غارة إسرائيلية على طرطوس.. وناشطون: الاحتلال يستميل العلويين بعد الدروز

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

ندَّد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بشن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية على موقع عسكري في مدينة طرطوس الساحلية الواقعة غرب سوريا، مستنكرين مساعي الكيان للحيلولة دون نهوض واستقرار سوريا والعمل على إضعافها وفرض سيناريو تقسيمها.

وكالة الأنباء السورية قالت في 3 مارس/آذار 2025: إن "غارات جوية نفّذتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة طرطوس، دون تسجيل خسائر بشرية حتى الآن، فيما تعمل فرق الدفاع المدني والفرق المختصة على التأكد من مكان الاستهدافات".

فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أنه استهدف "موقعا عسكريا كان مخزنا لأسلحة النظام السوري السابق" في القرداحة بسوريا التي تنحدر منها عائلة الأسد.

وقال الناطق باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي أفيخاي أدرعي: إنه "نظرا للتطورات الأخيرة في المنطقة، تقرر مهاجمة بُنى تحتية داخل الموقع".

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد البائد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، كثَّفت إسرائيل غاراتها الجوية على مواقع عسكرية كانت تابعة للنظام السابق والمليشيات المدعومة من إيران وحزب الله. 

وأسفرت هذه العمليات عن تدمير معظم المطارات الحربية، وأنظمة الدفاع الجوي، والأسطول البحري السوري، إلى جانب مستودعات الصواريخ قصيرة وطويلة المدى، ومخازن الأسلحة الكيميائية، مما قلّص بشكل كبير من القدرات العسكرية السورية.

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد نفذ في 25 فبراير/شباط 2025 غارات جوية ضد مناطق سورية، استهدفت محيط منطقة الكسوة جنوبي العاصمة دمشق وفي ريف درعا، تزامنا مع توغّل بري على الحدود بين محافظتي القنيطرة ودرعا جنوبي سوريا.

وأقر وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بتنفيذ الجيش غارات على العاصمة السورية دمشق، مهددا بأن "أية محاولة من قبل قوات النظام السوري للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سوريا سيتم الرد عليها بالنيران".

وجاء تنفيذ الغارات الإسرائيلية عقب تهديد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسيطرة على المناطق الجنوبية للبلاد ونزع السلاح منها ومنع وجود القوات السورية فيها وفرض الوصاية على الطائفة الدرزية.

كما أعلن نتنياهو أن "القوات الإسرائيلية ستبقى في منطقة جبل حرمون ومحيطها لفترة غير محددة زمنيا لحماية بلداتنا ومواجهة أي تهديد".

ورفضا لتصريحات نتنياهو بشأن جنوب سوريا، نظمت الفرق التطوعية بمحافظة طرطوس وقفة احتجاجية، وسط مشاركة الأهالي، مؤكدين تمسكهم بوحدة الأراضي السورية ومطالبين الاحتلال بالخروج من أراضيهم.

وردَّد المشاركون الغاضبون، هتافات ضد الاحتلال الإسرائيلي، من بينها: "من طرطوس للجولان.. الشعب السوري بالميدان"، و"يا طرطوس علّي الصوت.. الشعب السوري ما بيموت"، رافعين لافتات تؤكد وحدة أراضي سوريا وضرورة انسحاب المحتل، ورفض محاولات تقسيم سوريا.

ومطلع مارس، أصدر نتنياهو وكاتس تعليمات للجيش بالاستعداد للهجوم على القوات السورية في قرية جرمانا، فيما هدد كاتس بالتدخل عسكريا ضد القوات السورية "إذا أقدم النظام على المساس بالدروز في ضاحية جرمانا".

ويُعَد الدروز الأقليات السورية؛ إذ تبلغ نسبتهم نحو 3 بالمئة من مجموع السكان، كما يطلق عليهم اسم "الموحدون"، ويتمركزون في محافظة السويداء جنوبي البلاد، إلى جانب مناطق بالعاصمة دمشق وريفها، ومناطق بالقنيطرة (جنوب)، وريف إدلب (شمال).

بدوره، قال الزعيم الدرزي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط: إن الصهيونية تستخدم الدروز جنودا وضباطا لقمع الفلسطينيين في غزة والضفة، وتريد التمدد إلى جبل العرب (الدروز) في سوريا.

وفي تصريحات صحفية عقب اجتماع استثنائي عقدته الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في دار الطائفة بالعاصمة بيروت، حذر جنبلاط من حرب أهلية يسعى إليها "بعض ضعفاء النفوس"، معلنا أنه سيذهب إلى دمشق للتأكيد على مرجعية الشام بالنسبة للدروز.

وأكد جنبلاط أن الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف “لا يمثلنا وهو مدعوم من إسرائيل”. مشيرا إلى أن "هناك استجرارا للبعض، وإذا ما نجح فسيؤدي إلى حروب أهلية لا ندري كيف ستنتهي".

ومدينة طرطوس الساحلية تقع على بُعد حوالي 160 كيلومترا شمال غرب العاصمة دمشق، وتعدّ المعقل الأبرز للطائفة العلوية التي كانت مؤيدة لنظام الأسد؛ إذ تجمع أشد العلويين تأييدا للنظام إلى جانب مئات الآلاف من النازحين الذين فروا من القصف في المدن والمناطق الثائرة.

ونزح إلى طرطوس نحو سبعمائة ألف من العلويين والسنة منذ بدء الثورة السورية قبل نحو سنتين ونصف السنة، وهو ما يعد عبئا كبيرا على المدينة التي لم تكن تؤوي أكثر من مليون شخص، ويتوافق أهلها على تجنب التوتر الطائفي رغم تفاوت الولاء السياسي بين السنة والعلويين.

وتضمّ طرطوس الميناء العسكري الروسي الوحيد على البحر المتوسط، وسبق لموسكو أن أرسلت مئات من جنود بحريتها وعددًا من سفنها العسكرية إلى الميناء خلال الثورة السورية.

ونظر لأن غالبية سكان طرطوس من العلويين، رأى ناشطون أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لاستمالة الطائفة العلوية وكسب ودهم بهدف تشكيل تحالف ضد الحكومة السورية الجديدة التي يرأسها أحمد الشرع، وحسم كامل سوريا، مطالبين السلطات باتخاذ موقف رادع للاحتلال.

وصبوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على منصة "إكس"، جام غضبهم على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وتحدثوا عن أطماعه في سوريا، داعين الجميع لوأد الفتنة وعدم الانجرار إلى محاولات تقسيم سوريا.

استمالة العلويين

واستنكارا لاستهداف طرطوس وتسليطا للضوء على أهداف الاحتلال، قال المغرد نبيل: "في تحدٍّ قوي للعرب قبل انعقاد قمتهم إسرائيل تمارس غيها وغطرستها وتقصف ميناء طرطوس في سوريا بعد يوم من قفلها للمعابر مع قطاع غزة ومنع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية للفلسطينيين".

وقالت الإعلامية صبا مدور: إن “نتنياهو بعدما فشل في استمالة الطائفة الدرزية بفعل الرد السوري الحاسم والموحد، يُوجّه رهانه نحو الطائفة العلوية، مستغلا سعي جزءٍ منها للإفلات من العقاب والحماية من المحاسبة مما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب السوري”. 

وبشرت بأن المصير لن يكون مختلفا، وسيلحق به الفشل مجددا، شأنه شأن كل من سار على خطاه، مهما حاول عقد التفاهمات أو المساومات مع الروسي والأميركي، مذكّرة الجميع بأن هؤلاء لم يتمكنوا من حماية الأسد من الثوار في النهاية. 

وأكدت مدور، أن وحدها وحدة السوريين وإرادتهم وقوة دولتهم هي التي ستصون سوريا بجميع مكوناتها، وعهدا سيخضع للمحاسبة كل من تلطَّخت يداه بدماء الأبرياء، مهما كانت طائفته، حتى وإن استنجد بجيوش الأرض جميعها.

ورأى الباحث المتخصص في الشؤون التركية والإقليمية محمود علوش، أن القصف الإسرائيلي على الساحل السوري يتجاوز في خطورته ودلالاته استهداف ما تبقى من أصول عسكرية لسوريا. 

وأشار إلى أن القصف الإسرائيلي على الساحل جاء بالتوازي مع تحركات "إسرائيل" المصممة في الجنوب لتقديم نفسها كحامٍ للدروز. لافتا إلى أنها تُحاول تقديم نفسها كحامٍ للعلويين أيضا ليس من حكم الشرع الذي يسهل عليها شيطنته، بل من حكم "الأكثرية".

وأوضح علوش، أن باستهداف مُقدرات عسكرية لسوريا في منطقة الساحل تحديدا، يُحاول الإسرائيليون إرسال رسالة لفلول النظام المخلوع، الذين يحاولون منع الدولة الجديدة من الوجود في المنطقة، بأنهم سيقوضون قدرة الدولة على الوجود في الساحل ومستعدون لدعمهم لتشكيل تمرد واسع عليها. 

وأكد أن "إسرائيل" لا تهتم لا بأقليات ولا بأكثرية، وما يهمها فقط هو سوريا ضعيفة وممزقة، ولو كان دعم "الأكثرية" يُحقق لها هذا الهدف لحاولت فعل ذلك.

مجابهة المخططات

ودعوة لمجابهة مخططات الاحتلال ومطالبة الحكومة السورية بموقف صارم، أكد أحمد الدالاتي، أن قوة سوريا الجديدة في تنوعها، ووحدتها السياسية شعبا وأرضا هدف لكل السوريين الأحرار، وتعاونهم وتكامل جهودهم سبيل بناء مؤسساتها، قائلا: إن دعاوى التقسيم المزعومة مرفوضة عند كل أبنائها.

وقال محمد خير كنغو: إن İالتوغلات الإسرائيلية المستمرة في الجنوب السوري بدأت كبالونات اختبار وللأسف كان الرد عليها باردا ودون المستوى، وعليه أصبح الجنوب السوري مسرحا لتوغلاتها دون حسيب أو رقيب.

وأضاف: "قد علمتنا التجربة أن الصلف الصهيوني لا يمكن أن يواجه إلا بالردع الخشن وإلا فستستمر بتوغلاتها وقضم المزيد من المرتفعات والتلال الحاكمة والطرق الإستراتيجية".

ورأى الباحث والإعلامي التركي محمد صديق يلدرم، أن "في هذه الأيام، لا بد أن تتحطم طائرتان حربيتان إسرائيليتان فوق سوريا".

وعطفا على ذلك، تحدث عن مشروع الكيان الصهيوني لتقسيم سوريا. مشيرا إلى أن إسرائيل تستخدم حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب والدروز لتقسيم سوريا. 

ولفت يلدرم إلى أن "بعض الأهالي بالسويداء رفعوا العلم الإسرائيلي على شارع عنقود وسط مدينة السويداء، وفي وقت لاحق، قامت مجموعة من الشباب بإنزاله وإحراقه".

واستحضر قول الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط: "من يدعي أنه يمثل الدروز بالتعاون مع الصهيونية فهو لا يمثلنا". مؤكدا أن هناك مؤامرة كبيرة تريد جر سوريا إلى حرب أهلية باستخدام الدروز.

وأشار يلدرم، إلى أن الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف قاعدة عسكرية في اللاذقية السورية وفوج دفاع جوي في طرطوس، كما اجتاز الجيش الإسرائيلي مرة أخرى الحدود السورية ودخل بلدة المشرحة بريف القنيطرة وتل المال على حدود محافظة درعا القنيطرة. 

ونقل عن صحيفة "هآرتس" قولها في إشارة إلى العملية في تركيا، أن "القضاء على حزب العمال الكردستاني يمكن أن يغير توازن القوى في سوريا ويهدد وجود إسرائيل".

وأكد الناشط الثوري عبدالملك عبود، أن سوريا "تواجه اليوم تحديا كبيرا يفوق تحديات مرحلة ما قبل إسقاط النظام البائد". 

وذكر بأنه في الماضي، كان السوريون يقفون على جبهات ذات ملامح واضحة عسكريا وسياسيا، لكن اليوم، باتت معركة بناء الدولة متعددة الجبهات، داخليا وخارجيا، في مقدمتها الحفاظ على سيادة الدولة وسط محاولات اختراق من بعض الدول، وعلى رأسها إسرائيل التي تسعى لإبقاء سوريا ضعيفة. 

ووصف عبود، من يعتقد أن المشكلة يمكن حلها عبر اتفاقية سلام دائمة معها فإنه "مخطئ"؛ لأن التوسع الإسرائيلي لا يمكن الرد عليه بالسلام الذي تدعي سعيها إليه.

وأوضح أن لضمان الأمن والاستقرار، يجب إنهاء ثلاث ملفات أساسية: أولا، مليشيا قسد الإرهابية؛ ثانيا، ملف العلويين في الساحل السوري؛ ثالثا، ملف السويداء. مؤكدا أنه "لا يمكن حل هذه الملفات داخليا بدون تحقيق شرطين أساسيين".

وأفاد عبود، بأن أول شرط هو بناء الجيش السوري بسرعة، مع تجاوز العقبات والاعتماد على فصائل الجيش الوطني التي تشارك القيادة الجديدة مخاوفها من خطورة المرحلة الانتقالية، والأكثر أهمية هو أن كوادر الفصائل أبناء الحالة الثورية ولن يقبلوا بالفوضى التي تسعى بعض الأطراف لخلقها، وبذلك يكون هناك قوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها ريثما يتم تطوير مقدرات الدولة عسكريا.

وأشار إلى أن الشرط الثاني هو بناء حالة سياسية تشاركية تعتمد على الكفاءة وتعكس التنوع الثوري الذي يضم الأطياف المتعددة من المجتمع السوري، ما يسهم في بناء الثقة مع المجتمعين السوري والدولي. 

وحذّر عبود، من أن بدون تحقيق هذين المعيارين، ستبقى الحالة السورية هشّة وضعيفة أمام الاختراقات اليومية، كما حدث عند رفع علم الاحتلال الإسرائيلي في السويداء وحوادث الاستهداف المتكررة في الساحل السوري.

وقال: "دائما نعول على الأحرار السوريين في مختلف المناطق، المدركين لخطورة المشاريع الانفصالية التي تواجه سوريا سياسيا وشعبيا.. سوريا الجديدة، دولة واحدة ذات سيادة كاملة".

مخطط نتنياهو

وتفنيدا لمخططات رئيس وزراء الاحتلال، قال سلطان بن خميس: إن “نباح نتنياهو المتواصل حول خشيته على السوريين الدروز والأكراد من الحكومة السورية الجديدة، لم نسمع مثله خلال حكم الفارّ بشار، وهذا يكشف تخوفا واضحا من الحكومة الجديدة؛ فقط لأنها ذات صبغة إسلامية”.

وأضاف: "وهذا النتن لن يدخل سوريا الجديدة في حرب شاملة ما دام السوريون مؤيدين لسوريا الجديدة"، متسائلا: “هل يدرك هذا المحرش الأمر؟ أم أن أطماعه وأهدافه الغبية تعميه عن الواقع من حوله؟!”

وكتب المغرد محمد: "نتنياهو يسعى لتغيير حدود سوريا، ويرى أن لديه القوة والقدرة على السيطرة، ولا ينطبق إلا بتوجيه.. المواقف تتغير والتحالف العسكري العربي والإسلامي داخل سوريا لحمايتها حل".

وأكد الصحفي محمد ربيع، أن إسرائيل تخرق القانون الدولي يوميا في سوريا، قائلا: يجب أن ينتهي هذا الأمر فورا! تحركوا الآن؛ لأن الصمت لا فائدة منه!".

وقال: "نتنياهو يريد الحرب- سوريا تريد السلام- الاستفزاز والاعتداءات يجب أن تتوقف بشكل مباشر!".

وحذر الباحث في العلاقات الدولية محمد عمران، من أن الخطر القادم من جنوب سوريا لا يقل خطورة عن تهديد تنظيم قسد، موضحا أن نتنياهو يسعى من خلال القصف والتهديدات المستمرة إلى إبقاء سوريا في حالة من الضعف وعدم الاستقرار الدائم. 

وأضاف أن نتنياهو يستغل وجود ترامب لإشعال أكبر عدد ممكن من الحروب معوّلا على أن أي تفاوض سيحدث سيكون لصالحه، بهدف تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية تحسب له داخليا، في الوقت الذي يترقب الداخل الإسرائيلي انتهاء هذه الحروب لفتح القضايا المعلقة ضده وهذا ما لا يريده.