في العلاقات التجارية.. هل تستطيع الهند أن تكون بديلا للصين لدى أوروبا؟
رأت صحيفة إيطالية أن نيودلهي بدأت في التخلي عن حيادها التاريخي للدخول في اتفاقيات تجارية مع القوى العظمى.
وقالت صحيفة "لينكياستا" إن "كل الأسس متوفرة للتحالف مع المحور الغربي على الرغم من الاعتماد على روسيا"، مستبعدة أن تحل الهند محل الصين كشريك تجاري كبير لأوروبا.
وذكرت أن الهند كدولة مؤسِّسة لحركة عدم الانحياز، حاولت في العقود الأخيرة الحفاظ على موقف محايد بالشؤون الدولية والابتعاد عن التحالفات العسكرية الرسمية على الأقل في الظاهر.
وحركة عدم الانحياز، هي تجمع دولي يضم 120 عضوا من الدول النامية، ظهرت إبان الحرب الباردة، وقامت فكرتها على أساس عدم الانحياز لأي من المعسكرين الغربي، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي (سابقا).
تجنب الخلافات
وأشارت الصحيفة إلى أن الهند لم تعلن إدانتها للانقلاب العسكري في ميانمار وضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وكذلك الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011 وأيضا الحرب في جورجيا عام 2008، على سبيل المثال لا الحصر.
كما لم تعرب عن إدانة علنية للغزو الروسي لأفغانستان أيضا حتى لا تخاطر باستعداء الاتحاد السوفيتي.
ورفضت الحكومة الهندية إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في فبراير/شباط 2022، والامتثال للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
في المقابل، زادت أيضا من مشترياتها من النفط الروسي، مستفيدة من انخفاض الأسعار وفعلت الأمر نفسه مع واردات الفحم من روسيا كذلك.
بحسب الصحيفة الإيطالية، هذا الموقف يعبر عن الرغبة في الاستقلالية ويبدو أنه يتماشى مع تقليد عدم الانحياز.
وترى أن ذلك مبرر بالحاجة إلى الحفاظ على علاقة إستراتيجية طويلة الأمد مع الروس وضرورة احتواء الصين في المحيط الهادئ الهندي من خلال الاعتماد على الولايات المتحدة.
ولا تزال نيودلهي تعتمد على موسكو في الإمدادات العسكرية والتكنولوجيا، كما يخطط الإعلان المشترك المؤرخ في 4 فبراير 2022 والصادر عن روسيا والصين بشأن الشراكة الإستراتيجية لتعميق التعاون بين هذين البلدين والهند.
في الأثناء، تظل الولايات المتحدة الشريك التجاري الرئيس للهند، فيما يبلغ حجم التجارة مع روسيا 8.1 مليارات دولار فقط. من ناحية أخرى، تمثل الصين الشريك التجاري الرئيس لموسكو.
أما بالنسبة إلى اليابان والولايات المتحدة وأستراليا، دول التحالف الرباعي كواد، الذي جرى تنشيطه في السنوات الأخيرة، تعد الهند عنصرا رئيسا في مواجهة توسع بكين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تشير الصحيفة.
ولفتت إلى أن الهند، التي تدهورت علاقاتها مع الصين في أعقاب اشتباكات صيف 2020 بسبب النزاعات الحدودية العالقة، تعتبر أيضا التشاور المكثف مع بكين من خلال إطار تحالف "بريكس" مفيدا.
من جانبه، حذر ألدو باتريشيلو، عضو البرلمان الأوروبي وعضو اللجنة البرلمانية للعلاقات مع الهند بالقول إنه "يجب ألا نرتكب خطأ التفكير بمصطلحات مركزية أوروبية".
وأوضح أن "الوضع الجيوسياسي في تلك المنطقة لا يمكن مقارنته بالوضع الغربي. ما يهم هو أن الهند دولة ديمقراطية كبيرة، وشريك من المناسب إبرام اتفاقيات سياسية وتجارية معه دون الاضطرار إلى فرض أي شراكات وتحالفات دولية بطريقة أو بأخرى".
وأكد "بالطبع هناك قضايا حساسة لكلا الجانبين، لكن أعتقد أنه يمكن حلها بطريقة تخلق وضعًا مفيدًا للطرفين".
في هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى ما وصفته دفعة أسهمت بها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لتطوير العلاقات مع نيودلهي وإكمال الشراكة الإستراتيجية مع بروكسل في أبريل/نيسان 2022.
تطوير العلاقات
وذكرت أن الهند تحتفل هذا العام بمرور 60 سنة على الصداقة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليا) ويبدو أن الجانبين على استعداد لتعميق تعاونهما.
وأشارت إلى أنه بعد وقت قصير من زيارة فون دير لاين التي استمرت يومين للعاصمة الهندية، زار رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي أوروبا أيضا، وتوقف في ألمانيا والدنمارك وفرنسا.
وأنشأ مودي وفون دير لاين مجلس الهند والاتحاد الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا، والذي سيسمح للطرفين بمواءمة السياسات ومواجهة التحديات المشتركة "في القطاعات المهمة للتطور المستدام للاقتصاد الأوروبي والهندي".
وفي الجلسة العامة بستراسبورغ في بداية يوليو/تموز، صدق البرلمان الأوروبي على تقرير مهم حول مستقبل العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والهند.
وبلغت قيمة تبادل السلع والخدمات بين الطرفين خلال عام 2020 حوالي 96 مليار يورو.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعد ثالث أكبر شريك تجاري للهند وثاني وجهة لصادراتها بعد الولايات المتحدة، لا يزال هناك "الكثير من الإمكانات غير المستغلة" بين الشريكين، وفق ما صرحت به فون دير لاين.
حاليا، ينشط ما يقرب من 6000 شركة أوروبية في الهند توظف بشكل مباشر 1.7 مليون شخص وما يقرب من 5 ملايين بشكل غير مباشر في مختلف القطاعات.
"كما زادت التجارة بين الاتحاد الأوروبي والهند بنسبة تزيد عن 70 بالمئة بين عامي 2009 و2019، وتعد نيودلهي أيضا شريكا مهما للاتحاد في تنويع سلاسل التوريد الخاصة به"، يضيف باتريشيلو.
من جانبه، قال مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى البلد الآسيوي "أوغو أستوتو" إن "الهند وبنغلاديش هما البلدان الأكثر استفادة من العدد المتزايد لشركات النسيج الفرنسية التي تغادر الصين".
ويضيف أن أوروبا "تشكل أيضا وجهة أكثر جاذبية وأمانا للشركات الهندية التي تواجه صعوبات إمداد متزايدة لم تكن موجودة من قبل".
وبحسب سفارة فرنسا، ترسل حكومة مودي "إشارات جيدة" في هذا الاتجاه، بعد أن وقعت بالفعل اتفاقيات تجارة حرة مع الإمارات وأستراليا.
وألمحت الصحيفة الإيطالية إلى "اتفاقية أكثر طموحا قيد الدراسة مع الاتحاد الأوروبي تأخذ أيضا في الحسبان التحديات الجيوسياسية المتزايدة للقارة".
كما تتفاوض الهند بشكل منفصل على اتفاقية تجارة حرة مع لندن، من المنتظر أن تكون جاهزة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفق ما أعلن وزير التجارة والصناعة الهندي، بيوش غويال.
لكن مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم تعد المملكة المتحدة تمثل بوابة الوصول إلى الأسواق الأوروبية بالنسبة للهند. لذلك على نيودلهي أن تتفاوض مباشرة مع بروكسل، وفق الصحيفة الإيطالية.
وفقا لتقرير لشركة "إي واي" (خدمية مقرها لندن)، كان للخروج من الاتحاد الأوروبي ووباء كورونا تأثير سلبي مزدوج على المملكة المتحدة، بتسجيل نمو في الاستثمار أقل بنسبة 10 بالمئة من مستويات ما قبل الجائحة.
وذكر التقرير أن "البلاد تعاني من مخاوف بشأن القيود التجارية ونقص العمالة، والتي نتجت جزئيا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
على العكس من ذلك، وفقا للتقرير نفسه، استفادت فرنسا من انتعاش كبير جدا بعد كورونا لأن تأثير الأزمة الصحية كان أكثر حدة في عام 2020 من المعدل الأوروبي.
وعلى الرغم من تطور العلاقات التجارية، ترى الصحيفة الإيطالية أنه لا يبدو أن الهند تقدم نفسها كبديل عن الصين بالنسبة للاتحاد الأوروبي من حيث الوزن الاقتصادي.
وذكرت أن قيمة التجارة في البضائع بين الاتحاد الأوروبي والصين بلغت في عام 2020، تسعة أضعاف التجارة مع الهند.
كما تؤكد بيانات المفوضية الأوروبية أن الهند "استحوذت على 1.8 بالمئة من إجمالي تجارة السلع في الاتحاد الأوروبي عام 2020، بينما احتكرت الصين 16.1 من المبادلات التجارية مع القارة نفسها".
ويعلق ألدو باتريشيلو، عضو البرلمان الأوروبي وعضو اللجنة البرلمانية للعلاقات مع الهند "من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه إلا أن يشجع ويدعم بقوة جهود نيودلهي، ولكن في نفس الوقت يظل الرابط الاقتصادي القوي مع الصين بلا شك إستراتيجي".