بعد تمرير دستور سعيد.. مؤرخة تونسية: السيادة "وهم" مع خزائن الدولة الفارغة

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، في 18 أغسطس/ آب 2022، بدء العمل بالدستور الجديد الذي جمع عبره جميع السلطات بيده، وجرى الاستفتاء عليه في 25 يوليو/ تموز 2022، زاعما أنه يؤشر لبداية جمهورية جديدة.

لكن في المقابل، أكدت المؤرخة التونسية الفرنسية صوفي بسيس في مقابلة مع مجلة جون أفريك، أن سعيد استغل النظام الحزبي المبتذل الذي أنتجته الثورة لينقلب على الديمقراطية عبر دستوره الجديد الذي يمهد لمستقبل غامض يتوقع أن تخيم عليه الفوضى.

وصوفي بسيس (75 عاما) تنحدر من أسرة تونسية يهودية وجمعت بين الكتابة التاريخية وممارسة الصحافة، وعملت لسنوات بالحركة النسوية، ومن أبرز مؤلفاتها "تاريخ تونس: من قرطاج إلى أيامنا"، وسيرة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة (بالاشتراك مع سهير بلحسن).

خيبة أمل

وذكرت صوفي بسيس أن تمرير هذا الدستور يمثل قطيعة بين تونس والعالم السياسي، سواء قبل الثورة أو العالم السياسي لما بعد الثورة، الذي لم يأت منه قيس سعيد. 

حيث وضع المرشح، الذي صنف خارج المنظومة ولم يكن معروفا تماما قبل عام 2011، بشكل منهجي الأسس لاستيلائه على السلطة وذلك منذ انتخابه في عام 2019.  

وللقيام بذلك، استفاد قيس سعيد من خيبة أمل التونسيين بعد عشر سنوات من الثورة وفقدان الزخم في عملية التحول الديمقراطي.

وقد يكون خطابه الشعبوي محل ترحيب لأن المسيرة نحو الديمقراطية البرلمانية التي أنشأها دستور 2014 قد انجرفت نحو نظام حزبي مبتذل مع الأحزاب التي تعمل من أجل مصالحها الحصرية دون تحمل المسؤولية عن المشاكل التي تواجه تونس.

ولسوء الحظ، في مواجهة هذا المشهد ألقى التونسيون باللوم ليس على انحراف العملية بل على الديمقراطية نفسها، معتقدين أنها جلبت لهم المشاكل فقط.

لكن مسار الديمقراطية طويل، وهناك دائما تقدم ولحظات من التراجع، لذلك كان ترتيب تلك الأحداث مواتيا لظهور شخصية مثل قيس سعيد.

وكان يكفي لقيس سعيد أن يكون مرشحا من خارج النظام معلنا أنه يجسد الشعب ولا صلة له بالنظام الذي يكرهه التونسيون.  

وفي لحظة وطنية وعالمية من القلق العالمي بشأن المجهول في المستقبل، قيس سعيد هو جزء من تسلسل تاريخي يرى في بداية القرن الحادي والعشرين موعدا لظهور قادة شعبويين.  

فهو، مثلهم، ليس على اتصال بالواقع، ويرفض التداول الديمقراطي، ويناشد الشعب على أنه كتلة واحدة وذلك من خلال تحديد من ينتمي إلى ذلك الشعب ومن لا. 

ومن ثمة يضع هذا الشعب في مواجهة النخب. وهو ليس له أعداء إلا معارضوه، على افتراض أن من ليس معه هو ضده، وإذا كان الوضع سيئا، فذلك بسبب الخونة الذين تحركهم الإرادة لإفشال مشروعه.  

وفي هذه الفترة التي تظهر فيها الديمقراطية التمثيلية في أسوأ حالاتها، ينشط الخطاب الشعبوي في بلدان، بما في ذلك تونس، حيث يشعر جزء كبير من السكان بأنهم مستبعدون من هيئات صنع القرار. 

مرحلة جديدة

ورأت المؤرخة التونسية أن السؤال المطروح هو معرفة ما إذا كانت حلقة قيس سعيد ستدوم أم لا بعد انقسام 2011 الذي أدخل تونس فترة جديدة من تاريخها.  

وقالت إنه لا يمكن إنكار أنه يمثل تراجعا بقدر ما، إذ يؤسس نظاما ذا طبيعة مطلقة، وهو أمر منطقي عندما نعلم أن القادة الشعبويين غالبا ما يأخذون أنفسهم على أنهم نوع من المسيح الذي يوجه شعبه.   

وإذا كان قيس سعيد يتخيل أن الإصلاح الدستوري سيحل مشاكل تونس، فهو مخطئ. فالمشاكل الهائلة للبلاد هي في الأساس ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية.   

ومع خزائن الدولة الفارغة، السيادة الوطنية مجرد وهم، حيث تطلب تونس المساعدة من صندوق النقد الدولي والمانحين الرئيسين.

ولن يقوم حلفاؤها الجدد، بما في ذلك الجزائر ومصر والإمارات، بتمويل إعادة إعمار البلاد. خاصة وأنهم كانوا في طليعة دول القمع لجميع التظاهرات ذات الطابع الثوري الذي عرفه العالم العربي في 2010.

وأكدت أن قيس سعيد هو رجل يستخدم مفردات ثورية ولكن ممارساته وتحالفاته معادية للثورة بطبيعتها. وهو تناقض ليس غريبا على الشعبوية.

وتنقسم الآراء بين أولئك الذين لديهم اهتمام بالديمقراطية وأولئك، بمن فيهم الذين يحنون إلى النظام القديم، الذين يعتقدون أنه في خضم الأزمة لا يوجد شيء مثل ديكتاتورية جيدة لاستعادة النظام.   

ومن بين أولئك الذين صوتوا بـ "نعم" في الاستفتاء، قرأ القليل منهم الدستور، لكنهم صوتوا لعودة النظام القديم. 

ومع ذلك، ليس من المؤكد أن قيس سعيد سيعيد ذلك النظام. والبنية المؤسساتية والسياسية الإقليمية التي يضعها اليوم تفضي إلى حد ما إلى الفوضى. لا سيما وهو يرفض فكرة الفصل بين السلطات. 

وكل هذا يعني أن تونس سوف تدخل مرحلة حساسة. ومع ذلك، في كل فترة من تاريخها الحديث، شهدنا حلقات مختلفة أظهر فيها  التونسيون تطلعهم لتغيير النظام وإرساء الديمقراطية فيها.  

ولا يمكننا تاريخيا التراجع عما حدث في عام 2011، وستظل آثاره باقية.  وعلى كل حال، المستقبل كفيل بأن يخبرنا ماكنا نجهله.