"الأصابع على الزناد".. هذه احتمالات الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل
.png)
سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على احتمالية نشوب حرب بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، جراء الخلاف بشأن الحدود البحرية لكلا الطرفين.
وأكد الموقع في مقال للكاتب، باول خليفة، أن "خطر اندلاع حرب بين لبنان وإسرائيل من بعد عام 2006، لم يكن كما هو في هذه الأيام".
واستعرض الكاتب دلائل التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، قائلا: "منذ أن هدد الأمين العام للحزب حسن نصرالله باستخدام القوة لمنع إسرائيل من استخراج الغاز بشكل أحادي من حقول معينة في شرق البحر المتوسط، كانت هناك دبلوماسية مفتوحة وسرية لتجنب صراع عواقبه لا حصر لها".
الخيار العسكري
وفي 13 يوليو/تموز 2022، هدد نصر الله إسرائيل بالحرب صراحة لأول مرة، إذا مضت قدما في خطتها الرامية لبدء تشغيل حقل غاز كاريش، الواقع على أطراف المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وفق خليفة.
كما سبق هذه التهديدات، التي تكررت عدة مرات في الأسابيع الأخيرة، إطلاق ثلاث طائرات استطلاع بدون طيار في اتجاه منصة حقل كاريش للغاز، وبالتحديد في 2 يوليو.
وتبع ذلك بث الحزب لفيديو، بدا كجزء من الحرب النفسية، يظهر منصة إطلاق، وصواريخ أرض-بحر إيرانية من نوع نور (نسخة معدلة من صاروخ C-802 الصيني).
كما أظهر الفيديو صورا بالأشعة تحت الحمراء لمنصة حقل كاريش، ووحدات الإنتاج واستخراج الغاز الإسرائيلية الموجودة حول المنصة، مع إحداثياتها الجغرافية.
وأورد خليفة أنه في نهاية يوليو 2022، تجول عناصر من حزب الله بزيهم العسكري، دون أن يحملوا أسلحة، على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وعلى بعد أمتار قليلة فقط من الجنود الإسرائيليين المنتشرين على الجانب الآخر من السياج الفاصل.
وذكر أن تهديدات نصر الله بلغت ذروتها في 10 أغسطس/آب 2022، حين قال إن " اليد التي ستمتد إلى أي ثروة من هذه الثروات ستقطع تماما كاليد التي امتدت إلى أرضنا"، وذلك خلال مخاطبته لحشد خلال إحياء ذكرى عاشوراء.
ونقل الكاتب تصريحا أدلى به وزير خارجية لبناني سابق، رفض ذكر اسمه، لموقع "ميدل إيست آي" قال فيه إن "نصر الله يهدف من طرحه للخيار العسكري على الطاولة إلى إعادة التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، في وقت أصبح فيه استخراج الغاز من شرق المتوسط قضية تحظى باهتمام عالمي، خصوصا في سياق المواجهة بين روسيا والدول الغربية".
وفي السياق ذاته، أكد الجنرال اللبناني المتقاعد، تشارلز أبي نادر، في حديث للموقع ذاته أن "غاز شرق المتوسط، بما في ذلك الغاز اللبناني، هو اليوم أحد عناصر التنافس العالمي".
وأضاف أنه "إذا استخرج ما يكفي لتعويض الغاز الروسي ولو جزئيا، فإن ذلك بدوره قد يغير المعادلات الدولية، كون روسيا نجحت في تحويل ملف الغاز إلى سلاح فعال سبب تصدعات داخل المعسكر الغربي".
وأكد الموقع أن هناك من يعارض توجه حزب الله في هذا الملف. واستدل خليفة بما قاله الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، من أن الحرب "ستكون بمثابة التدمير الذاتي المشترك".
وأضاف جنبلاط مخاطبا نصر الله خلال مقابلة أجريت معه أخيرا: "تستطيع أن ترسل المسيرات وإطلاق الصواريخ، لكن حاول التفكير بردة الفعل، وحتى لو أنك تظن أن هناك توازنا عسكريا، لكن في هذه اللحظات يجب التنبه".
طبول الحرب
وعاد الكاتب ليشير إلى أن "هناك من هو خارج حزب الله، لكنه مؤيد لمقاربة نصر الله لمسألة الغاز".
وأكمل الجنرال "أبو نادر" حديثه، قائلا: "أعتقد أن هذه المقاربة يمكن أن تخدم مصالح لبنان على جميع المستويات، فلو لم يكن للبنان أصول وقدرات ردع تجعله قويا، لما استأنفت إسرائيل عملية المفاوضات غير المباشرة (المعلقة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021)".
وأضاف أنه "إذا لم تأخذ (إسرائيل) في الحسبان حقيقة وجود قوات كافية في لبنان قادرة على منع استغلال حقل كاريش، الذي لا تراه الأمم المتحدة تابعا للبنان، لكانت إسرائيل قد بدأت بالفعل في استخراج الغاز".
وفي نظره، فإنه حتى إن أسقط الحزب مسيرات إسرائيلية فوق حقل كاريش، لكانت هذه رسالة للإسرائيليين تظهر جدية حزب الله وتصميمه على التصدي للأهداف الإسرائيلية.
فيما أكد خليفة أن تهديدات نصر الله "الكلامية" جاءت مصحوبة بإجراءات ملموسة على الأرض، إذ تحدثت مصادر مقربة من الحزب لـ"ميدل إيست آي" أن حزب الله وضع قواته في لبنان وسوريا في حالة تأهب قصوى.
كما أعيد توزيع وحدات النخبة من "لواء الرضوان"، لتنتقل من مدينة حلب التي حاربت فيها الفصائل السنية المسلحة لسنوات، إلى جنوب لبنان، كما طلب من وحدات الاحتياط أن تبقى في حالة استنفار.
هذه الأنباء، أكدها مسؤولون أمنيون في لبنان، حيث قال أحدهم إن "هذه هي أكبر تعبئة منذ حرب 2006، حيث تشمل آلاف الجنود".
وأضاف المسؤول الأمني، الذي لم يذكر الموقع اسمه، أن "عناصر حزب الله الذين يعيشون في الخارج قد استدعوا، ونظمت مناورات سرية لاختبار فعالية مراكز القيادة والسيطرة، وكذلك شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية التي ثبتها الحزب في جميع أنحاء لبنان".
من جانبه، أشار الكاتب إلى أن إسرائيل أيضا تستعد للحرب، فقد وضعت قواتها على الحدود مع لبنان في حالة تأهب قصوى، ونصبت القبة الحديدية بنسختيها البرية والبحرية في المنطقة المتنازع عليها، كما عززت البحرية وجودها حول حقل غاز كاريش.
ورغم هذا الانتشار العسكري المكثف على جانبي الحدود، يرى أبو نادر أن "خيار الحرب غير مرجح"، معتقدا أنه "عندما يوجد الردع تقل احتمالية نشوب الحروب"، ومستشهدا بالوضع بين القوتين النوويتين، باكستان والهند.
أما السبب الآخر الذي يبقي شبح الحرب بعيدا في نظره، فهو البحث الغربي عن بعض الاستقرار في المنطقة، ذلك أن المواجهة العسكرية "من شأنها أن تعرض جهود استغلال الغاز الطبيعي للخطر".
لكن مقابل هذه النظرة، هناك من يرى أن الأطراف المتحاربة تضع أصبعها على الزناد في انتظار نتيجة المفاوضات، وأن احتمالات الحرب والسلام متساوية، وأن مسار التفاوض هو من سيرجح كفة أحد الاحتمالين.
الاحتمال الأقرب
وأضاف خليفة أن إسرائيل لم ترد بعد بشكل رسمي على مطالب لبنان، إلا أن القناة 12 العبرية، ونقلا عن مصادر غير رسمية، كشفت عن محتوى الرد الذي سيرسل للقيادة اللبنانية.
وتتلخص مطالب لبنان، وفق المقال، في حيازة جرف قاري تمتد مساحته على أساس الخط 23، والحصول على حقل "قانا" بأكمله، ورفض أي مشروع مشترك مع إسرائيل أو دفع تعويضات مالية، هذا بالإضافة إلى التأكيد على حق لبنان في استغلال موارده الغازية، طالما أن إسرائيل لها الحق نفسه.
وبحسب "القناة 12"، فإن إسرائيل ستعرض على قادة لبنان أن تحتفظ هي بحقل كاريش، مع تنازلها عن المنطقة المتنازع عليها بالكامل للبنان، بما في ذلك حقل قانا، على أن تعوضها لبنان ماليا عن المناطق المختلف عليها، والتي تبلغ ثلث مساحة قانا، لكن لبنان يرفض دفع أي تعويضات مالية.
كما تقترح إسرائيل أن يعهد بالعمل في حقلي الغاز اللبناني والإسرائيلي إلى نفس الشركة، وهي في هذه الحالة شركة إنرجيان (Energean) المدرجة في بورصة تل أبيب.
لكن يعقب خليفة بقوله: "طالما أن بيروت ترفض أي شكل من أشكال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن إقامة مشاريع مشتركة معها أمر غير وارد".
وتعتقد صحيفة "الأخبار"، اللبنانية المقربة من حزب الله، أن رد إسرائيل بهذا الشكل يتضمن تنازلات، لكنه يشمل "الكثير من المنزلقات التي لن يقبلها لبنان".
وحاليا، تنتظر بيروت وصول الرد الإسرائيلي رسميا عبر الوسيط الأميركي، الأمر الذي سيحدد التسلسل اللاحق للأحداث وفقا لتقييم حزب الله لرد تل أبيب.
كما أفادت القناة 12 الإسرائيلية أن استخراج الغاز، الذي كان من المقرر أن يبدأ في أوائل سبتمبر/أيلول 2022، سيتم تأجيله حتى أكتوبر "لأسباب فنية".
وختم الموقع مقاله بالقول: "وبهذا، لم يعد لدى حزب الله ذريعة لمهاجمة البنى التحتية للغاز الإسرائيلي في المستقبل القريب".