النزوح والجوع والمناخ.. أزمة ثلاثية تنهش 17 مليون نسمة بمنطقة بحيرة تشاد

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

دقت صحيفة لوموند الفرنسية ناقوس الخطر بشأن أزمة ثلاثية تتشكل من النزوح والجوع وتغير المناخ تنهش بأجسام أكثر من 17 مليونا من سكان منطقة بحيرة تشاد وسط إفريقيا.

وأرسلت الصحيفة الفرنسية فريقا لتقصي الحقائق وكشف المعاناة بالمنطقة التي تشمل كلا من تشاد والنيجر والكاميرون ونيجيريا.

واقع مرير

وذكرت الصحيفة أن بحيرة تشاد ذات أهمية اقتصادية كبيرة، حيث توفر المياه لأكثر من 30 مليون شخص يعيشون في البلدان الأربعة المحيطة بها (تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا) في الجزء الأوسط وسط إفريقيا.

لكن يعاني اليوم مئات الآلاف من التشاديين الذين فروا من عنف الجماعات المسلحة من الآلام الثلاثية المتمثلة في النزوح والجوع وتغير المناخ.

العجوز بودومي هو واحد من 23 ألف نازح من "مخيم أما" في محافظة بحيرة تشاد. 

يتذكر هذا الثمانيني بالتحديد صباح يوم 23 مارس/ آذار 2021، عندما كان ذاهبا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر عندما اقتحم مسلحون قريته الواقعة في شبه جزيرة بوهوما.

سقط البعض أمامه ولم يتمكن من النهوض وفر آخرون للبقاء على قيد الحياة.   

بودومي، الذي بترت ذراعه بعد ستة أشهر من العلاج في المستشفى، هو أحد هؤلاء النازحين، وهو حالة إنسانية يكافح لوصف المأساة التي يعيشها هؤلاء الضحايا في الصراع غير المتكافئ الذي اندلع في المنطقة منذ عام 2015. 

الصراع الدائر بين الجماعات المسلحة، بوكو حرام ومؤخرا تنظيم الدولة في غرب إفريقيا (إيسواب)، الذين زرعوا الرعب هناك وهجروا أكثر من 425 ألف تشادي، معظمهم من سكان منطقة حوض بحيرة تشاد، وفق الصحيفة الفرنسية.

واضطر الصيادون والمزارعون والرعاة إلى التخلي عن أراضيهم الخصبة للاحتماء شرق البحيرة في أحد المواقع النازحة البالغ عددها 196 موقعا.  

لا تزال هذه الأزمة الإنسانية، التي لم يتم الإعلان عنها إلا مؤخرا، واحدة من أخطر الأزمات في القارة الإفريقية.

ويعيش اليوم نحو 17 مليون شخص في المناطق المتضررة بالعنف بسبب النزاع الدائر بين الجماعات المسلحة وقوات الجيش في منطقة بحيرة تشاد.

بعد عدة سنوات من النزاع في شمال شرق نيجيريا، امتد النزاع القائم في المنطقة بين قوات الجيش والجماعات المسلحة في عام 2014 إلى منطقة أقصى شمال الكاميرون وغرب تشاد وجنوب شرق النيجر. 

وحتى الآن، ركزت الدول المشاركة في النزاع على الأمن وإستراتيجية احتواء عسكرية للقتال ضد المجموعات المسلحة.

إلا أنها تطرقت بالكاد إلى العواقب الإنسانية لهذه الأزمة، رغم أن عواقب النزاع المسلح في المنطقة تنعكس بشكل مباشر على الأشخاص المعرضين للعنف العشوائي من قبل الأطراف المتنازعة، إضافة إلى النزوح القسري.

وتعطلت عملية إنتاج وتوزيع الغذاء بشكل خطير وتأثرت صحة السكان وظروفهم المعيشية، بما في ذلك انتشار الصدمات النفسية على نطاق واسع.

الوضع الراهن

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن العنف استأصل حتى اليوم أكثر من 2.5 مليون شخص من ديارهم في جميع أنحاء المنطقة. 

ويستمر النزاع في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي في النيجر وتشاد والكاميرون، إذ تعرض آلاف المدنيين للعنف وسوء المعاملة والانتهاكات.

وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه بدءا من 31 أغسطس/آب 2020، يعيش 299 ألفا و314 لاجئا نيجيريا في تشاد والكاميرون والنيجر.

ووفقا لمشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح، قتل أكثر من 37 ألفا و500 شخص بسبب النزاع في منطقة حوض بحيرة تشاد بين مايو/أيار و31 يوليو/تموز 2020.

ويواجه أكثر من 17 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة أزمة معقدة سببها الفقر المدقع وتغير المناخ والعنف، ويحتاج أكثر من 10 ملايين منهم إلى الحماية المنقذة للحياة والمساعدة الإنسانية.

 إلا أن المشاكل الأمنية والقدرة على الوصول إلى المناطق المتضررة تحولان دون تقديم المساعدة للأشخاص المتضررين.

ولا تزال بعض مخيمات النازحين في ولاية بورنو في نيجيريا تفتقر إلى الأساسيات كالغذاء والمياه النظيفة الصالحة للشرب والمأوى والصرف الصحي. 

وتشتد احتياجات الناس بشكل خاص في المقاطعات المعزولة خارج عاصمة الولاية ميدوغوري.

ويأتي موسم الأمطار بالمزيد من التعقيدات، مع ارتفاع عدد الإصابات بالملاريا والأمراض الأخرى كالكوليرا والتهاب الكبد الفيروسي E.  

كما تعيق الطرقات المغمورة بالمياه القدرة على تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق النائية.

ويستمر السكان في القدوم من جميع أنحاء ولاية بورنو، إضافة إلى اللاجئين من الكاميرون المجاورة، أحيانا بشكل قسري، إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش.  

ويعاني هؤلاء الأشخاص من مشاكل متعلقة بالحد من حريتهم في التنقل خارج هذه المناطق، كما يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

وفي بعض المناطق، بقي الناس منقطعي السبل لأكثر من عامين، دون أمل في العودة إلى الوطن.

وسجلت منظمة السلامة الدولية للمنظمات غير الحكومية 896 حادثة في منطقة حوض بحيرة تشاد بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2019، بما في ذلك عمليات الخطف والهجمات وقطع الطرق والتفجيرات.

فعلى سبيل المثال، اضطر آلاف الأشخاص على الفرار من ران في نيجيريا والبحث عن الأمان عبر الحدود في بودو في الكاميرون، عقب هجوم عنيف على البلدة في يناير/كانون الثاني 2019.

كما استهدفت المجموعات المسلحة العاملين في مجال الصحة بشكل مباشر.

وفي عام 2018، على سبيل المثال، جرى الاضطرار إلى تعليق الأنشطة الطبية إثر هجمات على ولاية بورنو في نيجيريا، كما أدى هجوم عنيف في منطقة ديفا في النيجر في أغسطس/آب 2019 إلى تعطيل العمل مرة أخرى.

مخاطر كبيرة

وأكدت الصحيفة الفرنسية أن الوضع الأمني يزيد المخاطر التي يتعرض إليها الأشخاص الذين يسافرون لطلب الدعم الطبي.

وأدى انعدام الأمن وتغير المناخ إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في منطقة حوض بحيرة تشاد.

وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، كان 3.6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي بحلول 27 أبريل/نيسان 2020، يعيش 2.89 مليون منهم في نيجيريا.

كما تأثرت المنطقة بشدة بسبب الملاريا، إذ يدرج تقرير الملاريا لعام 2019 الصادر عن منظمة الصحة العالمية الكاميرون والنيجر ونيجيريا ضمن 13 دولة الأكثر تضررا بالملاريا في العالم. 

وتتصدر نيجيريا القائمة حيث يبلغ عدد الإصابات فيها 25 بالمئة من مجمل الإصابات حول العالم.

ويفاقم موسم الجفاف بين موسمي الحصاد والذي يمتد من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية المزمن. 

ويحدث ذلك بالتزامن مع موسم الأمطار عندما ترتفع معدلات الإصابة بالملاريا بشكل كبير.

وتستقبل منظمة أطباء بلا حدود كل عام العديد من المرضى الذين يعانون من الملاريا وسوء التغذية الحاد معا. 

كما تقوم بأنشطة الوقاية من الملاريا التي تتضمن الوقاية الكيميائية من الملاريا الموسمية في منطقة بحيرة تشاد.

كذلك ينتشر  فيروس كورونا في جميع أنحاء منطقة بحيرة تشاد. 

ويرجح ألا يشكل الفيروس بحد ذاته الخطر الرئيس، بل عواقبه غير المباشرة كتقليص الاستجابة للملاريا والإسهال والالتهابات التنفسية وسوء التغذية، بالإضافة إلى بعض الأمراض والحالات الطبية الأخرى. 

وتشعر المنظمة بالقلق منذ بداية تفشي كورونا إزاء آثاره على أنشطة وحملات التطعيم الروتينية بسبب القيود المفروضة على التنقل والتجمع ونقص معدات الوقاية.

كما أدت المعلومات المضللة عن الفيروس إلى تخوف المجتمعات من الإصابة به كنتيجة لزيارة المراكز الصحية.