وسط حرب صديقه على أوكرانيا.. ما سر تلميح الرئيس الشيشاني بالاستقالة؟
وصف موقع إيطالي تلميح الرئيس الشيشاني رمضان قديروف اعتزامه أخذ استراحة "نهائية وطويلة" من منصبه، بالتطور اللافت في البلاد ولا سيما أنه يحكم قبضته على الحكم منذ مارس/آذار 2007.
وفي 3 سبتمبر/أيلول 2022 نشر قديروف مقطع فيديو على قناته الخاصة بموقع "تلغرام"، قال فيه مبتسما: "أدركت أني موجود في منصبي هذا منذ وقت طويل، وأني أكثر رئيس تولاه، وأعتقد أن وقتي قد حان قبل أن أُطرد".
وذكر موقع "إنسايد أوفر" أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطلق يدي قديروف في الشيشان مقابل دعم مطلق على المسارح الدولية.
أولا في سوريا، ثم في أوكرانيا حيث أرسل منذ الأيام الأولى من الحرب في فبراير/شباط 2022، ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل للقتال إلى جانب القوات الروسية.
فرضيات الرغبة
بحسب العديد من المحللين، قديروف ألمح بالفعل في الماضي إلى اتخاذ خطوة الاستقالة قبل أن يتراجع ويظل في منصبه.
لذلك عادة ما تأتي هذه التصريحات عندما تكون هناك رغبة في الحصول على شيء وفي هذه الحالة من بوتين أو على الأقل تعبيرا علنيا عن الدعم أو بامتنان تاريخي.
في المقابل يرى محللون آخرون أن توقيت هذا الإعلان غير معتاد وإذا تبين أن ما قاله قديروف صحيح وانسحب طواعية، فستكون تلك خطوة غير مسبوقة.
لاحظ الموقع الإيطالي أن قديروف أضاف في نهاية بيانه، عبارة غامضة إلى حد ما: "أعتقد أن وقتي قد حان قبل أن يطردني الآخرون".
وتساءل الموقع عما يقصده بالآخرين، مرجحا أنه من الصعب أن يكون الشيشانيون. ولم يستبعد أن تكون الإشارة إلى الكرملين الذي أنكر بعد وقت قصير من تصريحات الزعيم الشيشاني أن يكون قد ألمح بالاستقالة.
نقلت وكالة "تاس" عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف قوله "لقد اطلعنا على التقارير، وبحسب فهمي فإنها لم تتجسد بعد"، مضيفا "لذا نحن ننطلق من حقيقة أنه لا يزال رئيسا للجمهورية الشيشانية".
هذا التناقض، بحسب الموقع الإيطالي يطرح على الأقل ثلاث فرضيات على الطاولة وبالتالي، ثلاثة سيناريوهات مختلفة.
الأول هو أن قديروف "يخيب" توقعات بوتين في أوكرانيا، بعد وعود بدور حاسم على مسرح الحرب.
أما السبب الثاني فقد يكون إمكانية تنصيبه في منصب قيادي داخل الحرس الوطني الروسي وفق ما ذكره موقع "ميدوزا" نقلا عن مصادره الخاصة داخل الرئاسة.
أو أن يكون الإعلان نتيجة مخاوف مبررة على سلامته الشخصية وهو ما يمكن أن يخفيه قوله "قبل أن يطردني الآخرون"، يضيف الموقع الإيطالي.
تلميحات سابقة
ذكر الموقع أن الرئيس الشيشاني كان قد وعد بالفعل في نهاية فبراير/شباط 2016، بالتنحي مع نهاية ولايته في أبريل/نيسان.
وهي خطوة استبعدها المحللون آنذاك بوصفها محاولة لإقناع القيادة الروسية بإعادة تنصيبه.
في ذلك الوقت، بدا أن تصريحات قديروف الأخيرة كانت تهدف إلى تخفيف الضغط الإعلامي على الكرملين لتعيينه رئيسا مؤقتا.
في عام 2016، كان قديروف يخشى أن يجرى تقليص حصة الأموال الفيدرالية المخصصة لدعم الشيشان خصوصا أن موسكو كانت ملتزمة علنا بتطوير شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها حديثا.
وكان عليها أيضا أن تنفق سرا ليس فقط لخوض حربها بالوكالة غير المعلنة في جنوب شرق أوكرانيا، ولكن أيضا لدعم اقتصاد المنطقة المنهار، وفق الموقع.
وأردف: "كان لتهديده بالاستقالة تأثيره، فقد شعرت موسكو أنه ليس لديها بدائل قابلة للتطبيق في الشيشان واستسلمت بالروبل".
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عبّر قديروف عن استعداده للاستقالة مجددا، وكانت الفرضية الأكثر ترجيحا أنه كان يطلب شيئا ما.
وصرح حينها لمحطة روسيا -1 - التلفزيونية بأنه "كانت هناك حاجة في الماضي لأشخاص مثلي للنضال ووضع الأمور في نصابها".
وأضاف "والآن لدينا نظام وازدهار، وحان الوقت لحدوث تغييرات في جمهورية الشيشان".
رسائل متناقضة
بحسب الموقع الإيطالي، يعقد مقطع فيديو جديد تحليل تلمحيات الزعيم الشيشاني بالاستقالة.
إذ نشر قديروف في 4 سبتمبر رسالة جديدة على موقع تلغرام، ذكر فيها أن القوات الخاصة الشيشانية "أخمات" والفيلق الثاني القوات المتحالفة معها في جمهورية لوغانسك (الانفصالية) قد انطلقت في هجوم واسع النطاق في جمهورية دونيتسك (الانفصالية).
وقال "مقاتلونا يتحركون بنشاط في اتجاه ياكوفليفكا، سوليدار، سيفرسك، التوقف المؤقت، الذي حدث أخيرا جاء لأغراض تكتيكية، وقد كان مبررا تماما".
وأضاف أنه لن يقدم كل التفاصيل، لكن بفضل الخطة التي جرى وضعها، "كشف العدو عن جميع مواقعه"، مؤكدا أن "النازيين يعانون بالفعل من خسائر فادحة سواء من ناحية القوات البشرية أو المعدات"، وفق وصفه.
من جانبه، أعلن جهاز الأمن في كييف أنه جمع "أدلة لا لبس فيها على جرائم حرب" ارتكبها رئيس الشيشان واثنان من معاونيه: دانييل مارتينوف وخسين مجيدوف.
وبحسب المخابرات الأوكرانية، قاد قديروف في الفترة من فبراير إلى مارس 2022، تطوير وتخطيط العمليات العسكرية الفردية للوحدات، وأصدر الأوامر واستمع إلى التقارير من قادتها.
ويشتبه المحققون في أن قديروف أعد وشن حربا عدوانية، وارتكب تجاوزات لتغيير حدود أوكرانيا في حين يتهم مارتينوف ومجيدوف بانتهاك قوانين وأعراف الحرب.
أردف الموقع الإيطالي بأن قديروف، خلافا للاعتقاد السائد، "محتقر" من قبل الكثيرين داخل النخبة الروسية، بما في ذلك قادة معظم الأجهزة الأمنية ولا سيما أن "تجاوزاته وخشونته" تسببتا في إحداث إحراج واستياء لسنوات.
وقال إن "المتمرد السابق، الذي غير موقفه للقتال من أجل روسيا خلال حرب الشيشان الثانية من 1999-2009، خلق استقلالا فعليا يتجاوز أحلام العديد من المتمردين".
وأضاف أن قوات الأمن المحلية أو ما تسمى بـ "قاديروفتسي" ترتدي الزي الروسي، لكنها تقسم الولاء لقديروف الذي يعين جميع المسؤولين المحليين. في حين تمثل الإعانات الفيدرالية أكثر من 80 بالمئة من ميزانية الشيشان.
إلا أنه في موسكو، فكرة حرب شيشانية أخرى مخيفة. لذلك هناك تسامح مع قديروف ولا سيما أن هناك اعتقادا سائدا بأن رحيله سيؤدي إلى زعزعة استقرار الشيشان .
وهو ما من شأنه أيضا أن يزعزع استقرار منطقة شمال القوقاز بأكملها نظرا لانتشار المقربين منه في جميع هياكل السلطة الشيشانية.
يعرف قديروف ذلك جيدا ويلوح باستقالته في كل مرة يضطر فيها إلى جمع أرصدة من بوتين، وفق تعليق الموقع في ختام تقريره.