مقبول دوليا ومرفوض داخليا.. هل ينجح المبعوث الأممي الجديد بإنهاء أزمة ليبيا؟

علي صباحي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 9 أشهر من شغور المنصب، نجحت الأمم المتحدة أخيرا في تعيين ممثل خاص لأمينها العام أنطونيو غوتيريش في ليبيا، عقب خلافات ومداولات طويلة بين الفرقاء المحليين والأطراف الدولية المتصارعة على النفوذ في البلد الغني بالنفط.

ووسط منافسة مع كل من وزير الخارجية التونسي الأسبق الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في مالي المنجي الحامدي، ووزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم، وقع الاختيار على الوزير السنغالي السابق عبد الله باتيلي.

وكان لافتا أن تعيين باتيلي جاء دون مشاورة الأطراف الليبية وفي مقدمتها الحكومة المعترف بها دوليا، واكتفت الأمم المتحدة بالحصول على مصادقة مجلس الأمن، وتحديدا العضوان، روسيا والصين، اللذان اشترطا أن يكون المبعوث إفريقيا.

مبعوث جديد

وفي الثاني من سبتمبر/أيلول 2022، أعلنت الأمم المتحدة تعيين السنغالي عبد الله باتيلي (75 عاما) ممثلا خاصا لغوتيريش في ليبيا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم فيها (أونسميل).

وقالت في بيان على موقعها الإلكتروني، إن الممثل الخاص الجديد يجلب معه إلى هذا المنصب خبرة تزيد عن 40 عاما شغل خلالها مناصب ضمن حكومته الوطنية والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة.

وأضافت أن باتيلي يخلف السلوفاكي يان كوبيش الذي شغل المنصب لنحو 10 أشهر فقط بين فبراير/شباط ونوفمبر/تشرين الثاني 2021، وذلك لرفضه الانتقال للعمل من العاصمة الليبية طرابلس والاكتفاء بمباشرة مهام منصبه من عواصم أوروبية.

وفي نفس العام كان باتيلي يشغل منصب الخبير المستقل للمراجعة الإستراتيجية لبعثة أونسميل، وقبل ذلك كان الممثل الخاص للأمين العام في بعثة الأمم في مالي (مينوسما) بين عامي 2013-2014.

كما شغل منصب الممثل الخاص للأمين العام في إفريقيا الوسطى ورئيس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي في الغابون بين عامي 2014-2016.

وفي عام 2018، عين مستشارا خاصا للأمين العام بشأن مدغشقر، وفي 2019 عمل خبيرا مستقلا للمراجعة الإستراتيجية لمكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا.

محليا، شغل باتيلي مناصب وزارية مختلفة في الحكومة السنغالية، أهمها منصب وزير أول مسؤول عن الشؤون الإفريقية (2012-2013)، ووزير الطاقة (2000-2001) ووزير البيئة (1993-1998).

وباتيلي حاصل على الدكتوراه في فلسفة التاريخ من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة، ودكتوراه من جامعة الشيخ أنتا ديوب في السنغال، ويتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والسوننكية والولوفية.

ودرّس باتيلي التاريخ لأكثر من 30 عاما في جامعة الشيخ أنتا ديوب في السنغال، كما حاضر في العديد من الجامعات حول العالم.

توقيت حساس

ويأتي تعيين باتيلي في توقيت حساس، إذ يتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي برعاية دولية قبل عام ونصف العام يرأسها عبد الحميد الدبيبة، الرافض لتسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة.

والثانية برئاسة فتحي باشاغا، التي عينها برلمان طبرق التابع للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في مارس/آذار 2022 وتتخذ من سرت شمال وسط البلاد مقرا مؤقتا لها بعدما منعت من دخول طرابلس، على الرغم من محاولتها ذلك أكثر من مرة.

بينما لا تزال مشاورات قانون الانتخابات التي تستضيفها العاصمة المصرية القاهرة، تراوح مكانها، بسبب إصرار حفتر الحامل للجنسية الأميركية والأطراف الدولية الداعمة له، وفي مقدمتها الإمارات وفرنسا، على تمريره بصورة تسمح له الترشح للانتخابات الرئاسية.

دوليا، كانت هناك معركتان دائرتان منذ شهور بشأن اختيار المبعوث الأممي إلى ليبيا، إحداهما بين القوى الكبرى، أميركا وروسيا والصين، والأخرى بين الأطراف الإقليمية متمثلة في الإمارات من جهة والجزائر من جهة أخرى.

وبناء على طلب الجزائر، اقترح غوتيريش، في 23 يونيو/حزيران 2022، ترشيح وزير خارجية بلاده سابقا صبري بوقادوم لشغل منصب رئيس البعثة الأممية في ليبيا، لكنهما اصطدما برفض الإمارات، العضو غير الدائم بمجلس الأمن الدولي، وتمثل المجموعة العربية به حاليا.

وعن هذا الرفض أوضحت صحيفة لوموند الفرنسية، في 26 يونيو، أن الجزائر عبر الدفع ببوقادوم مصرة على إدارة البعثة الأممية في ليبيا رغم رفض ترشيحها وزير خارجيتها الحالي رمطان لعمامرة لهذا المنصب سابقا من قبل الإمارات وأميركا.

فيما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن دبلوماسيين لم تسمهم قولهم، إن "الإمارات ادعت أن دولا عربية وأحزابا ليبية أعربت لها عن معارضتها لتعيين بوقادوم مبعوثا إلى ليبيا"، دون الكشف عن الدول أو الأحزاب الليبية التي رفضت.

وأضافت أن هناك قلقا إقليميا من تعيين بوقادوم، لا سيّما أن للجزائر حدودا مشتركة مع ليبيا. ولو مضى مجلس الأمن قدما في تعيينه، لوجد الدبلوماسي الجزائري نفسه أمام "مهمة مستحيلة".

بينما السبب الحقيقي للرفض كان يكمن، وفق مراقبين، في أن الجزائر منحازة إلى حكومة الدبيبة المعترف بها دوليا، وترفض بشكل رسمي ومعلن الاعتراف بحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس نواب طبرق المدعوم إماراتيا.

وأوضحت الوكالة الفرنسية أن رد فعل الإمارات كان متوقعا، ويتطابق مع موقف مصر والشرق الليبي، ويعتقد أنه موجه لمصلحة لائحة مرشحين أفارقة مدعومين من فرنسا.

مصالح متعارضة

واتفقت وكالة الأناضول التركية مع هذا الطرح، عند شرحها أسباب اعتراض حكومة الدبيبة والمندوب الليبي لدى الأمم المتحدة طاهر السني على اقتراح الأمم المتحدة تعيين السنغالي باتيلي عقب فشل بوقادوم في نيل المنصب.

وفي 15 أغسطس/آب 2022، لخص السني أسباب رفض باتيلي في عدم استشارة الأمين العام للأمم المتحدة حكومة الدبيبة بشأن الاسم المقترح لرئاسة البعثة الأممية قبل عرضه على أعضاء مجلس الأمن الـ15.

وأضاف في تصريحات صحفية بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، أن الشخص المقترح لهذه المهمة "يجب أن يكون مؤهلا أكثر"، مؤكدا الحاجة لمزيد من المشاورات.

وأوضحت الأناضول خلال تحليل في 19 أغسطس، أنه رغم تأكيد السني على أن الاعتراض ليس على شخص باتيلي، وأن حكومة الوحدة تطمح "لأن يكون المبعوث الجديد من إفريقيا"، فإن السببين الذين ساقهما يخفيان أسبابا أخرى لم تقل.

وأضافت أن أحد هذه الأسباب أن السنغال إحدى الدول التي تملك فرنسا فيها نفوذا بارزا، وبالتالي فإن باتيلي محسوب على معسكر المنطقة الشرقية المناوئ لحكومة الوحدة.

وبما أن مجلس نواب طبرق اعترض على ترشيح الجزائري بوقادوم، لأن بلاده تعترف بحكومة الوحدة، فإن اعتراض الأخيرة على المرشح السنغالي من المرجح أن يكون لنفس الأسباب، خاصة وأنه يحظى بتأييد المعسكر الآخر.

والأمر الآخر أن باتيلي لا يتمتع بثقل دبلوماسي كبير ولا تقف دولة عظمى أو كبيرة خلفه، مثلما كان عليه الأمر في عهد المستشارة الأممية الخاصة ستيفاني وليامز (أميركية)، وبالتالي فإمكانية تحقيقه أي تقدم في الملف الليبي سيكون محل شك.

ناهيك أن تجربة الليبيين مع منسق البعثة الأممية القائم بأعمال رئيس البعثة، الزيمبابوي ريزيدون زينينغا لم تكن مشجعة، ولم تحقق أي نتائج بارزة نحو حلحلة الأزمة السياسية، تؤكد الوكالة التركية.

وشددت على أن حكومة الوحدة لا تريد أن يكون هناك مبعوث أممي لمجرد أنه إفريقي، بل أن يكون له ثقله وتجربته في حل مثل هذه الأزمات المعقدة.

عودة إفريقيا

ومن اللافت أيضا في اختيار باتيلي، أنه أول إفريقي يتولى هذه المهمة الصعبة، التي كانت حكرا على أشخاص محسوبين على المعسكر الغربي.

فمن بين 7 مبعوثين أمميين إلى ليبيا سبقوا باتيلي، لم يكن بينهم إفريقي واحد، بل كانوا إما أوروبيين أو من عرب آسيا.

وبحسب رصد صحيفة لوموند، جاء في البداية البريطاني إيان مارتن، في سبتمبر/أيلول 2011، بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، ثم خلفه اللبناني طارق متري في نفس الشهر من عام 2012.

وفي مايو/أيار 2014، جاء الإسباني برناردينو ليون مع بدء حفتر الحرب ضد طرابلس، وبعد فضيحة إخلاله بحياده لصالح الإمارات أطيح  به، ليفسح المجال للألماني مارتن كوبلر، الذي فشل في نزع سلاح حفتر، ليخلفه اللبناني غسان سلامة في يونيو/حزيران 2017.

وترك سلامة منصبه لأسباب صحية في مارس 2020، وتولت القيادة المؤقتة لبعثة الأمم المتحدة من جنيف دبلوماسية أميركية ليس لها وزن سياسي، تدعى ستيفاني ويليامز، وفق لوموند.

واقترحت الجزائر حينها تعيين واحد من أكثر دبلوماسييها احتراما، هو وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة.

وهذا الترشيح، على الرغم من بعده الإفريقي والعربي، عارضته الإمارات، إذ خشيت ضغوط لعمامرة على حفتر وحشدت الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمعارضته.

وبذلك ظل منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة شاغرا حتى يناير/كانون الثاني 2021، عندما وافق السلوفاكي كوبيش على التعيين.

وبعدما مر قرار تعيين باتيلي دون اللجوء إلى حق النقض من القوى الكبرى، بدأت الأطراف الليبية والإقليمية في الترحيب بالمبعوث الجديد، آملة نجاحه في حلحلة الأزمة التي استعصت على أسلافه السبعة.

وأشاد المجلس الرئاسي الليبي في بيان "بخبرة باتيلي واطلاعه على الملف الليبي"، آملا أن "يساهم بمساعدة الليبيين في الانتقال إلى الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي يتطلع إليها كل أبناء الشعب الليبي".

وشدد على "دور الأمم المتحدة في دعم مساعي الليبيين للوصول إلى حلول سلمية للذهاب إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب الآجال".

ترحيب على مضض

من جانبه، رحب الدبيبة بتعيين باتيلي مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا، وقال في تغريدة عبر تويتر: "نؤكد دعمنا الكامل لعمله وسندفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية لإجراء الانتخابات".

وبدوره، قال باشاغا في تغريدة عبر تويتر: "نرحب بقرار تعيين باتيلي، ونتطلع للتعاون والعمل المشترك بما يسهم في استقرار ليبيا وترسيخ مبدأ التداول السلمي على السلطة وإجراء الانتخابات وفق خارطة طريق تضمن توافر معايير النزاهة والشفافية".

حتى الجزائر التي أفشلت الإمارات مخططها لإدارة المشاورات بجارتها ليبيا، أشادت بالتعيين عبر بيان لوزراة خارجيتها، قالت فيه إن "الرئيس عبد المجيد تبون، كانت له فرصة مناقشة الأزمة الليبية وبؤر التوتر الأخرى في إفريقيا شخصيا مع البروفيسور باتيلي، ويرحب باختياره ويؤكد دعمه الكامل له".

وأضافت الوزارة: "كما يهنئ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على هذا الاختيار الحكيم، وكذا مجلس الأمن على تصديقه على هذا التعيين بالإجماع".

وعن هذه الجزئية، يؤكد المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، لـ"الاستقلال"، أن كل الترحيبات الصادرة بشأن تعيين باتيلي مبعوثا أمميا إلى ليبيا "جاءت على مضض".

ويضيف أن هذه الأطراف تحرص على الحفاظ على مكانها في المرحلة الجديدة التي يتوقع أن تشهد مسارا وحوارا جديدا، قد ينتج عنه خريطة سياسية تفضي في نهاية الأمر إلى انتخابات.

وعن فرص نجاح باتيلي في حلحلة الأزمة، يوضح محفوظ، أن الأمر يعتمد على وجود توافق دولي بشأن الملف الليبي، وهو أمر ما زال بعيد المنال.

ويقول إنه من غير الممكن أن يكون للمبعوث الأممي دور فعال، دون وجود توافق دولي أو على الأقل غربي، فإذا جرى توافق في مسألة الانتخابات، سيطلق باتيلي مسارا سترعاه الأمم المتحدة وسيكتب له النجاح.

لكن إذا استمرت حالة الاستقطاب الواسعة بين الأطراف التي لها تدخل في ليبيا، فيعتقد أن عمل باتيلي لن يختلف عن عمل سابقيه السبعة.