خطأ فادح.. ما سر تشابه عاصمة السيسي الإدارية ومدن الأشباح الصينية؟

12

طباعة

مشاركة

مع توالي السنين دون إحراز تقدم ملحوظ، تتصاعد مخاوف حقيقية من قبل قطاعات المال والأعمال من تحول حلم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في تأسيس عاصمة إدارية جديدة تحميه من الشعب إلى شبح يهدد بإنهاء أطماعه كاملة. 

وفي خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر أظهرت مؤشرات السوق العقاري في مصر، أخيرا، تراجع الطلب على عقارات العاصمة الإدارية، فيما لا تزال البعثات الدبلوماسية ترفض نقل  مقراتها إليها، رغم تسهيلات النظام. 

وذكرت هذه الحالة بظاهرة "مدن الأشباح" في الصين خلال العقد الأخير، حيث بنيت عشرات المدن الجديدة بمرافق عملاقة، بينما لم يقطنها سوى أعداد قليلة من السكان، لأسباب اقتصادية واجتماعية متنوعة. 

تراجع مستمر

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2022، أظهرت بيانات مؤشر "عقار ماب"، المعني بمتابعة أحوال السوق العقارية في مصر، تراجع الطلب على شقق العاصمة الإدارية خلال سبتمبر إلى 12 بالمئة.

فيما سجل سعر المتر المربع حوالى 12.650 جنيها بزيادة 11.3 بالمئة، خلال آخر 12 شهرا، وبلغ سعر المتر المربع للفيلات نحو 20.050 جنيها، متراجعا بنحو 0.51 بالمئة، مع تراجع مستوى الطلب إلى 17 بالمئة.

وتباين متوسط أسعار الشقق بحسب كل منطقة، إذ وصل سعر المتر في منطقة "MU23" إلى 30.200 جنيه، ثم منطقة "الداون تاون" 24.100 جنيه، وراوحت أسعار "الكومبوند" ما بين 12.650 جنيها و20.500 جنيه.

فيما سجلت منطقة حدائق العاصمة أقل سعر للمتر، حيث تراوح ما بين 5.850 إلى 9.750 جنيها.

وتراجعت قيمة الجنيه المصري بصورة ملحوظة في الشهور الثلاثة الأخيرة مقابل الدولار الأميركي، ليسجل نحو 20 جنيها للدولار الواحد وفق السعر الرسمي، فيما يصرف الأخير بالسوق السوداء في حدود 23 جنيها.

ولا تقتصر الإشكالية على تراجع طلب المواطنين فحسب، بل تمتد لتشمل معضلة انتقال السفارات والبعثات الدبلوماسية إلى عاصمة السيسي الخيالية. 

وبرزت تلك المعضلة للنظام، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما طلبت وزارة الخارجية المصرية من الدول التي تتمركز سفاراتها في القاهرة، السعي إلى تأكيد الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة.

ووضعت تسهيلات تتعلق بدفع مبالغ مالية مختلفة بنسب تتراوح بين 20 و25 بالمئة من إجمالي ثمن الأرض أو العقارات التي سيتم تخصيصها لها.

حتى أن الوزارة قامت بجولات منظمة لأكثر من 20 سفيرا، في سياق الترويج لجدية طلب الانتقال، وقرب انتهاء المرافق والمنشآت الأساسية بالعاصمة، بما في ذلك ديوان وزارة الخارجية. 

مشروع سياسي

وكشف موقع "مدى مصر"  المحلي، في 3 أبريل/ نيسان 2022، أن الخارجية المصرية فشلت في التعاقد مع أكثر من 10 دول من أجل تسلم الأراضي أو أجزاء العقارات الخاصة بها داخل العاصمة الإدارية.

لكن في المقابل، ارتفع عدد الدول التي وافقت على تقديم طلب نقل السفارات إلى العاصمة الإدارية إلى 40 دولة، وهو ما يقل بكثير عن حجم التمثيل الدبلوماسي في مصر، قياسا بالعدد المستهدف، وكذلك برغبة السيسي في نقل جميع المصالح والجهات إلى العاصمة الجديدة خلال 2023.

وأكد مدى مصر أن "أيا من السفارات لم تتخذ خطوات جدية لنقل بعثاتها أو الانتقال إلى هناك في ظل عقبات كثيرة، على رأسها اللوجيستية".

وأوضح أن "عواصم الدول الأوروبية تتحفظ على الانتقال، إذ تراه إهدارا للمال في مشروع سياسي بحت للسيسي".

وأورد: "كما تتوقع تأجيل العديد من المشروعات الصغيرة والسكنية في العاصمة الجديدة، بسبب ضعف التمويل، وتوابع وباء كورونا، الذي أرجأ عمليات انتقال عدد من الجهات".

وأعلن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التي تبعد عن القاهرة نحو 45 كيلومترا، في مارس/ آذار 2015 خلال قمة اقتصادية عقدت في منتجع شرم الشيخ.

وطبقا لبيانات شركة العاصمة الإدارية، عبر موقعها الرسمي، فإن المشروع البالغة مساحته 184 ألف فدان يستوعب ‏نحو 6.5 ملايين مواطن، بعد اكتمال مراحله الثلاث، ويوفر مليوني فرصة عمل.

وبلغت تكلفة المشروع في المرحلة الأولى نحو‏ 800 مليار جنيه، فيما تبلغ تكلفة الحي الحكومي المبني ‏على 560 فدانا نحو 50 مليار جنيه.

لكن إلى الآن لم تحدث طفرة حقيقية في المدينة، ولم ينتقل إليها المواطنون والسفارات والشركات الكبرى، رغم أن السيسي وعد عند إطلاق المشروع عام 2015 بأنه لن يستغرق كثيرا من الوقت. 

وفي حوار شهير للسيسي، مع مسؤول إماراتي، وبحضور حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، سأله كم تستغرق مدة تنفيذ أحد المشروعات بالعاصمة فأجابه 10 سنوات، لينزعج السيسي ويشدد "نحن لا نعمل بهذه الطريقة" معتبرا أن المدة طويلة جدا. 

وبعد مرور قرابة 7 سنوات من هذه الواقعة لم يجد أمر مفصلي في العاصمة، وأصبح المشروع برمته مهددا. 

مدن الأشباح 

الوضع القائم للعاصمة الإدارية التي يحلم بها السيسي، يذكر بظاهرة مدن الأشباح في الصين.

ففي خضم التحديات الاقتصادية التي تعيشها، شرعت الصين خلال العقد الأخير في تدشين مدن لإسكان حوالى 250 مليون نسمة، على أمل تخفيف التكدس الذي تعيشه المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي.

لكنها صدمت بتفجر أزمات اقتصادية متوالية انعكست ارتداداتها على هذه المدن التي باتت بلا سكان.

وظلت شققها وشوارعها وميادينها الكبرى خاوية، ليطلق عليها دوليا مصطلح "مدن الأشباح"، ويعني أنها مدن مشيدة بالكامل لكن لم يقترب منها أحد، أو سكنها عدد قليل جدا من البشر، لا يتناسب مع إمكانياتها المهولة. 

ومن أبرز أمثلة مدن الأشباح في الصين، تلك الواقعة في إقليم تيانجان، حيث أنشأت السلطات مدينة مستنسخة من مانهاتن بنيويورك، تسمى "أورودس 100"، فيها ناطحات السحاب و"روكفلر سنتر" وكلف بناؤها 30.4 مليار دولار. 

لكنها ظلت فارغة بالكامل، بسبب عدم وجود شركات أو وظائف أو رغبة من المواطنين في الرحيل إليها. 

وكذلك مدينة إقليم "كانغباشي" حيث سعت الدولة إلى نقل الإدارات الحكومية وبعض المدارس. 

ولكن بقيت المدينة الحديثة التي أسست بإمكانيات هائلة، شبه فارغة، حيث لم يسكنها إلا 100 ألف نسمة، فيما أن سعتها السكانية تصل لاستضافة مليون نسمة. 

وكشفت شبكة "سي إن إن" الأميركية، في تقرير بتاريخ 5 أبريل/ نيسان 2016، أن سكان ما يقرب من 50 بالمئة من هذه المواقع لم يأتوا إليها أبدا.

وأضافت: لهذا السبب أطلق عليها "مدن الأشباح الصينية"، وتضم ما يصل إلى 65 مليون شقة فارغة تنتظر من يسكنها. 

هذا السيناريو الواقع في واحدة من أكبر وأقوى دول العالم، قد يتطابق في دولة مثل مصر، يحكمها نظام عسكري قمعي فاشل اقتصاديا ولا يهتم بدراسات الجدوى والتخطيط للمستقبل.

النموذج الأسوأ 

وفي رؤيته للمشهد، قال أستاذ التخطيط العمراني بجامعة الأزهر الدكتور سيد نادر، إنه "رغم التشابه القوي بين ظاهرة مدن الأشباح في الصين والعاصمة الإدارية، لكن الفارق شاسع في التخطيط والتنفيذ، فالنتائج قد تكون واحدة بالفعل، لكن المعطيات مختلفة تماما". 

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "الصين سعت إلى إحداث طفرة عمرانية، بتأسيس تجمعات سكانية ضخمة ينتقل إليها ملايين البشر، تساعد على التخفيف من تكدس المدن الكبرى، وتؤسس حواضر جديدة، وتنعش اقتصادها، وتحدث طفرة في قطاع البناء والعقارات".

وتابع نادر: "وبالفعل أنشأت تلك المدن في زمام المقاطعات الكبرى، ووضعت لها كل سبل الحياة والرفاهية، لكن الفقاعة العقارية والأزمة الاقتصادية العالمية ضربت تلك المشروعات في مقتل".

ومضى يقول: "وأدت إلى إفلاس كبرى شركات العقارات الصينية، ومع عدم انتقال عدد كبير من المواطنين إلى المدن الجديدة تحولت إلى مدن شبحية، ومع ذلك بدأت الحكومة الصينية في إعادة استثمارها وتفكيك بعضها رويدا رويدا، أو إنعاش مقاطعات أخرى بتسهيلات كبرى في عمليات البيع والشراء".

أما في مصر فمشروع العاصمة الإدارية في حد ذاته محل شك واعتراض، لمجموعة من الأسباب والعوامل، يوضح الخبير المصري.

أهمها، وفق نادر، أن المدينة تقبع في صحراء بعيدة عن القاهرة وزمامها، وبعيدة أيضا عن تجمعات عمرانية كبيرة في الدلتا أو غيرها من المدن، ولها أبعاد سياسية وأمنية في عقلية الحكومة، مثل تأمين مؤسسات الحكم، خوفا من حدوث ثورة كثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

وأردف بالقول: "السيسي كذلك أراد تشغيل شركات الجيش، وتحريك الاقتصاد الموازي المتمثل في أموال القوات المسلحة، وهي العملية التي دمرت الشركات العقارية المتوسطة والصغيرة في مصر، وبالتالي شيد السيسي عاصمته على بحر من المشكلات والعقبات وسوء التخطيط". 

وخلص إلى أن "تلك العوامل مع الأزمة الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وعدم ثقة الناس في الحكومة، أدت إلى تراجع الطلب على المراحل الأولى من العاصمة الإدارية، وهو ما يؤهلها بالفعل أن تكون مدينة أشباح في السنوات القادمة".

وربما تخلد مبانيها في الصحراء القاحلة، لتكون شاهدة على الفشل والإخفاق، وكرمزية لتلك الحقبة المؤسفة من تاريخ مصر، يختم نادر.