وصفه بالفاشل والساذج.. ماذا وراء هجوم الإعلام السعودي على سعد الحريري؟
على غير المعتاد، تشن وسائل إعلام سعودية هجوما لاذعا على رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وزعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، الذي أعلن اعتزاله الحياة السياسية في 24 يناير/كانون الثاني 2022، وعدم خوضه الانتخابات في 15 مايو/أيار من العام نفسه.
الحريري الذي تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات دعا حينها تياره السياسي إلى عدم الدفع بأي مرشحين في الانتخابات، مبررا قراره بأنه يأتي في ظل قناعته بعدم وجود أي فرصة إيجابية للبنان في ظل نفوذ إيراني وتخبط دولي، وانقسام وطني واستعار الطائفية.
من باب تحمل المسؤولية أيضًا، ولأنني مقتنع ان لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي: أولا، تعليق العمل بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها.
— Saad Hariri (@saadhariri) January 24, 2022
"متشيع سياسيا"
وفي أول هجوم علني من نوعه، نشرت صحيفة "عكاظ" السعودية للكاتب محمد الساعد مقالا في 5 مايو، وصف فيه سعد الحريري بأنه "فاشل وضعيف وساذج ومتشيع سياسيا"، متهما إياه بأنه "ارتمى في أحضان إيران" خلال الأعوام الأخيرة.
وقال الكاتب السعودي إن "الحريري بعد سبعة عشر عاما يبدو مختلفا تماما عن ذلك الشاب الذي كفكفت دموعه المملكة إثر اغتيال والده في فبراير/شباط 2005، فقد التحى كما الإيرانيين، ولم يبق إلا أن يخلع (الكرافتة)".
وأردف: "صحيح أن تلك رمزيات في السياسة، إلا أنها تعطي انطباعا عن تشيع سياسي بدأت تظهر آثاره في تصرفات سعد، فما حدث له خلال الأعوام الماضية جعله يرتمي في أحضان طهران".
وأضاف: "فبعد فشله سياسيا واقتصاديا ومشاركته بمسؤولية الانهيار الذي وصل إليه لبنان، وعدم قدرته على خوض الانتخابات، قدم الحريري أكبر خدمة لقتلة والده (بتفجير عام 2005) وذلك بدعوة الطائفة السنية لمقاطعة الانتخابات لإخلاء الساحة الانتخابية لحزب الله الإرهابي والتيار العوني على حساب وطنه لبنان وعلى حساب طائفته"، وفق قوله.
ورأى الساعد أن "الحريري اليوم يعمل على تشتيت الأصوات السنية، والامتناع عن التصويت، في الانتخابات القادمة، يعني ذهاب المقاعد السنية لحلفاء حزب الله، العدو التاريخي ليس للسنة فقط بل للبنانيين جميعا الذين وثقوا في سعد ذات يوم".
وتابع، قائلا: "على سعد الحريري أن يعود إلى 2005 – 2010 ممثلا لسياسات وأمنيات وأحلام القوى التي التفت حوله، وأن يؤمن بأن حزب الله و(ميشال) عون (الرئيس اللبناني) ومن لف لفهم في حاجة إليه وليس هو من يحتاجهم".
وبين أن على سعد "أن يتصرف كرجل دولة لبناني لا كأسير حرب عند حزب الله وعون، وأن يحافظ على الموقع السني الأول ولا يفرط في وحدته وهيبته لصالح القوى الإيرانية أو الطوائف الأخرى".
وفي 9 مايو 2022، عاودت الصحيفة ذاتها مهاجمة الحريري من خلال تصريحات أطلقها السياسي والوزير اللبناني السابق معن المرعبي، انتقد فيها، سعد، واتهمه بممارسة ما أسماه بـ"النفاق السياسي" على الطائفة السنية بشكل خاص والشعب اللبناني بشكل عام.
واتهم المرعبي، الحريري بأنه "لم يعمل من أجل الطائفة السنية لأنه نفذ كل أوامر حزب الله، ويبدو أنه مستمر في تنفيذ الأوامر من خلال دعوته لمقاطعة الانتخابات، حيث ستظهر وفقا للمخطط نتائج الاستفتاء بأن غالبية الشعب اللبناني مع محور الشر".
مقاطعة عبثية
وفي لغة أخف من "عكاظ" نالت صحيفة "الشرق الأوسط" هي الأخرى من سعد الحريري، وذلك خلال مقابلة مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق القيادي في تيار المستقبل، فؤاد السنيورة، أجرتها في 6 مايو.
وقرر السنيورة الدعوة للمشاركة بقوة في الانتخابات رغم قرار الحريري مقاطعتها. وقال فؤاد إنه "لا يجوز ترك الساحة فارغة ليصار إلى ملئها من قبل طارئين وأصحاب مصالح شخصية".
ووصف المقاطعة التي يدعو لها الحريري بأنها "عبثية"، مذكرا بتجربة العراق بالنسبة للفريق السني الذي امتنع قسم منه عن المشاركة بالانتخابات.
ودعا السنيورة الجميع إلى "موقف جدي وصارم في الرغبة بالاقتراع وأنا أدعوهم للمشاركة بالعملية الانتخابية التي هي حق وواجب على كل واحد كما أدعوهم أن يختاروا من يدعم الدولة اللبنانية لاستعادة دورها وسلطتها وهيبتها"، محذرا من "المصائب أو المشكلات التي يمكن أن تحصل بلبنان إذا جرت المقاطعة".
ولا يشارك السنيورة بعض أنصار الحريري تفسيرهم قراره تعليق العمل السياسي وعدم الترشح للانتخابات، بأنه قرار بالمقاطعة.
إن "النص الذي اعتمده الرئيس الحريري بهذه الدعوة يقتصر فقط على عدم ترشحه وعدم رغبته أن يترشح أحد من تيار المستقبل ودعوته من يريد أن يفعل ذلك بألا يترشح باسم تيار المستقبل أو أن يقدم استقالته".
وأعرب السنيورة عن اعتقاده بأن "المصلحة الوطنية للبنان تكمن في أن يصار إلى الإقبال بكثافة على الاقتراع، وليس بالاستماع إلى وجهات نظر من أشخاص لا يقدرون التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن هذه المقاطعة إذا جرت، لذلك يجب ألا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل لكن هناك من يحب أن يكون ملكيا أكثر من الملك وهذا غير صحيح وغير مجد".
وشدد بالقول: "نريد أن نسترجع إرادة لبنان الحرة وقرار الدولة الحر ممن يحاولون اختطافها، وأعني بذلك حزب الله ومجموعات أخرى، وأيضا يكون موقف هذه المجموعة الحرص على البلد واستقلاله ومنع التعدي عليه من قبل إسرائيل التي هي العدو الذي نواجهه وأيضا من الخصوم الآخرين".
وعما يعنيه فوز تحالف "حزب الله" بالانتخابات، يؤكد السنيورة أن الأمر إن حصل "سيغير وجه لبنان الديمقراطي الاقتصادي الحر الثقافي والانفتاح واحترام دور الدولة وقراره الحر والدستور واستقلالية القضاء".
"إزالة الشرعية"
ويفسر الكاتب اللبناني ماهر الخطيب، مهاجمة الحريري، بالقول: إنه "بات من الواضح أن السعودية ترغب بدخول المعركة الانتخابية بكل قوتها، بعد أن كان الكثيرون يتحدثون أن عودتها إلى لبنان غير مرتبطة بهذا الاستحقاق، نظرا إلى أنها جاءت بعد الانتهاء من عملية تشكيل اللوائح بشكل رسمي".
لكن اللافت هو أن بوابتها الرئيسة كانت الهجوم العنيف على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وفق الخطيب.
وأوضح خلال مقال نشره موقع "النشرة" في 6 مايو أنه "من حيث المبدأ، الطريقة التي تتعامل فيها الرياض مع الحريري تؤكد، بما لا يقبل الشك، أن رئيس الحكومة السابق أثبت أنه الأكثر قدرة على التأثير في خيارات الناخبين السنة، بينما لم تنجح مختلف الشخصيات والقوى التي سعت إلى وراثته بتحقيق الهدف المطلوب منها".
وتابع: "من الضروري السؤال عما إذا كان الهدف السعودي، من الحملة التي تشن على الحريري، هو فعلا فقط دفعه للمشاركة في هذا الاستحقاق فقط، خصوصا إذا ما كانت هذه الحملة قرارا رسميا من قبلها، لا مجرد وجهة نظر يعبر عنها بعض المسؤولين فيها".
ولفت إلى أن "هذه الحملة تعني أن الهدف لم يعد يقتصر على دفع الحريري إلى المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، بالرغم من أنها قد لا تؤدي إلى تبديل موازين القوى بشكل عام".
بل المطلوب منها الانتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي تعريته سنيا، عبر الذهاب إلى تحميله شخصيا مسؤولية الواقع الذي تمر به الطائفة، وبالتالي إزالة الشرعية عنه، وفق تقديره.
ولفت إلى أن "السعودية، في المرحلة الراهنة، تريد أن تقول إنها هي من صنع زعامة آل الحريري في الساحة السنية، سواء كان ذلك مع الوالد أو الابن".
و"بالتالي هي من يملك القدرة على تحديد خيارات هذه الساحة في الاستحقاقات المصيرية، حتى ولو تطلب ذلك تهديد هذه الزعامة بنزع الشرعية عنها في حال عاكست رغباتها".
سببان أساسيان
وفي السياق ذاته، رأى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني توفيق شومان، أن "الهجوم الإعلامي والمقالات التي تنشر في بعض الصحف السعودية كانت مفاجأة بالنسبة للجانب اللبناني، فهذه أول مرة يخوض فيها الإعلام السعودي خصوصا المقروء هذه المعركة ضد سعد الحريري".
وأوضح شومان خلال تصريحات صحفية في 8 مايو أن "هناك عدة أسباب لهذه الحملة الإعلامية التي بدأتها صحيفة عكاظ وبعد ذلك انتقلت إلى صحيفة الشرق الأوسط، أولها الخصومة بين الحريري وولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) وهذا الخلاف لم يعد خافيا على أحد".
ولفت إلى أن "السعودية ترى أن التسوية الرئاسية التي ذهب إليها الحريري عام 2016 وأوصلت الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة اللبنانية، كانت خارج نطاق الرضا السعودي وهذا كان السبب المفصلي الذي دفع إلى التباعد مع الرياض".
أما السبب الثاني، بحسب المحلل اللبناني، فإنه "يتعلق بعدول الحريري عن استقالته التي قدمها في الرياض عام 2017، حيث كانت المملكة تريد أو على الأقل تتمنى أن يستقيل من الحكومة ولكنه عندما رجع من السعودية عاد إلى رئاسة الحكومة".
ونوه شومان إلى أن "تجميد النزاع مع حزب الله هو السبب الثالث، بمعنى أن السعودية كانت تتمنى أن يكون هناك نوع من المواجهة السياسية العالية الوتيرة بين تيار المستقبل والحزب، لكن سعد الحريري فضل الذهاب إلى الابتعاد عن التصعيد".
وأشار إلى أن "هذه الأسباب ومع مر السنوات أنتجت تراكما سلبيا في العلاقات بين الحريري والسعودية توجت في هذه الأيام بالحملة الإعلامية التي أصبحت واضحة".
وتابع شومان، قائلا: "وحقيقة أنها ليست فقط حملة إعلامية بل انتخابية كذلك، لدفع أنصار تيار المستقبل إلى الإقبال على صناديق الاقتراع، وبالتالي انتخاب قوى سياسية ترضى عنها السعودية ومتحالفة معها وتحديدا (حزب) القوات اللبنانية وفؤاد السنيورة (رئيس الحكومة الأسبق".
لذلك فإننا لا يمكن أن نفصل الحملة الإعلامية التي شنتها صحف المملكة عن الحملة الانتخابية ضد الحريري وبالتالي تحفيز الناخب السني للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وفق قوله.
وأكد الخبير في الشأن اللبناني أن "الناخب السني الآن أمام امتحان كبير، فإما الإقبال على صناديق الاقتراع أو مقاطعتها، وفي حال ارتفعت نسبة الاقتراع لدى الشارع السني، فأعتقد أن هذا قد يقلب الموازين في عدة دوائر انتخابية".
وفي 7 مايو، انطلقت انتخابات اللبنانيين المقيمين في الخارج، فيما من المقرر أن تبدأ في الداخل اللبناني يوم 15 من الشهر ذاته، لاختيار 128 نائبا في ظل تنافس 103 قوائم تضم 718 مرشحا، موزعين بين 15 دائرة انتخابية.