عدي التميمي نموذجا.. تهمة "مطلوب لإسرائيل" تتحول لوسام بطولة بفلسطين
أعادت موجة العمليات والاشتباكات الجديدة في الضفة الغربية المطاردين الفلسطينيين إلى الشارع، وأصبحوا مرة أخرى رمزا وطنيا يثير التعاطف في المقاومة ضد إسرائيل.
ويرى الموقع العبري "زمن إسرائيل" أن التاريخ يعيد نفسه، فشخصية الفلسطيني "المطلوب" في الانتفاضة الأولى عام 1987 وفي الانتفاضة الثانية عام 2000 عادت مرة أخرى إلى الوعي الفلسطيني.
وأصبح المطاردون الذين ينفذون العمليات ضد أهداف إسرائيلية رموزا للنضال الفلسطيني ونموذجا للتقليد والإعجاب، وفق الموقع.
عدي نموذجا
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، استشهد الشاب الفلسطيني عدي التميمي (22 عاما)، برصاص حراس أمن إسرائيليين عند مدخل مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق مدينة القدس المحتلة، عقب إطلاقه النار على أحدهما.
وقالت قناة "كان" العبرية، إن السلطات الأمنية الإسرائيلية أكدت أن "القتيل هو التميمي من مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين شمالي القدس".
وفي 8 من الشهر نفسه، أطلق التميمي النار على حاجز شعفاط العسكري الإسرائيلي، ما أسفر عن مقتل المجندة بجيش الاحتلال "نوعا لازار" وإصابة آخر بجروح، قبل أن يلوذ بالفرار.
وخلال 11 يوما، لم تتمكن أجهزة الأمن الإسرائيلية من اعتقال الشاب الفلسطيني، رغم إطلاقها عمليات بحث وتمشيط واسعة، داخل مخيم شعفاط، وبلدة عناتا المجاورة، تطورت إلى مواجهات عنيفة مع الأهالي، واعتقال عدد من أقاربه.
من جانبه، هنأ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد، قوات الأمن بـ"القضاء على الإرهابي عدي التميمي، أثناء محاولة تنفيذ هجوم آخر، بعد الهجوم على حاجز شعفاط الذي قتلت فيه الرقيب نوعا لازار".
وأثارت رحلة عدي منذ تنفيذه عملية حاجز شعفاط حتى استشهاده إعجابا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الفلسطينيين.
وحلق عدد من الشبان الفلسطينيين رؤوسهم بشكل كامل في محاولة لتضليل الاحتلال الذي قال إن منفذ العملية كان حليق الرأس.
الأبطال الجدد
وأشار "زمن إسرائيل" إلى أنه مباشرة بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في مايو/أيار 2021 (حارس الأسوار)، أصبح محمد الضيف، قائد أركان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، رمزا للفلسطينيين.
جاء ذلك بعد إطلاق وابل كبير من الصواريخ باتجاه القدس في أعقاب أحداث الحرم القدسي وحي الشيخ جراح التي تصاعدت فيها انتهاكات الاحتلال في ذلك الوقت.
لكن في الأشهر الأخيرة، وعقب موجة العمليات التي اجتاحت الضفة الغربية، برزت رموز وطنية جديدة أصبحت محل تقليد وإعجاب في الشارع الفلسطيني .
فالمطاردون من أبناء جيل العشرينيات هم الأبطال الفلسطينيون الجدد والشارع يساندهم، كما أن الآلاف يشاركون في مظاهرات مؤيدة لهم ويحضرون أيضا جنازات من استشهدوا من قبل الجيش الإسرائيلي.
ويحظى أعضاء مجموعة "عرين الأسود" المشكلة من أغلب الفصائل الفلسطينية في نابلس باحترام وتقدير خاص في الشارع الفلسطيني.
واعتقلت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في 19 سبتمبر/أيلول أحدهم وهو "مصعب اشتية" في نابلس.
واندلعت على إثر ذلك اشتباكات عنيفة بين تلك الأجهزة الرسمية وآلاف المواطنين وطالبوا بالإفراج عنه .
وفي تبادل لإطلاق النار بين المتظاهرين وقوات الأمن الفلسطينية قتل مواطن من نابلس وأصيب 3 آخرون.
وأصبح العديد من المطاردين الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة في شمال الضفة الغربية رمزا للجيل الفلسطيني الشاب، ومن بينهم إبراهيم النابلسي وأدهم مبروكة المعروف بـ "الشيشاني" وبراء لحلوح وجميل العموري.
ولفت الموقع العبري إلى أن موجة العمليات الجديدة في الضفة الغربية عززت من مكانة المطاردين في الشارع الفلسطيني بسبب استعدادهم للتضحية بأرواحهم وشجاعتهم في الحرب ضد جنود الجيش الإسرائيلي.
فالكل يعمل من أجل الهدف الوطني الفلسطيني المتمثل في التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، يقول الموقع.
ويتلقى المطاردون دعما اجتماعيا واسعا بسبب الكراهية الشديدة لإسرائيل وخيبة الأمل من اتفاقيات أوسلو والفساد في السلطة الفلسطينية وغياب الأفق السياسي.
وأشار المحلل الأمني "يوني بن مناحيم" إلى أن محاولات مسؤولي السلطة في ملاحقة المطلوبين قوبلت بمعارضة شعبية واسعة، وتزداد الدعوة هذه الأيام في الشارع الفلسطيني لإقالة محافظ نابلس "إبراهيم رمضان" من منصبه.
وجاء ذلك بعد أن أجرى المحافظ مقابلة في محطة إذاعية محلية بمدينة نابلس ووصف أمهات الشهداء بـ "المنحرفات اللاتي يرسلن أبناءهن ليموتوا".
وتتعرض السلطة الفلسطينية لانتقادات حادة بسبب تراخيها ورفضها قطع التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفق الموقع.
رموز المقاومة
وفي مظاهرات الضفة الغربية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، يمكنك أن ترى بعض الشخصيات الفلسطينية الجديدة التي أصبحت أيقونات جديدة للنضال ضد إسرائيل.
والشخصية الأبرز اليوم هي شخصية "فتحي خازم" من مخيم جنين للاجئين، الذي يجري تداول صورته وحديثه ضد إسرائيل في جميع وسائل الإعلام الفلسطينية وشبكات التواصل الاجتماعي، وحصل على لقب "شيخ المطاردين".
"فتحي خازم" كان من كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية وكان برتبة عقيد، وهو والد الفدائي "رعد" الذي نفذ عملية في شارع ديزنغوف في تل أبيب خلال أبريل/نيسان 2022 وتمكن من قتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة ستة آخرين.
وعثر على الفدائي في اليوم التالي للهجوم بينما كان متواريا في أحد المساجد بمدينة يافا، وجرى اغتياله من قبل جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك".
وأصبح عبد الرحمن، الابن الثاني لفتحي خازم، مطلوبا بعد الهجوم الذي نفذه شقيقه في تل أبيب، وبدأ بتنفيذ عمليات إطلاق نار ضد قوات الجيش الإسرائيلي في جنين.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول 2022 دخلت قوة من الجيش الإسرائيلي مخيم جنين لاعتقاله، ففجر عبوة ناسفة كبيرة ضد الجنود واستشهد في تبادل لإطلاق النار مع ثلاثة مقاومين آخرين.
كما أصبح الأب فتحي خازم مطلوبا للجيش الإسرائيلي بعد الهجوم الذي نفذه ابنه رعد في تل أبيب، وتجول الرجل مع مقاومين مسلحين ورفض طلبات كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بتسليم نفسه لهم حتى لا يجري تصفيته من قبل إسرائيل.
وبين الحين والآخر يخرج خازم ويلقي "خطابات تحريضية قاسية" ضد إسرائيل لسكان جنين ويدعو مواطني الضفة الغربية إلى تبني طريق "المقاومة المسلحة" ضد جنود الجيش والمستوطنين.
وفي الخطاب الأخير الذي ألقاه بعد استشهاد ابنه "عبد الرحمن" على يد قوات الجيش الإسرائيلي، دعا عناصر أمن السلطة الفلسطينية للانضمام إلى قوات "المقاومة" بأسلحتهم.
وأردف: "أدعوكم للانضمام إلى طريق (الرئيس الراحل) ياسر عرفات وطريق شيخ المجاهدين (مؤسس حركة حماس) أحمد ياسين"، عليكم الوقوف مع المقاومة والحقيقة والوطن، فمقاتلونا ليسوا مجرمين".
واتخذت جميع الفصائل الفلسطينية "فتحي خازم" رمزا جديدا للمقاومة، وعلقت صورا ضخمة له مع اقتباسات من كلماته وسط مدينة غزة .
ويرفض "فتحي خازم" تسليم نفسه لإسرائيل ويعلن أنه لا يخشى الاعتقال أو الموت. ويؤكد مسؤولون أمنيون في إسرائيل أنه مطلوب بتهمة مساعدة المطاردين والتحريض.
وقال مسؤول أمني كبير إنها "مسألة وقت فقط حتى يجري اعتقاله أو القضاء عليه"، وفق ما نقل الموقع.
ولفت المحلل الأمني إلى أن شخصية أخرى تحظى باحترام كبير في المناطق المحتلة، هي شخصية "عمر البرغوثي" الملقب بـ "أبو عاصف"، الذي كان عضوا كبيرا في الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية وتوفي قبل عامين بفيروس كورونا.
ونفذ ابناه "عاصف وعاصم" هجمات فدائية في رام الله قتل فيها ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي.
والنساء اللواتي انخرط أبناؤهن في المقاومة ضد إسرائيل يحظون بالاحترام والتقدير في الشارع الفلسطيني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينهن "أم ناصر" أبو حميد من سكان مخيم الأمعري في منطقة رام الله.
ولهذه الفلسطينية خمسة أبناء أسرى واستشهد زوجها وأحد أبنائها على يد الجيش الإسرائيلي، وتخوض هذه الأيام نضالا في الشارع من أجل إطلاق سراح ابنها ناصر المصاب بالسرطان والمعتقل في سجن إسرائيلي.
والمرأة الثانية هي أم الشهيد إبراهيم النابلسي الذي قضى في نابلس على يد الجيش الإسرائيلي، وهو قائد بارز في مجموعة "عرين الأسود" ونفذ عشرات عمليات إطلاق النار.
ويسود في الشارع الفلسطيني بالضفة الغربية شعور بحالة طوارئ وحرب ضد إسرائيل في أعقاب موجة العمليات الجديدة المستمرة منذ عدة أسابيع، على الرغم من حقيقة أنها في الوقت الحالي موجة توترات وليست انتفاضة جديدة.
وخلص المحلل الأمني ابن مناحيم في نهاية مقالته إلى القول إن "الضغط النفسي والاجتماعي يدفعان الشارع الفلسطيني إلى التماهي مع رموز وطنية جديدة قوية من أجل استقطاب التشجيع من صورتها وإطلاق العنان لها".