ياسين أقطاي: ما شهدته سوريا سينعكس إيجابيا على أردوغان وثمة مرحلة إقليمية جديدة (خاص)

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

قال الأكاديمي والمستشار السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية التركي ياسين أقطاي: إن كل القضايا ضد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو رُفِعت من قِبل أعضاء في حزبه؛ الشعب الجمهوري، وليست نتيجة عمل استخباراتي أو من طرف حزب العدالة والتنمية الحاكم.

ومسلِّطا الضوء على تاريخ رئيس بلدية إسطنبول، أوضح أقطاي في حوار مع "الاستقلال"، أنه “سبق أن حاول إمام أوغلو الترشح على قوائم العدالة والتنمية لكن الحزب رفض ترشيحه فتوجَّه إلى حزب الشعب الجمهوري ورشح نفسه واشترى موقعا له في الحزب بالمال والرِّشا”.

 وشدد على أن “تركيا دولة مؤسسات ودولة ديمقراطية حقيقية، والمعارضة فيها قوية، والرئيس أردوغان له دور كبير في ذلك”.

السياسي التركي لفت أيضا إلى أن تركيا تشهد مرحلة جديدة، لا سيما مع تطورات الملف الكردي، وسقوط نظام الطاغية بشار الأسد وتشكيل إدارة جديدة برئاسة أحمد الشرع.

وأكد أن “ما جرى في سوريا سيكون له انعكاس إيجابي على حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان”.

وعن رؤية تركيا بشأن سوريا الجديدة، أردف أقطاي بالقول: “نحن نريد سوريا موحدة قوية تحترم كل الأطراف من عرب وأكراد وتركمان ودروز وعلويين وسُنة”.

وفي مارس/ آذار 2025 صدر حكم بحبس إمام أوغلو (53 عاما) -الذي تنظر له أحزاب في المعارضة التركية على نطاق واسع بصفته أبرز منافس للرئيس أردوغان– على ذمة المحاكمة بتهمة الفساد، قبل أن يتم نقله إلى سجن مرمرة غربي إسطنبول.

أزمة رئيس بلدية إسطنبول

  • كيف ترى انعكاس الحكم الذي صدر في فرنسا ضد المرشحة الرئاسية مارين لوبان بتهم الفساد على الوضع في تركيا؟

لعل صدور هذا الحكم في فرنسا في هذا التوقيت هو تقدير إلهي عجيب؛ إذ إنه في اليوم نفسه الذي اندفعت فيه حشود حزب الشعب الجمهوري إلى الشوارع دفاعا عن "مرشحهم الرئاسي" الذي تم توقيفه بتهم فساد- صدر في فرنسا حكمٌ بحق مارين لوبان.

وهي كانت أقوى مرشحة رئاسية في انتخابات 2017، وحُكم عليها بعقوبة قاسية بتهمة اختلاس أموال عامة، مما أسقطها من السباق السياسي بقرار قضائي واحد في لمح البصر.

واللافت أن التهمة التي أُدِينت بها لوبان لا تقارن أبدا بحجم الفساد في بلدية إسطنبول الكبرى؛ فقد اقتصرت قضيتها على استخدام تمويل حصلت عليه من الاتحاد الأوروبي لدفع راتب أحد مساعديها.

ولكن لم يخرج أحد في فرنسا إلى الشوارع دفاعا عن لوبان التي حكم عليها بتهمة الفساد، ولم يُتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه استخدم القضاء لإقصاء خصمه السياسي.

والأكثر أهمية من ذلك أن الأوساط الأوروبية التي كثيرا ما توجه انتقادات للرئيس أردوغان، تلقت الآن صفعة مدوية من هذا التناقض الفاضح.

فهل يمكن يا تُرى هذه الصفعة ستوقظ أصحاب العقول النائمة في بلادنا!!

  • كيف ترى مستقبل الصراع داخل حزب الشعب الجمهوري على ضوء حبس رئيس بلدية إسطنبول  أكرم إمام اوغلو وتزوير شهادته الجامعية؟

أحب أن أنوَّه أولا إلى أن قضايا الفساد والطعن في شهادة أكرم إمام أوغلو أمام المحكمة وغيرها من اتهامات تقاضي رِشا كلها جاءت من أعضاء داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه وليست نتيجة عمل استخباراتي أو بسبب تقدم أعضاء من الحزب الحاكم بشكاوى ضد أكرم إمام أوغلو.

ومن المؤكد أن هذه الشكاوى والإخبار عن تلك الجرائم كلها جاءت من داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه، من أعضاء كانوا يراقبون ويتعقبون تحركات وممارسات أكرم إمام أوغلو.

وهؤلاء هم الذين قدَّموا الأدلة على تلك الجرائم بما فيها مقطع الفيديو الذي أظهر أكواما من الأموال يتم عدّها داخل البلدية لصالح أكرم إمام أوغلو وهو على صلة هاتفية بإتمام العملية تلك كما يبدو في المقطع..

وكما قلت سابقا لم يتقدم أيّ من أعضاء حزب العدالة والتنمية أو الحكومة الحالية بهذه الشكاوى ضده، وليسوا هم من سلموا المحكمة الأدلة المطلوبة على ذلك.

بل جاء الإخبار من داخل حزب الشعب الجمهوري في عدد من الجرائم وليس في قضية الدبلومة المزورة فقط، والتي لا يغير مرور الزمن من حقيقة كونها مزورة شيئا ولا تسقط التهمة فيها -إذا ثبتت- بالتقادم.

لأن هذا شيء أخلاقي يطعن في أمانة ونزاهة وسلوك الشخص الذي يرتكب مثل هذه الجريمة، حتى ولو مرَّ عليها أكثر من 30 سنة.

ويصبح الإنسان الذي يعتمد في حياته على العمل من خلال التزوير والكذب والمكر والخداع والحيلة في كل أموره سيظل يعمل بنفس الأسلوب.

ولا شك أنه لن يكون محل ثقة الشعب، كما أن الأمر لم يقتصر على موضوع الدبلومة المزورة؛ بل هناك مواضيع أخرى تطعن في أمانته مثل اتهامات تقديم الرِّشا.

ويبدو أن أكرم إمام أوغلو هو شخص يظن أنه يمكن أن يحل كل المشاكل التي تواجهه بدفع الأموال والرِّشا، كما حصل بدون وجه حق في مطلع حياته على الدبلومة بالتزوير وبدفع المال.

وخروج ملفات الفساد والرِّشا ضد أكرم إمام أوغلو جاءت من داخل الحزب؛ حيث هناك من لا يقبل أن يسيطر إمام أوغلو على حزب الشعب الجمهوري بسطوة المال والرِّشا، وهو في الأصل ليس من أبناء الحزب ولم يترقَّ بين صفوفه؛ بل كان شخصا نَشِطا في قطاع التجارة في البداية وليس سياسيَّ النشأة.

حيث سبق أن حاول الترشح على قوائم حزب العدالة والتنمية ولكن الحزب رفض ترشيحه فتوجه إلى حزب الشعب الجمهوري ورشح نفسه واشترى موقعا له في الحزب.

وأعضاء الحزب يعلمون جيدا أنه دَخِيل على حزبهم ويقاومونه من الداخل، والتقدم بهذه الشكاوى هو صورة من صور الرفض من داخل حزبه ولا علاقة لحزب العدالة والتنمية بذلك.

وضع المعارضة

  • كيف ترى مستقبل معسكر المعارضة بعد الانتصار الذي حققه حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة؟

تركيا دولة مؤسسات ودولة ديمقراطية حقيقية، والمعارضة فيها قوية، والرئيس أردوغان له دور كبير في ذلك، وله إنجازات خلال 22 سنة في إدارة الحكومة، و35 سنة خبرة في إدارة البلديات رئيسا لحزب العدالة والتنمية.

إضافة إلى تجربته مع حزب الرفاه من قبل وهو ما كوّن لدى حزب العدالة والتنمية رصيدا من الخبرة الثرية جدا في تقديم الخدمات للجماهير التركية عبر البلديات المختلفة..

وهذه الإنجازات غيرت وجه تركيا من خلال تنفيذ مشاريع كبرى في طول البلاد وعرضها، وانتقلت المدن التركية من مستوى مدن العالم الثالث المليئة بمشاكل التلوث والفساد وانعدام الخدمات وسوء المرافق والطرق غير الممهدة واختناق المرور إلى مستوى عالٍ جدا يضاهي مستوى المدن الأوروبية.

وإدارات بلديات حزب الشعب الجمهوري قبل مجيء حزبي الرفاه والعدالة والتنمية كانت سيئة للغاية والمدن مليئة بالتخلف والفساد والفشل.

 وكانت إسطنبول وأنقرة غارقة في أزمات القمامة والمرور وتلوث البيئة والطرق غير المعبدة والشوارع الغارقة بمخلفات الصرف الصحي، وكانت تركيا بالفعل أحد دول العالم الثالث المتخلفة.

ولكن بفوز حزب الرفاه ببعض البلديات ثم أعقبه حزب العدالة والتنمية تمّت أولى خطوات مكافحة الفساد وسد كل طرق الفساد،  وتقديم الخدمات الحقيقية للمواطن بطريقة كريمة مكّنت العدالة والتنمية من تغيير مشهد الحكم في البلديات بشكل لمسه الناس وجعله يستمر في الحكم أكثر من عقدين.

لكن استمرار حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان فترة طويلة في الحكم أعطى بعض الانطباعات المختلفة، لا سيما لدى الأجيال الجديدة التي لم تر ولا تتذكر أوضاع تركيا الملوَّثة والمتخلِّفة قبل 25 عاما، وكيف كانت ثم كيف أصبحت اليوم. 

فهم يظنون أن هذه الأوضاع المتقدمة التي عايشوها كانت موجودة دائما، ومن الطبيعي أن تكون خدمات البلديات  بهذه الطريقة الحالية، ولم يدركوا مثل جيل الآباء أن هذا المستوى المتقدم تم بفضل سياسات حزب العدالة والتنمية.

وترى هذه الأجيال الشابة الآن أن المنافسة هي بين أطراف متساوية، ولم يدركوا حجم الفشل والفساد الذي كانت عليه تركيا في عهد حزب الشعب الجمهوري المعارض، والذي كان أساس الأزمات التي عاشتها تركيا عقودا طويلة، ولا يرون أية مشكلة في أن يصوّتوا لحزب الشعب الجمهوري.

علاوة على أن المناخ الديمقراطي الذي أسَّسه حزب العدالة والتنمية جعل الناس أحيانا يشتاقون إلى التغيير وتجريب شخصيات جديدة أو حزب آخر في حال لم يعجبهم شيء أو انتقدوا أداء بلدية ما، ويتناسون فساد إدارة حزب الشعب الجمهوري في البلديات قبل مجيء حزبي نجم الدين أربكان، ورجب طيب أردوغان.

وكل هذا يؤكد المستوى الديمقراطي الذي وصلت إليه تركيا حاليا بفضل سياسات أردوغان.

وقد رأينا الشعب التركي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة صوت لحزب الرئيس أردوغان؛ بينما بعدها بـ10 أشهر صوتوا لمرشحي بلديات حزب الشعب الجمهوري بكل حرية وديمقراطية كنوع من التغيير.

فتقدم لأول مرة منذ ربع قرن حزب الشعب للمرتبة الأولى في انتخابات البلديات 2024، وظل حزب العدالة والتنمية متقدما لكنه جاء في المرتبة الثانية بفارق قليل عن المعارضة.

ونحن نرى أن أسباب تراجع حزب العدالة والتنمية للمرتبة الثانية في تلك الانتخابات كانت لأسباب اقتصادية خارج تقييم خدمات البلديات؛ لا سيما المتقاعدين الذين تزايدت أعدادهم بشكل مؤثر في الانتخابات ككتلة واحدة.

وهم صوتوا ضد حزب العدالة لأسباب اقتصادية تعبيرا عن غضبهم وصارت لهم قوة تصويتية غيرت في نتيجة الانتخابات البلدية، وقد تعلم العدالة والتنمية الدرس وسيعمل في المستقبل على احتوائهم إلى جانب شريحة الأجيال الشابة.

  • وما مصير رئيس حزب الظفر المعادي للأجانب بعد حبسه ؟ 

هذا الشخص أوميت أوزداغ رئيس حزب الظفر ارتكب بلا شك جرائم كبرى من خلال تحريض حقيقي ملموس ضد الأجانب، وكان يحرّض جزءا من الشعب التركي ضد جزء آخر من الشعب من خلال عملية إجرامية كبيرة، وهي تهمة كبيرة وليست شيئا افتراضيا بل حقيقيا وواقعيا.

وقد تسبَّب في إلحاق الضرر بالاقتصاد التركي بسبب هذا التحريض الذي نال من سمعة تركيا والتي تستثمر أموالا ضخمة في مجال السياحة التي أضر بها ما تسبب في خسائر لأصحاب المشاريع السياحية.

وأيضا أوجد حالة من الخوف لدى المستثمرين الأجانب وأضعف جذب الاستثمار الأجنبي بسبب التحريض ونشر الكراهية ضد العرب وجعل كثيرا من المستثمرين يهربون من تركيا، وكذلك السائحين.

كما أنه كان وراء حوادث اعتداء عنصرية وقعت بالفعل في قيصري وأنقرة وأضنة بحق الأجانب، وهذه جريمة يستحق عليها العقاب وإن تأخر سجنُه، إلا أنه أخيرا تم وضع حدّ لهذه الكراهية والعنصرية؛ لأنها جرائم يعاقب عليها القانون التركي.

وقد تم إعداد لائحة اتهام ضد أوزداغ، بتهمة "تحريض الشعب على الكراهية والعداء بشكل متكرر بواسطة الإعلام"، والمطالبة بالحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى 7 سنوات و10 أشهر و15 يوما.

مستقبل العدالة والتنمية

  • كيف ترى التحديات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية في الاستحقاق الانتخابي القادم نيابيا ورئاسيا؟

لا شك أن أمام حزب العدالة والتنمية تحديات وفرصا؛ فمن التحديات الوضع الاقتصادي الحالي الذي يواجه صعوبات تؤثر على المواطن؛ حيث إن أزماته تتجاوز مسألة الفقر؛ لأن سياسات حزب العدالة والتنمية الاقتصادية طوال 22 عاما رفعت من مستوى الشعب التركي اقتصاديا ونقلت غالبيته من الطبقة الأدنى إلى الطبقة الوسطى بما لها من تطلعات اقتصادية أرهقت ميزانية الدولة وكلفتها الكثير لتلبيتها.

وبات الأمر يحتاج إلى دراسة لكيفية التعامل مع توسع الطبقة الوسطى واحتواء الأجيال الذين وُلِدوا وترعرعوا في عهد حزب العدالة والتنمية خلال 23 عاما، ويصوتون في الانتخابات منذ 4 سنوات، وهذه الأجيال الجديدة لم تر تركيا ما قبل أردوغان وأثناء حكم حزب الشعب الجمهوري.

بينما آباؤهم وأجدادهم يدركون الفرق، وهؤلاء الشباب يريدون التغيير ويظنون أن وضع تركيا هكذا منذ عشرات السنين. وبالطبع هذا الجيل الجديد يمثّل الوصول إليه تحديا للعدالة والتنمية لوضعهم في المشهد.

كما أن الاستثمارات الخارجية من قبل بعض الكيانات الضخمة تمثل تحديا كذلك؛ لأنهم يريدون التأثير على سياسات بعينها في تركيا ويريدون توجيهها لصالحهم.

من ناحية أخرى هناك فرص كبيرة أمام العدالة والتنمية، مثلا حل القضية الكردية وقبول غالبية الأكراد بالنضال السلمي ونبذ العمل المسلح وليس بالضرورة أن يصوت كل الأكراد للسلام ولكن الغالبية تكفي.

ومن الفرص أيضا انتهاء أزمة اللاجئين السوريين ونجاح الثورة السورية وسقوط بشار الأسد، وهذه الورقة ظلت بيد المعارضة تستغلها بشكل غاية في السوء طوال 10 سنوات من أجل مكاسب سياسية.

ولا شك أن ما جرى في سوريا سيكون له انعكاس إيجابي على حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان.

إضافة إلى أنه مازال أمام حزب العدالة والتنمية أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبا على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة يمكنه ترتيب أوراقه وعلاج أوجه القصور.

  • وما تقييمكم لمستقبل التحالف الحاكم بين العدالة والتنمية والحركة القومية؟

تحالف حزبي العدالة والتنمية برئاسة أردوغان والحركة القومية برئاسة دولت بهتشلي مفيد ونافع لمستقبل تركيا، ويسهم في حل كثير من المشاكل المعقدة.

وأهمها القضية الكردية والتي لعب فيها زعيم حزب الحركة القومية دورا إيجابيا جدا من خلال مكافحة الإرهاب أو التصالح بين الدولة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.

وقد تنازل رئيس حزب الحركة القومية عن موقفه الرافض للتقارب مع الأكراد؛ بل ووجه بنفسه الدعوة لأوجلان ومد يده للطرف الآخر من الأكراد.

وما كان يستطيع أن يوجّه دعوة كهذه إلا بهتشلي لفتح الباب أمام السياسيين الأكراد للنضال السلمي ونبذ العنف، وغلق الباب في وجه من يتاجرون بالقضية الكردية في نفس الوقت.

فالأتراك والاكراد مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون التركي، وأتوقع أن يكون لهذه الدعوة مستقبل جيد وإيجابي على الدولة التركية.

الوضع الإقليمي

  • كيف ترى مستقبل العلاقات الأميركية التركية على وقع التقارب بين أردوغان وترامب؟  

لا شك أن علاقة الرئيس أردوغان ونظيره الأميركي ترامب خلال فترة رئاسته الأولى كانت ممتازة، والرئيس ترامب يقدر دائما موقف الرئيس أردوغان وشخصيته القوية، ويصفه بأنه شخص قوي وله كاريزما، بصفته رئيسا منتخبا من الشعب التركي.

والآن في الفترة الثانية لحكم ترامب، كان له تصريح مهم خلال حملته الانتخابية وهو في طريقه للبيت الأبيض، حيث قال: "إن مفتاح حل الأزمة السورية بيد الرئيس أردوغان؛ لأنه شخص قوي، وله تأثير على كل ما يجرى في سوريا، وأنا أقدر شخصيته وأقدر قيادته".

ولا شك أن هذا يؤكد تأييدا أميركيا لدور تركيا الإقليمي بالمنطقة، وفي كثير من القضايا التي يفسح فيها ترامب المجال لأردوغان لكي يلعب دورا فاعلا.

كما أنه يتعامل مع الرئيس أردوغان بطريقة جيدة لإنعاش العلاقات التركية الأميركية لتعود كما كانت في السابق كشريكين إستراتيجيين؛ لأنه وللأسف في فترة الرئيسين بايدن وأوباما كانت الولايات المتحدة تلعب دورا سلبيا بدعم التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن تركيا وتضر بمصالحها.

ولكن بمجيء الرئيس ترامب اقتنع بوجهة نظر أردوغان بأن الإدارة السابقة كانت تتجنى على تركيا وتعمل ضد مصلحة أنقرة، وحدث بينهما نوع من التوافق قلل من حدة الخلافات بين البلدين.

سواء فيما يتعلق بدعم التنظيمات الإرهابية أو شراء منظومة صواريخ الـ"أس400" من روسيا أو العقوبات التي كانت تفرضها واشنطن على تركيا.

ونرى أن ترامب واعٍ جدا بما يجرى على الساحة، وهو أكثر عقلانية ويريد مصلحة أميركا أولا وإعادة الثقة بين أنقرة وواشنطن.

كما يرى أنه لا توجد أي مصلحة لبلاده في وجودها داخل سوريا، ويريد الآن أن يلعب دورا جديدا في المنطقة ويتخذ أردوغان أو تركيا كحليف له في سياسته في الشرق الأوسط الجديد.

ولا شك أن سياسات ترامب المعلنة بالنسبة للوضع في غزة لا تتوافق مع سياسة أردوغان، ولكن يمكن أن يكون بينهما حوار في كل القضايا بما فيها غزة وإسرائيل. 

 

  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه أنقرة في إقرار السلام بين روسيا وأوكرانيا ؟  

كان لتركيا منذ بداية الأزمة دور خاص يختلف عن كل الأطراف الذين كانوا سببا فيها، وما زالت رقما صعبا في حلف الناتو.

فهي لم تتخذ موقفا ضد روسيا صراحة، لكنها كانت تعارض الغزو الروسي لأوكرانيا وتطالب بوقف الحرب، وكانت تنتقد المواقف الخاطئة من كلا الطرفين.

ورغم ذلك حافظت على علاقة جيدة متوازنة مع كلا الطرفين، وكانت بالفعل تلعب دورا في الوساطة بينهما، دون الانحياز لأي منهما.

وهو ما أعطى تركيا نوعا من الثقة وجعل موقفها إيجابيا ومتميزا، والآن كلا الطرفين يقدر دور تركيا في الوساطة وظهر جليا في اتفاقية نقل الحبوب عبر البحر الأسود.

  • هل ترى أن ثمة دورا يمكن أن يلعبه أردوغان بخصوص الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وهل من الممكن أن يصغي ترامب لأردوغان في هذا الملف؟  

بلا شك هذا ما تتمناه تركيا وتأمل أن يصغي لها ترامب وذلك سيتم عبر الحوار بين الزعيمين، ونتوقع أن يصغي ترامب للرئيس أردوغان في هذا الملف مستثمرا العلاقة الجيدة بينهما.

ونتمنى أن ينجح أردوغان في لعب هذا الدور لتخفيف المعاناة عن الأشقاء في قطاع غزة وكل فلسطين.

ونرى عقلانية قوية في رؤية ترامب لبعض القضايا مثل عدم استفادة أميركا من وجودها في سوريا، بالرغم من أن الكيان الصهيوني يحاول الإبقاء على أميركا في سوريا، لكن ترامب لا يرى ذلك ويعلن أن أميركا أولا.

وأردوغان لن يدخر وسعا لوقف العدوان وحرب الإبادة التي يتعرض لها الأشقاء في غزة والضفة.

الملف الكردي وسوريا

  • كيف ترى الأوضاع في تركيا بعد دعوة عبد الله أوجلان لحزبه لإلقاء السلاح وحل نفسه واللجوء للنضال السياسي والاندماج في المجتمع التركي؟

من المؤكد أن هذه دعوة كبيرة جدا وغير متوقعة أن تصدر عن زعيم حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة، وقبل أشهر من الآن لو تحدث شخص عن دعوة كهذه لم يكن يصدقه أحد ولم يكن هناك احتمال وارد من الأساس؛ بل تقريبا كان شبه مستحيل.

ولكن هذه ثمار مسيرة السلام التي بدأت في مطلع 2010 على يد الرئيس أردوغان عندما أطلق مبادرة قوية جدا آنذاك، وبدأ حوار بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني.

كما أن الدولة التركية الحالية هي دولة للأكراد والأتراك وغيرهم فهي تستوعب مختلف القوميات والأعراق، ومتنوعة المذاهب، ويجب على الأكراد أن يوجهوا جهودهم في النضال السياسي وليس العسكري.

ولكن هذه المسيرة التي انطلقت في 2010 للأسف أُفشلت بسبب تدخلات بعض الأطراف الخارجية أو الداخلية، الذين كانوا يستغلون الورقة الكردية دائما في أنشطة إرهابية؛ لا سيما بعض العواصم الأوروبية وبعض الكيانات في أميركا، أو حتى في داخل تركيا مثل اليسار المتطرف.

وبدلا من الالتزام بمبادرات السلام وترك السلاح في 2010 جندوا مزيدا من الشباب، وتسبب ذلك في فشل مسيرة السلام قبل 14 سنة، ولكن الآن نحن في مرحلة جديدة، لا سيما مع تطورات الوضع في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد.

ولا شك أن هذه الأجواء تغلق الباب على الأطراف الخارجية التي تعبث في داخل سوريا، وبدأ الاهتمام بالمواطن السوري يطل برأسه، وتم دمج الثوار من مختلف المكونات في الجيش السوري وهذه الحالة الجديدة لن تترك مبررا للقوى الخارجية الاستعمارية للعبث مجددا في الداخل السوري.

فضلا عن سقوط دعوات استقلال أجزاء من سوريا مثل الأكراد أو غيرهم، والجميع صار تحت سقف دولة واحدة تحتضن العرب والأكراد والتركمان وكذلك السنة والعلويون والدروز وغيرهم دون تفرقة.

وفي تركيا الحالية تم إعطاء الفرصة لإنهاء العنف والإرهاب، من خلال القضاء على التنظيمات الإرهابية المسلحة، كما أن المناخ الديمقراطي اليوم سمح للأكراد بأن يحصلوا على مكاسبهم السياسية، ورعاية مصالحهم من خلال العمل السياسي السلمي ولم يعد الأكراد بحاجة لحزب العمال الإرهابي المسلح وهناك فرصة لكل الأكراد أن يدخلوا عالم السياسة بكل مراحلها.

والآن الأكراد حصلوا على كل مصالحهم من خلال ممارسة العمل السياسي، وليس بجهد حزب البي كا كا الإرهابي؛ بل بجهود حزب العدالة والتنمية الذي ينتهج الفلسفة الإسلامية التي ترى أن الأكراد والأتراك والعرب كلهم إخوة في الدين والوطن.

وهو ما يقطع الطريق على أي طرف لحمل السلاح من أجل حقوقه.

  • وهل بهذه الخطوة التي أقدم عليها أوجلان يكون انتهى زمن التلاعب بالورقة الكردية لتهديد الأمن القومي التركي؟ 

بالتأكيد اتفاق السلام المعلن اليوم ينهي زمن التلاعب بالورقة الكردية التي كانت تهدد الأمن القومي التركي، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة.

فهناك صعوبات؛ حيث يوجد متربصون لا يريدون لتركيا أن تستقر فيها الوضع ويحاولون التلاعب مجددا لإفشال ذلك كما حدث في السابق لمسيرة السلام التي انطلقت في 2010 وحتى 2015 وكانت القضية مدروسة وكان هناك محاولات لحل المشكلة الكردية جذرياً؛ ولكن للأسف لم تنجح آنذاك بسبب التحريض والتلاعب الخارجي.

ولكننا هذه المرة متفائلون بانتهاء تلك الأزمة الكردية ونتوقع من الكيان الصهيوني، المستفيد الأول من حالة الحرب بين التنظيم الإرهابي مع الدولة التركية، أن يحاول مجددا إثارة الفتنة أو إفشال حالة السلام التي دعا لها أوجلان.

  • ما انعكاس الاتفاق الذي تم توقيعه بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية على تركيا؟

بالطبع هذا الاتفاق له انعكاس إيجابي وجيد على تركيا، ونحن نريد سوريا موحدة قوية تحترم كل الأطراف من عرب وأكراد وتركمان ودروز وعلويين وسنة.

ولن يكون هناك داعٍ لمطالبة طرف ما بالاستقلال الذاتي؛ لأن سوريا الجديدة ما بعد الأسد تستوعب الجميع على أرضية الحقوق والحريات المتساوية مع مراعاة الاختلافات والتنوع الإيجابي العرقي والثقافي والطائفي.

وهذه الحالة تتوافق مع الرؤية التركية لسوريا الموحدة التي ستكون جارة مستقرة وتحقق نوعا من السلم والاستقرار في المنطقة إن شاء الله.