"أغلق صفحة بايدن".. كيف ربط ابن سلمان مصيره السياسي بعودة ترامب؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل إصرار الرئيس الأميركي جو بايدن على نبذه، يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أغلق صفحة إمكانية التعاون مع الإدارة الديمقراطية الحالية بالبيت الأبيض، ليطلق مرحلة جديدة من تلميح الرئيس السابق دونالد ترامب، على أمل عودته في عام 2024.

وفي الآونة الأخيرة، تداولت صحف غربية تسريبات عن دعم سعودي بملايين الدولارات لترامب، وصهره جاريد كوشنر، مؤكدة أن ابن سلمان يراهن بقوة على قدرة ترامب على العودة مرة أخرى إلى البيت الأبيض.

وتزامنت بداية حقبة ترامب، (2017 - 2021)، مع صعود نجم ابن سلمان، الذي اغتصب خلالها ولاية العهد من الأمير محمد بن نايف، ليصبح أقوى رجل في البلاد والمتحكم الأوحد في سياستها. 

ولسنوات خيمت على علاقة الرئيس المثير للجدل (76 عاما)، والأمير الشاب (36 عاما)، براغماتية مثيرة للجدل، وجدت طريقها في عديد من القضايا، أشهرها حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وانتهاكات حقوقية عديدة مررها البيت الأبيض مقابل كثير من الأموال.

ومثلت الهزيمة الصعبة لترامب في الانتخابات الرئاسية، وصعود خلفه جو بايدن، صدمة لابن سلمان، الذي كان عليه مواجهة سياسة مختلفة وآلية مغايرة لما كانت عليه الأمور، ووصل الوضع أن اصطدم ولي العهد السعودي بالإدارة الأميركية في مواضع عدة، آخرها رفض مساعي واشنطن لاحتواء أسعار النفط عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. 

وخلال حملته الانتخابية في 2020، وصف بايدن السعودية في عهد ابن سلمان بأنها "منبوذة"، وفي وقت مبكر من ولايته، أصدر تقريرا يقول إن ولي العهد السعودي وافق على عملية "القبض على خاشقجي أو قتله في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018".

 وعقب تولي بايدن السلطة، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في فبراير/شباط 2021، إن الرئيس الأميركي سيتحدث مع نظيره الملك سلمان البالغ من العمر 86 عاما. وليس مع ولي العهد الذي يتولى الشؤون اليومية للمملكة، وضمن ذلك السياسة النفطية.

وفي 3 مارس/ آذار 2022، قال ابن سلمان، في حوار مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية ردا على سؤال عما إذا كان بايدن أساء فهمه في قضية خاشقجي: "ببساطة لا أهتم"، مضيفا: "الأمر يرجع له في التفكير في مصالح أميركا".

رهان كبير

في 24 أبريل/ نيسان 2022، أثار الكاتب الإنجليزي "جوليان بورغر"، الذي عمل لسنوات مراسلا للصحيفة في الشرق الأوسط، الرهانات الكبيرة لابن سلمان، الخاصة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض خلال السنوات القادمة، أو الحزب الجمهوري بشكل عام، خلفا لإدارة بايدن "الديمقراطية" الحالية.

وقال الكاتب في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن ابن سلمان "يزدري" بايدن ويقلل من شأنه. 

وأضاف أن "ابن سلمان أظهر مواقف فعلية تراهن على عودة ترامب إلى منصبه في 2024، واستئناف علاقة إدارته الحميمة مع الرياض، كما كانت في السنوات الخوالي التي عمل فيها ترامب على بناء إستراتيجية جديدة مع دول الخليج، خاصة السعودية التي أخذ منها أموالا طائلة، لكنه حمى الأمير الشاب من جرائمه والحملة الغربية ضده على وقع ملفه الحقوقي المتردي".

واستشهد بورغر، بتصريحات بروس ريدل، وهو مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وهو حاليا مدير مشروع المخابرات بمعهد بروكينغز الأميركي، إذ قال: "السعوديون (أي محمد بن سلمان) اختاروا ترامب على بايدن، وهم متمسكون برهانهم".

وأضاف أن "سياسة ابن سلمان، ليست افتراضا غير معقول، لقد منحه ترامب كل ما يريد، الدعم الكامل في اليمن، ودعم مقتل جمال خاشقجي".

ودعم بورغر، الرأي بقول سفير المملكة المتحدة السابق في السعودية جون جينكينز: "أظن أن ولي العهد يراهن على فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية خريف 2022 ثم استعادة الرئاسة، مع ترامب أو بدونه".

وأوضح: "يعتقد أن بايدن ضعيف سياسيا وبالتالي يمكنه تحمل نكايته، هذا يرسل إشارة ليس فقط إلى الديمقراطيين ولكن أيضا إلى الحزب الجمهوري، ويدفع بالحكم على الجدل الدائر في دوائر السياسة في العاصمة حول هذه الأمور، إنه ناجح (يقصد ترامب) ".

ابن سلمان وكوشنر 

وتظهر فاعلية ابن سلمان في دعم ترامب، في عدة تسريبات جرى تداولها في الأسابيع الأخيرة، لا سيما منح ولي العهد السعودي، ملياري دولار لجاريد كوشنر، صهر ترامب، ومستشاره المقرب. 

وهو ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 15 أبريل 2022، إذ وصفت الأمر بـ"الصفقة المريبة" بين "آفنتي بارتنرز"، وهي شركة ملكية خاصة أنشأها جاريد كوشنر بعد شهور من مغادرته البيت الأبيض، وبين صندوق الثروة السيادية في المملكة السعودية.

وكانت واشنطن بوست تحدثت عن أسباب ذلك، ومنها أن "ابن سلمان ممتن لدور كوشنر في التقارب السعودي الأميركي خلال عهد ترامب، والأهم المراهنة على أن الأخير سيعود إلى البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة المقبلة". 

وكذلك أوضحت أن هناك سببا إضافيا دفع ولي العهد السعودي إلى ألا يتردد في دفع هذا المبلغ لكوشنر، وهو مكافأته على دوره في إزاحة محمد بن نايف من طريقه نحو ولاية العهد، ومن ثم حكم المملكة مستقبلا كملك متوج. 

من جانبها، نشرت الصحفية الاستقصائية الأميركية "فيكي وارد"، في 17 أبريل 2022، عبر مدونتها الخاصة، أن "ما يستثمر فيه ابن سلمان حقا ليس مشروعا عقاريا بينه وبين كوشنر، بل المستقبل السياسي لعائلة ترامب على وجه التحديد، أي عودة محتملة إلى البيت الأبيض للرئيس السابق ترامب إذا ترشح مرة أخرى، وفاز في انتخابات 2024".

وعقبت: "إنها علامة أخرى لكيفية نظر ابن سلمان للعلاقة مع واشنطن، مع رفضه زيادة إنتاج النفط الخام عندما طلبت إدارة بايدن المساعدة في خفض أسعار الغاز".

وذكرت: أن "ولي العهد السعودي لا يرى حكومته كحليف للولايات المتحدة، ولكن حلفه مع طرف واحد فقط في السياسة الحزبية المحلية" في إشارة واضحة منها للحلف الجمهوري. 

محور النسر 

ووصفت صحيفة "ذا ديلي تلغراف" البريطانية، في 24 أبريل 2022، العلاقة الحالية بين ابن سلمان وترامب وعائلته بـ "محور النسر".

وأضافت أن حجم التعاون بين الطرفين وصل إلى أن ملعب "دورال" الشهير، الخاص بـ"لعبة الغولف"، التابع لدونالد ترامب في ميامي، سيستضيف الدوري النهائي السعودي للعبة، والذي تقدر جوائزه بـ50 مليون دولار. 

بحسب الصحيفة هذا يمثل دعما إضافيا لترامب، المعروف بولعه بهذه اللعبة الذكورية، وذكرت أنه من المؤكد أن رؤية الشيوخ السعوديين، بينما يوزع ترامب الجوائز النقدية السخية سيكون كافيا لجعل المحترفين في لعبة الغولف يتصببون عرقا باردا (كنوع من الاستياء والاعتراض). 

وتأتي مسارات ابن سلمان الحثيثة المدفوعة برغبة عارمة، ورهان جامح على عودة ترامب وعائلته، على النقيض من الصدامات الأخيرة بإدارة بايدن.

لا سيما في 10 مارس 2022، عندما ذكرت صحف أميركية أن البيت الأبيض حاول ترتيب مكالمات بين بايدن والقادة الفعليين للسعودية كجزء من مساعي واشنطن لبناء دعم دولي لأوكرانيا واحتواء ارتفاع أسعار النفط، لكن دون جدوى، مع التأكيد على رفض ابن سلمان الرد وإجابة طلب الرئيس الأميركي. 

ولا يمكن إغفال الخدمات الجليلة التي قدمها ترامب إلى ولي عهد المملكة، والتي وصلت إلى إنقاذه من جريمة قتل خاشقجي، كما أورد الصحافي الأميركي الشهير "بوب وودورد" في كتابه الذي صدر بعنوان "غضب" عام 2020.

وقال وودورد بكتابه، إن ترامب تباهى، في إحدى مقابلاتهما المسجلة، بأنه نجح في "إنقاذ" ابن سلمان الذي حمله الكونغرس مسؤولية اغتيال خاشقجي، واستخدم ترامب عبارة "لقد أنقذته"، وأضاف: "لقد نجحت في جعل الكونغرس يتركه وشأنه، لقد نجحت في إيقافه".

ويروي الصحفي الأميركي في كتابه، أنه عندما تابع ضغطه على ترامب قائلا "هل تصدق أنه لم يفعلها؟" فأجابه: "هو يقول بحزم شديد إنه لم يفعلها"، وذلك قبل أن يعود ويشرح كيف "أن الرياض أنفقت مليارات الدولارات على شراء منتجات أميركية؟ وكيف أن من الأهمية بمكان للولايات المتحدة أن تحافظ على حليف كهذا".