيرة (تظل مملوكة لبيرو) على ساحل بيرو لبوليفيا، لبناء هذا الميناء للتصدير.

وتقول المعارضة في بيرو إن بوليفيا تسعي لفرض سيطرتها السيادية على هذه المنطقة البيروفية، لكن الحكومة نفت هذه الاتهامات.

وقد قوبلت تصريحات كاستيو في هذه النقطة بعنف وهاجمته المعارضة واجتمعت لمناقشة مذكرة العزل الثالثة، ليوافق عليها هذه المرة 101 صوت من أصل 130 وامتنع 10 عن التصويت، في جلسة بثها التلفزيون بشكل مباشر.

وتحرك كاستيو عقب ذلك للتخلص من البرلمان كله بإعلان حله، والحكم عبر مرسوم جمهوري، وتشكيل "حكومة طوارئ استثنائية"، و"الدعوة لتشكيل برلمان جديد، في خطاب تلفزيوني، وهو ما عدته السلطة التشريعية والقضائية بمثابة انقلاب.

ووصفت المحكمة الدستورية والبرلمان والشرطة ما جرى بأنه "انقلاب"، ولم يعترف أحد بقرارات الرئيس بما فيهم نائبته دينا بولوارتي، رغم أنها من حزبه (بيرو الحرة)، وتم اعتقاله في نفس اليوم.

من جانبه، أعلن جيش بيرو أن "القوات المسلحة تحترم النظام الدستوري القائم، وأي عمل مخالف للنظام الدستوري القائم يشكل مخالفة للدستور، ويولد عدم امتثال من قبل القوات المسلحة والشرطة الوطنية في بيرو".

وقال رئيس المحكمة الدستورية فرانسيسكو موراليس: "كان هناك انقلاب سياسي على طريقة انقلابات الأسلوب القرن العشرين"، وأضاف: "لا أحد يدين بالطاعة لحكومة مغتصبة".

حرب عصابات

وجرى التحقيق مع كاستيو من قبل المدعي العام في ست قضايا فساد تشمل اتهامات ضد عائلته وأوساطه السياسية وبينها شكوى يُتهم فيها بترأس منظمة إجرامية تقوم بمنح عقود عامة مقابل المال، بحسب نيويورك تايمز في 7 ديسمبر 2022.

وكان قد استدعى البرلمان كاستيو مطلع ديسمبر 2022 للرد على اتهامات "بالعجز الأخلاقي"، فرد بوصف المزاعم بأنها "افتراء" من قبل جماعات تسعى "للاستفادة منها والاستيلاء على السلطة التي أخذها الناس منها في صناديق الاقتراع". 

ويحاول خصوم كاستيو تصويره على أنه يساري متطرف له صلات بجماعات حرب العصابات الشيوعية، بسبب حديثه عن أن البلاد لم تُحكم لصالح الأغلبية العظمى، ودعوته إلى "تغييرات جذرية" لمعالجة الفقر وعدم المساواة، بما في ذلك التعهد المثير للجدل بصياغة دستور جديد.

وفي الشارع تظاهر مواطنون مؤيدين ورافضون لاعتقال الرئيس، ونقلت فرانس برس عن معارضين لعزله قولهم: "منذ فوز الرئيس، أذلوه، لم يقبلوا رئيسا قادما من المحافظات"، في إشارة إلى أنه كان مدرسا سابقا في المناطق الريفية لمدة 24 عاما، لكن تصدت لهم الشرطة.

واتسعت الاحتجاجات من جانب أنصار كاستيو وسقط قتلى وجرحى، وأغلق المتظاهرون مطارين رغم إعلان الرئيسة الجديدة دينا بولوارتي عزمها تقديم مشروع قانون لتقريب موعد الانتخابات من 2026 إلى أبريل/نيسان 2024.

كما تظاهر بين ألف وألفي شخص أمام البرلمان في العاصمة ليما وهم يهتفون "كاستيو لست وحدك، الناس يدعمونك" ورفعوا لافتات وصفت "دينا (بولوارتي) والكونغرس" بأنهما "جرذان فاسدة".

وتترافق المطالبة بانتخابات جديدة مع رفض تام للبرلمان الحالي، إذ أظهرت استطلاعات الرأي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن 86 بالمئة من البيروفيين لا تؤيد تشكيلة البرلمان الحالي، بحسب الوكالة الفرنسية.

وتعد بيرو من الدول الناشئة واقتصادها قوي ومتنوع ونسب الفقر فيها هبطت كثيرا لكنها لا تزال مرتفعة نسبيا في الريف، وهي تُعد أحد أفضل الاقتصاديات أداء في أميركا اللاتينية، بحسب منظمة "إينفاد" لقياس نسب الفساد.

دور دولي

على عكس المواقف المتقلبة للولايات المتحدة والدول الغربية من الانقلابات العربية والإفريقية، أعلنت الولايات المتحدة سريعا دعمها لعزل رئيس بيرو، مؤكده أنها لم تعد تراه رئيسا للبلاد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس للصحفيين في 7 ديسمبر: "ما فهمته هو أنه بالنظر إلى ما قام به البرلمان فهو الآن الرئيس السابق"، معتبرا أن "المشرعين اتخذوا إجراءات تصحيحية" تماشيا مع القواعد الديموقراطية.

وكانت قد حضت واشنطن الرئيس البيروفي على العودة عن قراره حل البرلمان، وكتبت السفيرة الأميركية في ليما، ليزا كينا، أن "واشنطن تحض الرئيس بقوة على العودة عن محاولته حل البرلمان وإفساح المجال للمؤسسات الديموقراطية للعمل بموجب الدستور".

كما استنكرت الحكومة الإسبانية والأمين العام لمنظمة الدول الأميركية لويس ألماغرو "محاولات كاستيو لخرق النظام الدستوري".

فيما رفض عدد من الحلفاء اليساريين في أميركا اللاتينية التحدث علانية ضد الإطاحة بكاستيو.

وقال الرئيس البرازيلي المنتخب لولا دا سيلفا إنه "من المؤسف دائما أن يواجه رئيس منتخب ديمقراطيا مثل هذا المصير"، لكنه أعرب عن ترحيبه بأنه "تم تنفيذ كل شيء ضمن الإطار الدستوري".

لكن كان الاستثناء هو دفاع الرئيس المكسيكي اليساري عن إزاحة كاستيو ووصفه ما جرى بأنه "انقلاب ناعم تغذيه العنصرية العميقة ضد المدرس السابق من مرتفعات الأنديز الأصلية"، وفق أسوشيتدبرس في 9 ديسمبر.

وقال الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور: "لقد تم ذلك من خلال سيطرة الأوليغارشية على وسائل الإعلام، ما يقوض السلطات القانونية والشرعية"، مؤكدا أن كاستيو "ضحية النخب الاقتصادية والسياسية" في بيرو.

وأكد أن كاستيو اتصل به لطلب اللجوء في المكسيك وكان ينوي اللجوء لسفارة المكسيك لكن تم القبض عليه.

وأضاف: "أخبرني بأنه في طريقه إلى السفارة، وطلبت من وزير الخارجية إعطاء تعليمات للبعثة الدبلوماسية في ليما لاستقباله كلاجئ".

وتابع: "لم يستطع المضي قدما لتقديم طلب اللجوء.. ربما تم التنصت على هاتفه"، وأوضح أنه "اعتُقل (كاستيو) فورا".

فيما أعلن وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد أن كاستيو قدم طلبا رسميا للحصول على حق اللجوء في المكسيك التي باشرت التشاور مع الحكومة البيروفية في هذا الشأن.