مع عجز طهران وتراخي روسيا.. ما رسائل إسرائيل بقصف مطار دمشق؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع كل مرة تقفز فيها إيران على "الخطوط الحمراء" حول نوعية الأسلحة المتدفقة إلى سوريا، يأتي الرد سريعا من إسرائيل، على شكل ضربات جوية.

وهذه المرة كان مطار دمشق الدولي بوابة النظام السوري للعالم الخارجي، هو المستهدف الرئيس بغارات جوية إسرائيلية "قاسية" في 10 يونيو/حزيران 2022.

خارج الخدمة

وأعلنت وزارة النقل التابعة لنظام الأسد أن القصف الإسرائيلي استهدف البنية التحتية لمطار دمشق الدولي، مسببا خروج المهابط عن الخدمة.

وبينت الوزارة أن مهابط الطائرات تضررت في أكثر من موقع وبشكل كبير مع الإنارة الملاحية، إضافة إلى تعرض مبنى الصالة الثانية للمطار لأضرار مادية.

ولفتت إلى أنه نتيجة لهذه الأضرار جرى تعليق الرحلات الجوية القادمة والمغادرة عبر المطار حتى إشعار آخر، مبينة أن كوادرها في الطيران المدني والشركات الوطنية المختصة عملت على إصلاح الأضرار بغية عودة استئناف الحركة التشغيلية للمطار وبالتنسيق مع النواقل الجوية.

وعقب قصف مطار دمشق، لجأت مؤسسة الطيران السورية الحكومية و"شركة أجنحة الشام" الخاصة، والتي بدأت أولى رحلاتها عام 2007، وتصفها وسائل إعلام النظام بالناقل الوطني الثاني، إلى تحويل جميع رحلاتها بشكل مؤقت إلى مطار حلب الدولي مع تأمين نقل مسافريها من دمشق إلى حلب بحافلات خاصة.

ومنذ عام 2011 بات مطار دمشق الذي أنشأ عام 1970 وهو أكبر مطار دولي في سوريا، ويبعد عن العاصمة نحو 25 كيلومترا في الاتجاه الشرقي، يلعب دورا كبيرا في نقل الأسلحة من طهران.

وعادة ما تتجه طائرات عسكرية وأخرى تجارية مباشرة من إيران إلى سوريا عبر المجال الجوي العراقي.

ويستخدم النظام السوري برئاسة بشار الأسد مطار دمشق مدنيا وتجاريا، رغم صغره وضعف قدراته اللوجستية التي لم يتمكن من تحديثها، إذ تبلغ القدرة الاستيعابية للمطار حوالي 5 ملايين راكب سنويا.

والمدرج الشمالي في مطار دمشق يعد قديما نسبيا، وآخر عملية صيانة أجريت له كانت قبل نحو ثماني سنوات، وهو الآن يعمل بشكل مكثف لاستقبال الرحلات القادمة لسوريا، وأغلبها من العراق وطهران وتحمل وفودا من الزوار الشيعة بقصد "السياحة الدينية".

بينما يستخدم الحرس الثوري الإيراني المدرج الجنوبي في مطار دمشق بشكل منفرد، لنقل الأسلحة والضباط والمليشيات والعناصر الأجنبية.

وتعرض المدرج الجنوبي إلى قصف إسرائيلي منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، بثلاثة صواريخ من نوع "أرض- أرض"، وخرج عن الخدمة، ما دفع طهران لجلب مجموعة من المهندسين الإيرانيين التابعين لوزارتي النقل والدفاع للإشراف على عملية إصلاحه.

إستراتيجية ثابتة

أنشأت إيران التي تدخلت عسكريا منذ عام 2012 لإنقاذ بشار الأسد من السقوط عقب ثورة شعبية ضده اندلعت في مارس 2011، عدة معسكرات تدريب لمليشياتها في المزارع والبساتين المحيطة بحي "السيدة زينب" جنوب دمشق، لخلق بقعة نفوذ ممتدة إلى مطار دمشق.

وسمي ذلك بمشروع "الطوق الأمني" لمحيط دمشق، الذي أشرف على تنفيذه الحرس الثوري الإيراني منذ مطلع عام 2017.

ويبدأ "الطوق" المزعوم من مخيم اليرموك جنوب العاصمة مرورا بأحياء ملاصقة له وهي ببيلا، ويلدا، وبيت سحم، والسيدة زينب، وحجيرة، وصولا إلى مطار دمشق، بما يضمن عملية تغيير ديمغرافي تخنق العاصمة وتؤثر عليها اجتماعيا واقتصاديا.

ولا تعلق إسرائيل عادة بشكل رسمي على أي تحرك لها في سوريا، لكن وسائل إعلام عبرية تشير في كثير من الأحيان إلى وقوف تل أبيب خلف الضربات وتسرب أهدافها منها.

وذكرت قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية، في 11 يونيو 2022، أن سلاح الجو في الجيش قصف مدرجين في مطار دمشق، لإرسال رسالة إلى "إيران والنظام السوري بأنه عازم على وقف تهريب السلاح والمنظومات القتالية عبر الطائرات المدنية".

وكشفت القناة أن القصف جاء بهدف إحباط محاولات إيران "لتهريب منظومات دقيقة إلى حزب الله اللبناني، وضمنها تجهيزات تستخدم في تحويل الصواريخ العادية إلى أخرى ذات دقة إصابة عالية".

وبدا واضحا أن قصف تل أبيب حاليا هو استكمال لإستراتيجية جرى تبنيها منذ عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي قال عام 2017: "سنرد كلما نحصل على معلومات تشير إلى نية لنقل أسلحة متطورة لحزب الله".

وتعد محاولات إيران لحشد ترسانة من الأسلحة النوعية على حدود مرتفعات الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، يقابله ترصد إسرائيلي دائم، إضافة إلى منع اتخاذ طهران من الأراضي السورية قاعدة لتهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان.

ولم تتوقف إسرائيل منذ سنوات عن قصف مواقع ومنشآت مدنية وعسكرية داخلة ضمن مشروع إيران لتأسيس موطئ قدم عسكري دائم لها في سوريا.

إلا أن إخراج مطار دمشق الدولي، رئة النظام السوري ومصدر الدخل التجاري المهم له، عن الخدمة في هذا التوقيت، قرأه مراقبون عسكريون من أوجه متعددة.

لعبة الجواسيس

وهنا يؤكد المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، لـ "الاستقلال"، أن "تكرر الضربات الإسرائيلية على مطار دمشق جاء نتيجة نقل الأسلحة الإيرانية المحظورة إلى سوريا عبره".

وأضاف أيوب قائلا: "الوجود الإيراني رغم أنه لا يزعج إسرائيل، فهناك خطوط حمراء لبعض الأسلحة تمنع تل أبيب وصولها إلى سوريا".

الحرس الثوري الإيراني يحاول القفز على تلك الخطوط، إلا أن جواسيس إسرائيل في إيران هم من يعطونها معلومات له عن طبيعة الشحنات التي يجري نقلها إلى سوريا، وفق قوله.

وألمح الخبير العسكري إلى أنه "في الآونة الأخيرة لجأت إيران إلى نقل الأسلحة بالطائرات المدنية، حيث يكون في الطائرة نحو 30 مسافرا وباقي الطائرة تستغل لنقل الأسلحة والذخائر لسوريا".

وعد أيوب أن "إيران تحاول عن طريق البر والبحر والجو نقل الأسلحة إلى النظام السوري وحزب الله ومليشياته، إلا أن الضربة الجديدة لمطار دمشق كانت مؤلمة استهدفت فيها إسرائيل البنية التحتية له حتى تمنع إقلاع وهبوط الطائرات بشكل مؤقت لأنه يمكن إصلاح المهابط خلال يوم".

ومضى يقول: "لكن الضربة هي رسالة إسرائيلية للحرس الثوري بأن استمرار توريد الأسلحة المحظورة المتفق على عدم دخولها إلى سوريا سيؤدي لاحقا لضرب جميع مهابط الطائرات الموجودة في هذا البلد".

ورأى أيوب أن "ما يحدث مهزلة، فإسرائيل تدعي استهداف الحرس الثوري، والأخير يزعم المقاومة والدفاع عن القدس".

لكن الحقيقة هي أن تل أبيب وطهران هما وجهان لعملة واحدة، وهدفهما تدمير البنية التحتية والنسيج الاجتماعي السوري، خاصة أن إسرائيل لا تستهدف الوجود البشري للمليشيات الإيرانية بل تكون على منشآت سورية يكون فيها خبراء إيرانيون أحيانا، وفق تقديره.

وختم أيوب بالقول: "هناك توافق مصالح بين إسرائيل وإيران وبالتالي كل قصف يأتي هو نتيجة القفز الإيراني على الخطوط الحمراء، وما يجري بروبوغندا متفق عليها مسبقا".

غض طرف روسي

ورغم أن مطار دمشق غير حديث في تجهيزاته ويعتمد على الصيانة والتحديثات من روسيا، فإن إعادة تشغليه تستغرق أياما معدودة، بسبب وجود تقنيات حديثة تساعد على ترميم المدرجات بسرعة كبيرة.

ويتفق القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، مع الكثيرين بأن "القصف الإسرائيلي الأخير لمطار دمشق كان بمثابة رسالة أمنية لنظام الأسد ولإيران تفيد بأن عمليات تمويه نقل البضائع والأعتدة العسكرية من طهران إلى دمشق مكشوفة لإسرائيل وستستمر باستهدافها في أي مكان".

وأضاف حسون لـ "الاستقلال"، المطلعون عن كثب يعلمون أن "نظام الأسد بات منذ فترة ليست قصيرة يستخدم الطيران المدني، والصالات المدنية في مطار دمشق لنقل وتخزين الوسائط العسكرية القادمة من إيران".

وبات يجعل ركاب الطائرات المدنية في دائرة الاستهداف، بسبب وضع هذه الوسائط في غرف حقائب الطائرات، مستخدما الركاب المدنيين للتغطية على نشاط إيران العسكري، وفق قوله.

والقصف الإسرائيلي الجديد على مطار دمشق، أثبت أن آلية "عدم التضارب" في السماء السورية بين روسيا وإسرائيل التي سمحت للأخيرة منذ عام 2015 بشن ضربات ضد المصالح المرتبطة بإيران في سوريا ما تزال سارية بين موسكو وتل أبيب.

كما نسف القصف الجديد على دمشق، الحديث عن خوف إسرائيل من فقدانها حرية العمل في سوريا التي يخضع مجالها الجوي للسيطرة الروسية، بعدما أثارت تل أبيب حفيظة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب موقفها المؤيد بشكل مفرط لأوكرانيا التي غزتها روسيا منذ 24 فبراير 2022.

ولا تسمح روسيا للنظام بتفعيل أنظمة إس 300 المضادة للصواريخ التي سلمتها موسكو إلى سوريا منذ سنوات. إذ لهذه الأنظمة، التي لا تزال تحت الإدارة الروسية قدرة على تدمير طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ومطاردته.

وحول هذه الجزئية، رأى العميد فاتح حسون، أن "كثافة القصف الإسرائيلي لمراكز حيوية للإيرانيين في سوريا دون اعتراض طائراتها من وسائط الدفاع الجوي الروسية تدلل على أن التفاهمات الإسرائيلية الروسية في دمشق ما زالت على ما يرام، ولم تخلخلها الحرب الروسية على أوكرانيا، وهذا ما أظهره قصف مطار دمشق".

وذهب للقول: "كما أن القصف رسالة واضحة لإيران بأنه لا يمكن التراخي معها بما يتعلق بانتشارها في سوريا، وتمددها جنوبا، ولو كان الثمن استهداف بنى ومنشآت ذات صفة مدنية، مستندة في ذلك إلى ضعف المتبقي من جيش نظام الأسد، وعجز طهران وتراخي روسيا".

استغلال الفرصة

وكان بشار الأسد، أجرى "زيارة عمل" مفاجئة هي الثانية له منذ اندلاع الثورة، إلى العاصمة الإيرانية طهران في 8 مايو/أيار 2022، التقى فيها بالرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد آية الله خامنئي.

وربط مراقبون عسكريون الزيارة بانشغال روسيا بحرب أوكرانيا، مما يعطي فرصة لطهران في توسيع دورها بسوريا على حساب موسكو؛ التي في حال طال صراعها مع أوكرانيا قد تكون غير قادرة على توفير دعم مستمر للنظام، وهو ما يعني فرصة لإيران لتقديم البدائل.

صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية ذكرت في تقرير نشرته في 29 مارس 2022، أن سلاح الجو الإسرائيلي ضرب على مدى السنوات الخمس الماضية، 1200 هدف بأكثر من 5500 ذخيرة خلال 408 مهمات.

وكان الهدف منع إيران من الترسخ على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وتهريب أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان.

وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لا سيما وهي تمتلك نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة عام 2012.

ولذا فإن أكثر ما يقلق إسرائيل هو توريد إيران الأسلحة إلى سوريا، وهذا ما يجعل تل أبيب تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفه بمحاولات طهران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في هذا البلد.

فضلا عن تشكيل القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية اللاعب الأكبر في تعطيل هذا الطريق الملتوي إلى حلفائها في دمشق وبيروت.