"بديل مهم".. هذه إستراتيجية تركيا لتوطيد علاقاتها مع دول القارة السمراء
سلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على علاقات أنقرة مع دول إفريقيا، من جهة تطورها وزيادة زخمها بعد عقد عدة مؤتمرات وتصاعد الوجود التركي في القارة السمراء.
وقالت الوكالة الرسمية في مقال للكاتبة، إليم إيرجه تبجكلي أوغلو، إن "جمهورية تركيا عندما تأسست (عام 1923)، كانت معظم البلدان الإفريقية تحت الحكم الاستعماري، وتم إجراء بعض المحاولات للتقارب مع الدول الإفريقية، لكنها لم تدم طويلا".
وأوضحت أن "جهود تركيا لتحسين علاقاتها مع الدول الإفريقية في الستينيات والسبعينيات وحتى نهاية التسعينيات تزامنت مع الفترات التي شعرت فيها بالوحدة على الساحة الدولية وسعت إلى إيجاد شركاء بدلاء ودعم تحركات السياسة الخارجية".
نقطة البداية
وعدت تبجكلي أوغلو أن "سياسة التوسع الإفريقي، المعتمدة عام 1998، هي أشمل المبادرات التي تم اتخاذها حتى ذلك الوقت، ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه السياسة بشكل كامل بسبب بعض المشاكل السياسية والاقتصادية".
وأردفت أن "علاقات تركيا مع الدول الإفريقية اكتسبت زخما، خاصة بعد إعلان عام 2005 (عام إفريقيا) وقمة التعاون التركي الإفريقي الأولى التي عقدت في 2008، حيث تم افتتاح معظم السفارات الـ43 في القارة خلال السنوات التي تلت هذه القمة، وبين عامي 2009 و2014، فتحت أنقرة سفارات في 27 دولة إفريقية".
وأشارت الكاتبة إلى أن "هناك سمتين رئيستين تميزان السياسة الإفريقية المتبعة في هذه الفترة عن الفترات السابقة، أولا، عملت دوائر الأعمال والمنظمات غير الحكومية بالتنسيق مع المؤسسات العامة في تنفيذ السياسة الإفريقية واستكملت التوسع الإفريقي".
الميزة الثانية، وربما الأكثر بروزا هي أن "سياسة تركيا الإفريقية تستند إلى العديد من عناصر القوة الناعمة المختلفة، مثل العلاقات التجارية والمساعدات الإنسانية ودبلوماسية الطيران والدبلوماسية الإعلامية والدبلوماسية الثقافية والتعليم والدبلوماسية الدينية"، بحسب تبجكلي أوغلو.
وذكرت أنه "في عام 2021، بلغ حجم تجارة تركيا مع الدول الإفريقية 25 مليار دولار، ومن المحتمل أن تصل العلاقات التجارية إلى مستوى أعلى، حيث قامت الشركات التركية العاملة في القارة منذ السبعينيات بمشاريع كبرى، خاصة في مجال البنية التحتية".
في حين أن معهد يونس إمره، المؤسسة الرئيسة التي تنفذ أنشطة الدبلوماسية الثقافية في تركيا، لديها 10 مراكز ثقافية في 8 دول إفريقية، ومن المقرر أن يتضاعف هذا الرقم عام 2022.
بينما يزداد الاهتمام بالثقافة واللغة التركية من خلال المراكز الثقافية المفتوحة في القارة، تساهم هذه المراكز أيضا في تعميق التفاعل بين الثقافات، تؤكد تبجكلي أوغلو.
وتابعت: "كان توحيد المنح الدراسية المقدمة للطلاب الدوليين من قبل منظمات مختلفة تحت اسم المنح الدراسية التركية، تطورا مهما آخر من حيث أنشطة الدبلوماسية العامة، والذي زاد من التواصل بين الثقافات بين تركيا والدول الإفريقية".
توسيع الشبكة
وترى الكاتبة أنه "يجب أن ينظر إلى المنح الدراسية المقدمة للطلاب الأفارقة على أنها مصدر مهم للاستثمار من أجل مستقبل علاقات تركيا مع الدول الإفريقية، لأن الأفراد الذين يستفيدون من برامج المنح هذه ولديهم رأي إيجابي حول تركيا، عند عودتهم إلى بلادهم سيلعبون دورا مهما في تعميق العلاقات الثنائية".
وأردفت أن "مؤسسة المعارف التركية تعد من أهم الأنشطة الدبلوماسية التعليمية، حيث تساهم في القوة الناعمة لتركيا من خلال الطلاب الناطقين باللغة التركية التي تخرجها".
بالإضافة إلى هذه المنظمات، تقدم المؤسسة الدينية التركية أيضا منحا جامعية ومدارس ثانوية للطلاب المسلمين من مختلف البلدان الإفريقية.
وتقوم أيضا ببناء المساجد في العديد من البلدان الإفريقية، وإصلاح المساجد المتضررة وتنظيم حملات إغاثة للمحتاجين في البلدان الإفريقية، خاصة خلال الأشهر الدينية، توضح الكاتبة التركية.
وتابعت: "من ناحية أخرى، تقدم المساعدة الإنمائية الرسمية للبلدان الإفريقية من قبل منظمة المعونة الدولية التركية، الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)".
وتنفذ "تيكا" مشاريع في العديد من المجالات، وخاصة في قطاعات التعليم والصحة والزراعة، جنبا إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية التركية والمؤسسات العامة الأخرى، كما تنفذ برامج تدريبية لتلبية الحاجة إلى القوى العاملة المؤهلة في القطاعات والمهن اللازمة في البلدان الإفريقية.
وأشارت الكاتبة إلى أن "وكالة الأناضول، وهي مؤسسة أخرى تساهم في إمكانات القوة الناعمة لأنقرة، افتتحت مراكز ومكاتب إذاعية في بعض البلدان الإفريقية بالتوازي مع التوسع الإفريقي لجمهورية تركيا".
بالإضافة إلى "وكالة الأناضول، تصل قناة TRT World، التي بدأت البث عام 2015، إلى جميع أنحاء إفريقيا تقريبا باللغة الإنجليزية، وذلك بفضل كل من الإنترنت والبث التلفزيوني التقليدي، وكان من أهم التطورات في هذا المجال بداية حياة بث قناة TRT Sahili في عام 2020".
وأضافت "بدءامن عام 2022، تطير الخطوط الجوية التركية إلى 61 وجهة في 40 دولة إفريقية، حيث وسعت شبكات رحلاتها، وتعمل وفقا لأولويات السياسة الخارجية التركية وتساعد على زيادة رؤية تركيا في إفريقيا".
تعاون عسكري
وأردفت تبجكلي أوغلو أن "مسألة التعاون العسكري مع الدول الإفريقية لم تجذب الكثير من الاهتمام حتى افتتاح منشأة التدريب العسكري التركية في العاصمة مقديشو عام 2017؛ لتدريب الجنود الصوماليين، وكذلك توقيع اتفاقية تعاون عسكري وأمني مع حكومة الوفاق العسكري في طرابلس الليبية عام 2019".
وأوضحت أن "السبب الرئيس وراء بدء مناقشة الوجود العسكري التركي في إفريقيا مؤخرا هو زيادة تصدير الأسلحة والمركبات البرية (المدرعة) وخاصة المركبات الجوية بدون طيار (UAV)/الطائرات المسلحة بدون طيار (SİHA) إلى البلدان الإفريقية بالتوازي مع تطوير صناعة الدفاع".
وأضافت أن "هناك طلبا كبيرا على الطائرات بدون طيار تركية الصنع من الدول الإفريقية، لأنها أرخص من بدائلها في السوق، ولأن تركيا لا تلزم بيع هذه الأسلحة بالشروط السياسية".
وفي هذا الصدد، برزت تركيا كبديل مهم لروسيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين، التي ظلت تحتفظ بسوق السلاح في القارة لسنوات عديدة في أعين الدول الإفريقية، ومن المرجح أن تزداد صادرات صناعة الدفاع التركية إلى الدول الإفريقية بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة.
ولفتت تبجكلي أوغلو إلى أن "المبيعات للبلدان الإفريقية التي لديها مشاكل مختلفة مع جيرانها أو التي هي مسرح صراعات داخلية قد تضر بالعلاقات مع البلدان الإفريقية الأخرى".
وتابعت: "لهذا السبب، في عملية إدماج عناصر القوة الصلبة في عناصر القوة الناعمة التي شكلت العمود الفقري لسياسة تركيا في إفريقيا لسنوات عديدة، من الضروري العمل بعناية ومراعاة الديناميات داخل المنطقة، وخاصة في مجال مبيعات الأسلحة".
واستدركت موضحة: "إلا، فهناك خطر من أن تضر هذه القضية بالصورة التي أنشأتها تركيا في القارة من خلال القوة الناعمة، حيث تم إجراء استثمارات كبيرة لسنوات عديدة".
وختمت الكاتبة مقالها بالقول: "مع ذلك، تنتظر تركيا تحديات أخرى على المدى المتوسط والطويل نابعة من المنافسة الدولية في القارة، وسيكون الموقف الذي سيتم تبنيه ضد هذه التحديات، وخاصة استخدام القوة الناعمة وعناصر القوة الصلبة معا، حاسما في العلاقات التركية الإفريقية".