عبر "مؤثرين افتراضيين".. حكومة أخنوش تحاول إخفاء عجزها عن إقناع المغاربة
ورأى مدونون وصحفيون وسياسيون وبرلمانيون، أن استعانة حكومة أخنوش بـ"المؤثرين"، تعد تعبيرا على "عجز" الائتلاف الحاكم عن التواصل مع المواطنين، والدفاع عن برنامجه الحكومي.
لجوء الحكومة لمؤثرين بمنصات التواصل الاجتماعي، جاء خلال الحفل الذي ترأسته وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور، بحضور وزراء آخرين، لإعلان انطلاق برنامج "فرصة" في 12 أبريل/نيسان 2022.
ويهدف برنامج "فرصة" إلى مواكبة 10 آلاف من أصحاب المشاريع بحلول نهاية 2022، منذ مرحلة التصميم إلى التنفيذ الفعلي، بمبلغ مالي قدره مليار و250 مليون درهم (125مليون دولار).
ويتيح البرنامج المفتوح في وجه الجميع الحصول على قرض بدون فوائد، وبمبلغ أقصى لكل مشروع قدره 100 ألف درهم (10 آلاف دولار).
حكومة افتراضية
عضو الكتلة النيابية لحزب الحركة الشعبية (معارض)، محمد أوزين، وصف لجوء الحكومة لمؤثرين في الواقع الافتراضي بأنه "تأكيد على أن الحكومة افتراضية، اختارت استبدال المغرب المؤسساتي بالمغرب الافتراضي".
وأضاف أوزين، في الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة بمجلس النواب (البرلمان)، في 18 أبريل 2022، أن لجوء الحكومة لمؤثرين افتراضيين يؤكد "العقم التواصلي للحكومة".
ورأى أن اللجوء لـ"المؤثرين" دليل على "عجز الحكومة عن التواصل، وأن خطابها لا يؤثر في الشعب".
وخلال الجلسة ذاتها، طالب رئيس الكتلة النيابية لحزب الاتحاد الاشتراكي (معارض)، عبد الرحيم شهيد، الحكومة بـ"اعتماد المنطق التشاركي مع الفرقاء السياسيين والبرلمانيين والمجتمع المدني ومع الإعلام، وليس مع المؤثرين".
بدوره، حذر حزب العدالة والتنمية (معارض)، من "خطر الاستمرار في شراء بعض وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية والمؤثرين؛ للتغطية على عجز الحكومة وتسخيرهم للتطبيل ولتلميع صورة الحكومة وإخفاء الحقائق".
وشدد حزب العدالة والتنمية، في بيان صدر عنه في 16 أبريل 2022، على أن "الحقيقة والواقع لا يمكن في النهاية أن يخفيهما أو يسترهما قلة المتكلمين عنهما".
المحلل الاقتصادي، رشيد أوراز، انتقد لجوء وزراء حكومة أخنوش لمؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي، وكتب في تغريدة عبر تويتر: "خرجة واحدة لرئيس الحكومة مع أحد وزرائه في برنامج خاص في الإعلام العمومي، لشرح برنامج فرصة، ستكون أكثر أثرا من أي وصلة إشهارية على اليوتيوب وفيسبوك".
وتابع: "أما وأن رئيس الحكومة يفتقد للكاريزما وللمصداقية، فلجأ لشراء خدمات المؤثرين ليتكلموا باسم حكومته ويشرحوا سياساتها للمواطنين".
خرجة واحدة لرئيس الحكومة مع أحد وزرائه في برنامج خاص في الإعلام العمومي، لشرح برنامج فرصة، سيكون أكثر أثرا من أي وصلة إشهارية على اليوتوب وفيسبوك.
— Rachid Aourraz | رشيد أوراز (@aourraz) April 17, 2022
أما وأن رئيس الحكومة يفتقد للكاريزما وللمصداقية، فلجأ لشراء خدمات المؤثرين ليتكلموا باسم حكومته ويشرحوا سياساتها للمواطنين.
وفي تغريدة أخرى، قال أوراز: "إذا كان الأمر كذلك، ليُريحنا السادة الوزراء من عناء تحمل تكاليفهم وأجورهم الضخمة، وليذهبوا لبيوتهم ونُكوّن (حكومة المؤثرين) لتشرح للناس السياسات العمومية وآثارها الاجتماعية...".
استنجاد حكومة أخنوش بمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يبدأ مع برنامج "فرصة"، بل انطلق مع وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى.
ففي 31 مارس/آذار 2022، استقبل بنموسى، عددا من صناع المحتوى الذين يطلق عليهم اسم "المؤثرين" بمجالات مختلفة، للاستماع إلى مقترحاتهم بخصوص إصلاح التعليم، وهو اللقاء الذي أثار أيضا جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي.
بين الدعاية والتواصل
وفي تفسيره لأسباب استعانة حكومة أخنوش بمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، قال الباحث في الإعلام والتواصل السياسي، محمد الطالبي، إن "ذلك يدل ربما على أن هناك صعوبة لدى الحكومة في التأسيس لتواصل عمومي وسياسي عميق وجاد".
وأكد الطالبي في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذا الأمر يدل من جهة أخرى على أن الحكومة تبحث عن الوسيلة التي ستُسهل الطريق للوصول إلى عدد كبير من المتابعين الذين يوجدون وراء هؤلاء المؤثرين".
وشدد الباحث في الإعلام والتواصل السياسي، على أن "الوصول إلى أكبر عدد من رواد فضاءات التواصل الاجتماعي لا يعني بالضرورة التأثير فيهم بالشكل الذي تريده الحكومة، بل يمكن أن ينقلب إلى العكس".
ولفت الطالبي إلى أن "النقاش العلمي الذي واكب نظريات التأثير الإعلامي، عرف تطورات كبيرة وتحولات من زمن الدعاية، إلى زمن التواصل".
وأوضح أنه "في زمن التحول الرقمي، لم تعد عمليات التأثير بتلك السهولة والسطحية، بل نجد مثلا أن عملية التأثير التي أرادت الوزارة المعنية أن تكون وسيلة لتسويق مشروع (فرصة) تحولت إلى عكس ذلك، أي إلى موجة من السخرية والاستياء العام الذي يمكن فهمه من خلال الكثير من المنشورات".
وقال الطالبي، إن "ما نحتاجه ليس التأثير بالفهم الذي تبلور لدى الوزارة والحكومة، بل ما نحتاج إليه هو نقاش عمومي جاد"، مؤكدا أن "هذا النقاش لا يمكن أن تفتحه إلا بالتغطية الصحفية المهنية".
وتساءل: "إذا كانت الحكومة ترى بأن (المؤثرين) هم الوسيلة الفعالة للتواصل، فما أهمية المعاهد والمؤسسات التكوينية في مجال الإعلام"، مستطردا: "فلنفتح مؤسسات افتراضية في (الفيسبوك) للمؤثرين ونوفر على أنفسنا هدر الكثير من الوقت والميزانيات".
واعتبر الطالبي أن "المؤثر الفيسبوكي" يجب أن يأتي في الدرجة الثانية بعد التغطية الصحفية المهنية، مشيرا إلى أن تناول مشروع "فرصة" مثلا يحتاج إلى أسئلة في صلب المتن، أي سؤال نجاحه من عدمه، نقط قوته وضعفه، ويحتاج الى تحليل وحوارات ونقاشات تُنضج النقاش العمومي العقلاني.
وخلص إلى أن "الدلالة التي يمكن فهمها من كل هذا، أن الحكومة تتجنب المستوى العميق في العملية التواصلية، أي النقاش العمومي الجاد".
تهميش الصحافة
وإذا كان الباحث في الإعلام والتواصل السياسي، الطالبي، أكد أن لجوء الحكومة إلى "مؤثرين" هو تهرب من النقاش العمومي الجاد الذي تؤطره الصحافة المهنية، فإن العديد من الصحفيين عدوا الاستعانة بمؤثرين "تهميشا واستهدافا للصحافة لأنها تزعج الحكومة".
مدير نشر أسبوعية "الأيام"، نور الدين مفتاح، أكد أنه "لا يمكن استبدال الصحافة المهنية بمؤثرين افتراضيين"، مضيفا أن "الصحافة لها دور سياسي وقانوني ودستوري لا يتاح للذين استنجدت بهم الحكومة".
وأضاف مفتاح، في تصريح لموقع حزب "العدالة والتنمية"، أن الاستعانة بالمؤثرين لترويج بعض البرامج أو الأنشطة الرسمية أو الحكومية، "يجعلنا نقول إن هؤلاء يريدون ضرب الصحافة لأنها تزعجهم".
وخلص مفتاح إلى أن "محاولة منع الصحافة من القيام بدورها الطبيعي، هو الذي يزعجنا كثيرا، لأنه يتنافى مع الديمقراطية، التي من ركائزها وجود صحافة حرة ومستقلة وقوية".
من جهته، قال مدير نشر يومية "بيان اليوم"، محتات الرقاص، إن "الحكومة لا تريد أن تنصت إلى الصحافة الوطنية الجادة وذات المصداقية أو أن تتفاعل مع أسئلتها، وترفض أن تسمع للأكاديميين والمثقفين".
وأضاف الرقاص، في مقال نشره في جريدة "بيان اليوم" لسان حزب التقدم والاشتراكية (معارض)، في عددها الصادر في 15 أبريل 2022، أن الحكومة "لا تريد الحوار مع الأحزاب والنقابات والمنظمات الشبابية والجمعيات الحقوقية والنسائية، وحتى مع البرلمان، أي أنها لا تريد الخضوع لإرادة شعبنا التي تجسدها المؤسسات المنتخبة".
وتابع: "لا تريد أيضا إعلاما مهنيا وجديا في المغرب، ولا تريد حوارا سياسيا عموميا حقيقيا ينصت لتطلعات شعبنا، ويتفاعل معها، ولكن فقط هي تحب (المؤثرين)، وتصر على تعميم السطحية في فضائنا المجتمعي العمومي".
من جانبه، قال الكاتب الصحفي الجيلالي بنحليمة، إن الحكومة "غير واثقة من أنها ستدخل لقلوب وعقول الشباب من الباب، ولهذا قد تختار النافذة وتختار الوسيط، وتختار من يساعدها في أن يقبل الشباب بوجودها".
وتساءل بنحليمة، في تدوينة عبر فيسبوك في 15 أبريل، "ماذا الذي ينقص الحكومة، التي يقع تحت تصرفها جيش من الموظفين والمستخدمين بكل ألوانهم وتكويناتهم ودرجاتهم"
ورأى بنحليمة، أنه إذا كان "إيمان الحكومة مطلقا بأن فئة المستهدفين لا تستطيع المشي دون المؤثرين، فإن الخطأ ليس في المستهدفين، بل في فلسفة البرنامج ككل…".
وأردف أن "حامل المشروع الصغير قد يحتاج لتكوين ومواكبة وتقييمات، لكنه إن كان في حاجة لمن ينبهه لوجود برنامج حكومي يستهدف طموحاته فإن البرنامج ككل (خرج من الخيمة مائل)...".
أما الناشط الإعلامي حسن حمورو، فأكد أنه من الطبيعي أن تستنجد الحكومة في كل مرة بـ"مواطنين" يهيمن "الافتراضي" على حضورهم.. ومنهم من لا أثر له في الواقع، لأنها "حكومة "افتراضية" يرأسها حزب "افتراضي".. أفرزتها انتخابات أغلب أصواتها "افتراضية".
وأضاف حمورو، في تدوينة عبر فيسبوك في 13 أبريل، أن اللجوء لـ"مؤثرين، يعكس أزمة مشروعية حقيقية ستظل تلاحق الحكومة إلى حين استبدال المعطيات الافتراضية التي صنعتها، بمعطيات حقيقية معلومة غير مخدومة، واقعية غير مصنوعة.. عندها ستكون هناك فرصة سانحة للحديث عن حكومة المواطنين وليس عن حكومة الشركات".
توضيحات حكومية
وبعد الجدل الذي رافق استعانة الحكومة بمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق لبرنامج "فرصة" خرجت الحكومة عن صمتها للتعليق على الموضوع.
وقال الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، إن الانفتاح على "المؤثرين" في برنامج "فرصة" مرده إلى أن المستهدفين من هذا البرنامج أغلبهم من "سكان الفضاء الأزرق".
وأضاف بايتاس، خلال ندوة صحفية في 21 أبريل، أن "برنامج فرصة موجه في غالبيته إلى الشباب أكثر من 18 سنة"، مضيفا أنه "معروف أن الشباب كلهم من سكان الفضاء الأزرق وبالتالي كان هذا الانفتاح".
وأمام جدل الاستعانة بمؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي، يُطرح سؤال ما المطلوب من حكومة أخنوش القيام به لتحقيق تواصل حقيقي مع المغاربة.
الباحث في الإعلام والتواصل السياسي، الطالبي، أكد في هذا الصدد، على "ضرورة انخراط الحكومة في عملية تواصلية مستوعبة للتحديات والإكراهات".
ودعا الحكومة إلى "الانخراط في إنضاج شروط نقاش مؤسس مبني على الشفافية في مقاربة قضايا التدبير العمومي".
وشدد على أنه "ليس هناك مدخل غير الانفتاح على الصحفيين (المستوى العقلاني في المقاربة) عوض التأثير الفيسبوكي (المستوى العاطفي السطحي في المقاربة)".
واعتبر الطالبي، في حديث مع "الاستقلال" أن المطلوب من حكومة أخنوش هو "التواصل السياسي وليس التأثير".
وأوضح أن "التواصل السياسي دينامية مبنية ومؤسسة على الأخذ والرد، الطرح والطرح المضاد، المقاربة النقدية المسلحة بالمعطى والرقم والمؤشر والمقارنات".
وخلص الباحث في الإعلام والتواصل السياسي، إلى أن "ما تحتاجه الحكومة هو الابتعاد عن المقاربة التقنية التي ترى في المواطن مجرد رقم (المقاربة الكمّية)، يمكن إخضاعه لمنطق تجاري حسابي والتأثير فيه هكذا بدون مضمون".
وحث الطالبي، الحكومة إلى "الانتقال إلى المقاربة التشاركية السياسية المبنية على النقاش العقلاني والعمق التواصلي المؤسساتي الواضح والشفاف".